عمده المطالب في التعليق علي المكاسب [انصاري] المجلد 1

اشارة

سرشناسه : طباطبائي قمي، تقي، 1301 -

عنوان قراردادي : المكاسب.شرح

عنوان و نام پديدآور : عمده المطالب في التعليق علي المكاسب [انصاري]/ تاليف تقي الطباطبائي القمي.

مشخصات نشر : قم: محلاتي ، 1413ق. = -1371.

مشخصات ظاهري : ج.

شابك : 3000 ريال (ج. 1) ؛ 4500 ريال (ج. 2) ؛ 6000 ريال (ج. 3)

يادداشت : ج. 2 (چاپ اول: 1414ق. = 1372).

يادداشت : كتابنامه.

موضوع : انصاري، مرتضي بن محمدامين، 1214-1281ق . المكاسب -- نقدو تفسير

موضوع : معاملات (فقه)

شناسه افزوده : انصاري، مرتضي بن محمدامين، 1214-1281ق . المكاسب . شرح

رده بندي كنگره : BP190/1 /الف 8م 7037 1371

رده بندي ديويي : 297/372

شماره كتابشناسي ملي : م 75-355

الجزء الأول

[مقدمة المؤلف]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ إِنّٰا لِلّٰهِ وَ إِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ.

بمزيد من الأسي و الأسف حينما كنا نهيئ كتابنا هذا «عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب» للطبع و النشر فجعنا بفاجعة مولمة اثرت في عالم الشيعة اثرا عميقا فكأنها سحاب مظلم اطبق الجو و جامعة التشيع فكم من أعين ترقرقت و دموع همعت و صرخة و عويلة ارتفعت و هي ارتحال سماحة سيدنا الاستاد آية اللّه العظمي السيد الخوئي اعلي اللّه مقامه الشريف فقد فقدت الامة زعيمها و مرجعها و بما انه رحمه اللّه كان سببا لما علمناه رأينا جديرا أن نكتب في ترجمته هذا القليل من الكثير فانا استفدنا من بحار علومه سنوات عديدة و حل لنا غوامض طرق الاستنباط و الاجتهاد و كان لنا أبا روحيا رءوفا و للحوزات العلمية زعيما فذا فكم له من يد طولي في ترقي المراتب العلمية بشتي أنحاءها.

أما في الفقه فكان معلما للفقهاء و قطب رحي تحقيقه و مقدما فيه و هذب اصوله و قواعده و أما في التفسير فيكفيك كتابه

«البيان في تفسير القرآن» و أما الأصول فقد نقح و شيد مبانيها و هيهات أن يأتي الزمان بمثله و أما في الرجال فانظر كتابه «معجم رجال الحديث» يغنيك عن مراجعة ساير الكتب التي الفت في هذا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 4

الموضوع و جاء بما بليق بشأنه فانه قدس سره كان خريط هذا الفن و استاده.

فما اقول في حق من ملأت تأليفاته مكاتب الامصار و المدن و تخرج من حوزة درسه جماعة كثيرة من الفضلاء و العلماء علي اختلاف درجاتهم في الفقه و الاصول و التفسير و الكلام و غيرها فينبغي أن يقال: ان الدهر عقيم أن يأتي بمثله و ان أردت كثير الاطلاع علي ترجمته و ماله من علو الشأن و رفعته فانظر ما كتبه في ترجمة نفسه في كتابه القيم «معجم رجال الحديث» فلهفي عليه رحمه اللّه و قد ارتحل في اليوم الثامن من شهر صفر المظفر في سنة 1413.

فهنيئا لك يا سيدي الاستاد عشت سعيدا و مت سعيدا و وصلت الي المدارج العالية في العلوم الاسلامية و تصديت لمنصب الفتيا و كنت مرجعا عاما في الأحكام الشرعية للشيعة في جميع أنحاء العالم و دفنت في قرب ضريح أبي الائمة و امام الامة خليفة الرسول و زوج البتول الامام علي بن ابي طالب عليه الصلاة و السلام فالسلام عليك يوم ولدت و يوم ارتحلت و يوم تبعث حيا.

تقي الطباطبائي القمي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 5

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ الحمد للّه رب العالمين و الصلاة و السلام علي محمد و آله الطاهرين و اللعن الدائم علي اعدائهم الي يوم الدين و بعد فان هذه شروح و تعاليق و هي

التي خطرت ببالي القاصر اثناء بحث كتاب المتاجر الذي الفه فخر العلماء و المجتهدين استاد الفقهاء و الأصوليين الذي يشار الي كلماته و افاداته في الفقه و الأصول الشيخ الأنصاري قدس سره و حيت ان طبعها و نشرها مفيد لاهل العلم و الفضل بنيت علي علي نشرها و سميتها «عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب».

و أهدي هذه البضاعة المزجاة الي غوث الشيعة و محي الشريعة مولاي و مولي الكونين ولي العصر عجل اللّه تعالي فرجه الشريف و الهدايا علي مقدار مهديها.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 6

[المكاسب المحرمة]

[و ينبغي أولا التيمن بذكر بعض الاخبار]

اشارة

«قوله قدس سره و ينبغي أولا التيمن بذكر بعض الاخبار الواردة علي سبيل الضابطة للمكاسب من حيث الحل و الحرمة … »

الظاهر ان الشيخ قدس سره في مقام ذكر جملة من الروايات التي يستفاد منها الضابط الكلي للمكاسب من حيث الحلية و الحرمة وضعا لا تكليفا فإن عمدة المقصود في باب المعاملات بيان الحكم الوضعي.

[رواية تحف العقول]

«قوله روي في الوسائل «1» و الحدائق «2»»

و هذه الرواية تارة يبحث فيها من حيث السند و اخري من حيث الدلالة اما من حيث السند فهي ضعيفة أولا بعدم توثيق راويها و هو حسن بن علي بن شعبة قال سيدنا الأستاد في ترجمة الرجل قال الشيخ الحر في تذكرة المتبحرين الشيخ ابو محمد الحسن بن علي بن شعبة فاضل محدث جليل له كتاب تحف العقول عن آل الرسول الخ «3». فان العبارة المذكورة لا تدل علي كون الرجل ثقة، مضافا الي انه لا اعتبار بتوثيقات المتأخرين و ثانيا ان الحديث مرسل و لا اعتبار بالمرسلات فهي ساقطة عن درجة الاعتبار.

ان قلت سلمنا كون السند ضعيفا في نفسه لكن ينجبر ضعفه بعمل المشهور به قلت: يرد علي التقريب المذكور أولا ان عمل المشهور بالحديث اوّل الكلام و الأشكال و الذي يدل علي عدم عملهم بالحديث ان الفقهاء لم يلتزموا بحرمة بيع النجس علي الإطلاق و لم يلتزموا بحرمة امساكه و الحال أنهما يستفادان من الرواية.

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من ابواب ما يكتسب الحديث 1

(2) ج 18 ص 67

(3) معجم رجال الحديث ج 5 ص 38

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 7

و ثانيا: لا دليل علي كون عمل المشهور بحديث ضعيف مقتضيا لاعتباره فان المستفاد من الدليل اعتبار خبر الثقة

فان خبر الثقة حجة و ان لم يعمل به و خبر غير الثقة لا يكون حجة و ان عمل به و صفوة القول انه لا دليل علي ان عمل المشهور بحديث ضعيف موجبا لاعتبار سنده و من الغريب انهم قائلون بعدم اعتبار الشهرة الفتوائية و مع ذلك يلتزمون بانجبار الخبر الضعيف بالعمل و ان شئت قلت ان الشهرة الفتوائية ان كانت معتبرة فلا بد من جعلها دليلا في قبال بقية الأدلة و الأمر ليس كذلك و ان لم يكن لها اعتبار فكيف تكون جابرة للرواية الضعيفة سندا و حل هذه العويصة ان ذهاب المشهور الي مذهب بمقتضي اجتهادهم لا اثر له و لا يفيد لغيرهم و بكفي لعدم الاعتبار احتمال الاجتهاد في عملهم بالرواية.

ان قلت: سلمنا ضعف سند الحديث، لكن يدل علي صحة سنده كونه موافقا في المفاد مع الروايات المعتبرة، مضافا الي أن آثار- الصدق ظاهرة منه.

قلت: مجرد كون الموافقة في المضمون لا يقتضي الاعتبار كما هو ظاهر، و اما ظهور آثار الصدق منه، فدعوي بلا دليل، اذ ليس فيه ما يدل علي صدوره عن مخزن الوحي، بل ربما يقال، ان الامر علي العكس، حيث ان المراد منه ليس واضحا ظاهرا، هذا تمام الكلام من حيث السند.

و اما من حيث الدلالة فلا اعتبار بها بعد سقوط سندها و ضعفها كما هو ظاهر فلا تصل النوبة الي ملاحظة دلالتها و لكن يستفاد من الحديث امر لغوي ذو اهمية كثيرة في ابواب المعاملات و لذا نتعرض له و نقول قد جري ديدن الأصحاب في كثير من الموارد علي التمسك بإطلاق قوله تعالي (إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ الآية) «1» لإثبات صحة المعاملة عند الشك

فيها و عدمها و هذا الاستدلال يتوقف علي كون التجارة بما لها من المفهوم لمطلق المعاملة و لا تكون مختصة بخصوص

______________________________

(1) النساء 29

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 8

البيع إذ لو كانت تختص بالبيع او تكون مجملة لا تكون قابلة للاستدلال اما علي الأول فظاهر و اما علي الثاني فلعدم جواز التمسك بالدليل في الشبهة المصداقية كما هو المقرر عند القوم، و كلمات اللغويين في تفسير التجارة مختلفة و يظهر من بعض الكلمات اختصاصها بخصوص البيع قال في المنجد التجارة البيع و الشراء و قال في اقرب الموارد تجر تجارة باع و اشتري و يستفاد الاختصاص من حديث ابن شعبة حيث جعل المقابلة بين التجارة و الإجارة و الصناعة و الولاية و قسم المعاملات الي هذه الأقسام الأربعة و التقسيم قاطع للشركة.

و أيضا يدل علي المدعي قوله عليه السلام في الحديث و اما تفسير التجارات في جميع البيوع الخ فان المستفاد من هذه الجملة ان عنوان التجارة يختص بالبيع و يمكن الاستدلال علي المدعي بصحة السلب اي سلب عنوان التجارة عن غير البيع فان التجارة بما لها المفهوم لا تصدق علي الإجارة او الزراعة أو المسافاة أو الحياكة أو النساجة و لا علي غيرها من المكاسب و صحة السلب آية المجاز فالنتيجة عدم جواز الاستدلال بالآية الشريفة علي صحة مطلق المعاملة عند الشك في الصحة و الفساد و هذه فائدة مهمة مترتبة علي ما ذكرنا فلا تغفل.

ان قلت: يستفاد من قوله تعالي (رِجٰالٌ لٰا تُلْهِيهِمْ تِجٰارَةٌ وَ لٰا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّٰهِ الآية) «1» ان التجارة اعم من البيع فان العطف التفسيري خلاف الظاهر قلت: غاية ما في الباب ثبوت استعمال لفظ التجارة

في الأعم و من الظاهر ان الاستعمال اعم من الحقيقة.

«قوله معايش العباد»

قال في مجمع البحرين هو جمع معيشة علي وزن مفعلة و هو ما يعاش به من النبات و غيره الخ فالسائل يسأل الإمام عليه السلام عن حكم ما يعاش به.

______________________________

(1) النور 37

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 9

«قوله اربع جهات»

أي لها اربع وسائل و لها أسباب أربعة.

«قوله و العمل معه»

بأن يشترك معه في عمل في مقابل معونته و تقويته بدون المشاركة معه في العمل.

«قوله فالعمل لهم»

بأن يكون العامل من عواملهم و أيديهم.

«قوله و الكسب معهم»

علي نحو الاشتراك.

«قوله بجهة الولاية لهم»

أي بهذه الحيثية و بهذا العنوان.

«قوله و الكسب معهم»

بأن بكون عاملا للظالم في البيع و الشراء و الإجارة و نحوها.

«قوله فكل مأمور به»

لا يبعد ان يكون المراد بالمأمور به الواجب الكفائي الذي يقوم به حفظ النظام و لو لاه يختل النظام.

«قوله و ينكحون»

فان الوطي مع المملوكة مصداق للنكاح الحلال.

«قوله و يملكون»

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 10

فان العيش يتوقف علي وجود مملوك يملكه الإنسان لقضاء حوائجه.

«قوله او كسبه»

كبيع الخمر.

«قوله أو نكاحه»

كنكاح المحارم فاذا حرم نكاح أمة لا يجوز تملكها بالاشتراء لأجل هذه الغاية فتأمل.

«قوله او امساكه»

كحفظ كتب الضلال مثلا.

«قوله او هبته أو عاريته»

كهبة الخمر و عاريتها.

«قوله مما يتقرب به لغير اللّه»

كالصنم.

«قوله او يقوي به الكفر و الشرك»

يمكن ان يكون المراد بالكفر المفهوم العام الشامل لإنكار الصانع و يمكن ان يكون المراد بالشرك الخاص و هو الاعتقاد بوجود خالق شريك مع ذاته سبحانه و الا فالتقرب بغير اللّه نحو من الشرك و شرك المشركين في الصدر الأول كان بهذا النحو و يدل عليه قوله تعالي (لِيُقَرِّبُونٰا إِلَي اللّٰهِ زُلْفيٰ) «1».

«قوله من جميع

وجوه المعاصي»

______________________________

(1) الزمر/ 3

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 11

لا يبعد ان يكون الجار للتبعيض اي الشرك من بين جميع المعاصي.

[رواية فقه الرضا ع]
اشارة

«قوله و في الفقه المنسوب الي مولانا الرضا صلوات اللّه و سلامه عليه اعلم رحمك اللّه ان كل ما هو مأمور به علي العباد … «1»»

هذه الرواية أيضا تارة يبحث فيها من حيث السند و اخري من حيث الدلالة اما من حيث السند فالظاهر انه لا دليل علي اعتبارها.

و قد ذكر في المقام وجوه لاعتبار سند الحديث
الوجه الأول: اخبار السيد أمير حسين قدس سره بكون الكتاب للإمام عليه السلام

و حيث ان الأمير حسين ثقة يكون اخباره حجة و يرد عليه ان دليل حجية خبر الثقة يختص بالأخبار الحسي و لا يشمل الأخبار الحدسي و شهادة السيد المذكور بكون الكتاب بخط الإمام عليه السلام لا تكون حسية كما هو ظاهر لاحظ ما ذكره المحدث النوري في هذا المقام «2» و قال الثاني (اي والد المجلسي) كما في فوائد العلامة الطباطبائي و مفاتيح الأصول من فضل اللّه علينا انه كان السيد الفاضل الثقة أمير حسين مجاورا عند بيت اللّه الحرام سنين كثيرة و بعد ذلك جاء الي هذا البلد يعني اصفهان و لما تشرفت بخدمته و زيارته قال اني جئتكم بهدية نفسية و هي الفقه الرضوي قال لما كنت في مكة المعظمة جاءني جماعة من اهل قم مع كتاب قديم كتب في زمان أبي الحسن علي بن موسي الرضا عليه السلام و كان في مواضع منه بخطه صلوات اللّه و سلامه عليه و كان علي ذلك اجازات جماعة كثيرة من الفضلاء بحيث حصل لي العلم العادي بأنه تأليفه الخ.

فان اخبار السيد بكونه خط الإمام يكون حدسيا حيث يقول حصل لي العلم

______________________________

(1) الباب 2 من ابواب ما يكتسب به من المستدرك الحديث 1

(2) مستدرك الوسائل ج 3 الطبع القديم ص 337

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 12

العادي يكون الكتاب تأليف الإمام و من الظاهر ان

علم السيد بكون الكتاب للإمام لا يكون حجة بالنسبة إلينا غاية ما في الباب ان السيد شهد بحصول العلم العادي له و حصول العلم العادي للسيد لا يقتضي الاعتبار و ان شئت قلت ان السيد يستند الي علمه في اخباره بأن الكتاب تأليف الإمام عليه السلام و بعبارة واضحة حصول العلم العادي يختلف بحسب اختلاف الأشخاص فربما يحصل العلم بامر لشخص و لا يحصل لغيره ذلك العلم بذلك الطريق فالنتيجة انه لا يكون اخبار السيد مشمولا لدليل الحجية فان السيد علم به لجملة من القرائن و اعتبار علمه يختص به و لا يفيد لغيره و مما يدل علي عدم تمامية شرائط حجية الخبر في اخبار أمير حسين ما نقل «1» عن المجلسي الأول و العمدة في الاعتماد علي هذا الكتاب مطابقة فتاوي علي بن بابويه في رسالته و فتاوي ولده الصدوق الخ اذ لو كان اخبار السيد أمير حسين جامعا لشرائط حجية الخبر لم يكن وجه لهذا البيان اضعف الي ذلك كله انه شهد بأن خط الإمام في مواضع من الكتاب فعلي تقدير تمامية اخباره و فرض اعتباره يثبت ان جملة من موارده بخطه عليه السلام فلا يثبت ان الكتاب بتمامه مستندا إليه فلا يترتب عليه الأثر المرغوب فيه فلاحظ.

الوجه الثاني اخبار شيخين ثقتين بأن الكتاب للامام عليه السلام

لاحظ ما افاده النوري في المقام قال «2» في جملة كلام له ثم حكي عن شيخين فاضلين صالحين ثقتين انهما قالا ان هذه النسخة قد اتي بها الي مكة المشرفة و عليها خطوط العلماء و اجازاتهم و خط الإمام في عدة مواضع الخ بتقريب ان اخبارهما بذلك يشمله دليل اعتبار الخبر الواحد.

و فيه أولا انه لو كان اخبارهما جامعا لشرائط الحجية لم يكن وجه لما

افاده

______________________________

(1) مستدرك الوسائل ج 3 ص 337

(2) نفس المصدر

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 13

المجلسي الأول و تقدم كلامه.

و ثانيا اخبارهما مصداق للخبر المرسل و المرسلات لاعتبار بها و احتمال كونه مسندا بعيد اذ لو كان له طريق كان المناسب ان يذكر السند و لم يكن وجه للإرسال و عدم بيان الوسائط و ثالثا سلمنا تمامية اخبارهما و اعتبار خبرهما لكن مع ذلك لا يفيد اذ المذكور عنهما انهما قالا و خط الإمام عليه السلام في عدة مواضع فان غاية ما يستفاد ان عدة مواضع من الكتاب بخط الامام و ان شئت قلت نعلم اجمالا بكون بعض روايات الكتاب معتبرا لكن لا يترتب اثر علي هذا العلم و بعبارة واضحة انا نعلم اجمالا بأن جملة من الأحكام المذكورة في الكتاب مطابقة للواقع لكن لا اثر لهذا العلم بعد عدم دليل علي اعتبار جميع رواياته.

الوجه الثالث موافقة الكتاب لرسالة علي بن بابويه الي ابنه الصدوق

بتقريب انه يكشف ان الكتاب كان موجودا في زمان الصدوق و كان ما افتي به مستندا إليه و فيه انه يمكن ان الكتاب المسمي بالفقه الرضوي متخذا من تلك الرسالة بل هذا الاحتمال قوي و خلافه في غاية الضعف اذ كيف يمكن ان الصدوق و والده يأخذان الكتاب الذي الفه الإمام عليه السلام و ينسبان الي انفسهما أ فليس هذا العمل دسا و تدليسا و خيانة؟ و نقل عن ميرزا عبد اللّه افندي «1» في رياض العلماء الجزم بأن كتاب فقه الرضا عين الرسالة و ان اشتراك ابن بابويه مع الإمام عليه السلام في اسمه و اسم ابيه صار سببا لنسبة الكتاب الي الإمام. أضعف الي ذلك ان مجرد استناد الصدوق الي كتاب و العمل به لا يوجب الاعتبار

كما هو طاهر.

الوجه الرابع: ان احمد السكين «2» كان مقربا عند الإمام عليه السلام

و كان في زمانه و قد كتب عليه السلام كتاب الفقه لاجله و الكتاب موجود في مكتبة السيد

______________________________

(1) محاضرات في الفقه الجعفري ج 1 ص 7

(2) مستدرك الوسائل ج 3 الطبع القديم ص 340

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 14

عليخان بطائف و فيه: انه لا دليل علي ان الكتاب الذي بايدينا كان له عليه السلام و بعبارة واضحة ما الدليل علي ان هذا الكتاب الموجود عندنا هو الكتاب الذي كتبه عليه السلام لأحمد بن السكين خصوصا مع ملاحظة كون ظهوره من قم.

الوجه الخامس: ما افاده «1» العلامة الطباطبائي قدس سره

قال و مما يؤيده و يؤكده ان الشيخ الجليل منتجب الدين و هو الشيخ ابو الحسن علي بن عبيد اللّه بن الحسن بن الحسين بن الحسن بن الحسين بن علي بن بابويه القمي قال في رجاله الموضوع لذكر العلماء المتأخرين عن الشيخ الطوسي ما هذا لفظه:

السيد الجليل محمد بن احمد بن محمد الحسيني صاحب كتاب الرضا عليه السلام فاضل ثقة كذا في عدة نسخ مصححة من رجال المنتجب و في كتاب امل الامل نقلا عنه بتقريب ان الظاهر من هذا الكلام ان المراد بالكتاب فقه الرضا عليه السلام و المراد من الجملة وجود نسخة الأصل او انتهاء اجازة الكتاب إليه و ليس المراد أنه روي هذا الكتاب عنه عليه السلام بلا واسطة او انه عليه السلام صنفه له فانه من العلماء المتأخرين الذين لم يدركوا اعصار الائمة عليهم السلام و فيه ان الأشكال كله في نسبة الكتاب إليه عليه السلام و بكلمة واضحة انه لا دليل علي ان الكتاب الموجود بايدينا له عليه السلام و لا يترتب اثر علي كلام منتجب الدين فلاحظ.

الوجه السادس ما ذكره السيد نعمة اللّه الجزائري قدس سره

قال السيد: و كم قدر أينا جماعة ردوا علي الفاضلين بعض فتاويهما بعدم الدليل فرأينا دلائل تلك الفتاوي في غير الأصول الأربعة خصوصا في كتاب الفقه الرضوي الذي أتي به من بلاد الهند في هذه الأعصار الي اصفهان الي آخر كلامه بتقريب ان هذا الكلام يدل علي وجود هذا الكتاب بل يدل علي تعدد نسخه و فيه ان امثال هذه الاستدلالات اوهن من بيت العنكبوت فان غاية ما يستفاد من هذا الكلام ان السيد الجزائري

______________________________

(1) مستدرك الوسائل ج 3 الطبع القديم ص 341

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 15

كان يعتقد

بانتساب الكتاب الي الإمام عليه السلام و من الظاهران اعتقاده بهذا الأمر لا يفيدنا.

الوجه السابع ما قاله ناصر خسرو الحكيم الشاعر

«1» فانه قال في جملة كلام له في ترجمة نفسه: و كتاب الشامل الذي صنفه جدي علي بن موسي الرضا عليهما السلام اخذته مصاحبا لنفسي بتقريب ان الظاهر من كلامه ان المراد من الكتاب المشار إليه كتاب فقه الرضا و فساد الاستدلال بهذا الوجه علي المدعي أوضح من ان يخفي فان قول الشاعر المشار إليه لا يكون حجة و علي فرض تماميته انما يدل كلامه علي ان مراده من الكتاب ما صنفه الإمام عليه السلام و لا دلالة في كلامه علي ان المراد منه الفقه الرضوي.

الوجه الثامن «2» ان هذا الكتاب اما للامام تأليفا او املاء

و اما موضوع مجعول و لا ثالث فان بطل الثاني تعين الاول و هو المطلوب و الدليل علي بطلان الثاني ان فيه ما لا ينبغي صدوره إلا عن الإمام المعصوم. و هذا الوجه أيضا فاسد و موهون اذ علي فرض الجعل و الوضع لا بدّ من ايراد الكلام و الجملات علي نحو يناسب صدورها عن الإمام عليه السلام مضافا الي اشتماله علي ما يدل علي عدم صدوره عن الإمام كما ستعرف الدليل عليه عن قريب فانتظر.

الوجه التاسع ما في كلام الرجاليين

«3» من الدلالة علي ان للامام عليه السلام كتابا و علي ان الراوي الفلاني له مسائل عن الإمام عليه السلام بتقريب ان هذه الكلمات بعد دلالتها علي وجود الكتاب يعلم ان المراد منه الفقه الرضوي. و فيه أن الظاهر انه لا يستفاد من هذه الكلمات وجود كتاب للإمام فان ثبوت مسائل

______________________________

(1) مستدرك الوسائل ج 3 الطبع القديم ص 343

(2) نفس المصدر

(3) المستدرك ج 3 ص 345

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 16

لشخص عن الإمام لا تدل علي تحقق كتاب له عليه السلام مضافا الي ان وجود الكتاب لا يفيد اثبات المدعي فان المدعي ان الفقه الرضوي الكتاب الموجود عندنا للإمام اما تأليفا و اما إملاء.

الوجه العاشر «1» ان مأخذ جملة من فتاوي القدماء موجود في هذا الكتاب

فيظهر ان الكتاب المذكور كان مرجعهم في تلك الفتاوي و لا يكون لها مستند الا ما في الكتاب و فيه ان غاية هذا التقريب ان القدماء كانوا يعملون بالكتاب فلا بد من اثبات ان العمل جابر لضعف السند و لا دليل عليه فلا مجال لأن يقال ان الرواية و إن كانت ضعيفة سندا لكن ينجبر ضعفها بالعمل مضافا الي الخبر غير معمول به فانه يستفاد منه انه اذا نهي عن شي ء لما فيه الفساد يحرم جميع استعمالاته حتي امساكه فيحرم استعمال الدم علي الإطلاق حتي امساكه لحرمة شربه و الحال انه لم يثبت التزام احد من العلماء به بل واضح الفساد.

و بعبارة اخري جواز استعمال المحرم في الجملة في غير جهة الحرام من الواضحات التي لا يعتريه شك و لا ريب ثم انه لو اغمض عما تقدم لا يمكن الالتزام بكون الحديث قابلا للعمل به، اذ لا يبعد أن يستفاد من الحديث ان الملاك في حرمة المحرمات المذكورة

كونها ضارة للجسم و فسادا للنفس فان الحرمة و عدمها دائرتان مدار فساد النفس و ضرر الجسم و الحال ان الأمر ليس كذلك قطعا فان استعمال جملة من المحرمات بمقدار قليل لا يكون مضرا للجسم و هل يمكن الالتزام بحليتها؟ كلا.

ثم انه قد ذكرت وجوه لاستبعاد كون الكتاب للإمام عليه السلام منها عدم ذكره و التعرض له عند قدماء الأصحاب مع توغلهم في الأخبار و حرصهم في طلب الآثار الصادرة عن الأئمة الأطهار.

______________________________

(1) نفس المصدر ص 346

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 17

و منها انه قد تكرر فيه عنوان روي و يروي و أروي و نروي بل قد رويت جملة من رواياته عن جملة من الرواة كابن ابي عمير و صفوان و زرارة و الحلبي و كيف يمكن أن يبين الإمام الأحكام بهذا النحو و ان شئت قلت المعهود من ديدنهم عليهم السلام حتي من مولانا الرضا عليه السلام ليس كذلك.

و منها اشتمال الكتاب علي اخبار متعارضة من دون تعرض لحكم التعارض من الترجيح أو التساقط أو التخيير الي غيرها من الوجوه المذكورة في مستدرك النوري قدس سره هذا تمام الكلام في سند الحديث.

و اما من حيث الدلالة فمن الواضح انه لا اثر للدلالة بعد سقوط السند عن الاعتبار مضافا الي ما مر من عدم امكان الاخذ بدلالته مع قطع النظر عن السند أيضا لاشتماله علي ما لم يقل به احد و مخالفته مع القواعد المقررة و اللّه الهادي الي سواء السبيل.

«قوله عليه السلام ان كل مأمور به»

لا يبعد ان يكون المراد بالأمر في المقام الوجوب الكفائي لأجل حفظ النظام فان تعلق الوجوب من قبل الشارع بنحو الوجوب الكفائي منه علي العباد اذ

حفظ النظام يتوقف علي قيام من به الكفاية.

«قوله عليه السلام و مما يأكلون و يشربون و يلبسون و ينكحون و يملكون و يستعملون»

عطف تفسيري و بيان للإجمال السابق و المراد بالأكل و الشرب و اللبس ظاهر و اما النكاح فالظاهر ان المراد منه ملك اليمين لأجل التمتع و المراد بالملك ملك اليمين لأجل قضاء الحوائج فان العبد المملوك يترتب عليه الأثر المذكور و المراد بالاستعمال مطلق الانتفاعات المحللة المترتبة علي الأشياء.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 18

«قوله عليه السلام من جهة اكله و شربه»

المراد الترديد و التنويع لا الجمع كما هو ظاهر بادني تأمل فان المأكول مقابل المشروب فكيف يمكن الجمع بين الأمرين في شي ء واحد.

«قوله عليه السلام و نكاحه»

كنكاح ذات المحرم.

«قوله عليه السلام و امساكه»

كامساك الخمر لأجل التخمير.

[رواية دعائم الإسلام]

«قوله و عن دعائم الاسلام عن مولانا الصادق عليه السلام «1»»

و هذه الرواية تارة يبحث فيها من حيث السند و اخري من حيث الدلالة اما الكلام في الرواية من حيث السند فالظاهر ان سند الحديث لا اعتبار به أما أولا فلان قاضي نعمان لا يكون موثقا فلا اعتبار بأخباره و أما ثانيا فلان الحديث مرسل و لا اعتبار بالمرسلات و عمل المشهور بالرواية علي فرض تسليمه لا اثر له لما ذكرناه من انه لا وجه لكون العمل جابرا للخبر الضعيف مضافا الي انه غير معمول به كما سيظهر عن قريب إن شاء اللّه تعالي.

ان قلت ان قاضي نعمان مؤلف الكتاب قال «2» في اوّل كتابه نقتصر فيه علي الثابت الصحيح مما رويناه عن الأئمة عليهم السلام الخ و كلامه كما تري توثيق و تصحيح للطريق قلت لا اثر لتوثيقه و ان سلمنا وثاقته اذ

يمكن ان صحة الطريق عنده مورد الكلام و الأشكال عندنا و بعبارة اخري يمكن ان يكون ثابتا عنده و لا يكون كذلك عندنا فسند الرواية ساقط عن الاعتبار، و أما من حيث الدلالة فالظاهر انه لا يمكن الالتزام بمفاد الحديث اذ المستفاد منه انه اذا حرم شيئا لا يجوز بيعه و هل

______________________________

(1) مستدرك الوسائل ج 13 الباب 2 من ابواب ما يكتسب به الحديث 2

(2) مصباح الفقاهة للتوحيدي ج 1 ص 19.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 19

يمكن الالتزام بهذه الكلية فان التراب يحرم اكله فهل يكون حراما بيعه و أيضا يحرم أكل لحوم السباع و هل يحرم بيعها و هكذا و هكذا.

اضف الي ذلك ان الشيخ قدس سره في مقام بيان الضابط الكلي لجواز البيع و عدمه وضعا و المستفاد من الحديث حكم البيع تكليفا فلاحظ و لما انجر الكلام الي هنا نقول قد اشتهر فيما بين القوم أن النهي عن المعاملات ارشاد الي فسادها و لا يستفاد منه الحرمة التكليفية و الحال انا نري عدم الالتزام بهذه المقالة علي النحو الكلي فما الميزان و ما هو الضابط؟

فنقول الذي يختلج بالبال أن يقال أن النهي المتعلق بالمعاملة تارة يتعلق بما هو معنون بالعنوان الثانوي و اخري يتعلق به بما هو معنون بعنوانها الأولي و علي الثاني قد يتعلق بها لأجل أمر خارجي عنها و اخري يتعلق بها بما هي هي و قبل بيان المقصود نقول لا اشكال في أن النهي كما حقق في محله ظاهر في النهي المولوي و رفع اليد عن هذا الظهور يتوقف علي انعقاد ظهوره في الإرشاد و بعد هذه المقدمة نقول اذا تعلق النهي بالمعاملة بما هي معنونة

بالعنوان الثانوي فلا اشكال في ان المستفاد منه المولوية كما لو نذران لا يبيع داره او حلف أو اشترط في ضمن العقد أو أمر والده الي غير ذلك من العناوين الثانوية فانه لا اشكال في ان النهي يقتضي الحرمة التكليفية و أيضا الأمر كذلك فيما لو تعلق النهي بالمعاملة بملاك خارجي كالنهي عن بيع وقت النداء و امثاله فان المستفاد منه بحسب الفهم العرفي المولوية و الحرمة التكليفية و أما لو لم يكن كذلك كما لو قال المولي لا تبع ما ليس عندك و شككنا في ان النهي المذكور ارشادي أو مولوي فان علمنا من الخارج انه ليس مولويا نحمله علي الإرشاد و أما لو شككنا فلا وجه للحمل علي الارشاد و علي هذا الأساس لا وجه لحمل النهي في المقام علي الإرشاد فلاحظ.

[النبوي المشهور]

«قوله و في النبوي المشهور ان اللّه اذا حرم شيئا حرم

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 20

ثمنه» «1»»

و هذه الرواية أيضا يقع الكلام فيها تارة من حيث السند و اخري من حيث الدلالة أما من حيث السند فالظاهر انه لا اعتبار بسندها اذ غايتها كونها منقولة عن النبي مرسلة و لا اعتبار بالمرسلات و لا يخفي ان الحديث كما تري روي في المستدرك بزيادة لفظ الأكل و علي تقدير تعدد النقل و الشك في الزيادة و النقصان يكون مقتضي القاعدة الأخذ بالزيادة و حمل النقيصة علي الاشتباه لأن الاشتباه في النقص اكثر و احتماله ارجح و علي كلا التقديرين لا يتم السند حتي علي الالتزام بكون عمل المشهور جابرا اذ لا اشكال في عدم التزام المشهور بما ورد في الرواية و الا يلزم ذهابهم الي حرمة فساد بيع جميع

المحرمات الإلهية بمقتضي قوله صلي اللّه عليه و آله و سلم ان اللّه اذا حرم شيئا حرم ثمنه و هو كما تري و من هذا البيان ظهر الحال في دلالة الرواية فان المستفاد منها بطلان بيع جميع المحرمات أو بطلان بيع ما يحرم اكله و هذا الحكم غير قابل للالتزام به و الا يلزم تأسيس فقه جديد و اللّه العالم بحقايق الأمور فانقدح بما ذكر ان الرواية غير تامة دلالة و اللّه العالم.

[تقسيم المكاسب إلي الأحكام الخمسة]

«قوله قد جرت عادة غير واحد علي تقسيم المكاسب … »

المكاسب جمع المكسب و المناسب للمقام ان يراد من المكسب المصدر الميمي فانه بهذا المعني يمكن أن تعرض عليه الأحكام الخمسة.

«قوله الي محرم»

كبيع الخمر لاحظ ما رواه زيد بن علي عن آبائه عليهم السلام قال: لعن رسول

______________________________

(1) مستدرك الوسائل ج 13 الباب 6 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 8

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 21

اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم الخمر و عاصرها و معتصرها و بايعها و مشتريها و ساقيها و آكل ثمنها و شاربها و حاملها و المحمولة إليه «1».

«قوله و مكروه»

كبيع الأكفان علي ما هو المشهور عندهم و يدل عليه بعض النصوص لاحظ ما رواه ابن عمار قال دخلت علي أبي عبد اللّه عليه السلام فخبرته انه ولد لي غلام الي ان قال لا تسلمه صيرفيا فان الصيرفي لا يسلم من الربا و لا تسلمه بياع أكفان فان صاحب الأكفان يسره الوباء اذا كان الحديث «2» و الرواية مخدوشة سندا.

«قوله و مباح»

كما لو لم يكن حراما و لا مكروها.

«قوله بمثل الزراعة و الرعي مما ندب إليه الشرع»

و المقصود من البحث في المقام تقسيم المكسب

بما هو و ما ورد في الزرع يستفاد منه كونه بنفسه أمر مندوب إليه شرعا لاحظ ما رواه الواسطي قال: سألت جعفر بن محمد عليهما السلام عن الفلاحين فقال: هم الزارعون كنوز اللّه في أرضه و ما في الأعمال شي ء أحب الي اللّه من الزراعة: و ما بعث اللّه نبيا الا زراعا الا ادريس عليه السلام فانه كان خياطا «3» فالزراعة مندوبة في نفسها لا بعنوان كونها أحد المكاسب و الرعي أيضا كذلك لاحظ ما رواه محمد بن عطية قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: ان اللّه عز و جل أحب لأنبيائه من الأعمال الحرث و الرعي لئلا يكرهوا شيئا من قطر السماء «4».

______________________________

(1) الوسائل الباب 55 من ابواب ما يكتسب به الحديث 3

(2) الوسائل الباب 21 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

(3) الوسائل الباب 10 من ابواب مقدمات التجارة الحديث 3

(4) البحار ج 103 باب 10 الحديث 8

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 22

«قوله و للواجب بالصناعة الواجبة كفاية»

الواجب بالصناعة علي نحو الكفاية حفظ النظام و الكلام في بيان حكم المكسب بما هو، لا بما يعنون بعنوان آخر و الا تجب المعاملة بالعناوين المتعددة.

«قوله خصوصا اذا تعذر قيام الغير به»

لم افهم وجه الخصوصية فان المقصود ان كان ذكر المورد للواجب كفائيا كان او عينيا فلا وجه للخصوصية. و ان كان المراد ذكر الوجوب العيني فلا يشمل الواجب بالكفاية فلا وجه لذكر الخصوصية أيضا مضافا الي ان الواجب الكفائي لا يصير عينيا كما ان الواجب التخييري لا يصير تعيينيا و انما الإلزام بحكم العقل لا من قبل الشارع و تفصيل الكلام موكول الي مجال آخر.

«قوله فتأمل»

يمكن ان يكون اشارة الي

جميع ما ذكر و يمكن ان يكون اشارة الي بعضه و اللّه العالم.

[و معني حرمة الاكتساب]

«قوله و معني حرمة الاكتساب حرمة النقل و الانتقال بقصد ترتب الاثر المحرم و اما حرمة اكل المال في مقابلها فهو متفرع علي فساد البيع لانه مال الغير وقع في يده بلا سبب شرعي، و ان قلنا بعدم التحريم لان ظاهر ادلة تحريم بيع مثل الخمر منصرف الي ما لو اراد ترتيب الآثار المحرمة اما لو قصد الاثر المحلل فلا دليل علي تحريم المعاملة الا من حيث التشريع»

.عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 23

المفروض ان الحرمة تتعلق بعنوان المعاملة كالبيع مثلا فنقول لا بدّ من بيان مفهوم البيع و الظاهر ان البيع عبارة عن اعتبار تمليك البائع المبيع في مقابل الثمن و ابراز هذا العنوان بمبرز لفظي او فعلي فاذا دل الدليل علي حرمه هذا المعني و تمت مقدمات الحكمة يكون مقتضي القاعدة حرمته علي الإطلاق و لا وجه لما أفاده المصنف قدس سره من اختصاص الحرمة بخصوص مورد قصد ترتب الأثر المحرم، ثم انه لا وجه لما افاده من الحرمة بعنوان التشريع لأن النسبة بين الحرمة التكليفية و الوضعية عموم من وجه فيمكن ان يكون البيع حراما وضعا و تكليفا كبيع الخمر و يمكن ان يكون حراما تكليفا و يصح وضعا كالبيع وقت النداء و يمكن ان يكون حراما وضعا و لا يكون حراما تكليفا كبيع ما ليس عنده و عليه نقول لو فرض كون البيع جائزا تكليفا و حراما وضعا فباع بقصد أنه حلال وضعا في وعاء الشرع يكون تشريعا فلا بد من التفصيل بالنسبة الي الموارد و صفوة القول انه يرد عليه أولا ان تخصيص الحرمة التكليفية

بخصوص قسم كما في كلامه بلا دليل و أيضا حرمته بعنوان التشريع تتوقف علي قصده أولا و كونه حراما وضعا ثانيا فلاحظ.

[فالاكتساب المحرم أنواع]

[النوع الأول الاكتساب بالأعيان النجسة عدا ما استثني]
[و فيه مسائل ثمان]
اشارة

«قوله قدس سره: و كيف كان فالاكتساب المحرم انواع».

الظاهر ان مراده من الحرمة العارضة للاكتساب الحرمة الوضعية و ينبغي ان نذكر ميزانا كليا لموارد الشك في الحرمة الوضعية و التكليفية ليؤخذ به ما لم يرد دليل يقتضي تخصيص ذلك الميزان الكلي فنقول اما الحرمة الوضعية ففي كل مورد شك فيها يكون مقتضي الأصل العملي الفساد و الحرمة كما هو ظاهر مثلا لو شك في صحة بيع النجس يكون مقتضي الاستصحاب عدم الانتقال كما ان مقتضاه عدم جعل الشارع البيع في مورده صحيحا هذا بالنسبة الي الأصل العملي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 24

و اما مقتضي الأصل اللفظي فمقتضي اطلاق قوله تعالي (وَ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ) «1» صحة البيع في مورد الشك كما ان مقتضي قوله تعالي تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ «2» كذلك اذا قلنا بان التجارة اعم من البيع و اما ما اشتهر بين القوم من الاستدلال علي الصحة بقوله تعالي أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «3» فغير تام اذ لا اشكال في ان المراد بوجوب الوفاء ليس وجوبا تكليفيا لعدم حرمة الفسخ تكليفا فيكون المراد بوجوب الوفاء الإرشاد الي لزوم العقد و عدم تأثير الفسخ فالآية تكون دليلا علي اللزوم و عدم كون الفسخ مؤثرا و من الظاهر ان اللزوم و الجواز حكمان مترتبان علي العقد فلا بد من فرض وجود العقد في الرتبة السابقة كي يترتب عليه الجواز او اللزوم فنقول لا اشكال في استحالة الاهمال في الواقع و في مقام الثبوت فاذا قال المولي يجب الوفاء بالعقد اما يكون العقد المفروض في

الرتبة السابقة خصوص العقد الفاسد و اما الجامع بين الفاسد و الصحيح و اما فرض مهملا و اما خصوص العقد الصحيح لا سبيل الي الأول و الثاني و الثالث كما هو ظاهر فالمتعين هو القسم الرابع و عليه لا يكون دليل اللزوم دليلا علي الصحة.

ان قلت الدليل علي اللزوم يدل علي الصحة بدلالة الاقتضاء قلت القضية اذا كانت علي نحو القضية الخارجية فما افيد تام فان الدليل علي اللزوم يدل علي الصحة اذ كيف يمكن ان يحكم المولي علي عقد خارجي باللزوم بلا اعتبار صحته و اما اذا كان علي نحو القضية الحقيقية كما هو كذلك فالتقريب غير تام اذ المفروض ان مرجع القضية الحقيقية الي القضية الشرطية مثلا لو قال المولي اكرم كل عالم معناه انه اذا كان في الخارج اكرمه فما دام لم يحرز عنوان العالم و صدقه علي فرد

______________________________

(1) البقرة/ 275

(2) النساء/ 29

(3) المائدة/ 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 25

في الخارج لا يترتب عليه وجوب الاكرام فما دام لم يحرز عنوان العقد الصحيح و صدقه علي عقد في الخارج لا يشمله دليل اللزوم.

و ان شئت قلت ما دام لم يحرز الموضوع لا يترتب عليه الحكم و بعد احراز الموضوع لا مجال لتقريب دلالة الاقتضاء فلاحظ هذا كله بالنسبة الي الحلية و الحرمة الوضعيتين و اما بلحاظ الحكم التكليفي فما دام لم يقم دليل علي الحرمة يكون مقتضي الأصل الأولي هو الجواز هذا هو الميزان الكلي الجاري في جميع الموارد و الخروج عن هذه الكلية يتوقف علي قيام دليل علي التخصيص و التقييد.

[الأولي يحرم المعاوضة علي بول غير مأكول اللحم]
اشارة

«قوله قدس سره: الاولي يحرم المعاوضة علي بول غير مأكول اللحم … »

استدل المصنف قدس سره علي حرمة بيع البول بوجوه:
الوجه الأول عدم الخلاف

و من الظاهر ان عدم الخلاف بنفسه لا يكون دليلا علي الحكم الشرعي الا أن يرجع الي الإجماع و أما الإجماع فالمنقول منه غير حجة و المحصل منه علي تقدير حصوله محتمل المدرك ان لم يكن مقطوعا فلا يترتب عليه اثر.

الوجه الثاني حرمة الأعيان النجسة

و فيه انه ما المرد من الحرمة فان كان المراد بها اكلها أو شربها فيرد عليه انه لا دليل علي حرمة بيع كل ما حرم أكله أو شربه فان كثيرا من الأشياء يحرم أكله أو شربه و مع ذلك لا يكون بيعها حراما نعم عن النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم مرسلا ان اللّه تعالي اذا حرم علي قوم أكل شي ء حرم حرم عليهم ثمنه «1» و من الظاهر انه لا اعتبار بالمرسلات حتي لو فرض عمل المشهور بها لعدم انجبار الخبر الضعيف بالعمل فضلا عن مورد عدم العمل به كما في المقام

______________________________

(1) مستدرك الوسائل الباب 6 من ابواب ما يكتسب به الحديث 8

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 26

و ان كان المراد حرمته علي الإطلاق فيرد علي الاستدلال أولا انه لا دليل علي المدعي ظاهرا الا النبوي المشار إليه ببعض نسخه و قد مر ضعفه و عدم اعتباره و ثانيا انه لا دليل علي حرمة جميع الانتفاعات من الأعيان النجسة فلاحظ.

الوجه الثالث كونها نجسة بتقريب ان النجاسة بما هي تقتضي فساد البيع

و يمكن الاستدلال علي المدعي بحديث تحف العقول حيث قال عليه السلام أو شي ء من وجوه النجس فهذا كله حرام و محرم لأن ذلك كله منهي عن أكله و شربه و لبسه و ملكه و امساكه و التقلب فيه فجميع تقلبه في ذلك حرام «1» بتقريب ان المستفاد من الحديث ان النجس يحرم الانتفاع به كأكل الميتة أو شرب الخمر فجميع التقلب فيه حرام فلا يجوز بيع النجس و فيه أولا ان الحديث ضعيف سندا فلا يعتد به و عمل المشهور به ممنوع مضافا الي عدم انجبار السند الضعيف بعمل المشهور و ثانيا بانه لا اشكال في ان النهي

عن الأكل أو الشرب أو الانتفاع الأخر لا يوجب فساد البيع فلا مجال للعمل بمفاد الحديث فلاحظ.

الوجه الرابع عدم الانتفاع بالبول انتفاعا شرعيا

و يرد عليه أو لا انه يمكن ان يتصور الانتفاع الشرعي من البول كسقي الأشجار و النباتات و نحوه و ثانيا ما الدليل علي اشتراط وجود الانتفاع الشرعي في المبيع ان قلت مع عدم النفع الشرعي في المبيع لا مالية للعين و يشترط في المبيع ان يكون ما لا قلت لا دليل علي اشتراط المالية في المبيع.

ان قلت اذا لم يكن ما لا يكون البيع سفهيا قلت أو لا يمكن ان يكون في البيع غرض عقلائي فلا يكون سفهائيا، و ثانيا لا دليل علي بطلان البيع السفهي و انما الدليل دل علي بطلان بيع السفيه لكونه محجورا عن التصرف.

ان قلت اذا لم يكن المبيع ذا مالية يكون مصداقا للتجارة الفاسدة و أكل المال

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 27

بالباطل قلت المستفاد من الآية الشريفة «1» عدم جواز أكل المال بالسبب الباطل كالقمار مثلا و بعبارة اخري الجار في قوله تعالي بالباطل لا يكون للمقابلة كي يتم هذا التقريب بل الجار للسببية أي لا تأكلوا أموالكم بالسبب الباطل و ببيان أوضح انه ليس المراد من الآية انه لا يجوز اكل المال في مقابل الباطل و صفوة القول ان المستفاد من الآية الشريفة حصر السبب الشرعي في التجارة عن تراض و لا فرق فيما ذكر بين كون الاستثناء متصلا أو منفصلا أما علي القول بكونه متصلا بان يكون المراد من الآية النهي عن الأكل بكل سبب لكونه فاسدا الا التجارة عن تراض فواضح و أما علي القول بالانفصال

كما لو كان المراد النهي عن الأكل بالسبب الفاسد فأيضا يستفاد الحصر اذ المولي في مقام بيان اعطاء الضابطة الكلية و مقتضي الإطلاق المقامي كون السبب المحلل منحصرا في التجارة عن تراض.

الوجه الخامس الحديث المروي عن الفقه الرضوي

«2» بتقريب ان المستفاد من الحديث انه اذا حرم شرب شي ء كالبول في محل الكلام يحرم بيعه و فيه أولا ان الحديث لا اعتبار به كما مر و ثانيا لا يبعد ان يستفاد من الرواية الحرمة التكليفية اذ بمقتضي الشرطية المذكورة فيها انه اذا حرم شربه يحرم بيعه و شرائه و من الظاهر ان الحلية أو الحرمة الوضعية غير قابلة للتفريق بين البيع و الشراء أي إن كان البيع صحيحا يكون الشراء كذلك و ان كان فاسدا فالشراء كذلك أيضا و أما الحكم التكليفي فيمكن أن يفصل فيه بين البيع و الشراء و بعبارة واضحة ان كان المراد من العبارة الحرمة الوضعية لم يكن ذكر الشراء لازما لان فساد البيع يستلزم فساد الشراء و أما الحكم التكليفي فليس كذلك فلاحظ.

الوجه السادس حديث الدعائم

«3» بالتقريب المتقدم المذكور في الحديث

______________________________

(1) النساء/ 29

(2) مستدرك الوسائل الباب 2 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 1

(3) مستدرك الوسائل الباب 2 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 28

الرضوي و الجواب هو الجواب طابق النعل بالنعل.

«قوله فيما عدا بعض افراده كبول الابل»

الظاهر من العبارة ان قوله كبول الإبل الجلالة و ما بعده مثالان لما يجوز الانتفاع به نفعا حلالا و عليه يرد فيه انه مع الضرورة لا فرق بين انواع المحرمات و لا وجه للاختصاص و اما مع عدم الضرورة فأيضا لا فرق بينها و بعبارة اخري مع الضرورة يجوز الانتفاع بجميع المحرمات و مع عدم الضرورة لا يجوز مضافا الي ما قد مر من عدم الدليل علي اشتراط كون المبيع ذا منفعة محللة اضف الي ذلك كله انه قد مر انه لا دليل علي حرمة

الانتفاع بالبول علي نحو الإطلاق و العموم و قلنا بجواز الانتفاع به في الجملة كسقي الأشجار.

«قوله قدس سره ان قلنا بجواز شربها … »

وقع الكلام بين القوم في جواز شرب بول ما يؤكل لحمه و عدمه و علي ما يظهر من كلماتهم ان المسألة ذات قولين فذهب جماعة الي الجواز و نقل المصنف قدس سره عن المرتضي قدس سره دعوي الإجماع علي الجواز و من الظاهر انه لا اعتبار بالاجماع المنقول فالعمدة ملاحظة النصوص الواردة في المقام فمن تلك النصوص ما رواه عمار بن موسي عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال سئل عن بول البقر يشربه الرجل قال: ان كان محتاجا إليه يتداوي به يشربه و كذلك أبوال الإبل و الغنم «1» و هذه الرواية تامة سندا و مقتضي مفهوم الشرطية حرمة الشرب اختيارا.

و منها ما رواه ابو البختري عن جعفر عن أبيه ان النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم قال: لا بأس ببول ما اكل لحمه «2» و هذه الرواية ضعيفة سندا.

و منها ما رواه الجعفري قال: سمعت أبا الحسن موسي عليه السلام يقول:

______________________________

(1) الوسائل الباب 59 من ابواب الاطعمة المباحة الحديث 1

(2) نفس المصدر الحديث: 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 29

أبوال الإبل خير من البانها و يجعل اللّه الشفاء في البانها «1» و هذه الرواية ضعيفة سندا أيضا و منها ما رواه موسي بن عبد اللّه بن الحسن قال: سمعت أشياخنا يقولون ألبان اللقاح شفاء من كل داء و عاهة و لصاحب الربو أبوالها «2» و الرواية ضعيفة سندا.

و منها ما رواه موسي بن عبد اللّه مثله و الرواية ضعيفة سندا.

و منها ما روي عن أبي عبد

اللّه عليه السلام انه قال مثل ذلك و زاد: فيه شفاء من كل داء و عاهة في الجسد و هو ينقي البدن و يخرج درنه و يغسله غسلا «3» و الحديث ضعيف سندا.

و منها ما رواه المفضل ابن عمر عن ابي عبد اللّه عليه السلام أنه شكا إليه الربو الشديد فقال: اشرب له ابوال اللقاح فشربت ذلك فمسح اللّه دائي «4». و هذا الحديث ضعيف سندا أيضا.

و منها ما رواه سماعة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن شرب الرجل ابوال الإبل و البقر و الغنم ينعت له من الوجع هل يجوز له ان يشرب؟ قال: نعم لا بأس به «5» و الحديث ضعيف سندا.

و منها ما رواه ابو صالح عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال قدم علي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم قوم من بني ضبة مرضي فقال لهم رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم أقيموا عندي فاذا برئتم بعثتكم في سرية فقالوا: اخرجنا من المدينة،

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 3

(2) نفس المصدر الحديث: 4

(3) الوسائل الباب 59 من ابواب الاطعمة المباحة الحديث 6

(4) نفس المصدر الحديث: 8

(5) نفس المصدر الحديث: 7

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 30

فبعث بهم الي ابل الصدقة يشربون من ابوالها و يأكلون من البانها فلما برءوا و اشتدوا قتلوا ثلاثة ممن كان في الإبل فبلغ رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم الخبر فبعث إليهم عليا عليه السلام و هم في واد قد تحير و أ ليس يقدرون ان يخرجوا منه قريبا من ارض اليمن فاسرهم و جاء بهم الي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله

و سلم فنزلت هذه الآية إِنَّمٰا جَزٰاءُ الَّذِينَ يُحٰارِبُونَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسٰاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلٰافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ فاختار رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم القطع فقطع ايديهم و ارجلهم من خلاف «1».

و هذه الرواية علي تقدير تمامية سندها لا تكون معارضة لحديث عمار اذ فرض كونهم محتاجين الي شرب بول الإبل و مع الغض عما ذكر نقول مقتضي الصناعة تخصيص هذه الرواية بحديث عمار اذ غاية ما في الباب ان حديث ابي صالح يدل بإطلاقه علي الجواز علي الاطلاق و مقتضي القاعدة تخصيص العام و تقييد المطلق بالتخصيص و التقييد فالنتيجة انه لا يجوز شرب بول ما يؤكل لحمه في حال الاختيار و اللّه العالم.

«قوله لاستخباثها»

بتقريب ان البول و لو كان طاهرا يكون من الخبائث فيكون حراما لقوله تعالي (وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبٰائِثَ) «2» فان المستفاد من الآية الشريفة حرمة جميع الخبائث.

و اورد سيدنا الاستاد «3» علي الاستدلال المذكور علي ما في التقرير بان المقصود من الخبيث ما فيه مفسدة و رداءة و لو كان من الأفعال المذمومة المعبر عنه في

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من ابواب حد المحارب الحديث: 7

(2) الاعراف/: 157

(3) مصباح الفقاهة ج 1 ص 38

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 31

الفارسية بلفظ (پليد) الي ان قال فالآية ناظرة الي تحريم كل ما فيه مفسدة و لو الأعمال القبيحة فلا تعم شرب الأبوال الطاهرة و نحوها مما تتنفر عنها الطباع هذا ما افيد في المقام و يمكن ان يرد عليه بانه لا اشكال في ان البول و لو كان طاهرا يعد في العرف

من الخبائث فبمقتضي عموم الآية يكون حراما نعم الحرمة لا تتعلق بالذوات الخارجية فلا بد من تقدير الفعل كالأكل و الشرب و نحوهما و حيث ان التقدير خلاف الأصل يختص الحكم بالخبائث من الأفعال الخبيثة لعدم توقف الحكم علي التقدير و اما الذوات الخارجية فلا يصح تعلق الحكم بها الا مع التقدير.

«قوله قدس سره من عدم منفعة محللة … »

و قد تقدم انه لا دليل علي اعتبار المالية في المبيع فلو فرض كون البول حراما لا تكون حرمته موجبة لفساد بيعها.

«قوله قدس سره لا يوجب قياسه علي الادوية»

اجراء حكم الأدوية علي البول النافع لبعض الأمراض لا يكون قياسا كي يكون باطلا بل تطبيق الكلي علي فرده و بعبارة واضحة: المفروض كون البول دواء لبعض الأمراض فيكون في عداد الأدوية بلا فرق.

«قوله قدس سره نعم يمكن أن يقال: ان قوله صلي اللّه عليه و آله و سلم ان اللّه اذا حرم شيئا حرم ثمنه و كذلك الخبر المتقدم عن دعائم الاسلام»

قد مر ان الخبرين المشار إليهما ضعيفان سندا فالضابط المذكور لا دليل عليه و قلنا سابقا انه لا دليل علي اعتبار المالية في المبيع فلو فرض عدم نفع في المبيع أو تكون جميع منافعه محرمة شرعا لا دليل علي بطلان بيعه.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 32

«قوله لان حلية هذه في حال المرض … »

الظاهر انه لا فرق بين الموردين فان تبدل العنوان ان كان موجبا لصحة البيع فليكن كذلك في عروض عنوان النفع و كونه دواء للمرض لصحة بيع البول و لا يخفي ان الإضرار من العناوين الثانوية و الحرمة العارضة للشي ء بالعنوان الثانوي لا يكون مناطا لحرمة البيع قطعا و الا ما

من شي ء الا و هو يحرم بالعنوان الثانوي العارض عليه و عليه لا يكون حرمة البول كحرمة الأدوية فان البول حرام بعنوانه الأولي و الأدوية محرمة بالعنوان الثانوي و لكن مع ذلك يكون البول من مصاديق الأدوية فلا تكون حليته في حال المرض من باب الضرورة بل من باب كونه دواء و لكن الإنصاف ان ما افاده الشيخ قدس سره تام اذ المفروض كون البول بعنوانه الأولي حراما و كونه حلالا في حال المرض من باب الضرورة الا ان يقال ان كونه دواء لبعض الأمراض يوجب تعنونه بعنوان كونه من افراد الأدوية و لا اشكال في عدم دخوله في عنوان الضرورة بعنوانها العام الموجب لحلية كل محرم عند عروض عنوان الضرورة فلاحظ.

«قوله و دلالة»

يمكن ان يكون الوجه في ضعف الدلالة في نظر الشيخ قدس سره ان المتبادر من قوله في الرواية اكل شي ء ما يكون اكله من منافعه الظاهرة و الشحم لا يكون اكله من منافعه الظاهرة بخلاف لحوم السباع فان أكلها من منافعها الظاهرة فتكون الرواية قاصرة دلالة عن اثبات حرمة الشحوم و يمكن ان يرد عليه ان مقتضي الاطلاق شمول الحكم لكل ما حرم اكله و لو لم يكن الأكل من منافعه الظاهرة.

[الثانية يحرم بيع العذرة النجسة من كل حيوان]
اشارة

«قوله قدس سره الثانية يحرم بيع العذرة النجسة من كل حيوان … »

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 33

ما يمكن ان يستدل به علي المدعي وجوه
الوجه الأول الاجماع

و حال الاجماع من حيث الاشكال المتوجه إليه معلوم فان المنقول منه لا يكون حجة و المحصل منه علي فرض تحققه محتمل المدرك ان لم يكن مقطوعا به فان الروايات الخاصة الواردة في حكم العذرة و كذلك الأدلة العامة المستدل بها علي حرمة بيع النجس يمكن ان تكون مستندة للمجمعين فلا يكون اجماعا تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم عليه السلام.

الوجه الثاني الروايات العامة

التي قد مر الكلام فيها و قلنا ان الروايات المشار إليها ضعيفة سندا و لا جابر لضعفها.

الوجه الثالث الروايات الخاصة

الواردة في المقام منها ما رواه يعقوب بن شعيب عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال ثمن العذرة من السحت «1» و هذه الرواية تدل علي فساد بيع العذرة لكن سندها مخدوش و غير قابل للاستناد و منها ما رواه محمد بن مضارب عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال لا بأس ببيع العذرة «2» و هذه الرواية تدل علي جواز بيع العذرة فعلي تقدير تمامية سندها يكون من ادلة الجواز لا من ادلة المنع.

و منها ما رواه سماعة قال سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السلام و أنا حاضر فقال:

اني رجل أبيع العذرة فما تقول؟ قال حرام بيعها و ثمنها و قال: لا بأس ببيع العذرة «3» و هذه الرواية ضعيفة لأحتمال كون محمد بن عيسي الواقع في السند العبيدي و علي فرض تمامية السند لا تكون حجة لتنافي صدرها مع ذيلها و علي فرض تعدد الرواية و ان الصدر رواية مستقلة في قبال الذيل تدخل في التعارض و تسقط أيضا عن الاعتبار فعلي كل تقدير يكون المرجع ادلة صحه البيع كما ان مقتضي

______________________________

(1) الوسائل باب 40 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

(2) نفس المصدر الحديث: 3

(3) نفس المصدر الحديث: 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 34

اصالة البراءة جواز بيعها تكليفا فالحق ان بيع العذرة صحيح وضعا و جائز تكليفا.

«قوله و لعله لان الاول نص … »

تارة يكون اللفظ نصا في المراد و اخري يكون بعض الأفراد معلوما و انه اريد من الدليل و بين المقامين فرق و بعبارة أخري مجرد كون فرد معلوما

من الدليل لا يوجب النصوصية و مجرد المعلومية لا يقتضي التقديم و الا يلزم عدم تحقق التعارض في كل دليلين متعارضين مثلا لو قال المولي اكرم العلماء و في دليل آخر قال يحرم اكرام العلماء يمكن رفع التنافي بأن يقال يحمل دليل الوجوب علي اكرام العلماء العدول و يحمل دليل الحرمة علي العلماء الفساق و هل يمكن الالتزام بهذا اللازم؟

كلا.

«قوله قدس سره هو الرجوع الي المرجحات الخارجية … »

قد ذكرنا أخيرا انه لا دليل علي الترجيح بموافقة الكتاب أو مخالفة العامة بل الترجيح منحصر في كون احد الحديثين احدث و علي الجملة انه لا دليل صحيح علي الترجيح باحد الأمرين و ذكرنا التفصيل المذكور في قسم المستدركات في الجزء الثامن من كتابنا (مباني منهاج الصالحين).

«قوله و لهذا طعن علي من جمع بين الامر و النهي بحمل الامر علي الاباحة و النهي علي الكراهة»

و لقد اجاد فيما افاد فان الحق ان الدليلين داخلان في المتعارضين و لا وجه للجمع بينهما فان الجمع بينهما بالنحو المذكور ليس جمعا عرفيا.

«قوله قدس سره و فيه ما لا يخفي من البعد … »

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 35

لعل وجه البعد في نظره ان لفظ السحت لم يعهد استعماله في الكراهة و قد اورد عليه سيدنا الأستاد بان لفظ السحت قد اطلق في جمله من الموارد التي لا يمكن أن يراد منه الحرمة بل لا بد من حمله علي الكراهة لاحظ ما رواه سماعة قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام السحت انواع كثيرة منها كسب الحجام اذا شارط الحديث «1» فانه اطلق السحت علي كسب الحجام و الحال انه لا يكون حراما فلا مانع من استعمال لفظ

السحت في الكراهة هذا ما افاده سيدنا الاستاد و لكن يمكن ان يكون الشيخ ناظرا الي ان لفظ السحت ظاهر ان لم يكن صريحا في الحرمة و حمله علي الكراهة ليس حملا عرفيا فالجمع بالنحو المذكور بعيد و الإنصاف ان هذا البيان تام فانه ليس من الجمع العرفي و لا شاهد عليه.

قوله قدس سره و ابعد منه ما عن المجلسي»

ما أفاده حق فانه يكفي للجواز الانتفاع بها في بلد من البلاد مضافا الي أن السائل يقول اني رجل أبيع العذرة فلا يبعد ان يكون من البلاد الذي يكون الانتفاع بالعذرة متعارفا فيه بل يمكن أن يكون ان الظاهر من السؤال هكذا فتأمل اضف الي ذلك كله ان الانتفاع بالعين لا يشترط في صحه البيع كما مر.

«قوله و نحوه حمل خبر المنع علي التقية لكونه مذهب اكثر العامة»

لعل وجه البعد في نظره قدس سره انه لا مجال للحمل علي التقية مع وجود القول بالجواز فيهم لكن الظاهر كفاية ذهاب اكثرهم الي المنع في حمل الخبر الموافق لهم علي التقية و اللّه العالم.

______________________________

(1) الوسائل الباب 5 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 36

«قوله من وجوه لا تخفي»

الوجه الأول ضعف سند دليل الجواز الوجه الثاني ذهاب المشهور الي المنع الوجه الثالث موافقة دليل المنع مع الإجماع المنقول الوجه الرابع موافقة دليل المنع مع الأخبار العامة الدالة عليه.

«قوله قدس سره ثم ان لفظ العذرة في الروايات ان قلنا انه ظاهر في عذرة الانسان»

بل يشكل و ان لم تكن ظاهرا بأن كان مجملا و لا يكون شاملا بإطلاقه عذرة غير الإنسان اذ مع الإجماع لا يكون قابلا للاستدلال بل تصل النوبة الي

الاستدلال بادلة الجواز.

«قوله بالاخبار العامة المتقدمة و بالاجماع المتقدم»

قد تقدم انه لا اعتبار بالأخبار العامة لكونها ضعيفة سندا كما لا اعتبار بالإجماع المنقول كما حقق في محله.

«قوله هو الجابر لضعف سند الاخبار»

لا وجه لكون الإجماع المنقول جابرا لضعف السند الضعيف فان ضم غير حجة الي مثله لا يقتضي الاعتبار كما هو ظاهر، كما ان عمل المشهور بحديث ضعيف السند لا يوجب انجبار ضعفه فان استناد العاملين به يمكن ان يكون ناشيا عن وجه غير مقبول عندنا و لذا قلنا مرارا تبعا لسيدنا الأستادان عمل المشهور بالخبر الضعيف لا يجبره كما ان اعراضهم عن الخبر المعتبر لا يوجب سقوطه عن الاعتبار.

«قوله و فيه نظر»

قيل في وجه النظر ان الشيخ قدس سره صرح بعدم جواز بيع العذرة و سرجين

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 37

ما لا يأكل لحمه و يمكن ان يكون وجه النظر ان حمل اخبار المنع علي خصوص عذرة الإنسان و حمل اخبار الجواز علي الأرواث النجسة من باب الجمع التبرعي كما سبق في كلام المصنف لا من باب الالتزام. بالجواز في غير عذرة الإنسان.

«قوله قدس سره الاقوي جواز بيع الارواث الطاهرة … »

الأمر كما افاده فان مقتضي اطلاق قوله تعالي (أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ) و كذا قوله تعالي (إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ) جواز بيعها وضعا كما ان مقتضي اصالة الحل جواز بيعها تكليفا.

«قوله قدس سره التي ينتفع بها … »

قد ذكرنا انه لا دليل علي اشتراط جواز البيع بكون المبيع ذا منفعة مقصودة.

«قوله قدس سره الاكل لا مطلق الانتفاع»

بل و لو مع حرمة مطلق الانتفاع اذ لا دليل علي حرمة الوضعية في الصورة المفروضة.

[الثالثة يحرم المعاوضة علي الدم بلا خلاف]

«قوله قدس سره الثالثة يحرم المعاوضة علي

الدم … »

مقتضي القاعدة الأولية جواز بيع الدم وضعا و تكليفا و قد تقدم انه لا مجال لإثبات الحرمة للتمسك بالأخبار العامة و لا بالإجماعات المنقولة لعدم اعتبارها و أما حديث الواسطي رفعه قال مر امير المؤمنين عليه السلام بالقصابين فنهاهم عن بيع سبعة اشياء من الشاة نهاهم عن بيع الدم و الغدد و آذان الفؤاد الخ «1» فلا اعتبار به سندا فلا يترتب عليه اثر.

______________________________

(1) الوسائل الباب 31 من أبواب الاطعمة المحرمة الحديث 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 38

«قوله فالظاهر إرادة حرمة البيع للاكل … »

لا وجه لهذا التقييد بل مقتضي الإطلاق عموم الحكم فلاحظ.

«قوله لحرمة البيع بل بطلانه … »

ما يمكن ان يذكر في وجه حرمته تكليفا انه مصداق للإعانة علي الأثم و يرد عليه أولا انه لا دليل علي حرمة الإعانة و انما الدليل قائم علي حرمة التعاون و هو قوله تعالي (وَ لٰا تَعٰاوَنُوا عَلَي الْإِثْمِ وَ الْعُدْوٰانِ) «1» و ثانيا انه لا ملازمة بين البيع و تسليم المبيع الذي تتحقق به الإعانة و ان شئت قلت بين عنوان البيع و الإعانة عموم من وجه هذا بالنسبة الي حرمته تكليفا و أما فساده وضعا فالظاهر انه لا دليل عليه حتي فيما يكون البيع للأكل بل و لو علي القول بحرمة الاعانة علي الاثم اذ النهي علي هذا الفرض تعلق بالعنوان الخارجي لا بعنوان المعاملة بما هي معاملة و بيع.

[الرابعة لا إشكال في حرمة بيع المني]
اشارة

«قوله الرابعة لا اشكال في حرمة بيع المني … »

في هذه المسألة فروع ثلاثة

الفرع الأول انه اذا وقع المني خارج الرحم فهل يجوز بيعه أم لا

فنقول القاعدة الاولية كتابا و سنة تقتضي جواز بيعه وضعا كما ان مقتضي اصالة الحلية جوازه تكليفا و ما يمكن ان يكون وجها لحرمته وضعا اما نجاسته و اما حرمة اكله و اما عدم ترتب نفع عليه فيكون بيعه سفهيا و اما كون اكل المال في مقابله اكل المال بالباطل و شي ء من المذكورات لا يصلح ان يكون وجها للمنع.

الفرع الثاني انه اذا وقع في الرحم فهل يجوز بيعه أم لا؟

أما جوازه تكليفا فهو علي طبق القاعدة الاولية و أما جوازه الوضعي فتارة نقول بانه بعد وقوعه في الرحم يكون ملكا لمالكه الاول و اما نقول بمجرد وقوعه في الرحم يصير ملكا

______________________________

(1) المائدة 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 39

لصاحب الحيوان بالتبع.

أما علي الاول فلا مانع من بيعه اعم من ان يكون المشتري صاحب الحيوان أو غيره و لا يتصور مانع عن الجواز أما بلحاظ النجاسة فمضافا الي عدم كونها مانعة لا يكون نجسا لفرض عدم خروجه و وقوعه خارج الرحم و النجاسات كالدم و المني و أمثالهما ما دام كونها في الداخل لا تكون نجسة و المفروض وقوعه في الداخل و أما الجهالة فلا تضر لعدم مدخلية الكم و الكيف في المقام فلا يلزم الغرر مضافا الي النقاش في كون الغرر مانعا عن الصحة و أما عدم القدرة علي التسليم فتسليم كل شي ء بحسبه و التسليم في المقام يكون الحيوان في يد المشتري فلو كان المشتري صاحب الحيوان فالامر ظاهر و أما لو كان غيره فأيضا يتم الامر بتسليم الحيوان الي المشتري مع رضا صاحب الحيوان.

و أما علي الثاني فأيضا لا مانع عن بيعه بالتقريب المتقدم ذكره و أما الحديث المروي عن الجعفريات عن علي بن ابي طالب عليه السلام قال من

السحت ثمن الميتة و ثمن اللقاح و مهر البغي و كسب الحجام الحديث «1» فضعيف سندا مضافا الي امكان النقاش في الدلالة.

الفرع الثالث بيعه قبل خروجه و هو الذي يعبر عنه بالعسيب
اشارة

و الكلام تارة يقع من حيث القواعد العامة و اخري من حيث النصوص الخاصة فيقع الكلام في مقامين أما

المقام الأول فنقول مقتضي اصالة الحل جوازه تكليفا

كما ان مقتضي ادلة صحة البيع جوازه وضعا و الوجوه المتصورة لكونها مانعة عن صحته و جوازه قد ظهرت مما ذكرنا عدم تماميتها و قابليتها لاثبات المدعي.

و أما

المقام الثاني فقد وردت في المقام جملة من النصوص

منها ما روي عن الحسين بن علي عن أبيه عليهما السلام في حديث ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله

______________________________

(1) مستدرك الوسائل ج 13 الباب 5 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 40

و سلم نهي عن خصال تسعة عن مهر البغي و عن عسيب الدابة يعني كسب الفحل و عن خاتم الذهب و عن ثمن الكلب و عن مياثر الارجوان «1».

و منها ما عن محمد بن علي بن الحسين قال نهي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم عن عسيب الفحل و هو أجر الضراب «2» و منها ما روي عن الجعفريات «3» و منها ما روي في الجعفريات أيضا عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم انه نهي عن بيع الاحرار الي أن قال: و عن عسيب الفحل 4 و هذه الروايات كلها ضعيفة سندا فلا اعتبار بها و يدل علي جواز اجارة الحيوان لهذه الفائدة ما رواه معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: أجر التيوس، قال: ان كانت العرب لتعاير به و لا بأس «5».

و مثلة في الدلالة علي المدعي ما رواه حنان بن سدير قال دخلنا علي أبي عبد اللّه عليه السلام و معنا فرقد الحجام الي أن قال: فقال له: جعلني اللّه فداك ان لي تيسا اكريه فما تقول في كسبه؟ قال: كل كسبه فانه لك حلال و الناس يكرهونه، قال حنان قلت

لاي شي ء يكرهونه و هو حلال، قال لتعيير الناس بعضهم بعضا «6».

فالنتيجة جواز بيع ما في الاصلاب وضعا و تكليفا و اللّه العالم و مما ذكرنا ظهر انه لا اشكال في جواز بيع المني.

«قوله قدس سره لا ينتفع به المشتري … »

بل ينتفع به اذا كان البائع صاحب الحيوان فان صاحب الحيوان اذا باع ما في رحم الحيوان بصير المبيع ملكا للمشتري فيكون ولد الحيوان له و ان شئت

______________________________

(1) الوسائل الباب 5 من ابواب ما يكتسب به الحديث 13

(2) الوسائل الباب 12 من ابواب ما يكتسب به الحديث 3

(3) (3 و 4) راجع ص 39 و مستدرك الوسائل الباب 10 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 2

(5) الوسائل الباب 12 من ابواب ما يكتسب به الحديث 2

(6) الوسائل باب 12 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 41

قلت انما التبعية فيما لا يتحقق النقل بالنسبة الي المني المتكون في الرحم.

«قوله و علل في الغنية»

قد ظهر مما ذكرنا عدم تمامية ما افيد.

[الخامسة تحرم المعاوضة علي الميتة و أجزائها تحلها الحياة من ذي النفس السائلة]
اشارة

«قوله قدس سره الخامسة تحرم المعاوضة علي الميتة و اجزائها … »

يقع الكلام في هذه المسألة في عدة فروع:

الفرع الأول في انه هل يجوز الانتفاع بالميتة أم لا

فنقول مقتضي الاصل جواز الانتفاع بها الا فيما يقوم دليل علي الحرمة و المشهور بين الاصحاب حرمته و العمدة النصوص الوردة في المقام فيلزم ملاحظتها و استفاده الحكم منها.

منها ما رواه ابن ابي المغيرة قال قلت لابي عبد اللّه عليه السلام جعلت فداك الميتة ينتفع منها بشي ء فقال: لا قلت: بلغنا ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم مر بشاة ميتة فقال: ما كان علي أهل هذه الشاة اذ لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا باها بها (بجلدها خ) قال تلك شاة لسودة بنت زمعة زوجة النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم و كانت شاة مهزولة لا ينتفع بلحمها فتركوها حتي ماتت فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله ما كان علي اهلها اذ لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا بإهابها أي تذكي «1» فان هذه الرواية تامة سندا و مقتضي اطلاقها عدم الانتفاع بالميتة علي الاطلاق و منها ما رواه الصيقل قال كتبت الي الرضا عليه السلام اني أعمل أغماد السيوف من جلود الحمر الميتة فتصيب ثيابي فأصلي فيها؟ فكتب عليه السلام الي: اتخذ ثوبا لصلاتك و كتبت الي أبي جعفر الثاني عليه السلام اني كنت كتبت الي أبيك عليه السلام بكذا و كذا فصعب علي ذلك فصرت أعملها من جلود الحمر الوحشية الذكية فكتب عليه السلام

______________________________

(1) الوسائل الباب 61 من ابواب النجاسات الحديث: 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 42

الي: كل أعمال البر بالصبر يرحمك اللّه فان كان ما تعمل وحشيا ذكيا فلا بأس «1» و الرواية ضعيفة

سندا فلا تصل النوبة الي ملاحظة دلالتها.

و منها ما رواه ابن مسلم قال سألته عن جلد الميتة أ يلبس في الصلاة اذا دبغ قال لا و ان دبغ سبعين مرة «2» و المستفاد من الحديث حرمة الانتفاع بها في الجملة.

و منها ما رواه سماعة قال سألته عن جلود السباع ينتفع بها؟ قال: اذا رميت و سميت فانتفع بجلده و أما الميتة فلا «3» و المستفاد من الرواية حرمة الانتفاع بجلد الميتة.

و منها ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام- في حديث- ان علي بن الحسين عليه السلام كان يبعث الي العراق فيؤتي مما قبلكم بالفرو فيلبسه فاذا حضرت الصلاة القاه و القي القميص الذي يليه فكان يسأل عن ذلك، فقال ان اهل العراق يستحلون لباس الجلود الميتة و يزعمون ان دباغه ذكاته «4» و الحديث ضعيف سندا فلا مجال للبحث في دلالته.

و منها ما رواه الوشاء قال سألت أبا الحسن عليه السلام فقلت: أن أهل الجبل تثقل عندهم أليات الغنم فيقطعونها قال هي حرام قلت فنستصبح بها قال: أ ما تعلم أنه يصيب اليد و الثوب و هو حرام «5» و الحديث ضعيف سندا فلا اعتبار به.

و منها رواه الكاهلي قال: سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السلام و أنا عنده عن قطع أليات الغنم فقال: لا بأس بقطعها اذا كنت تصلح بها مالك ثم قال: ان في كتاب علي عليه السلام ان ما قطع منها ميت لا ينتفع به «6» و المستفاد من الحديث حرمة

______________________________

(1) الوسائل الباب 49 من ابواب النجاسات الحديث: 1

(2) الوسائل الباب 61 من ابواب النجاسات الحديث 1

(3) الوسائل الباب 49 من ابواب النجاسات الحديث 2

(4) الوسائل الباب

61 من ابواب النجاسات الحديث 3

(5) الوسائل الباب 32 من ابواب الاطعمة المحرمة الحديث 1

(6) الوسائل الباب 30 من ابواب الذبايح الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 43

الانتفاع بالميتة.

و منها ما رواه سماعة قال سألته عن أكل الجبن و تقليد السيف و فيه الكيمخت و الفراء فقال: لا بأس ما لم يعلم أنه ميتة «1» و الحديث يدل علي حرمة الانتفاع من الميتة في الجملة.

و منها ما رواه ابو إسحاق عن أبي الحسن عليه السلام قال كتبت إليه أسأله عن جلود الميتة التي يؤكل لحمها ذكيا فكتب عليه السلام لا ينتفع من الميتة بإهاب و لا عصب و كلما كان من السخال الصوف ان جز و الشعر و الوبر و الانفحة و القرن و لا يتعدي الي غيرها إن شاء اللّه «2» و الحديث دال علي حرمة الانتفاع بالميتة في الجملة.

و منها رواه الحلبي قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الخفاف التي تباع في السوق فقال: اشتر و صل فيها حتي تعلم انه ميتة بعينه «3» و المستفاد من الحديث حرمة الانتفاع بالميتة في الجملة.

و استدل علي جواز الانتفاع بجملة من النصوص منها ما رواه الصيقل و ولده قال كتبوا الي الرجل جعلنا اللّه فداك انا قوم نعمل السيوف ليست لنا معيشة و لا تجارة غيرها و نحن مضطرون إليها و انما علاجنا جلود الميتة و البغال و الحمير الاهلية لا يجوز في أعمالنا غيرها فيحل لنا عملها و شراؤها و بيعها و مسها بايدينا و ثيابنا و نحن نصلي في ثيابنا و نحن محتاجون الي جوابك في هذه المسألة يا سيدنا لضرورتنا فكتب: اجعل ثوبا للصلاة و كتب إليه

جعلت فداك و قوائم السيوف التي تسمي السفن نتخذها من جلود السمك فهل يجوز لي العمل و لسنا نأكل لحومها؟ فكتب عليه السلام لا بأس «4» و الحديث ضعيف سندا فلا مجال لملاحظة دلالته علي المدعي.

______________________________

(1) الوسائل الباب باب 34 من ابواب الاطعمة المحرمة الحديث 5

(2) الوسائل الباب باب 33 من ابواب الاطعمة المحرمة الحديث: 7

(3) الوسائل الباب 50 من ابواب النجاسات الحديث: 2

(4) الوسائل الباب 38 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 4

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 44

و منها رواه البزنطي صاحب الرضا عليه السلام قال: سألته عن الرجل يكون له الغنم يقطع من ألياتها و هي أحياء أ يصلح أن ينتفع بما قطع؟ قال نعم يذيبها و يسرج بها و لا يأكلها و لا يبيعها «1» و الحديث علي فرض تمامية سنده يدل علي الجواز في الجملة فيرفع اليد عن الاطلاقات الدالة علي الحرمة بتقييدها بهذه الرواية.

و منها ما رواه ابو بصير «2» و قد مر ان الحديث ضعيف سندا فلا مجال لملاحظة دلالته و منها ما رواه سماعة قال سألته عن جلد الميتة المملوح و هو الكيمخت فرخص فيه و قال ان لم تمسه فهو أفضل «3» و المستفاد من الحديث جواز الانتفاع بالميتة في الجملة فلا وجه للحكم بعموم الجواز كما عليه سيدنا الاستاد مضافا الي انه يقع التعارض بين هذه الرواية و رواية اخري لسماعة «4» فان المستفاد من هذه الرواية عدم الجواز فيقع التعارض بين الحديثين و لا ترجيح لاحد الطرفين علي الاخر من حيث ان المتأخر منهما غير معلوم فالمحكم رواية المنع نعم مقتضي حديث البزنطي «5» جواز الاستصباح بالاليات المقطوعة من الغنم.

و مما يدل

علي حرمة الانتفاع بالميتة ما روي عن علي عليه السلام انه سئل عن شاه مسلوخة و أخري مذبوحة علي الراعي أو علي صاحبها، فلا يدري الذكية من الميتة قال يرمي بها جميعا الي الكلاب «6» فان الامر بالرمي بها الي الكلاب عبارة اخري عن عدم قابلية الميتة للانتفاع و صفوة القول ان مقتضي الادلة

______________________________

(1) الوسائل الباب 30 من ابواب الذبايح الحديث: 4

(2) راجع ص 42

(3) الوسائل الباب 34 من الاطعمة المحرمة الحديث 8

(4) راجع ص 43

(5) مر آنفا

(6) المستدرك الباب 7 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 45

المتقدمة و النصوص المشار إليها عدم جواز الانتفاع بالميتة ففي كل مورد قام الدليل من اجماع تعبدي أو غيره علي الجواز كما دل النص «1» علي جواز الاستصباح بالاليات فالتزم بالجواز و الا فلا.

الفرع الثاني في انه هل يجوز بيع الميتة وضعا و يصح بيعها أم لا؟
اشارة

و لا يخفي ان مقتضي القواعد الاولية صحة بيعها و الفساد و الحرمة الوضعية يحتاج الي الدليل

و ما يمكن ان يستدل به علي حرمة بيع الميتة وضعا وجوه:
الوجه الأول الاجماع

و فيه ان المنقول منه غير حجة و المحصل منه علي فرض تحصيله يمكن ان يكون مدركيا و مستندا الي الوجوه المذكورة في المقام فلا يكون اجماعا تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم.

الوجه الثاني ان الميتة من الأعيان النجسة و لا يجوز بيع النجس

و فيه انه قد مر انه لا دليل علي كون النجاسة بنفسها مانعة عن صحة البيع مضافا الي ان الكلام في مطلق الميتة لا في خصوص الميتة النجسة.

الوجه الثالث انه يحرم الانتفاع بالميتة فتدخل فيما لا مالية له

فيكون اكل المال في مقابلها اكلا للمال بالباطل و فيه انه قد مر ان الجار في الآية لا يكون للمقابلة بل للسببية.

الوجه الرابع النصوص العامة المتقدمة

كقوله صلي اللّه عليه و آله و سلم اذا حرم اللّه شيئا حرم ثمنه فانها تقتضي فساد بيعها، و فيه انه قد مر ان الروايات المشار إليها ضعيفة سندا فلا اعتبار بها.

الوجه الخامس النصوص الخاصة

منها ما رواه علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسي بن جعفر عليهما السلام قال سألته عن الماشية تكون لرجل فيموت بعضها أ يصلح له بيع جلودها و دباغها و يلبسها قال: لا و ان لبسها فلا يصلي فيها «2»

______________________________

(1) راجع ص 44

(2) الوسائل الباب 34 من ابواب الاطعمة المحرمة الحديث 6

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 46

فانه يستفاد من هذه الرواية عدم جواز بيع جلد الميتة اذ النهي عن عنوان المعاملة يكون ارشادا الي الفساد علي ما هو المقرر عند القوم.

و منها ما رواه البزنطي «1» فان المستفاد من الحديث حرمة بيع الأليات وضعا بالتقريب المتقدم و منها ما رواه السكوني عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال:

السحت ثمن الميتة و ثمن الكلب و ثمن الخمر و مهر البغي و الرشوة في الحكم و أجر الكاهن «2» فان مقتضي هذا الحديث فساد بيع الميتة علي الاطلاق لكن الرواية مخدوشة سندا.

و منها ما ارسله الصدوق محمد بن علي بن الحسين قال قال عليه السلام أجر الزانية سحت و ثمن الكلب الذي ليس بكلب الصيد سحت و ثمن الخمر سحت و أجر الكاهن سحت و ثمن الميتة سحت «3». و تقريب الاستدلال بالرواية هو التقريب لكن المرسل لا اعتبار به.

و منها ما عن علي عليه السلام قال: من السحت ثمن الميتة و ثمن اللقاح و مهر البغي «4» و الرواية ضعيفة سندا و منها ما عن النبي صلي اللّه عليه و

آله و سلم لعلي عليه السلام قال: يا علي من السحت ثمن الميتة و ثمن الكلب و ثمن الخمر الحديث «5» و السند ضعيف.

و منها ما ارسله في الدعائم عن جعفر بن محمد عليه السلام انه سئل عن جلود الغنم يخلط الذكي منها بالميتة و يعمل منها الفراء، فقال: ان لبستها فلا تصل فيها و ان علمت انها ميتة فلا تشترها و لا تبعها، و ان لم تعلم فاشتر و بع «6» و السند

______________________________

(1) راجع ص 44

(2) الوسائل الباب 5 من ابواب ما يكتسب به الحديث 5

(3) الوسائل الباب 5 من ابواب ما يكتسب به الحديث 8

(4) المستدرك الباب 5 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

(5) الوسائل الباب 5 من ابواب ما يكتسب به الحديث 9

(6) مستدرك الوسائل الباب 7 من ابواب ما يكتسب به الحديث 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 47

ضعيف بالإسال و استدل علي الجواز ببعض النصوص منها ما رواه قاسم الصيقل و ولده «1» و أيضا استدل برواية القاسم الصيقل «2» بتقريب ان الإمام عليه السلام قرر السائل علي ما في ارتكازه من الجواز و انما ارشده الي كون الميتة مانعة في الصلاة و قد مر ان الحديثين ضعيفان سندا.

و اما حديث ابي بصير «3» الدال علي شراء الفرو فضعيف سنده مضافا الي ان سوق المسلم او يده أمارة التذكية فالنتيجة عدم جواز بيع الميتة وضعا لكن مقتضي الصناعة اختصاص المنع بجلدها نعم يستفاد عموم الحكم من حديث البزنظي فانه لا يفهم العرف الفرق بين الاليات المقطوعة و غيرها من اعضائها فلاحظ.

الفرع الثالث في حكم بيع المذكي المختلط بالميتة
اشارة

و الكلام في هذا النوع يقع في مقامين

المقام الأول في حكم البيع بمقتضي القواعد العامة

المقام الثاني في حكم المسألة بمقتضي الروايات الواردة في خصوص المقام.

اما المقام الأول فنقول ان كان المذكي ممتازا عن الميتة و باع المجموع يصح البيع بالنسبة الي المذكي لوجود المقتضي و يبطل بالنسبة الي الميتة فان ضم احدهما الي الأخر لا يقتضي الصحة كما هو ظاهر و اما مع عدم التميز فلا يصح بيع الميتة علي ما تقدم من عدم جواز بيعها و اما بيع المذكي فان كان المدرك لعدم جواز بيع الميتة الإجماع و النص فلا يكونان مانعين عن صحة بيع المذكي لعدم شمول الدليل اياه كما هو ظاهر.

و اما لو كان المانع عدم جواز الانتفاع بالميتة فأفاد المصنف قدس سره بانه لا يجوز بيعه أيضا اذ قرر في محله ان العلم الإجمالي منجز و يجب الاجتناب عن

______________________________

(1) راجع ص 43

(2) راجع ص 41

(3) راجع ص 42

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 48

جميع الأطراف في العلم الإجمالي بل لا يجوز حتي علي القول بعدم وجوب الاجتناب عن تمام الأطراف و كفاية الاجتناب عن البعض و عدم وجوب الاجتناب عن بعضها الأخر لأن هذا يختص بما تجري في الأطراف اصالة الحل و اما في مثل المقام فلا لأن مقتضي اصالة عدم التذكية في كل من الطرفين كون كل واحد منهما ميتة ظاهرا فيجب ترتيب احكام الميتة عليها و اورد عليه سيدنا الأستاد بان اصالة عدم التذكية لا تثبت كون الحيوان ميتة الا علي القول بالمثبت لأن عنوان الميتة أمر وجودي لا يمكن اثباته باستصحاب عدم التذكية و بعبارة اخري الميتة عنوان مضاد للمذكي و لا يثبت احد الضدين باصالة عدم الضد الأخر فالحري بنا ان

نلاحظ كلمات اللغويين في المقام:

قال في المنجد الميتة مؤنث الميت الحيوان الذي مات حتف انفه او علي هيئة غير شرعية و قال الراغب في مفرداته و الميتة من الحيوان ما زال روحه بغير تذكية و عن تاج العروس عن ابي عمرو و الميتة ما لم تدرك تذكيته و عن المصباح المراد بالميتة في عرف الشرع ما مات حتف انفه او قتل علي هيئة غير مشروعة و عن تهذيب الأسماء و اللغات عن اهل اللغة و الفقهاء الميتة ما فارقته الروح بغير ذكاة فان المستفاد من اكثر العبائر المذكورة ان المراد من الميتة الحيوان الذي زالت روحه بسبب غير شرعي لا الحيوان الذي لم تحقق التزكية الشرعية بالنسبة إليه و عليه لا يمكن اثبات الميتة باستصحاب عدم التذكية الا علي القول بالمثبت بل لو شك في معني الميتة و احتمل ان الميتة عبارة عن الحيوان الذي زالت روحه بغير تذكية لا يمكن ترتيب احكام الميتة باستصحاب عدم التذكية اذ لا يجوز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

اذا عرفت ما ذكرنا نقول حيث ان اصالة عدم التذكية غير جارية فلا يكون بيع كل واحد من الطرفين مقرونا بالمانع في صورة كون المشتري متعددا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 49

اذ لا يلزم العلم الإجمالي المنجز للتكليف فانه لو كان المشتري متعددا لا مانع من جريان اصالة البراءة للمشتري هذا بالنسبة الي المشتري و اما بالنسبة الي البائع فعلي القول بتنجز العلم الإجمالي لا يجوز له بل مقتضي اصالة الفساد في المعاملة فساد بيع كل واحد منهما و لا يلزم الا المخالفة الالتزامية و المفروض انها لا تمنع عن جريان الأصل في الأطراف هذا علي تقدير الالتزام بكون

العلم الإجمالي منجزا كما هو المشهور بين القوم و اما ان قلنا بعدم كونه منجزا فلا مانع من جريان الأصل في بعض الأطراف و يترتب عليه جواز التصرف في بعضها الأخر تكليفا و صحته وضعا فلاحظ و ما ذكرنا بالنسبة الي الأدلة مع قطع النظر عن النصوص الخاصة الواردة في المقام.

هذا تمام الكلام في المقام الأول و أما

المقام الثاني فقد ورد في المقام حديثان يدلان علي جواز البيع

من المستحل للميتة احدهما ما رواه الحلبي قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: اذا اختلط الذكي و الميتة باعه ممن يستحل الميتة و اكل ثمنه «1» و ثانيهما ما عن حماد عن الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السلام انه سئل عن رجل كان له غنم و بقر و كان يدرك الذكي منها و يعزل الميتة ثم ان الميتة و الذكي اختلطا كيف يصنع به؟ قال يبيعه ممن يستحل الميتة و يأكل ثمنه فانه لا بأس 2 فان مقتضي هذين الحديثين جواز البيع من المستحل و يعارضهما بعض النصوص لاحظ ما عن الجعفريات «3» فان مقتضي الحديث المشار إليه عدم جواز الانتفاع بالميتة و عدم جواز البيع حتي من المستحل لكن الرواية ضعيفة سندا فالعمل علي طبق الحديثين الآخرين فالنتيجة جواز بيع المختلط من المستحل.

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 7 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 1 و 2

(3) راجع صفحه 44

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 50

ثم انه هل يجوز بيع الميتة مع التميز من المستحل افاد سيدنا الأستاد انه يجوز ضرورة ان الاختلاط و الاشتباه لا دخل له في الجواز فيقيد بدليل الجواز ما يدل علي الحرمة علي الإطلاق و الذي يختلج ببالي القاصر في هذه العجالة انه لا وجه

لما ذكره لأن الأحكام الشرعية احكام تعبدية لا بدّ من الاقتصار فيها بمقدار دلالة الدليل و اما الزائد فلا مضافا الي ان المستفاد من الحديثين ليس جواز بيع الميتة بل المستفاد منه اما جواز بيع مجموع المختلط من المذكي و الميتة و اما جواز بيع المذكي فقط فان الضمير في قوله عليه السلام (باعه) في الحديث الأول و يبيعه في الحديث الثاني اما يرجع الي المختلط و اما يرجع الي المذكي و علي كلا التقديرين لا يرتبط كلامه عليه السلام ببيع خصوص الميتة فلاحظ.

الفرع الرابع هل يجوز بيع ميتة ما لا نفس سائلة له أم لا

مقتضي اطلاق بعض النصوص عدم الجواز لاحظ ما رواه الحلبي «1» و لاحظ ما رواه سماعة قال سألته عن جلود السباع أ ينتفع بها؟ فقال. اذا رميت و سميت فانتفع بجلده و اما الميتة فلا «2» فان مقتضي الإطلاق عدم الفرق بين الميتة الطاهرة و النجسة و دعوي ظهور الأدلة في خصوص النجسة بلا دليل.

الفرع الخامس انه هل يجوز الانتفاع بميتة ما لا نفس له أم لا

مقتضي اطلاق بعض النصوص عدم الجواز لاحظ ما رواه ابن مسلم «3» و لاحظ ما رواه سماعة «4» فان مقتضي الحديثين عدم الفرق بين الموردين فالجواز يحتاج الي الدليل فان ثبت اجماع تعبدي كاشف عن رأي المعصوم عليه السلام او اذا تحققت سيرة خارجية فهو و الا يشكل الجزم بالجواز و المرجع اطلاق دليل المنع.

______________________________

(1) لاحظ ص 49

(2) الوسائل الباب 34 من أبواب الاطعمة المحرمة الحديث: 4

(3) لاحظ ص 42

(4) تقدم آنفا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 51

الفرع السادس: انه هل يجوز الانتفاع بالأجزاء التي لا تحله الحياة من الميتة أم لا؟

و الحق انه يجوز فانه يستفاد من جملة من النصوص ان ما لا تحله الحياة لا يكون محكوما باحكام الميتة منها ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة، ان الصوف ليس فيه روح «1» فانه يستفاد من عموم العلة ان ما لا روح فيه لا يحكم عليه بحكم الميتة.

و منها ما رواه حريز قال: قال ابو عبد اللّه عليه السلام لزرارة «عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه لزرارة» و محمد بن مسلم: اللبن و اللباء و البيضة و الشعر و الصوف و القرن و الناب و الحافر و كل شي ء يفصل من الشاة و الدابة فهو ذكي و ان اخذته منه بعد أن يموت فاغسله و صل فيه «2» فان المستفاد من الحديث ان المذكورات خارجة عن الميتة موضوعا الي غيرهما من النصوص المذكورة في مواردها فلا اشكال في الحكم.

الفرع السابع في انه هل يجوز بيع الأجزاء التي لا تحله الحياة أم لا؟

الحق هو الجواز لوجود المقتضي و عدم المانع فان المذكورات خارجة عن موضوع الحكم اذ المفروض عدم الحياة فيها فلا تشملها ادلة حرمة بيع الميتة اما موضوعا و اما حكما فلاحظ.

الفرع الثامن انه هل يجوز بيع الميتة تكليفا أم لا؟

الحق هو الجواز اذ لا دليل علي الحرمة التكليفية و مقتضي القاعدة الأولية الجواز كما هو ظاهر.

«قوله قدس سره لا فرق بين الكافر المستحل للميتة و غيره … »

لا يبعد ان يكون عدم الفرق من باب ان الكافر مكلف بالفروع كما يكون مكلفا بالأصول فلا فرق بينه و بين المسلم و لكن هذا مع قطع النظر عن الدليل الخاص

______________________________

(1) الوسائل الباب 68 من أبواب النجاسات الحديث 1

(2) الوسائل الباب 33 من ابواب الاطعمة المحرمة الحديث 3

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 52

الوارد في المقام و اما مع لحاظه فلا يبقي لهذا البيان مجال كما انه قد ظهر مما ذكرنا انه لا معارض لدليل الجواز و لا وجه للأشكال في الرواية بعد تمامية دلالتها و سندها و عدم عمل المشهور بها علي فرض تماميته لا يوجب التوقف فلا يمكن مساعدة المصنف في مقالته كما انه يظهر لمن يراجع ما ذكرنا موارد النظر في كلام الشيخ قدس سره و اللّه العالم.

[السادسة يحرم التكسب بالكلب الهراش و الخنزير البريين]
اشارة

«قوله قدس سره السادسة يحرم التكسب بالكلب الهراش و الخنزير البريين … »

يقع الكلام في فرعين

الفرع الأول في حكم بيع الكلب الهراش

و الكلام فيه تارة من حيث الحكم الوضعي و اخري من حيث الحكم التكليفي اما من حيث الحكم الوضعي فقد استدل بالإجماع و حال الإجماع في الأشكال ظاهر اذ علي تقدير تحقق الإجماع المحصل يمكن و يحتمل كونه مستندا الي النصوص الواردة في المقام و يمكن الاستدلال علي المدعي بجملة من النصوص.

منها ما عن السكوني عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: السحت ثمن الميتة و ثمن الكلب و ثمن الخمر و مهر البغي و الرشوة في الحكم و أجر الكاهن «1».

و منها ما عن أبي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السلام في حديث ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم قال ثمن الخمر و مهر البغي و ثمن الكلب الذي لا يصطاد من السحت 2.

و منها ما عن محمد بن علي بن الحسين قال: قال عليه السلام أجر الزانية سحت و ثمن الكلب الذي ليس بكلب الصيد سحت «3» الحديث.

و منها ما عن جعفر بن محمد عن آبائه في وصية النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم لعلي عليه السلام قال: يا علي من السحت ثمن الميتة و ثمن الكلب الحديث 4

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 5 من ابواب ما يكتسب به الحديث 5 و 7

(3) (3 و 4) الوسائل الباب 5 من ابواب ما يكتسب به الحديث 8 و 9

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 53

و منها ما عن الحسين بن علي عن ابيه عليهم السلام في حديث ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم نهي

عن خصال تسعة عن مهر البغي و عن عسيب الدابة يعني كسب الفحل و عن خاتم الذهب و عن ثمن الكلب «1».

و منها ما عن ابي عبد اللّه العامري قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن ثمن الكلب الذي لا يصيد فقال سحت و اما الصيود فلا بأس «2».

و منها ما عن الحسن بن علي القاساني عن الرضا عليه السلام في حديث قال:

و ثمن الكلب سحت 3.

و منها ما عن عبد الرحمن بن ابي عبد اللّه عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال ثمن الكلب الذي لا يصيد سحت ثم قال: و لا بأس بثمن الهر 4

و منها ما عن جراح المدائني قال قال ابو عبد اللّه عليه السلام من اكل السحت ثمن الخمر و نهي عن ثمن الكلب «5».

و منها ما عن ابي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن ثمن كلب الصيد قال: لا بأس بثمنه و الاخر لا يحل ثمنه 6.

و منها بهذا الأسناد عن أبي عبد اللّه عليه السلام ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم قال ثمن الخمر و مهر البغي و ثمن الكلب الذي لا يصطاد من السحت 7.

و منها عن الوليد العماري قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن ثمن الكلب الذي لا يصيد فقال سحت و اما الصيود فلا بأس «8».

و منها ما عن الحسن بن علي الوشاء عن الرضا عليه السلام قال سمعته يقول:

ثمن الكلب سحت و السحت في النار 9.

______________________________

(1) الوسائل الباب 5 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 13

(2) (2 و 3 و 4) الوسائل الباب 14 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 1 و 2 و

3

(5) (5 و 6 و 7) الوسائل الباب 14 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 4 و 5 و 6

(8) (8 و 9) الوسائل الباب 14 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 7 و 8

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 54

فان مقتضي هذه النصوص فساد بيع الكلب الهراش و النصوص المشار إليها و ان كان بعضها غير نقي السند لكن في المعتبرة منها كفاية.

و اما الكلام من حيث الحكم التكليفي فمقتضي القاعدة الأولية الجواز و الظاهر انه ليس في المقام ما يدل علي الحرمة و اللّه العالم.

الفرع الثاني في حكم بيع الخنزير وضعا و تكليفا

اما من حيث الحكم الوضعي فقال سيدنا الأستاد «1» المشهور بل المجمع عليه بين الخاصة و العامة عدم جواز بيعه قال في التذكرة و لو باع نجس العين كالخنزير لم يصح اجماعا الخ، و العمدة النصوص الواردة في المقام فنقول يستفاد من جملة من النصوص حرمة بيع الخنزير و فساده:

منها ما رواه معاوية بن سعيد عن الرضا عليه السلام قال: سألته عن نصراني أسلم و عنده خمر و خنازير و عليه دين هل يبيع خمره و خنازيره و يقضي دينه قال:

لا «2». و هذه الرواية ضعيفة بكلا سنديها

و منها ما رواه يونس في مجوسي باع خمرا او خنازير الي اجل مسمي ثم اسلم قبل ان يحل المال قال: له دراهمه و قال اسلم رجل و له خمر او خنازير ثم مات و هي في ملكه و عليه دين قال يبيع ديانه او ولي له غير مسلم خمره و خنازيره و يقضي دينه و ليس له ان يبيعه و هو حي و لا يمسكه «3» و هذه الرواية ضعيفة سندا أيضا.

و منها ما عن الجعفريات عن علي

بن ابي طالب عليه السلام قال من السحت ثمن الميتة الي ان قال: و أجر القائف و ثمن الخنزير و اجر القاضي و اجر الساحر

______________________________

(1) مصباح الفقاهة ج 1 ص 79

(2) الوسائل الباب 57 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 1

(3) الوسائل الباب 57 من ابواب ما يكتسب به الحديث 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 55

الحديث «1». و هذه الرواية ضعيفة بموسي بن اسماعيل.

و منها مرسلة الدعائم ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم نهي عن بيع الأحرار و عن بيع الميتة و الخنزير و الأصنام و عن عسيب الفحل و عن ثمن الخمر و عن بيع العذرة و قال هي ميتة «2» و المرسل لا اعتبار به و منها النصوص العامة من تحف العقول و الفقه الرضوي و دعائم الإسلام و قد تقدم ضعف النصوص المشار إليها و عدم جابر لها و يمكن الاستدلال علي جواز بيعه و صحته بجملة من النصوص أيضا:

منها ما رواه ابن جعفر عن اخيه موسي بن جعفر عليه السلام قال سألته عن رجلين نصرانيين باع أحدهما خمرا أو خنزيرا الي اجل فاسلما قبل ان يقبضا الثمن هل يحل له ثمنه بعد الإسلام؟ قال انما له الثمن فلا بأس ان يأخذه «3» فانه يستفاد من هذه الرواية جواز بيع الخنزير اذا كان البائع نصرانيا و لا يدل علي عدم الجواز فيما اذا كان البائع مسلما و قوله عليه السلام انما له الثمن معناه ان البائع بعد ما اسلم يكون الثمن له لا لغيره فالمستفاد من الحصر ان الثمن للبائع بعد اسلامه و ليس لغيره فلا يستفاد من الحديث انه لا يجوز له بعد الإسلام

بيع الخنزير لا وضعا و لا تكليفا فهذه الرواية تدل علي الجواز لكن في الجملة.

و منها ما رواه منصور قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: لي علي رجل ذمي دراهم فيبيع الخمر و الخنزير و انا حاضر فيحل لي اخذها، فقال انما لك عليه دراهم فقضاك دراهمك «4» و هذه الرواية تدل علي جواز بيع الخنزير اذا كان البائع ذميا و منها ما رواه ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في رجل كان له علي رجل

______________________________

(1) المستدرك الباب 5 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

(2) المستدرك الباب 5 من ابواب ما يكتسب به الحديث 5

(3) الوسائل الباب 61 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

(4) الوسائل الباب 60 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 56

دراهم فباع خمرا و خنازير و هو ينظر فقضاه فقال: لا بأس به اما للمقتضي فحلال و اما للبائع فحرام «1» و هذه الرواية بإطلاقها تدل علي جواز بيع الخنزير.

و منها ما رواه زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يكون لي عليه الدراهم فيبيع بها خمرا و خنزيرا ثم يقضي منها قال: لا بأس او قال: خذها «2» و هذه الرواية أيضا بإطلاقها تقتضي جواز البيع و صحته و صفوة القول ان مقتضي جملة من النصوص جواز البيع غاية الأمر يدل بعضها علي الجواز في الجملة و بعضها الأخر يدل علي الجواز علي الإطلاق و لا معارض لهذه النصوص اذ تقدم ضعف سند ما يمكن ان يذكر وجها للفساد لكن مع ذلك هل يمكن القول بالجواز مع دعوي الإجماع علي عدم الجواز من الخاصة و العامة و

اللّه العالم هذا تمام الكلام بالنسبة الي الحكم الوضعي.

و اما حكم بيع الخنزير تكليفا فيستفاد من حديث ابن مسلم «3» حرمته و تقريب الاستدلال بالحديث علي المدعي انه عليه السلام حكم بالحلية للمقتضي و الحال ان البيع لو كان حراما لم يكن اخذ الثمن حلالا لكونه مال الغير مضافا الي ان قوله عليه السلام في جواب السائل لا بأس صريح في الجواز الوضعي و اما قوله عليه السلام و اما للبائع فحرام فيدل علي حرمة البيع تكليفا و اللّه العالم.

«قوله و كذلك اجزائهما … »

لا اشكال في انه لا يصدق عنوان الكلب او الخنزير علي جزئهما فلا يمكن الاستدلال علي الحرمة بما يدل علي حرمة بيع الكلب او الخنزير علي تقدير القول بحرمة بيعهما نعم يمكن أن يقال ان العنوان المأخوذ في الموضوع اي عنوان الخنزير او الكلب يصدق علي الميتة منهما عرفا و اما الجزء من الخنزير او الكلب

______________________________

(1) الوسائل الباب 60 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 2

(2) الوسائل الباب 60 من ابواب ما يكتسب به الحديث 3

(3) لاحظ ص: 55

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 57

فلا يصدق عليه العنوان نعم يصدق علي الأجزاء التي تحله الحياة عنوان الميتة لكن لو قلنا بجواز بيع الخنزير وضعا حيا كان او ميتة هل يمكن الالتزام بعدم الجواز بالنسبة الي اجزائه؟

«قوله قدس سره نعم لو قلنا بجواز استعمال شعر الخنزير … »

قد تقدم ان عدم جواز الانتفاع لا يوجب المنع و الفساد كما ان جواز الانتفاع لا يقتضي الجواز و قد ورد جواز الانتفاع بشعر الخنزير في جملة من النصوص منها ما عن زرارة عن ابي جعفر عليه السلام قال قلت له: ان رجلا

من مواليك يعمل الحمايل بشعر الخنزير قال: اذا فرغ فليغسل يده «1».

و منها ما عن يرد الإسكاف قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن شعر الخنزير يعمل به قال خذ منه فاغسله بالماء حتي يذهب ثلث الماء، و يبقي ثلثاه، ثم اجعله في فخارة حديدة ليلة باردة، فان جمد فلا تعمل به و ان لم يجمد فليس له دسم فاعمل به و اغسل يدك اذا مسسته عند كل صلاة قلت و وضوء قال: لا اغسل يدك كما تمس الكلب 2.

و منها ما عن برد الإسكاف أيضا قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام اني رجل خراز و لا يستقيم عملنا الا شعر الخنزير نخرز به قال خذ منه و بره فاجعلها في فخارة ثم او قد تحتها حتي يذهب دسمها ثم اعمل به «3».

و منها عن برد قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام جعلت فداك انا نعمل بشعر الخنزير فربما نسي الرجل فصلي و في يده منه شي ء فقال: لا ينبغي ان يصلي و في يده منه شي ء فقال خذوه فاغسلوه فما كان له دسم فلا تعملوا به و ما لم يكن له دسم فاعملوا به و اغسلوا ايديكم منه 4.

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 58 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1 و 2

(3) (3 و 4) الوسائل الباب 58 من ابواب ما يكتسب به الحديث 3 و 4

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 58

و منها عن سليمان الإسكاف قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن شعر الخنزير يخرز به قال: لا بأس به و لكن يغسل يده اذا اراد أن يصلي «1» و حديث زرارة لا بأس

به سندا و بقية الروايات كلها ضعيفة سندا فالانتفاع بشعر الخنزير لا بأس به و اما الانتفاع ببقية اجزائه التي لا تحله الحياة فالظاهر انه لا مانع منه لعدم ما يقتضي الحرمة و اما اجزائه التي تحله الحياة فهي محكومة بحكم الميتة لصدق العنوان عليها.

[السابعة يحرم التكسب بالخمر و كل مسكر مائع و الفقاع اجماعا نصا و فتوي]
اشارة

«قوله قدس سره السابعة يحرم التكسب بالخمر … »

في هذه المسألة فروع

الفرع الأول انه يحرم وضعا بيع الخمر

قال سيدنا الأستاد في هذا المقام علي ما في التقرير «2» قد قامت الضرورة من المسلمين و اطبقت الروايات من الفريقين علي حرمة بيع الخمر و كل مسكر مائع مما يصدق عليه عنوان الخمر من النبيذ و الفقاع و غيرهما الخ و تدل علي المدعي جملة من النصوص:

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، 4 جلد، كتابفروشي محلاتي، قم - ايران، اول، 1413 ه ق عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب؛ ج 1، ص: 58

منها ما عن محمد بن مسلم عن ابي عبد اللّه عليه السلام في رجل ترك غلاما له في كرم له يبيعه عنبا او عصيرا فانطلق الغلام فعصر خمرا ثم باعه قال لا يصلح ثمنه ثم قال: ان رجلا من ثقيف أهدي الي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم راويتين من خمر فأمر بهما رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم فاهريقتا، و قال ان الذي حرم شربها حرم ثمنها ثم قال ابو عبد اللّه عليه السلام ان افضل خصال هذه التي باعها الغلام ان يتصدق بثمنها «3».

و منها ما عن زيد بن علي عن آبائه عليهم السلام قال: لعن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم الخمر و عاصرها و معتصرها و بايعها و مشتريها و ساقيها و آكل ثمنها و شاربها و حاملها و المحمولة إليه 4 و منها ما عن جابر عن ابي جعفر عليه السلام

______________________________

(1) الوسائل الباب 65 من ابواب الاطعمة المحرمة الحديث 3

(2) مصباح الفقاهة ج 1 ص 82

(3) (3 و 4) الوسائل الباب 55 من

ابواب ما يكتسب به الحديث 1 و 3

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 59

قال لعن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم في الخمر عشرة غارسها و حارسها و عاصرها و شاربها و ساقيها و حاملها و المحمولة إليه و بايعها و مشتريها و آكل ثمنها «1».

و منها ما عن الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه عليهم السلام في حديث المناهي ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم نهي أن يشتري الخمر و أن يسقي الخمر و قال: لعن اللّه الخمر و غارسها و عاصرها و شاربها و ساقيها و بايعها و مشتريها و آكل ثمنها و حاملها و المحمولة إليه 2.

و منها ما عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن ثمن الخمر قال: اهدي الي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم راوية خمر بعد ما حرمت الخمر فامر بها أن تباع فلما ان مر بها الذي يبيعها ناداه رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم من خلفه يا صاحب الرواية ان الذي حرم شربها فقد حرم ثمنها فامر بها فصبت في الصعيد فقال: ثمن الخمر و مهر البغي و ثمن الكلب الذي لا يصطاد من السحت «3».

و منها ما عن جراح المدائني قال قال ابو عبد اللّه عليه السلام من أكل السحت ثمن الخمر و نهي عن ثمن الكلب 4.

و منها ما عن عمار بن مروان قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الغلول فقال كل شي ء غل من الامام فهو سحت و اكل مال اليتيم و شبهه سحت، و السحت أنواع كثيرة منها اجور الفواجر

و ثمن الخمر و النبيذ و المسكر و الربا بعد البينة فاما الرشاء في الحكم فان ذلك الكفر باللّه العظيم جل اسمه و برسوله صلي اللّه عليه و آله و سلم «5».

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 55 من ابواب ما يكتسب به الحديث 4 و 5

(3) (3 و 4) الوسائل الباب 55 من ابواب ما يكتسب به الحديث 6 و 7

(5) الوسائل الباب 5 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 60

و منها ما عن سماعة قال قال: أبو عبد اللّه عليه السلام السحت أنواع كثيرة منها كسب الحجام اذا شارط و أجر الزانية و ثمن الخمر و أما الرشا في الحكم فهو الكفر باللّه العظيم «1» و منها ما عن السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال السحت ثمن الميتة و ثمن الكلب و ثمن الخمر و مهر البغي و الرشوة في الحكم و أجر الكاهن 2.

و منها ما عن سماعة قال قال: السحت انواع كثيرة: منها كسب الحجام و اجر الزانية و ثمن الخمر «3».

و منها ما عن أبي بصير عن أبي اللّه عليه السلام في حديث أن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم قال: ثمن الخمر و مهر البغي و ثمن الكلب الذي لا يصطاد من السحت «4».

و منها ما عن محمد بن علي بن الحسين قال: قال عليه السلام أجر الزانية سحت و ثمن الكلب الذي ليس بكلب الصيد سحت و ثمن الخمر سحت و أجر الكاهن سحت و ثمن الميتة فاما الرشا في الحكم فهو الكفر باللّه العظيم «5».

و منها في وصية النبي صلي اللّه عليه و آله

و سلم لعلي عليه السلام قال: يا علي من السحت ثمن الميتة و ثمن الكلب و ثمن الخمر و مهر الزانية و الرشوة في الحكم و أجر الكاهن 6 فتحصل ان بيع الخمر حرام وضعا و فاسد شرعا.

الفرع الثاني انه هل يحرم بيع الخمر اذا كان البائع يهوديا أو نصرانيا

يستفاد من بعض النصوص ان البيع صحيح لاحظ ما رواه ابن جعفر «7» و لم يقيد البائع في الحديث بكونه ذميا فلا وجه لهذا التقييد نعم الموضوع المذكور في حديث

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 5 من ابواب ما يكتسب به الحديث 2 و 5

(3) الوسائل الباب 5 من ابواب ما يكتسب به الحديث 6

(4) الوسائل الباب 5 من ابواب ما يكتسب به الحديث 7

(5) (5 و 6) الوسائل الباب 5 من ابواب ما يكتسب به الحديث 8 و 9

(7) لاحظ ص 55

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 61

المنصور «1» عنوان الذمي و لا تعارض بين المثبتين و أما حديثا محمد بن مسلم و زرارة «2» فالموضوع المأخوذ فيهما مطلق و شامل للمسلم أيضا فيقع التعارض بين هذه الطائفة و ما يدل علي المنع علي الاطلاق فلا بد من العلاج فان قلنا بتمامية انقلاب النسبة يخصص دليل المنع بالبايع الكافر و بعد التخصيص تنقلب النسبة من التباين الي العموم و الخصوص فيخصص دليل الجواز بدليل المنع بعد تخصيصه بالكافر و ان لم نقل بهذا المسلك كمالا نقول يشكل الامر اذ المفروض ان المرجح علي مسلكنا عبارة عن الاحدثية و حيث لا تميز بين القديم و الحديث يدخل المقام في كبري اشتباه الحجة بلا حجة و يكون المرجع اطلاقات دليل الجواز لكن كيف يمكن القول بالجواز مع كون حرمة بيع الخمر وضعا كالنار علي المنار فيختص

الجواز بخصوص مورد كون البائع كافرا.

ثم انه هل يمكن القول بالجواز فيما يكون المشتري من الكافر مسلما؟

مقتضي اطلاق نصوص الباب هو الجواز و لكن هل يمكن الالتزام بجواز اشتراء الخمر اذا كان المشتري مسلما؟

الفرع الثالث انه هل يجوز بيع الخمر و شراؤه وضعا بقصد التخليل أم لا؟

الظاهر هو الثاني اذ لا وجه لرفع اليد عن اطلاقات الادلة و مقتضي اطلاقها عدم الفرق و أما حديث جميل قال قلت لابي عبد اللّه عليه السلام يكون لي علي الرجل الدراهم فيعطيني بها خمرا فقال: خذها ثم افسدها قال علي: و اجعلها خلا «3» فلا يرتبط بالمقام فان المستفاد من الحديث جواز اخذ الخمر قضاء للدين بشرط جعلها خلا و هذا حكم خاص وارد في اطار مخصوص و لا ارتباط بينه و بين المقام.

الفرع الرابع انه هل يحرم بيع الخمر تكليفا

الحق انه يحرم للنصوص الكثيرة

______________________________

(1) لاحظ ص 55

(2) لاحظ ص 55 و 56

(3) الوسائل الباب 31 من ابواب الأشربة المحرمة الحديث: 6

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 62

الدالة علي اللعن علي بايعها و شاريها بل يحرم تكليفا حتي فيما يكون البائع كافرا و ذلك لكون الكفار مكلفين بالفروع كما يكونون مكلفين بالاصول فالنصوص الدالة علي حرمة البيع تكليفا تشملهم بل يدل علي المطلوب ما رواه ابن مسلم «1» فان الحديث يدل علي حرمة البيع تكليفا مع فرض كون صحته وضعا و قد ظهر آنفا ان صحة بيع الخمر تختص بالكافر فلاحظ.

الفرع الخامس انه هل يلحق بالخمر كل مسكر مائع أم لا

يستفاد من بعض النصوص ان اللّه حرم الخمر لعاقبتها لاحظ ما رواه ابن يقطين عن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال: ان اللّه عز و جل لم يحرم الخمر لاسمها و لكن حرمها لعاقبتها فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر «2».

و مثله في الدلالة الحديث الثاني و الثالث المذكور ان في الباب المشار إليه.

لكن الانصاف انه يشكل الالتزام بترتب جميع احكام الخمر علي المسكر المائع الذي لا يصدق عليه عنوان الخمر و بعبارة واضحة المائع المسكر الذي يصدق عليه عنوان الخمر لا يحتاج في ترتيب آثار الخمرية عليه الي دليل بل الدليل الاولي يشمله كما هو ظاهر و أما مع عدم الصدق فالانصاف انه يشكل ترتيب جميع الآثار عليه بالنص المشار إليه اذ الظاهر منه بحسب الفهم العرفي جعله كالخمر في خصوص حرمة الشرب فالالتزام بالإطلاق يحتاج الي قيام اجماع تعبدي نعم قوله عليه السلام في الحديث الثاني من الباب فما فعل فعل الخمر فهو خمر يدل علي جعل كل مسكر خمرا حكومة لكن الحديث ضعيف سندا فلا يعتد به كما

ان حديث عطاء بن يسار الدال علي الحكومة ضعيف سندا و هو ما رواه عن أبي

______________________________

(1) راجع ص 55

(2) الوسائل الباب 19 من ابواب الاشربة المحرمة الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 63

جعفر عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم كل مسكر حرام و كل مسكر خمر «1» نعم يمكن ان يستفاد من حديث عمار بن مروان «2» حرمة بيع كل مسكر فانه قد صرح في هذه الرواية بكون ثمن الخمر و النبيذ و المسكر حراما فعليه كل مسكر يكون بيعه حراما وضعا و يستفاد أيضا من جملة من النصوص حرمة كل شراب مسكر:

منها ما عن الفضيل بن يسار قال: ابتدأني أبو عبد اللّه عليه السلام يوما من غير أن أسأله فقال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم كل مسكر حرام قال: قلت اصلحك اللّه كله؟ قال نعم الجرعة منه حرام «3» و منها ما عن فضيل عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: حرم اللّه الخمر بعينها و حرم رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم المسكر من كل شراب فاجاز اللّه له ذلك الي أن قال فكثير المسكر من الاشربة نهاهم عنه نهي حرام و لم يرخص فيه لاحد «4».

و منها ما عن كليب الصيداوي قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: خطب رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم فقال: كل مسكر حرام 5.

و منها ما عن ابي الربيع الشامي قال قال أبو عبد اللّه عليه السلام ان اللّه حرم الخمر بعينها فقليلها و كثيرها حرام كما حرم الميتة و الدم و

لحم الخنزير و حرم رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم الشراب عن كل مسكر و ما حرمه رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم فقد حرمه اللّه عز و جل «6».

______________________________

(1) الوسائل الباب 15 من ابواب الأشربة المحرمة الحديث: 5

(2) لاحظ ص 59

(3) الوسائل الباب 15 من أبواب الاشربة المحرمة الحديث: 1

(4) (4 و 5) الوسائل الباب 15 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث: 2 و 3

(6) الوسائل الباب 15 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث: 4

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 64

و منها ما عن عطاء بن يسار «1» و منها ما عن الفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن النبيذ فقال: حرم اللّه الخمر بعينها و حرم رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم من الاشربة كل مسكر «2».

و منها ما عن عمر بن أبان قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام من شرب مسكرا كان حقا علي اللّه أن يسقيه من طينة خبال قلت: و ما طينة خبال؟ قال صديد فروج البغايا 3.

و منها ما عن مروك عن رجل عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ان أهل الري من المسكر في الدنيا يموتون عطاشا و يحشرون عطاشا و يدخلون النار عطاشا «4».

و منها ما عن سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم من شرب مسكرا لم يقبل منه صلاته أربعين ليلة 5.

و منها ما عن أبي يصر عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم لا ينال شفاعتي من استخف

بصلاته فلا يرد علي الحوض لا و اللّه و لا ينال شفاعتي من شرب المسكر لا يرد علي الحوض لا و اللّه «6».

و منها ما عن سعد الإسكاف عن أبي جعفر عليه السلام قال: من شرب مسكرا لم يقبل منه صلاة أربعين صباحا فان عاد سقاه اللّه من طينة خبال: قال: قلت:

و ما طينة خبال: قال ما يخرج من فروج الزناة 7.

و منها ما عن الفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام قال، ان للّه عز و جل عند كل ليلة من شهر رمضان عتقاء يعتقهم من النار الا من افطر علي مسكرا و شرب

______________________________

(1) راجع ص 62

(2) (2 و 3) الوسائل الباب 15 من أبواب الاشربة المحرمة الحديث 6 و 7

(4) (4 و 5) الوسائل الباب 15 من الاشربة المحرمة الحديث 8 و 9

(6) (6 و 7) الوسائل باب 15 من الاشربة المحرمة الحديث 11 و 12

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 65

مسكرا و من شرب مسكرا انحبست صلاته أربعين يوما و من مات فيها مات ميتة جاهلية «1».

و منها ما عن أبي بصير يعني المرادي عن أبي الحسن عليه السلام قال: انه لما احتضر أبي قال: يا بني انه لا ينال شفاعتنا من استخف بالصلاة و لا يرد علينا الحوض من أدمن هذه الأشربة قلت يا أبة و أي الأشربة فقال: كل مسكر 2.

و منها ما عن عمرو بن شمر قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: من شرب شربة خمر لم يقبل اللّه منه صلاته سبعا و من شرب مسكرا لم تقبل منه صلاته اربعين صباحا «3».

و منها ما عن محمد بن سنان عن أبي الحسن الرضا عليه

السلام قال: حرم اللّه الخمر لما فيها من الفساد و من تغيير عقول شاربها و حملها اياهم علي انكار اللّه عز و جل و الفرية عليه و علي رسله و ساير ما يكون منهم من الفساد و القتل و القذف و الزنا و قلة الاحتجاز من شي ء من المحارم فبذلك قضينا علي كل مسكر من الأشربة أنه حرام محرم لأنه يأتي من عاقبتها ما يأتي من عاقبة الخمر فليجتنب من يؤمن باللّه و اليوم الأخر و يتولانا و ينتحل مودتنا كل شراب مسكر فانه لا عصمة بيننا و بين شاربيها «4».

و منها ما عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام انه كتب الي المأمون:

محض الإسلام شهادة أن لا إله الا اللّه الي قال: و تحريم الخمر قليلها و كثيرها و تحريم كل شراب مسكر قليله و كثيره و ما اسكر كثيره فقليله حرام 5.

و منها ما عن سعد الإسكاف عن أبي جعفر عليه السلام قال: من شرب الخمر أو مسكرا لم تقبل صلاته أربعين صباحا فان عاد سقاه اللّه من طينة خبال قلت و ما

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل باب 15 من أبواب الاشربة المحرمة الحديث 13 و 14

(3) الوسائل باب 15 من أبواب الاشربة المحرمة الحديث 15

(4) (4 و 5) الوسائل باب 15 من أبواب الاشربة المحرمة الحديث 16 و 17

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 66

طينة خبال؟ قال: صديد تخرج من فروج الزناة «1» و منها ما عن القاسم بن محمد عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: حرم اللّه الخمر بعينها و حرم رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم كل مسكر فأجاز اللّه ذلك

له و لم يفوض الي أحد من الأنبياء غيره 2.

و منها ما عن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: ان اللّه حرم الخمر بعينها و حرم رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم كل مسكر فاجاز اللّه له ذلك «3».

و منها ما عن سليمان عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال: حرم اللّه في كتابه الخمر بعينها و حرم رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم كل مسكر فأجاز اللّه له ذلك 4.

و منها ما عن فضيل بن يسار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: كيف كان يصنع أمير المؤمنين عليه السلام بشارب الخمر؟ قال: كان يحده قلت فان عاد؟

قال: كان يحده، قلت: قان عاد؟ قال: كان يحده ثلاث مرات فان عاد كان يقتله قلت: كيف كان يصنع بشارب المسكر؟ قال مثل ذلك قلت فمن شرب شربة مسكر كمن شرب شربة خمر؟ قال: سواء الي أن قال: حرم اللّه الخمر و حرم رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم كل مسكر فاجاز اللّه ذلك له «5».

و منها ما عن عبد اللّه بن سنان عن بعض اصحابنا عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال: أنزل اللّه في القرآن تحريم الخمر بعينها و حرم رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم كل مسكر فاجاز اللّه ذلك له في اشياء كثيرة فما حرم رسول اللّه صلي

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 15 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث: 18 و 23

(3) (3 و 4) الوسائل الباب 15 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 24 و 26

(5) الوسائل الباب 15 من ابواب الأشربة المحرمة

الحديث 27

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 67

اللّه عليه و آله و سلم فهو بمنزلة ما حرم اللّه «1».

و منها ما عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: حرم اللّه الخمر بعينها و حرم رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم المسكر من كل شراب فاجازه اللّه له ذلك 2.

و منها ما عن زيد بن علي عن آبائه عن النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم أنه قال لرجل: ابلغ من لقيت من المسلمين عني السلام و أعلمهم ان الصغير عليهم حرام يعني النبيذ و هو الخمر و كل مسكر عليهم حرام «3».

الفرع السادس انه هل يكون الفقاع كالخمر في الأحكام المترتبة عليه

يستفاد من جملة من النصوص ان الفقاع خمر و انه من الخمر فمنها ما عن الوشاء قال:

كتبت إليه يعني الرضا عليه السلام أسأله عن الفقاع قال: فكتب حرام و هو خمر «4».

و منها ما عن ابن فضال قال: كتبت الي أبي الحسن عليه السلام أسأله عن الفقاع فقال هو الخمر و فيه حد شارب الخمر 5.

و منها ما عن عمار بن موسي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الفقاع فقال هو خمر «6» و منها ما عن حسين القلانسي قال كتبت الي أبي الحسن الماضي عليه السلام أسأله عن الفقاع فقال لا تقربه فانه من الخمر 7.

و منها ما عن محمد بن سنان قال سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الفقاع فقال هي الخمر بعينها 8.

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 15 من ابواب الأشربة المحرمة الحديث 28 و 29

(3) الوسائل الباب 15 من ابواب الأشربة المحرمة الحديث: 30

(4) (4 و 5) الوسائل الباب 27 من ابواب الاشربة المحرمة:

الحديث 1 و 2

(6) (6 و 7 و 8) الوسائل الباب 27 من ابواب الاشربة المحرمة: الحديث: 4 و 6 و 7

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 68

و منها ما عن هشام بن الحكم انه سال أبا عبد اللّه عليه السلام عن الفقاع فقال لا تشربه فانه خمر مجهول و اذ اصاب ثوبك فاغسله «1».

و منها ما عن زا ذان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لو ان لي سلطانا علي اسواق المسلمين لرفعت عنهم هذه الخيمرة يعني الفقاع 2.

و منها ما عن الحسن بن جهم و عن ابن فضال قال سألنا أبا الحسن عليه السلام عن الفقاع فقال: هو خمر مجهول و فيه حد شارب الخمر «3».

و منها ما عن عبد السلام بن صالح الهروي قال سمعت أبا الحسن الرضا عليه السلام يقول: أول من اتخذ له الفقاع بالشام يزيد بن معاوية لعنهما اللّه فاحضر و هو علي المائدة و قد نصبها علي رأس الحسين عليه السلام فجعل يشربه و يسقي اصحابه الي أن قال: فمن كان من شيعتنا فليتورع عن شرب الفقاع فانه شراب أعدائنا فان لم يفعل فليس منا الحديث 4.

فان المستفاد من النصوص المشار إليها ان الفقاع في وعاء الشرع يعتبر خمرا و لا وجه بالالتزام بكون الحكومة ناظرة الي خصوص الشرب أو الي الآثار الظاهرة بل مقتضي اطلاق التنزيل وجوب ترتيب جميع الآثار.

الفرع السابع انه هل يحكم بحكم الخمر علي ما لا يكون معدا للشرب

كالمائع المتخذ من الخشب المسمي ب «ألكل» فان هذا المائع المذكور معد لاستعمالات طبية كما هو ظاهر عند الكل. افاد سيدنا الأستاد علي ما في التقرير «5» ان أدلة حرمة بيع الخمر تنصرف عنه كما ان ادلة حرمة الصلاة في اجزاء ما لا يؤكل

لحمه منصرفة عن الإنسان اقول المائع المذكور لو فرض كونه مسكرا و صدق عليه

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 27 من ابواب الاشربة المحرمة الحديث: 8 و 9

(3) (3 و 4) الوسائل الباب 27 من ابواب الاشربة المحرمة الحديث 11 و 14

(5) مصباح الفقاهة ج 1 ص 86

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 69

عنوان الخمر يشمله دليل المنع و لا وجه للانصراف.

و بعبارة اخري الموضوع المأخوذ في لسان الروايات عنوان الخمر و بإطلاقها تشمل جمع انواعها و لا نري وجها للانصراف بعد تمامية مقدمات الإطلاق و علي فرض تسلمه يكون بدويا يزول بالتأمل و اما لو لم يصدق عليه عنوان الخمر فلا يترتب عليه جميع احكامها لعدم الدليل بل يترتب عليه حرمة شربه فقط بمقتضي حديث ابن يقطين المتقدم ذكره آنفا اذ قلنا ان المستفاد من الحديث ان كل مسكر الحديث ان كل مسكر حرام و لا يستفاد من الحديث كون المسكر خمرا بالحكومة نعم كون الألكل مسكرا محل الكلام و الأشكال لأنه من السموم القاتلة فلو لم يكن مسكرا لا يكون شربه حراما من هذه الحيثية و صفوة القول المحرم ما يكون مسكرا و لذا لو صار الألكل مسكرا و لو بالعلاج بان يمزج بالماء يكون شربه حراما لكونه مسكرا علي الفرض و علي فرض الإسكار يشكل بيعه فان المستفاد من حديث عمار بن مروان حرمة بيع كل مسكر.

الفرع الثامن ان المسكر الجامد هل يلحق بالخمر في احكامه أم لا؟
و ما يمكن أن يستدل به علي الالحاق وجوه:
الوجه الأول: ان كل مسكر خمر

بدعوي ان الخمر اسم لكل ما يخامر العقل. و فيه انه يظهر من اللغة الاختلاف في معني الخمر فعن تاج العروس «الخمر ما اسكر من عصير العنب خاصة أو عام اي ما اسكر من عصير كل شي ء و العموم أصح» فانه يستفاد من

كلامه الاختلاف في معناها و أيضا يستفاد من كلامه انه مختص بالمائع و عن مفردات الراغب «و هو عند بعض الناس اسم لكل مسكر و عند بعضهم اسم للمتخذ من العنب و التمر» الي غير ذلك من الكلمات و مع الشك في الصدق لا مجال للأخذ بالدليل فانه لا يجوز الأخذ بالعموم أو الإطلاق في الشبهة المصداقية.

الوجه الثاني: التنزيل المستفاد من بعض النصوص

الدال علي كون كل

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 70

مسكر خمرا، و قد مر و تقدم ان الحديث الدال علي المدعي ضعيف سندا.

الوجه الثالث: حديث عمار

«1» فان المستفاد من الحديث حرمة بيع كل مسكر فكل مسكر جامد لا يحل بيعه بمقتضي الحديث المذكور و اما استعماله فأيضا حرام للنصوص الدالة علي حرمة المسكر.

«قوله قدس سره و المراد به اما … »

ما افاده قدس سره في بيان المراد من الخبر علي نحو الترديد مخدوش اما اخذه مجانا فلا يوجب فراغ ذمته مع ان الظاهر من الرواية ان الفراع يحصل به و أما تخليله لصاحبه ثم أخذه بدلا عن الدراهم فخلاف الظاهر من الحديث اذ الظاهر منه ان الفراغ يحصل باخذ الدائن الخمر من المديون و الظاهران الصحيح في مفاد الخبر ما ذكرنا و اللّه العالم.

[الثامنة يحرم المعاوضة علي الأعيان المتنجسة غير القابلة للطهارة]
اشارة

«قوله قدس سره الثامنة يحرم المعاوضة علي الاعيان المتنجسة … »

اذا فرض كون المتنجس غير قابل لأن يطهر و لا يكون فيه نفع حلال فما يمكن أن يكون دليلا لفساد بيعه وجوه:

الوجه الأول الإجماع

. و فيه انه علي فرض تحققه و حصوله لو لم يكن مقطوع المدرك فلا اقل من احتمال كون مدرك المجمعين الوجوه المذكورة في المقام فلا يكون اجماعا تعبديا كاشفا عن رأيه عليه السلام.

الوجه الثاني: النبوي «اذا حرم اللّه شيئا حرم ثمنه»

و قد مر ضعفه.

الوجه الثالث: انه لو فرض عدم الانتفاع به يدخل فيما لا مالية له

فيكون اكل المال بإزائه أكلا للمال بالباطل و قد مران الجار لا يكون للمقابلة بل للسببية.

الوجه الرابع انه اذا كان مما لا ينتفع به يكون اشتراؤه سفهيا

فيكون باطلا.

______________________________

(1) راجع ص 59

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 71

و فيه أولا يمكن أن يتصور فيه غرض عقلائي فالدليل اخص من المدعي و ثانيا لا دليل علي بطلان البيع السفهي و انما الدليل علي حجر السفيه عن التصرف في ماله فلاحظ.

الوجه الخامس: انه يشترط في المبيع المالية و ما لا نفع له لا مالية له

. و فيه انه لا دليل علي الاشتراط المذكور.

الوجه السادس: الأخبار العامة المتقدمة الدالة علي بطلان بيع النجس

لو قلنا بصدق هذا العنوان علي المتنجس. و فيه انه قد مر انها ضعيفة سندا و لا جابر لها فالنتيجة انه لا مانع من بيع المتنجس وضعا فان اطلاق حلية البيع يقتضي صحته و ان شئت قلت المقتضي لصحة بيعه و هي الأدلة الأولية الدالة علي الصحة موجود و المانع عنها مفقود فالقاعدة تقتضي الالتزام بصحة بيعه و أما من حيث الحكم التكليفي فمقتضي دليل حلية ما شك في جوازه هي الحلية كما هو المقرر.

«قوله قدس سره نعم يمكن الاستدلال … »

اذا كان التعليل المذكور موجبا للالتزام بالحرمة في المتنجس فما الوجه في التفصيل بين ما يكون قابلا لأن يطهر و بين ما لا يكون قابلا للطهارة فان ما كان قابلا لها مثل ما لا يكون قابلا اذ قبل عروض الطهارة عليه يكون الانتفاع به محرما فيدخل في موضوع الحرمة و الذي يهون الخطب ان الحديث الدال علي المدعي ضعيف سندا فلا وجه للإطالة.

«قوله قدس سره ثم اعلم انه قيل بعدم جواز بيع المسوخ من اجل نجاستها … »

قد ذكرت وجوه لحرمة بيع المسوخ الأول: الإجماع و اشكاله ظاهر الثاني:

انها نجسة فلا يجوز بيعها. و فيه أولا ان نجاستها اوّل الكلام و الحق طهارتها الا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 72

ما خرج بالدليل و ثانيا انه لا دليل علي كون النجاسة بنفسها مانعة عن الصحة الثالث انه يحرم أكل لحمها فيحرم بيعها و فيه ان حرمة الأكل لا تلازم الحرمة و النبوي المشهور لا اعتبار به و أما عدم الانتفاع بها فمضافا الي أنه لا يكون كذلك قد مر قريبا انه لا دليل علي

اشتراط المالية في المبيع نعم قد وردت جملة من النصوص في المقام لا بدّ من ملاحظتها منها ما رواه مسمع عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله نهي عن القرد أن يشتري و أن يباع «1».

و يستفاد من هذه الرواية عدم جواز بيع القرد و شرائه لكن السند ضعيف فلا يعتد به.

و منها ما رواه ابن سعيد قال: سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن عظام الفيل يحل بيعه أو شراؤه الذي يجعل منه الامشاط، فقال لا بأس قد كان لي منه مشط أو أمشاط «2» و هذه الرواية تدل علي جواز بيع عظام الفيل.

و مثله في الدلالة ما رواه ابن زيد قال رأيت أبا الحسن عليه السلام يتمشط بمشط عاج و اشتريته له «3».

و منها ما رواه في الجعفريات عن علي بن ابي طالب عليهم السلام قال: من السحت ثمن الميتة و ثمن اللقاح و مهر البغي الي أن قال و ثمن الشطرنج و ثمن النرد و ثمن القرد و جلود السباع «4» و السند ضعيف فالنتيجة عدم دليل علي حرمة بيع المسوخ فالحق جواز بيعها بمقتضي القاعدة الاولية هذا بالنسبة الي الحكم الوضعي و أما من حيث الحكم التكليفي فمقتضي قاعدة الحل الجارية في الاشياء جوازه و اللّه العالم.

______________________________

(1) الوسائل الباب 37 من أبواب ما يكتسب الحديث 4

(2) نفس المصدر الحديث 2

(3) نفس المصدر الحديث 3

(4) المستدرك الباب 5 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 73

بقي في المقام شي ء و هو انه هل يجوز بيع السباع وضعا؟ أما لو كان فيه فائدة فلا اشكال في جوازه بحسب القواعد الاولية

بل الحكم مورد النص في الجملة لاحظ ما رواه العيص بن القاسم قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الفهود و سباع الطير هل يلتمس التجارة فيها؟ قال نعم «1» و أما مع عدم القائدة فأيضا مقتضي القاعدة جواز بيعها وضعا و لا وجه للحرمة و أما من حيث الحكم التكليفي فأيضا مقتضي اصالة الحل الجارية في الاشياء الحلية فلاحظ.

[و أما المستثني من الأعيان المتقدمة]
[الأولي يجوز بيع المملوك الكافر]

«قوله قدس سره الاولي يجوز بيع المملوك الكافر … »

الكافر اما اصلي و اما مرتد و المرتد اما ملي و اما فطري و مقتضي القاعدة الاولية المستفادة من الكتاب و السنة جواز بيع الكافر علي الإطلاق لعدم دليل علي المنع و أما النجاسة فأولا كون الكافر مطلقا نجسا محل الأشكال و لقد ناقشا في تمامية الأدلة علي نجاسة الكافر الا في الجملة و ثانيا لا دليل علي كون النجاسة في المبيع مانعا عن الصحة مضافا الي دعوي الإجماع علي جواز بيعه في الجملة و يضاف الي ذلك كله انه يستفاد الجواز من جملة من النصوص: منها ما رواه عبد الرحمن قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رقيق اهل الذمة اشتري منهم شيئا فقال:

اشتر اذا أقروا لهم بالرق «2».

و منها ما رواه اسماعيل بن الفضل قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن شراء مملوك اهل الذمة قال: اذا أقروا لهم بذلك فاشتر و أنكح 3.

و منها ما رواه رفاعة النخاس قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام ان الروم

______________________________

(1) الوسائل الباب 37 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1

(2) (2 و 3) الوسائل الباب 1 من ابواب بيع الحيوان الحديث 1 و 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 74

يغزون علي الصقالبة

و الروم فيسرقون أولادهم من الجواري و الغلمان فيعمدون الي الغلمان فيخصونهم ثم يبعثون بهم الي بغداد الي التجار فما تري في شرائهم و نحن نعلم أنهم قد سرقوا، و أنما أغاروا عليهم من غير حرب كانت بينهن فقال لا بأس بشرائهم انما أخرجوهم من الشرك الي دار الإسلام «1».

و منها ما رواه ابراهيم بن عبد الحميد، عن أبي الحسن عليه السلام في شراء الروميات فقال: اشترهن و بعهن «2».

و منها ما رواه زكريا بن آدم قال: سألت الرضا عليه السلام عن قوم من العدو «الي أن قال» و سألته عن سبي الديلم يسرق بعضهم من بعض و يغير المسلمون عليهم بلا امام أ يحل شراؤهم؟ قال: اذا أقروا لهم بالعبودية فلا بأس بشرائهم 3.

فلا وجه للأشكال نعم في المرتد الفطري يقع الكلام و ربما يقال بعدم جواز بيعه لأنه في معرض القتل و فيه انه مملوك و قابل للانتفاع و لو بالعتق مضافا الي أنه ما الفرق بينه و بين الملي اذا لم يتب و علمنا بأنه لا يتوب و أيضا ما الفرق بينه و بين المريض الذي لا يرجي بقاء حياته اضعف الي ذلك ان غاية ما يمكن أن يقال انه لأجل معرضيته للقتل لا مالية له فلا يجوز بيعه و يرد عليه انه لا دليل علي اشتراط المالية في المبيع بالإضافة الي أنه يمكن تصور مورد نعلم بعدم كونه في معرض القتل كما لو كان قويا لا يقدر علي التسلط عليه و قتله أو انه لا يوجد في الخارج حاكم مبسوط اليد فالنتيجة انه لا اشكال في بيع الكافر بأقسامه فلاحظ.

«قوله و عتق الكافرة»

الظاهر ان التوصيف بالتأنيث بلحاظ توصيف الرقبة اي عتق

الرقبة الكافرة و الا فلا وجه لاختصاص الحكم بخصوص الكافرة بل لا فرق بين الكافر و الكافرة

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب بيع الحيوان الحديث 1

(2) (2 و 3) نفس المصدر الحديث 2 و 3

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 75

من هذه الجهة.

«قوله قدس سره فبني جواز بيع المرتد علي قبول توبته … »

ان كان المانع عن الصحة نجاسة العبد يلزم القول بالفساد ولي علي القول بقبول توبته اذ المفروض نجاسته قبل التوبة و الحكم تابع لموضوعه و لكن الحق كما مر مرارا عدم دليل معتبر علي اشتراط الطهارة في المبيع لا سيما اذا لم يكن الانتفاع منه مشروطا بالطهارة.

«قوله ينشأ من تضاد الحكمين … »

لا يبعد ان المراد من الحكمين المتضادين وجوب القتل و وجوب الوفاء بالعقد بتقريب انه لا يمكن الجمع بين الأمرين من حيث ان الوفاء يستلزم الإبقاء و ايجاب القتل يستلزم الإفناء فكيف يجمع بينهما؟ و يرد عليه انه لا تنافي بين الحكمين فان وجوب الوفاء ارشاد الي اللزوم و عدم جواز الفسخ و اي تناف بين ايجاب القتل و بين عدم تحقق الفسخ و بعبارة اخري: لا تنافي بين اللزوم وضعا و وجوب القتل تكليفا و اللّه العالم.

«قوله قدس للوجه المتقدم … »

لا يبعد أن يكون المراد بالوجه المتقدم تضاد الحكمين.

[الثانية يجوز المعاوضة علي غير كلب الهراش في الجملة]
اشارة

«قوله قدس سره الثانية يجوز المعاوضة علي غير كلب الهراش في الجملة … »

لا يبعد أن يكون المراد بقوله في الجملة الإشارة الي الاختلاف الواقع بين الأصحاب في جواز بيع غير كلب الهراش و ان بعض أقسامه محل الكلام نعم

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 76

لا خلاف في الجواز في الجملة و يظهر المدعي في

مطاوي الكلام فانتظر.

«قوله قدس سره لتواتر الاخبار … »

تواتر الخبر يصدق فيما يكون بحد يوجب العلم العادي للناس و هل يكون المقام كذلك؟ ثم ان الأخبار المتواترة لا تصدق فيما يكون الراوي الواحد في جملة رجال اسنادها و في المقام كذلك فانا نري ان البطائني موجود في جملة من الأسناد و كذا غيره و أيضا الذي يمكن أن يقال ان الفصل الزماني يؤثر في حصول القطع و عدمه و بعبارة اخري كل خبر يكون المخبر به فيه أبعد و أقدم زمانا يلزم في حصول القطع بالمضمون أن يكون المخبر به اكثر. و صفوة القول ان الوجه في حصول القطع من الخبر المتواتر ان الإنسان العادي يقطع بعدم التواطي و الاجتماع علي الكذب و هذا يختلف بحسب الموارد و الموضوعات و الزمان طولا و قصرا الي بقية الجهات اضف الي ذلك ان الماتن قدس سره بعد أسطر يصرح بكون الأخبار المشار إليها متضافرة بقوله «الأخبار المستفيضة» و كيف يمكن الجمع بين العنوانين و الحال أنهما متقابلان بتقابل التضاد.

«قوله قدس سره ثم ان ما عدا كلب الهراش علي أقسام … »

ينبغي أن يتعرض في المقام لفروع:

الفرع الأول كلب الصيد السلوقي
اشارة

و البحث تارة من حيث الوضع و اخري من حيث التكليف أما الجهة الأولي فمقتضي القاعدة الاولية جواز بيعه و أما بلحاظ الروايات الخاصة فقد وردت جملة من النصوص في المقام يستفاد منها عدم جواز بيع الكلب علي الإطلاق منها ما رواه ابراهيم بن أبي البلاد قال قلت لأبي الحسن الأول عليه السلام جعلت فداك ان رجلا من مواليك عنده جوار مغنيات قيمتهن أربعة عشر ألف دينار و قد جعل لك ثلثها فقال: لا حاجة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1،

ص: 77

لي فيها: ان ثمن الكلب و المغنية سحت «1». فان مقتضي هذه الرواية فساد بيع الكلب علي الإطلاق فلا بد في رفع اليد عن اطلاق المنع من قيام دليل معتبر و ما يمكن أن يستدل به علي المدعي وجوه:

الوجه الأول الإجماع

. و فيه انه علي فرض تحصيله يحتمل أن يكون مدرك المجمعين النصوص الواردة في المقام فلا يكون اجماعا تعبديا.

الوجه الثاني الروايات الخاصة

الواردة في المقام منها ما رواه أبو بصير «2» و هذه الرواية ضعيفة سندا فان البطائني في السند و منها ما رواه الصدوق مرسلا «3» و المرسل لا اعتبار به و منها ما رواه العامري قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن ثمن الكلب الذي لا يصيد فقال: سحت و أما الصيود فلا بأس «4» و الرواية ضعيفة سندا.

و منها ما رواه ابن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ثمن الكلب الذي لا يصيد سحت ثم قال: و لا بأس بثمن الهر «5».

بتقريب ان المنع يختص بغير الصيود فيجوز بيع الصيود. و فيه ان تقريب الاستدلال يتم علي القول بمفهوم الوصف و أما اذا لم نقل به كما لا نقول به فلا يتم الاستدلال بالحديث علي المدعي.

و منها ما رواه أبو بصير قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن ثمن الكلب قال: لا بأس بثمنه و الاخر لا يحل ثمنه 6 و الحديث بكلا سنديه مخدوش.

و منها ما رواه أبو بصير أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السلام ان رسول اللّه صلي

______________________________

(1) الوسائل الباب 16 من ابواب ما يكتسب به الحديث 4

(2) راجع ص 59

(3) راجع ص 60

(4) الوسائل الباب 14 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

(5) (5 و 6) نفس المصدر الحديث 3 و 5

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 78

اللّه عليه و آله قال: ثمن الخمر و مهر البغي و ثمن الكلب الذي لا يصطاد من السحت «1» و قد مر آنفا ان السند ضعيف.

و منها

ما رواه العماري قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن ثمن الكلب الذي لا يصيد فقال: سحت و أما الصيود فلا بأس «2» و السند ضعيف.

و منها ما أرسله الشيخ قدس سره في المبسوط «يجوز بيع كلب الصيد و روي ان كلب الماشية و الحائط مثل ذلك «3» و السند ضعيف بالإسال.

و منها ما رواه ليث قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الكلب الصيود يباع؟

فقال: نعم و يؤكل، ثمنه «4» و هذه الرواية ضعيفة بأبي جميلة.

و منها ما رواه محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام لا خير في الكلاب الا كلب صيد أو كلب ماشية «5». و فيه ان هذه الرواية لا تدل علي جواز بيع كلب الصيد بل يدل علي أنه فيه الخير. فالنتيجة انه ليس في الروايات الخاصة ما يمكن الاستدلال به علي المدعي.

الوجه الثالث دعوي السيرة الخارجية علي بيع كلب الصيد السلوقي

فان تمت هذه الدعوي أو تمت دعوي ان ارتكاز المتشرعة علي الجواز يتم المدعي و الا فيشكل الجزم بالجواز هذا كله بالنسبة الي الجواز الوضعي و أما تكليفا فالظاهر انه لا مانع عن الالتزام به فان مقتضي ادلة البراءة عقلا و شرعا هو الجواز و اللّه العالم.

«قوله قدس سره: و هو المتيقن من الاخبار و معاقد الاجماعات الدالة علي الجواز»

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 6

(2) الوسائل الباب 14 من ابواب ما يكتسب به الحديث 7

(3) نفس المصدر الحديث 9

(4) الوسائل الباب 45 من أبواب الصيد الحديث 4

(5) الوسائل الباب 43 من أبواب أحكام الدواب الحديث 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 79

قد ظهر مما تقدم الأشكال في كلا الدليلين المذكورين اما الأخبار فهي ضعيفة اما سندا و

اما دلالة و أما الإجماعات فلاحتمال كونها مدركية فلاحظ.

الفرع الثاني حكم كلب الصيد غير السلوقي

افاد الماتن ان بيعه جائز علي المعروف من غير ظاهر اطلاق المقنعة و النهاية و استدل أولا علي جواز بيعه بالإجماعات المنقولة و ثانيا بالأخبار و قد مر الاشكال في كلا الدليلين فالنتيجة عدم جواز بيع كلب الصيد غير السلوقي و أما بيعه بلحاظ الحكم التكليفي فالحق انه يجوز بمقتضي ادلة البراءة شرعا و عقلا.

«قوله: مع انه لا يصح … »

ما افاده يتم في الأول لما ذكره من الوجه و أما بالنسبة الي الثاني فلا اذ المذكور في الحديث عنوان كلب الصيد فلو سلم الانصراف ينصرف اللفظ الي السلوقي فالنتيجة اختصاص الحكم بخصوص السلوقي.

«قوله قدس سره: و كيف كان … »

اي سواء كانت استفادة الإطلاق من الروايات أم من قوله عليه السلام ثمن الكلب الذي لا يصيد فان النتيجة اطلاق الحكم و لا وجه لدعوي الانصراف.

«قوله قدس سره. لكن الوجه الأول اظهر … »

لا يبعد أن يكون وجه الأظهرية انه لو كان المراد من الجملة المذكورة الاحتمال الثاني لكان حق العبارة أن يقال و عني بالسلوقي كلب الصيد منه و أما العبارة المذكورة فظاهرة في كون المراد من السلوقي مطلق كلب الصيد و أيضا يدل علي المدعي قوله فنسب الكلب إليها فان كلب السلوق اعم من كونه صيودا أم لا، منسوب الي تلك القرية فلا يلزم في صحة النسبة اعتبار كونه صيودا، و أما كلب الصيد من غير السلوق فيحتاج في كونه معنونا بعنوان السلوقي الاعتبار المذكور فلاحظ.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 80

«قوله قدس سره فتدبر»

لا يبعد أن يكون اشارة الي ما ذكرنا من وجه الأظهرية.

الفرع الثالث: هل يجوز بيع الكلاب الثلاثة: الماشية و الحائط و الزرع أم لا؟
اشارة

الجواز و ان كان مقتضي القاعدة الأولية و لكن مقتضي اطلاق النصوص عدم الجواز و فساد

بيعها و لا بدّ من التماس دليل يقتضي الجواز كي نلتزم بتقييد دليل المنع و ما يمكن أن يذكر في مقام الاستدلال علي الجواز أو ذكر وجوه:

الوجه الأول: الإجماع

قال الشيخ قدس سره في الخلاف في مسألة: 43 من كتاب الإجارة في جملة كلام له: «و لأن بيع هذه الكلاب يجوز عندنا و ما يصح بيعه يصح اجارته بلا خلاف» «1». و فيه مضافا الي كون خلافه مشهورا عند القدماء بل يظهر من كلام الماتن انه ادعي الإجماع علي الحرمة ان الإجماع المنقول لا يكون حجة و المحصل منه لا يمكن تحصيله كيف و الحال ان المسألة مورد الخلاف و المشهور بين القدماء عدم الجواز و علي الجملة كيف يمكن تحصيل اجماع تعبدي كاشف عن رأي المعصوم عليه السلام.

الوجه الثاني: انه يستفاد من بعض النصوص ثبوت الدية علي قاتلها

فيدل علي جواز المعاوضة عليها منها ما عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

دية الكلب السلوقي أربعون درهما جعل ذلك له رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و دية كلب الغنم كبش، و دية كلب الزرع جريب من بر و دية كلب الأهل قفيز من تراب لأهله «2».

و منها ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال امير المؤمنين عليه السلام فيمن قتل كلب الصيد قال: يقومه و كذلك البازي و كذلك كلب الغنم و كذلك كلب الحائط 3.

______________________________

(1) كتاب الخلاف ج 1 ص 720

(2) (2 و 3) الوسائل الباب 19 من ابواب دية النفس الحديث 2 و 3

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 81

و منها ما رواه ابن فضال عن بعض اصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

دية كلب الصيد أربعون درهما و دية كلب الماشية عشرون درهما، و دية الكلب الذي ليس للصيد و لا للماشية زنبيل من تراب علي القاتل أن يعطي و علي صاحبه أن يقبل «1».

و فيه ان ثبوت الدية

لا يكشف عن الملكية فضلا عن جواز المعاوضة عليها فان الدية ثابتة في قتل الحر و الحال انه لا يكون مملوكا و لا يكون قابلا للمعاوضة عليه بل يمكن أن يقال ان ثبوت الدية يدل علي عدم الملكية اذ لو كان مملوكا لكان المناسب أن يضمن القاتل عوضه اي القيمة.

الوجه الثالث: ان اجارتها جائزة فيجوز بيعها للملازمة

بين الأمرين و فيه انه لا ملازمة بين الأمرين فان اجارة الحر جائزة و لكن لا يجوز بيعه و بعبارة أخري:

لا ملازمة بين الأمرين بل النسبة بينهما العموم من وجه فانه قد يجوز البيع و لا تجوز الإجارة كالمأكولات مثل الخبز فانه يجوز بيعها و لا تجوز اجارتها لأن الإجارة في مورد تبقي العين و ينتفع بها، و قد تجوز الإجارة و لا يجوز البيع كالحر حيث تجوز اجارته و لا يجوز بيعه و قد يجوز كلا الأمرين كالدار و نحوها حيث يجوز بيعها كما تجوز اجارتها اضف الي ذلك ان الدليل قائم علي الحرمة و مع قيام الدليل علي كون بيعها حراما لا تصل النوبة الي هذه التقريبات.

الوجه الرابع: ان بيع كلب الصيد جائز اجماعا فيجوز بيع الكلاب الثلاثة

اذ كما يمكن الانتفاع بكلب الصيد بأن يصاد به كذلك يمكن الانتفاع بها للحراسة و فيه ان الجواز في كلب الصيد أيضا محل الأشكال و الكلام كما مر مضافا الي أن مقتضي اطلاق دليل المنع الالتزام بعدم الجواز في المقام و تقريب الجواز بما ذكر اجتهاد في مقابل النص.

______________________________

(1) الوسائل الباب 19 من أبواب دية النفس الحديث: 3

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 82

الوجه الخامس: ان الجواز مقتضي الجمع بين النصوص

فان المستفاد من حديث تحف العقول جواز بيع كل ما فيه نفع و مقتضي نصوص الباب عدم الجواز و النسبة بين الدليلين عموم من وجه فان غير الكلب مما ينتفع به داخل تحت دليل رواية تحف العقول و نصوص المقام شاملة لكلب الهراش و لا يشمله حديث تحف العقول و الكلاب الثلاثة محل التعارض ثم التساقط فتصل النوبة الي الأخذ بادلة حلية البيع. و فيه ان حديث تحف العقول ضعيف سندا فلا يعتد به.

الوجه السادس: ما أرسله في المبسوط،

و روي ان كلب الماشية و الحائط كذلك أي يجوز بيعها «1»، و فيه انه لا اعتبار بالمرسلات و انجبار ضعف الحديث بعمل المشهور مخدوش صغري و كبري مضافا الي عدم ذكر الزرع فتحصل مما تقدم ان الحق عدم جواز بيع الكلاب الثلاثة وضعا و اما من حيث التكليف فمقتضي البراءة الشرعية و العقلية جواز بيعها و اللّه العالم.

«قوله قدس سره: لكون المنقول مضمون الرواية لا معناها و لا ترجمتها»

تارة يكون نقل الرواية بألفاظها و اخري يكون نقلها بنقل معناها بنقل المراد من اللفظ الصادر عن الإمام عليه السلام كما لو بدل لفظ هلم بلفظ تعال و ثالثة بنقل ترجمتها من اللغة العربية بلغة اخري و رابعة يكون بنقل مضمون الرواية بحسب فهمه و حيث يحتمل كون الاستفادة مستندا الي الحدس فلا اعتبار به و الدليل علي كون النقل في المقام علي النحو الأخير قوله «ذلك» ثم تفسيره فلاحظ.

«قوله قدس سره: بضميمة أمارات الملك في هذه الكلاب … »

______________________________

(1) المبسوط ج 2 المطبوع في تهران ص 166

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 83

لا يبعد أن يكون المراد بامارات الملك ان الكلاب الثلاثة ذوات منفعة مقصودة و كونها ذوات دية

مقررة و المرسلة المنقولة و دعوي الاتفاق علي الجواز.

الفرع الرابع انه هل يجوز اقتناء الكلب أم لا؟

قال سيدنا الأستاد علي ما في التقرير لم يستشكل أحد في جواز ذلك الخ «1» و مقتضي الأصل الأولي هو الجواز الا ان يقوم دليل علي المنع و قد وردت جملة من النصوص منها ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: يكره أن يكون في دار الرجل المسلم الكلب «2» و هذه الرواية لا تدل الا علي كراهة كون الكلب في الدار و الكراهة اعم من الحرمة.

و منها ما رواه محمد بن قيس «3» و من الظاهر ان هذه الرواية أيضا لا تدل علي الحرمة مضافا الي الخدشة في السند بمحمد بن عيسي ان كان المراد منه العبيدي.

و منها ما رواه المدائني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا تمسك كلب الصيد في الدار الا أن يكون بينك و بينه باب «4». و هذه الرواية ضعيفة سندا.

و منها ما رواه سماعة قال: سألته عن كلب الصيد يمسك في الدار؟ قال:

اذا كان يغلق دونه الباب فلا بأس 5 و هذه الرواية تدل علي حرمة امساك كلب الصيد في الدار الا في صورة خاصة.

و منها ما رواه زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ما من احد يتخذ كلبا الا نقص في كل يوم من عمل صاحبه قيراط «6» و لسان الرواية لسان الكراهة.

و منها ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام ان النبي صلي اللّه عليه و آله

______________________________

(1) مصباح الفقاهة ج 1 ص 102

(2) الوسائل الباب 43 من أبواب أحكام الدواب الحديث 1

(3) راجع ص 78

(4) (4 و 5) الوسائل الباب 43 من ابواب احكام الدواب الحديث 3 و 4

(6)

نفس المصدر الحديث 5

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 84

رخص لأهل القاصية في كلب يتخذونه «1» و هذه الرواية ضعيفة سندا مضافا الي أن الرواية تدل علي الجواز.

و منها ما رواه سماعة قال سألته عن الكلب يمسك في الدار قال: لا 2.

و المستفاد من هذه الرواية عدم جواز امساك الكلب في الدار و مقتضي الجمع بين هذه الرواية و الرواية الاخري لسماعة أن يقال يجوز امساك كلب الصيد في الدار مع اغلاق الباب و أما غير كلب الصيد من بقية الكلاب فلا يجوز امساكه في البيت و أما الاقتناء علي نحو الإطلاق فلا دليل علي حرمته و اللّه العالم.

الفرع الخامس: انه يجوز ايقاع العقد علي الكلاب بغير البيع

اذ لا وجه لقياس بقية المعاملات علي البيع و مقتضي القواعد الأولية هو الجواز فلاحظ.

[الثالثة الأقوي جواز المعاوضة علي العصير العنبي إذا غلا]
اشارة

«قوله قدس سره: الثالثة الاقوي جواز المعاوضة علي العصير العنبي اذا غلا … »

يقع الكلام في هذا الفرع في مقامين.

المقام الأول: في جواز بيعه من حيث القواعد العامة

المقام الثاني في جواز بيعه و عدمه بملاحظة النصوص الخاصة الواردة في المقام أما المقام الأول فنقول: لا اشكال في جواز بيعه فانه من الامور المملوكة لمالكه و يشمله دليل الصحة من حلية البيع و تجارة عن تراض و أما المقام الثاني فربما يقال بأن الأدلة العامة الدالة علي عدم جواز بيع النجس و ان اللّه اذا حرم شيئا حرم ثمنه توجب فساد بيعها و لكن قد مر مرارا ان تلك الروايات ضعيفة سندا فلا يعتد بها نعم في المقام نصوص خاصة لا بدّ من ملاحظتها و هو

المقام الثاني [في النصوص الخاصة]

من البحث منها ما رواه أبو كهمس قال سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السلام عن العصير فقال لي كرم و أنا أعصره كل سنة و أجعله في الدنان و أبيعه قبل أن يغلي، قال لا بأس

______________________________

(1) (1 و 2) نفس المصدر الحديث 7 و 6

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 85

به و ان غلا فلا يحل بيعه ثم قال: هو ذا نحن نبيع تمرنا ممن نعلم انه يصنعه خمرا «1» فان المستفاد من هذه الرواية عدم جواز بيع العصير بعد الغليان لكن سند الرواية ضعيف بلبي كهمس فلا يعتد بها.

و منها ما رواه ابن الهيثم عن رجل عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال سألته عن العصير يطبخ بالنار حتي يغلي من ساعته أ يشربه صاحبه فقال: اذا تغير عن حاله و غلا فلا خير فيه حتي يذهب ثلثاه و يبقي ثلثه «2» و الحديث علي فرض دلالته علي المدعي اي حرمة البيع لا اعتبار به كما هو ظاهر.

و منها ما رواه أبو بصير قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن ثمن العصير

قبل أن يغلي لمن يبتاعه ليطبخه أو يجعله خمرا قال: اذا بعته قبل أن يكون خمرا و هو حلال فلا بأس «3» و الحديث ضعيف بالبطائني و بغيره.

و منها ما رواه النسابة أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن النبيذ فقال حلال فقال انا ننبذه فنطرح فيه العكر و ما سوي ذلك فقال شه شه تلك الخمرة المنتنة، قلت جعلت فداك فأي نبيذ تعني؟ فقال: ان أهل المدينة شكوا الي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله تغير الماء و فساد طبائعهم، فأمرهم أن ينبذوا، فكان الرجل يأمر خادمه أن ينبذ له فيعمد الي كف من تمر فيقذف «يلقيه» به في الشن فمنه شربه و منه طهوره «4». و يستفاد من الحديث ان النبيذ في حكم الخمر و السند ضعيف بمعلي بن محمد و بغيره قال في مجمع البحرين شه شه كلمة استقذار و استقباح و منه قوله عليه السلام شه شه تلك الخمرة المنتنة. فتحصل انه لا دليل علي حرمة بيعه وضعا و أما بيعه تكليفا فلا اشكال في جوازه اذ لا مقتضي للحرمة و مقتضي القاعدة

______________________________

(1) الوسائل الباب 59 من أبواب ما يكتسب به الحديث 6

(2) الوسائل الباب 2 من أبواب الاشربة المحرمة الحديث 7

(3) الوسائل الباب 59 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2

(4) الوسائل الباب 2 من أبواب الماء المضاف الحديث 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 86

الأولية الجواز.

«قوله قدس سره لاصالة بقاء ماليته … »

لو وصلت النوبة الي الشك يشكل ابقاء المالية بالاستصحاب اذ استصحاب بقاء المالية معارض باستصحاب عدم التحقق من اوّل الأمر ازيد من المقدار المعلوم لكن الذي يهون الخطب انه لا يحتاج في ابقاء

المالية الي الأصل فان المالية أمر عرفي و لم يرد من الشرع ما يوجب سقوط ماليته كما ان مقتضي القاعدة الأولية كونه باقيا في ملك مالكه مضافا الي أنه لا يشترط في المبيع كونه ذا مالية فلاحظ.

«قوله قدس: بل وجب عليه رده و وجب عليه … »

الميزان في باب الضمان صدق عنوان الخسارة و التلف و لذا لو أوجب الغليان زيادة القيمة لا يكون وجه للضمان كما هو ظاهر فالحكم بالضمان تابع لموضوعه و الظاهر ان الماتن قدس سره ناظر الي صورة الضرر و الخسارة لا الحكم بالضمان علي الإطلاق فلا يرد عليه ما أورده سيدنا الأستاد و علي الجملة يلزم في باب الضمان عنوان الخسارة. ان قلت: ما الفرق بين غصب العصير الذي أغلاه و بين العصير الذي غصبه ثم صار خمرا؟ قلت: الفرق بين الموردين ان العصير الذي صار مغليا مال في نظر العرف و لا يعد من التالف و أما العصير الّذي بصير خمرا يكون تالفا في نظر الشارع و لذا لا بدّ من تسليم بدله ان كان مثليا و القيمة ان كان قيميا و أما العصير الذي صار مغليا فلا يكون تالفا فلا بد من جبران الخسارة التي وردت من ناحيته ان كانت فلاحظ.

«قوله قدس سره: و بالجملة فلو لم يكن الا استصحاب … »

قد ظهر مما تقدم ما في كلام الماتن من الأشكال حيث قلنا: ان استصحاب

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 87

المالية أو الملكية معارض باستصحاب عدم الزائد.

«قوله قدس سره: ثم ذكر ان الاقوي العدم … »

الظاهر ان مراد القائل من الحرمة الحرمة التكليفية حيث استدل بالآية الشريفة و لا تستفاد من الآية الشريفة حرمة الإعانة علي

الأثم بل المستفاد منها التعاون علي الاثم و كم فرق بين الامرين و علي الجملة لا دليل علي حرمة الاعانة علي الاثم هذا بالنسبة الي الحرمة التكليفية و أما الحرمة الوضعية فلا دليل عليها حتي فيما يكون الداعي من البيع ارتكاب الحرام فان مقتضي دليل صحة البيع و اطلاقه عدم الفرق بين الموارد و اللّه العالم.

[الرابعة يجوز المعاوضة علي الدهن المتنجس]
اشارة

«قوله قدس سره: الرابعة يجوز المعاوضة علي الدهن المتنجس … »

يقع الكلام في بيع الدهن المتنجس في مقامين: احدهما من حيث الحكم الوضعي و اخري من حيث التكليفي أما

المقام الأول [من حيث الحكم الوضعي]

فنقول: مقتضي الادلة الاولية الدالة علي جواز البيع صحة بيعه فمع قطع النظر عن النصوص الخاصة الواردة في المقام لا نري مانعا من بيعه و أما من حيث النصوص الخاصة فأفاد سيدنا الاستاد ان الروايات الواردة في المقام علي طوائف:

الطائفة الاولي: ما دل علي جواز بيعه مقيدا باعلام المشتري الطائفة الثانية: ما دل علي الجواز علي الاطلاق الطائفة الثالثة: ما دل علي عدم الجواز علي الاطلاق و مقتضي الصناعة أن تقيد الطائفة الثالثة بالطائفة الاولي و بعد التقييد تنقلب نسبتها الي الطائفة الثانية من التباين الي العموم و الخصوص المطلقين فتخصص الطائفة الثانية بالثالثة بعد الانقلاب هذا ملخص كلامه.

و الذي ينبغي أن تذكر أوّلا النصوص الواردة في المقام و تلاحظ ما يستفاد

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 88

منها بعد تمامية اسنادها فمنها ما رواه معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال قلت: جرذ مات في زيت أو سمن أو عسل فقال: أما السمن و العسل فيؤخذ الجرذ و ما حوله و الزيت يستصبح به «1» و هذه الرواية لا تعرض فيها للبيع.

و منها ما رواه أبو بصير قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الفأرة تقع في السمن أو في الزيت فتموت فيه؟ فقال: ان كان جامدا فتطرحها و ما حولها و يؤكل ما بقي و ان كان ذائبا فاسرج به و أعلمهم اذا بعته 2، و المستفاد من هذه الرواية جواز البيع مع الأعلام.

و منها ما رواه زرارة عن

أبي جعفر عليه السلام قال: اذا وقعت الفارة في السمن فماتت فيه فان كان جامدا فألقها و ما يليها، و ان كان ذائبا فلا تأكله و استصبح به و الزيت مثل ذلك «3» و المستفاد من هذه الرواية جواز الاستصباح به و لا تعرض في الرواية لحكم بيعه.

و منها ما رواه ابن وهب عن أبي عبد اللّه عليه السلام في جرذ مات في زيت ما تقول في بيع ذلك؟ فقال: بعه و بينه لمن اشتراه ليستصبح به «4» و المستفاد من الحديث جواز البيع مع الأعلام.

و منها ما رواه اسماعيل ابن عبد الخالق عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سأله سعيد الأعرج السمان و انا حاضر عن الزيت و السمن و العسل تقع فيه الفارة فتموت كيف يصنع به قال: أما الزيت فلا تبعه الا لمن تبين له فيبتاع للسراج و أما الأكل فلا، و أما السمن فان كان ذائبا فهو كذلك و ان كان جامدا و الفأرة في أعلاه فيؤخذ ما تحتها و ما حولها ثم لا بأس به و العسل كذلك ان كان جامدا «5» و المستفاد من

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 6 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1 و 3

(3) نفس المصدر الحديث 2

(4) نفس المصدر الحديث 4

(5) نفس المصدر الحديث 5

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 89

الحديث اشتراط جواز بيعه بالأعلام.

و منها ما رواه البزنطي صاحب الرضا عليه السلام قال: سألته عن الرجل تكون له الغنم يقطع من ألياتها و هي احياء أ يصلح له ان ينتفع بما قطع؟ قال: نعم يذيبها و يسرج بها و لا يأكلها و لا يبيعها «1» و المستفاد من الحديث

عدم جواز بيع الميتة فلا يرتبط الحديث بالمقام.

و منها ما رواه في الجعفريات ان عليا عليه السلام قال في الخنفساء و العقرب و الصرد اذا مات في الإدام، فلا بأس بأكله قال و ان كان شيئا مات في الإدام و فيه الدم، في العسل أو في الزيت أو في السمن و كان جامدا جنبت ما فوقه و ما تحته ثم يؤكل بقيته و ان كان ذائبا فلا يؤكل يستسرج به و لا يباع «2» و المستفاد من الحديث عدم جواز بيعه علي الإطلاق و الحديث ضعيف سندا كبقية احاديث الكتاب المشار إليه بموسي.

و منها رواية اخري عن الجعفريات أيضا ان عليا عليه السلام سئل عن الزيت يقع فيه شي ء له دم فيموت، قال: «الزيت- خاصة- يبيعه لمن يعمله صابونا «3» و المستفاد من الحديث جواز بيعه لمن يعمله صابونا و الحديث ضعيف سندا.

و منها ما عن الدعائم عن النبي صلي اللّه عليه و آله قال: «لعن اللّه اليهود، حرمت عليهم الشحوم فباعوها و أكلوا ثمنها و ان اللّه تعالي اذا حرم علي قوم أكل شي ء حرم عليهم ثمنه «4» و المستفاد من الحديث عدم جواز بيعه و الحديث ضعيف بالإسال.

و منها ما رواه الراوندي ان عليا عليه السلام سئل عن الزيت يقع فيه شي ء له

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 6

(2) مستدرك الوسائل الباب 6 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

(3) نفس المصدر الحديث 2

(4) نفس المصدر الحديث 8

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 90

دم فيموت، فقال: يبيعه لمن يعمله صابونا «1» و المستفاد من الحديث جواز بيعه لمن يعمله صابونا و الحديث ضعيف بموسي بن اسماعيل هذه نصوص الباب و مقتضي الجمع بين

مقيدها و مطلقها أن نقول أنه يجوز بيعه مع وجوب الأعلام و اللّه العالم.

و أما

المقام الثاني [من حيث الحكم التكليفي]
اشارة

فالظاهر عدم دليل علي حرمة بيع الدهن المتنجس تكليفا بل مقتضي البراءة شرعا و عقلا جواز البيع و اللّه العالم.

و في المقام فروع:

الفرع الأول: ان وجوب اعلام المشتري بالنجاسة هل هو شرطي أو نفسي؟
اشارة

أفاد سيدنا الأستاد علي ما في التقرير ان المستفاد من حديث أبي بصير «2» و ان كان هو الوجوب الشرطي و لكن يجب رفع اليد عنه لقوله في حديث اسماعيل بن عبد الخالق فلا تبعه الا لمن تبين له فيبتاع للسراج «3» و قوله في حديث ابن وهب بعه و بينه لمن اشتراه ليستصبح به «4» بتقريب ان حمل الأمر علي الإرشاد الي الشرطية أو المانعية أو امثالهما مع القرينة و الا لا يكون وجه لرفع اليد عن ظهور الأمر في الوجوب النفسي و بعبارة واضحة: الأمر بظاهره يدل علي الوجوب النفسي و رفع اليد عن ظهوره الأولي يتوقف علي قرينة و لا قرينة في الحديثين علي كون الأمر للإرشاد فلا بد من حمل الأمر علي ظاهره و هو الوجوب النفسي فترفع اليد عن ظهوره في الشرطية بالنسبة الي حديث أبي بصير «5» هذا ملخص كلامه.

و يرد عليه أولا ان حديث ابن عبد الخالق ضعيف سندا و أما حديث ابن وهب

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 7

(2) راجع ص 88

(3) لاحظ ص 88

(4) لاحظ ص 88

(5) مصباح الفقاهة ج 1 ص 114

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 91

فعلي تقدير ظهوره في الوجوب النفسي لا ينافي حديث أبي بصير اذ لا تنافي بين المثبتات فانه لا تنافي بين الوجوب الشرطي و التكليفي ان قلت نقطع بأنه إما يجب شرطا و اما يجب تكليفا فلا يمكن الالتزام بكلا الأمرين قلت: مع هذا القطع يقع التعارض بين الحديثين و حيث لامر حج لأحدهما علي الأخر

من باب عدم تميز الأحدث عن القديم لا بدّ من العمل علي طبق العلم الإجمالي حيث يعلم بوجوب أحد الأمرين.

ثم انه يقع الكلام في ادلة وجوب الاعلام تكليفا علي نحو التفصيل فنقول:

هل يجب اعلام المشتري بنجاسة الدهن المشتري كي لا يقع في الحرام الواقعي بأن يأكل الدهن مثلا أم لا؟ ربما يقال بوجوبه و ما يمكن أن يذكر للاستدلال علي المدعي وجوه:

الوجه الأول: انه علم من مذاق الشرع حرمة القاء الغير في الحرام الواقعي،

و فيه ان الجزم بكونه من مذاق الشرع اوّل الدعوي و يحتاج الي الاثبات مضافا الي أن صدق الألقاء بمجرد البيع و تسليم الدهن للمشتري سيما مع عدم العلم بأنه يأكله اوّل الكلام.

الوجه الثاني: جملة من النصوص

منها ما ورد في حرمة الإفتاء بغير علم لاحظ ما رواه ابو عبيدة قال: قال أبو جعفر عليه السلام: من أفني الناس بغير علم و لا هدي من اللّه لعنته ملائكة الرحمة و ملائكة العذاب و لحقه وزر من عمل بفتياه «1» بتقريب ان المستفاد من هذه الطائفة من الروايات ان القاء الغير في الحرام حرام و موجب لأن يعاقب الملقي و فيه انه لا وجه للقياس و بعبارة واضحة: حكم خاص وارد في اطار مخصوص و لا وجه للتسرية مضافا الي أن الفتيا بغير ما انزل اللّه ذنب عظيم و موبقة كبيرة و لا يرتبط أحد المقامين بالآخر اضف الي ذلك كله انه يستفاد من صدر الرواية أن الفتيا بلا مستند شرعي في نفسه ذنب عظيم و لو لم يعمل أحد

______________________________

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب صفات القاضي الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 92

بتلك الفتيا.

و منها ما دل علي انه ما من امام صلي بقوم فيكون في صلاتهم تقصير الا كان عليه اوزارهم «1».

و لاحظ ما رواه ابن وهب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام أ يضمن الإمام صلاة الفريضة؟ فان هؤلاء يزعمون أنه يضمن، فقال: لا يضمن أي شي ء يضمن الا أن يصلي بهم جنبا أو علي غير طهر «2» بتقريب ان المستفاد من الحديث ان من يكون سببا لمعصية يكون العاصي هو المسبب.

و فيه ان الحديث الأول مرسل و لا اعتبار بالمرسلات نعم لا

بأس بسند حديث ابن وهب و ثانيا ان القياس ليس من مذهب الإمامية و لا وجه لتسرية الحكم الوارد في هذا المقام الي بقية المقامات.

و منها ما ورد في كراهة اطعام اطعمة المحرمة و الأشربة المحرمة للبهيمة لاحظ ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن البهيمة: البقرة و غيرها تسقي أو تطعم ما لا يحل للمسلم أكله أو شربه أ يكره ذلك؟ قال: نعم يكره ذلك «3» و لاحظ ما رواه غياث عن أبي عبد اللّه عليه السلام ان أمير المؤمنين عليه السلام كره أن تسقي الدواب الخمر «4». و فيه ان كراهة الإطعام أو السقي للبهيمة لا يدل علي المدعي في المقام كما هو ظاهر.

و منها ما ورد في حرمة سقي الخمر للكافر و الصبي بتقريب انه اذا كان التغرير و التسبيب حراما بالنسبة الي الكافر و الصبي فبطريق أولي يكون حراما في المقام

______________________________

(1) تحف العقول المطبوع في طهران ص 174 باب ما روي عن امير المؤمنين في كتابه الي الاشتر

(2) الوسائل الباب 36 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 6

(3) الوسائل الباب 10 من أبواب الاشربة المحرمة الحديث 5

(4) نفس المصدر الحديث 4

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 93

لاحظ ما رواه الصدوق محمد بن علي بن الحسين باسناده عن علي عليه السلام في حديث الأربعمائة قال: من سقي صبيا مسكرا و هو لا يعقل حبسه اللّه عز و جل في طينة خبال حتي يأتي مما صنع بمخرج «1» و ما رواه عن النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم في حديث قال: و من شرب الخمر سقاه اللّه من السم الأساود من سم العقارب الي

أن قال: و من سقاها يهوديا أو نصرانيا أو صابيا أو من كان من الناس فعليه كوزر من شربها «2».

و ما رواه ابو صالح قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: المولود يولد فنسقيه الخمر؟ فقال: لا، من سقي مولودا مسكر اسقاه اللّه من الحميم و ان غفر له «3».

و فيه مضافا الي الأشكال في السند لا مجال لاستفادة المدعي من النصوص المشار إليها اذ يمكن ان الشارع له حكم خاص بالنسبة الي الخمر كما يدل علي هذه المقالة النصوص الكثيرة الدالة علي التشديد بالنسبة الي الخمر اضعف الي ذلك ان عنوان السقي لا يصدق علي بيع الدهن و تسليمه الي المشتري.

و منها ما دل علي وجوب اهراق المائعات المتنجسة لاحظ ما رواه ابو بصير عنهم عليهم السلام قال: اذا أدخلت يدك. في الإناء قبل أن تغسلها فلا بأس الا أن يكون أصابها قذر بول أو جنابة، فان أدخلت يدك في الماء و فيها شي ء من ذلك فأهرق ذلك الماء «4». بتقريب ان المستفاد من الحديث انه لا يجوز اعطاء المتنجس للغير. و فيه ان هذه الطائفة من النصوص تدل علي انفعال الماء بملاقاة النجاسة و ان شئت قلت: ارشاد الي نجاسة الماء و لا يستفاد منها الحكم التكليفي فلا يرتبط بالمقام.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 6

(2) نفس المصدر الحديث 7

(3) الوسائل الباب 10 من ابواب الأشربة المحرمة الحديث 2

(4) الوسائل الباب 8 من ابواب الماء المطلق الحديث 4

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 94

الوجه الثالث: انه يستفاد من ادلة المحرمات انه كما لا يجوز للمكلف أن يرتكب المحرم مباشرة كذلك لا يجوز له أن يسبب

لأن يرتكب غيره من المكلفين و يؤيد المدعي ما دل علي بيع العجين النجس من مستحل الميتة و هو ما رواه حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه

السلام في العجين من الماء النجس كيف يصنع به؟ قال: يباع ممن يستحل الميتة «1» و يؤيد أيضا بما دل علي بيع المختلط من المذكي و الميتة من مستحل الميتة «2».

و فيه أولا صدق عنوان التسبيب بمجرد تسليم الدهن للغير سيما مع الجهل بكونه يأكله اوّل الكلام و ثانيا لا طريق الي اثبات هذه الدعوي فانه اي دليل دل علي هذه الدعوي و دعوي ان العرف يفهم من ادلة المحرمات حرمة التسبيب عهدتها علي مدعيها و ان شئت قلت: كما انه لا يفهم من ادلة الواجبات وجوب تسبيب أن يأتي الغير بها كذلك لا يفهم العرف هذا المعني من ادلة المحرمات و العرف ببابك و أما تأييد المدعي بما ذكر ففيه انه يمكن أن يكون البيع له خصوصية و لذا لا يجوز وضعا من غير المستحل و الا فاي فرق بين المستحل و غيره و الحال ان الكفار كما يكونون مكلفين بالأصول كذلك يكونون مكلفين بالفروع ان قلت: لا اشكال في كون الأحكام الواقعية محفوظة في ظرف الجهل كما حقق في الأصول فالملاكات و الأغراض موجودة في الواقع فكما يحرم علي المكلف أن يخل بالغرض الشرعي و الملاك الواقعي مباشرة كذلك يحرم عليه الإخلال بالنسبة الي الغير قلت: لا اشكال في كون الأحكام الواقعية محفوظة عند الجهل لكن اي دليل دل علي وجوب حفظ الغرض و حرمة الإخلال به فان العقل الحاكم في باب الإطاعة و العصيان يدرك وجوب اطاعة أو امر المولي و الانزجار عن نواهيه و أما الزائد عليه فلا و دعوي

______________________________

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب ما يكتسب به الحديث 3

(2) راجع ص 49

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 95

ان

العرف يفهم من الأدلة حرمة الإخلال بالغرض الواقعي تحتاج الي الأثبات و الا لو كان التحفظ علي الأغراض لازما و واجبا يجب تسبيب امتثال الواجبات بالنسبة الي عامة المكلفين و أيضا كان اللازم أن يسد كل مكلف أبواب المحرمات الصادرة عن الغير باي نحو كان و هل يمكن الالتزام بهذا اللازم؟

الوجه الرابع: ان النجاسة عيب خفي يجب اظهاره للمشتري

و أورد عليه الماتن قدس سره بأن كون النجاسة عيبا ليس الا لكونه حراما واقعيا فان ثبت ذلك حرم الألقاء فيه و وجب الأعلام و لو مع قطع النظر عن وجوب اعلام العيب و الا لا تكون النجاسة عيبا. و فيه انه لا اشكال في كون النجاسة عيبا في العين في حد نفسه اذ ربما تترتب علي النجاسة مفاسد كثيرة فلا مجال للبحث في كون النجاسة عيبا لكن الكلام في دليل وجوب اعلام العيب الخفي و انما الحرام الغش و ترتفع الحرمة بالبراءة من العيوب و أيضا ترتفع بأن يشترط عليه اي علي المشتري بأن لا يستعمل الدهن فيما يشترط بالطهارة.

الوجه الخامس امره عليه السلام الاعلام في حديث ابن وهب

«1» فان المستفاد من الحديث انه يجب الأعلام كي يترتب عليه الاستصباح و الإنصاف ان دعوي ظهور الرواية في الوجوب التكليفي لا تكون جزافية و لذا لو علم البائع بأن المشتري لا يستعمله الا في الاستصباح لا يجب عليه الأعلام و بعبارة اخري: لا يستفاد من الحديث الوجوب الشرطي و أيضا لا يستفاد منه الوجوب التكليفي التعبدي المحض بحيث يكون الأعلام بما هو واجبا من الواجبات في الشريعة المقدسة.

ثم انه هل يختص وجوب الأعلام بمورد كون المشتري مسلما مباليا أم لا يختص؟ افاد سيدنا الأستاد بالاختصاص و قال اذا كان المشتري كافرا أو مسلما غير مبال بأمر الدين لا يكون واجبا لكون الأعلام لغوا. و يرد عليه أولا: ان ما

______________________________

(1) راجع ص 88

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 96

افاده علي فرض تماميته انما يتم في مورد العلم بعدم التأثير و أما لو احتمل ان الكافر أو غير المبالي يرتب الأثر علي الأعلام لا يكون وجه لرفع اليد عن الأمر بالأعلام الظاهر في

الوجوب. و ثانيا: لا دليل علي ما أفاده فان المستفاد من الحديث انه يجب الأعلام فيجب الاستصباح و بعبارة واضحة: انه يستفاد من الحديث انه يجب علي البائع أن يعلم و يجب علي المشتري أن لا ينتفع به في غير الاستصباح و ببيان اوضح: يستفاد من الحديث ان الشارع الأقدس يريد ان يتم الحجة علي المشتري باعلام البائع كي لا يتصرف بغير التصرف الخاص المذكور في الحديث و مقتضاه وجوب الأعلام حتي مع العلم بالخلاف.

الوجه السادس: انه لو قلنا باشتراط الاستصباح يجب الأعلام

اذ كيف يمكن الاشتراط المذكور مع عدم لأعلام و يرد عليه أولا انه لا دليل علي وجوب الاشتراط المذكور و لا يستفاد هذا من نصوص الباب و ثانيا: الاشتراط المذكور لا يستلزم الأعلام كما هو ظاهر و ثالثا ان التقريب المذكور لا يقتضي الوجوب التكليفي فلاحظ.

الوجه السابع: ان قوله عليه السلام في حديث ابن وهب بينه لمن اشتراه

ليستصبح به «1» يدل علي وجوب الأعلام لأن لا يصرفه في غير الإسراج فانه لا ترتب بين الأعلام و الإسراج فيجب الأعلام بهذا التقريب. و فيه ان المستفاد من الحديث انه لا يجوز الانتفاع من الدهن الا في الإسراج و وجوب الأعلام مقدمة لأن يعلم المشتري ان الدهن نجس و لا يجوز له أن يستعمله الا في الإسراج و بعبارة واضحة:

لا يستفاد من الحديث ان الأعلام واجب كي لا يقع المشتري في الحرام فيقال يستفاد من الرواية ان تغرير الغير و لو بهذا المقدار حرام بل المستفاد منها ان الشارع الأقدس في مقام بيان انه لا يجوز استعمال الدهن المتنجس الا في الاسراج اضف

______________________________

(1) راجع ص 88

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 97

الي ذلك انه يمكن أن يشترط عليه أن لا يصرفه في غير الإسراج بدون أن يعلمه بالنجاسة.

الوجه الثامن: ان اعطاء الدهن النجس للجاهل اغراء بالحرام

و هو قبيح عقلا، و فيه أولا: ان صدق الأغراء علي الإعطاء الساذج فيه اشكال و ثانيا: ان قبح اغراء الغير بالحرام عقلا اوّل الكلام اذ كيف يمكن أن يدرك العقل قبح فعل ما دام لم يصل الي حد الظلم و ثالثا: فرضنا انه قبيح عقلا لكن اي دليل علي وجوب متابعة الحكم العقلي؟ ان قلت: مقتضي قاعدة الملازمة بين الحكم العقلي و الشرعي حرمته شرعا قلت: كيف يمكن استكشاف الحكم الشرعي من طريق العقل مع الجهل بالملاكات و المصالح و المفاسد.

الوجه التاسع: قوله تعالي: [وَ لٰا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ]

وَ لٰا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّٰهِ فَيَسُبُّوا اللّٰهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ «1» بتقريب: انه يستفاد من الآية ان التسبيب الي الحرام حرام.

و فيه أولا: ان صدق التسبيب علي مجرد اعطاء الدهن النجس للغير اوّل الكلام و الأشكال و ثانيا: ان الآية واردة في مورد خاص و المناسبة تقتضي الأهمية الخاصة فان سب ذاته تعالي جرم عظيم لا يقاس به غيره من المحرمات.

الوجه العاشر: ما رواه ابن الحجاج عن أبي الحسن موسي عليه السلام

في رجلين يتسابان قال: البادي منهما اظلم و وزره و وزر صاحبه عليه ما لم يعتذر الي المظلوم «2». بتقريب: ان المستفاد من الحديث ان ايجاد السبب و الداعي لارتكاب الحرام حرام. و فيه انه حكم وارد في مورد خاص و بعبارة اخري: السب بنفسه حرام و نحو من التعدي و لا يجوز و بمقتضي هذه الرواية البادي منهما أظلم

______________________________

(1) الانعام 108

(2) الاصول من الكافي ج 2 ص 360 باب السباب الحديث 4

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 98

و يكون وزر صاحبه عليه و لا مجال لقياس المقام بذلك الباب.

الوجه الحاد يعشر: ان استناد الفعل الي السبب اولي من استناده الي المباشر فتكون نسبة الحرام الي السبب أولي و لذا يستقر الضمان علي السبب دون المباشر في موارد الضمانات. و فيه انه لا اشكال في عدم استناد الفعل الي السبب و بعبارة اخري: أكل الدهن النجس يستند الي المباشر لا الي السبب و أما قرار الضمان من باب صدق الإتلاف في بعض الموارد كمن يفتح باب القفس فيطير الطائر فانه يصدق علي الفاتح انه اتلف الطائر فلاحظ.

الفرع الثاني انه هل يحرم اكراه الغير علي ارتكاب الحرام كالإكراه علي شرب المسكر مثلا أم لا؟

الحق انه يحرم لا بتقريب ان حرمته مستفادة من ادلة المحرمات- كما في كلام سيدنا الأستاد- فان هذا التقريب مخدوش و لا دليل عليه بل للضرورة و انه لا اشكال لأحد في حرمته مضافا الي أنه تعد بالنسبة الي الغير و لا يجوز التعدي الا أن يقال انه لا كلية له اذ ربما يكون المكره بالفتح راضيا بالإكراه كي يرتكب الحرام الفلاني بطريق شرعي فلا يصدق التعدي و علي الجملة: لا اشكال في حرمته أضعف الي ذلك انه كيف يمكن الالتزام بالجواز مع وجوب النهي عن

المنكر فهل يمكن أن يحكم الشارع الأقدس بوجوب النهي عن المنكر و مع ذلك يجوز الإكراه علي ارتكاب الحرام فانه جمع بين المتنافيين الا أن يقال ان النهي عن المنكر انما يكون موضوعه فيما يعلم الفاعل بحرمة الفعل و أما مع جهله بالحرمة فلا تكون الحرمة منجزة في حقه كي تصل النوبة الي النهي عن المنكر و عليه يقع الكلام في أنه هل يحرم مع جهل الطرف بالحرمة أم لا يحرم في هذه الصورة؟

و لا يبعد أن يقال انه حرام أيضا اذا كراه الغير علي أمر من دون حق يكون مصداقا للتعدي فلا يجوز.

الفرع الثالث: انه هل يجوز ايجاد الداعي لأن يرتكب الغير الحرام

بأن يقدم

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 99

له طعاما حراما ليأكل أو يصف الحرام باوصاف مرغبة للغير في الارتكاب أم لا يجوز؟ فنقول: تارة يكون الغير عالما بالحرمة بحيث يكون الحكم من قبل الشارع منجزا في حقه و اخري لا يكون عالما و يكون معذورا أما علي الأول فلا اشكال في عدم الجواز اذ كيف يمكن أن يكون جائزا مع وجوب النهي عن المنكر فان مرجعه الي الجمع بين المتنافيين و أما مع الجهل العذري فاثبات الحرمة مشكل و متوقف علي قيام اجماع تعبدي كاشف عن رأي الشارع الأقدس.

الفرع الرابع: انه اذا كان فعل المكلف مقدمه لارتكاب الحرام

بلا أن يكون داعيا له كما لو أراد أحد أن يرتكب محرما من المحرمات و الاخر يعاونه و في الصورة المفروضة تارة يكون الفاعل جاهلا بالحرمة جهلا عذريا و اخري يكون عالما أما في الصورة الاولي فلا تكون اعانته حراما لعدم الدليل عليها و أما مع العلم بالحرمة و صدق الاعانة يكون الحكم بالحرمة متوقفا علي حرمة الاعانة علي الاثم و لا دليل عليها فان الدليل قائم علي حرمة التعاون لكن مع اجتماع شرائط النهي عن المنكر يجب النهي بلا اشكال و لا كلام.

الفرع الخامس: انه لا يجب اعلام الجاهل بالموضوع

فلو رأي احد ان زيدا يشرب الخمر بتخيل انه ماء لا يجب اعلامه لعدم الدليل علي الوجوب بل الدليل قائم علي عدم الوجوب لاحظ النصوص الواردة في الباب منها ما رواه محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن الرجل يري في ثوب أخيه دما و هو يصلي قال: لا يؤذنه حتي ينصرف «1».

و منها ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: اغتسل أبي من الجنابة فقيل له قد أبقيت لمعة في ظهرك لم يصبها الماء، فقال له: ما كان عليك لو سكت ثم مسح تلك اللمعة بيده 2 و صفوة القول: ان اعلام الجاهل بالموضوع

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 47 من ابواب النجاسات الحديث 1 و 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 100

الخارجي لا دليل علي وجوبه نعم يجب الاعلام فيما علم من الشارع اهتمامه به بحيث لا يريد وجوده في الخارج كما لو نكح احدي محارمه بسبب الجهل بالموضوع و امثال ما ذكر.

الفرع السادس: انه لا اشكال في وجوب النهي عن المنكر

حتي بالنسبة الي الجاهل اذا كان جهله تقصيريا و يكون الحكم منجزا في حقه و ذلك لوجوب النهي عن المنكر المستفاد من دليله.

الفرع السابع: انه هل يجب تعليم الاحكام الكلية الالهية؟

لا اشكال في وجوبه في الجملة فانه يستفاد من آية النفر وَ مٰا كٰانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً، فَلَوْ لٰا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طٰائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذٰا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ «1»، ان تبليغ الاحكام واجب كفاية و تؤيد الآية عدة نصوص منها ما رواه طلحة بن زيد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال قرأت في كتاب علي عليه السلام ان اللّه لم يأخذ علي الجهال عهدا بطلب العلم حتي أخذ علي العلماء عهدا ببذل العلم للجهال لان العلم كان قبل الجهل «2».

و منها ما رواه جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: زكاة العلم أن تعلمه عباد اللّه «3».

و منها ما رواه يونس بن عبد الرحمن عمن ذكره عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قام عيسي بن مريم عليه السلام خطيبا في بني اسرائيل فقال: يا بني اسرائيل لا تحدثوا الجهال بالحكمة فتظلموها، و لا تمنعوها أهلها فتظلموهم «4».

______________________________

(1) التوبة 122

(2) الاصول من الكافي ج 1 باب بذل العلم ص 41 حديث 1

(3) نفس المصدر الحديث 3

(4) نفس المصدر ص 42 حديث: 4

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 101

و لكن هل يجب تعليم كل جاهل بالحكم بحيث يجب علي كل واحد من المكلفين اعلام غيره اي الجاهل بالحكم؟ الانصاف ان الجزم به مشكل فان السيرة الخارجية حتي من المتشرعة علي خلافه و بعبارة واضحة: لا اشكال في وجوب تبليغ الاحكام بطرق التبليغ من القول و الكتابة و امثالهما بحيث يقدر الجاهل أن يتعلم و

أما وجوب تبليغ آحاد الناس واحدا واحدا و لو مع عدم الحرج أو الضرر فالالتزام به في غاية الاشكال و يمكن الاستدلال علي المدعي بأن الائمة عليهم السلام في أزمنتهم لم يكن ديدنهم علي تبليغ آحاد الناس بأن يذهبوا بنفوسهم المقدسة الي دار زيد و عمرو و بكر و خالد للتبليغ و اللّه العالم.

الفرع الثامن: انه هل يحرم استصباح الدهن النجس تحت الظلال أم لا؟
اشارة

ما يمكن ان يذكر في مقام الاستدلال علي الحرمة وجوه:

الوجه الأول: الاجماع

. و فيه انه علي تقدير حصوله و تحققه يمكن استناده الي الوجوه المذكورة في المقام.

الوجه الثاني: الشهرة الفتوائية

و فيه ان الشهرة الفتوائية لا تكون حجة.

الوجه الثالث: ما ارسله الشيخ في المبسوط

انه رووا اصحابنا أن يستصبح به تحت السماء دون السقف «1»، و فيه ان المرسل لا اعتبار به و انجباره بعمل المشهور ممنوع صغرويا و كبرويا.

الوجه الرابع: ان الاسراج به تحت السقف يوجب تنجس السقف

. و فيه أولا: يمكن أن يقال ان دخانه بالاستحالة يصير طاهرا و ثانيا: انه يمكن أن لا يصل الدخان الي السقف و ثالثا: لا وجه لحرمة التنجيس فانه لا دليل علي حرمة تنجيس السقف فالحق جوازه اي جواز الاستصباح تحت السقف.

______________________________

(1) المبسوط ج 6 ص 283

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 102

الفرع التاسع: هل يجوز الانتفاع بالدهن النجس في غير الاسراج أم لا؟

الحق هو الثاني وفاقا لابن ادريس في السرائر علي ما نقل عنه الماتن قدس سره حيث قال: لا يجوز الادهان به و لا استعماله في شي ء من الاشياء عدا الاستصباح تحت السماء الخ و الدليل علي هذه الدعوي ما رواه ابن وهب «1» فان المستفاد من الحديث ان الغرض من اعلام النجاسة ان المشتري يعلم بأنه لا ينتفع به الا في الاستصباح و الا لو كان الانتفاع به جائزا في غير الاسراج لم يكن وجه لتخصيص الاستصباح بالذكر و العرف ببابك و لا دليل علي جواز استعماله في غير الاسراج نعم يستفاد من حديثين احدهما ما عن الجعفريات «2» ثانيهما ما عن دعائم الاسلام عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام أنه سئل عن فأرة وقعت في سمن قال: «ان كان جامدا ألقاها و ما حولها و أكل الباقي، و ان كان مائعا فسد كله و يستصبح به، و سئل أمير المؤمنين يعني عليا عليه السلام عن الدواب تقع في السمن و العسل و اللبن و الزيت (فتموت فيه) قال: ان كان ذائبا اريق اللبن و استسرج بالزيت و السمن الي أن قال- و قال عليه السلام في الزيت يعلمه صابونا ان شاء «3» جواز جعله صابونا.

لكن الحديثين ضعيفان سندا مضافا الي ما عن موسي بن جعفر عليه السلام

قال:

سألته عن حب دهن ماتت فيه فأرة قال: لا تدهن به و لا تبعه من مسلم «4»، فان المستفاد من هذا الحديث عدم جواز الأدهان به بل الرواية تشعر بعدم جواز الانتفاع به علي الإطلاق و يمكن الاستدلال علي المدعي أيضا بما رواه ابن وهب «5» أيضا

______________________________

(1) راجع ص 88

(2) راجع ص 89

(3) مستدرك الوسائل الباب 6 من أبواب ما يكتسب به الحديث 4

(4) الوسائل الباب 7 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 5

(5) راجع ص 880

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 103

فان المستفاد من هذه الرواية انه بجوز الانتفاع بالدهن النجس في خصوص الإسراج اذ لو كان الانتفاع به جائزا في غيره لم يكن وجه لتخصيص الإسراج بالذكر و ان شئت قلت: ان مقتضي الإطلاق المقامي عدم جواز الانتفاع بغير الإسراج و لكن يستفاد جواز الانتفاع به في غير ما يشترط فيه الطهارة مما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر عليه السلام، قال سألته، عن الفارة و الكلب اذا أكلا من الجبن و شبهة أ يجل أكله؟ قال: يطرح منه ما أكل و يحل الباقي قال: و سألته عن فارة أو كلب شربا من زيت أو سمن قال: ان كان جرة أو نحوها فلا تأكله و لكن ينتفع به لسراج أو نحوه «1» فان المستفاد من الحديث جواز الانتفاع في غير الإسراج اذا كان نحو الاسراج و علي فرض التعارض بين هذه الرواية و حديث ابن وهب يكون الترجيح بالاحدثية مع حديث ابن جعفر.

الفرع العاشر: انه هل يجوز الانتفاع بالمتنجسات بحسب القواعد الأولية أم لا؟

لا أشكال في أن مقتضي اصالة البراءة جواز الانتفاع و استدل الشيخ قدس سره علي الجواز بقوله تعالي هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مٰا فِي الْأَرْضِ

جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَويٰ إِلَي السَّمٰاءِ فَسَوّٰاهُنَّ سَبْعَ سَمٰاوٰاتٍ «2» و تقريب الاستدلال بالآية علي المدعي ان اللّه تبارك و تعالي خلق جميع الأشياء لان ينتفع بها البشر فكل انتفاع من كل شي ء جائز الا ما خرج بالدليل و أورد عليه سيدنا الاستاد علي ما في التقرير: بأن الآية لا تكون دالة علي المدعي اذ المراد من الآية الشريفة اما بيان ان الغاية للخلقة هو الانسان و بعبارة اخري: ان خلق كل شي ء مقدمة لخلق الانسان و هذا لا ينافي حرمة بعض الاشياء، و اما ناظرة الي خلق الاشياء لاجل الاستدلال بها علي وجوده تعالي و أي نفع أعظم من هذا الانتفاع فعلي كلا التقديرين لا تكون الآية دالة علي المدعي «3».

______________________________

(1) الوسائل الباب 45 من أبواب الاطعمة المحرمة الحديث: 2

(2) البقرة 29

(3) مصباح الفقاهة ج 1 ص 128

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 104

و يرد عليه: ان الميزان الكلي في استفادة المراد من الالفاظ بالظهورات العرفية و الظاهر ان الآية الشريفة تكون ظاهرة في أن كل شي ء خلق لان ينتفع به الانسان و لا دليل علي ما رامه فالدليل الاجتهادي و الفقاهتي قائم علي جواز الانتفاع بالمتنجس و الخروج من القاعدة و الالتزام بالحرمة يتوقف علي قيام دليل عليه.

و ما يمكن أن يستدل به علي الحرمة جملة من الآيات و الرويات أما الآيات فمنها قوله تعالي إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ «1» بتقريب ان المتنجس من مصاديق الرجس فيجب الاجتناب عنه و مقتضي اطلاق الاجتناب حرمة الانتفاع به علي الاطلاق و تخصيص الحكم بالانتفاع الخاص و هو المناسب لذلك الشي ء كالشرب بالنسبة الي الخمر كما

في كلام سيدنا الاستاد علي ما في التقرير، لا وجه له فان المفروض تمامية مقدمات الحكمة و لا وجه لرفع اليد عن الاطلاق و علي فرض تمامية ما أفاده فانما هو فيما يذكر في الدليل عنوان خاص كالخمر فربما يقال ان المستفاد من قول المولي اجتنب عن الخمر الاجتناب عن شربه و أما لو لم يكن كذلك كما في المقام اذ المذكور في الآية عنوان الرجس الشامل لكثير من الاشياء فلا وجه للتخصيص و بعبارة أخري: لم يذكر عنوان خاص كي يقال المنهي عنه ما يناسبه بل المذكور في الآية عنوان عام و هو عنوان الرجس فالحق في الجواب أن يقال ان المذكور في الآية عنوان الرجس مقيدا يكونه من عمل الشيطان فيلزم ان يتحفظ علي الموضوع و يرتب عليه الحكم و حيث انا لا ندري كون المتنجس من عمل الشيطان، لا مجال لان يؤخذ بدليل الحرمة.

و ان شئت قلت: التمسك بالإطلاق فرع احراز الموضوع و مع الشك أو العلم بالعدم لا مجال للأخذ بالإطلاق كما هو ظاهر مضافا الي أنه لو تنزلنا عن الجواب الاول لكن نقول: علي فرض صدق الرجس علي النجس لا يبعد أن يكون المنصرف

______________________________

(1) المائدة/ 90

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 105

إليه اللفظ العناوين الاولية و هي الاعيان النجسة و أما المتنجس فصدق العنوان عليه أول الكلام و الاشكال و أما ما في كلام سيدنا الاستاد من أنه لو تنجس بدن شخص لا يقال فلان رجس، ففيه انه لا ينافي المدعي اذ حمل الرجس علي الشخص يتوقف علي كون ذاته رجسا لا بدنه نعم اذا لم يصح صدق عنوان الرجس علي بدنه النجس يكون شاهدا علي المدعي لان

عدم صحة الحمل من علامات المجاز.

و منها: قوله تعالي و الرُّجْزَ فَاهْجُرْ «1» بتقريب: ان المتنجس من مصاديق الرجز فيجب هجره. و فيه: ان المستفاد من كلماتهم ان الرجز يطلق علي العذاب و هجره الهجر من موجباته و بعبارة واضحة: كون المراد من الرجز الوارد في الآية النجس غير ظاهر و ذكر في بعض التفاسير ان المراد من الآية الهجر عن العذاب فلا يمكن الاستدلال بالآية علي المدعي مع عدم احراز الموضوع كما هو ظاهر.

و منها قوله تعالي وَ يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبٰاتِ وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبٰائِثَ «2» بتقريب أن عنوان الخبيث يطلق علي المتنجس و مقتضي اطلاق الآية حرمة جميع الانتفاعات منه و فيه ان الحرمة لا تتعلق بالاعيان الخارجية الا مع التقدير اذ متعلق الاحكام الشرعية هي الافعال لا الأعيان و حيث انه يطلق الخبيث علي بعض الافعال كما اطلق علي اللواط في قوله تعالي وَ نَجَّيْنٰاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كٰانَتْ تَعْمَلُ الْخَبٰائِثَ «3» فلا ترتبط الآية بالمقام و بعبارة واضحة: لا مجال للتقدير اذ المفروض ان عنوان الخبيث يحمل علي جملة من الافعال كما اطلق في الآية علي اللواط مضافا الي أن الخبيث بماله من المعني لا يطلق علي المتنجس بما هو كذلك و علي فرض الشك في الصدق لا مجال للأخذ بإطلاق الدليل فلاحظ.

______________________________

(1) المدثر/ 5

(2) الاعراف/ 157

(3) الأنبياء/ 74

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 106

و اما الروايات فمنها حديث تحف العقول حيث قال عليه السلام او شي ء من وجوه النجس فهذا كله حرام و محرم، لأن ذلك كله منهي عن أكله و شربه و لبسه و ملكه و امساكه و التقلب فيه فجميع تقلبه في ذلك حرام «1» بتقريب:

ان المستفاد من الحديث عدم الانتفاع بالنجس و من مصاديقه المتنجس. و فيه قد مر انه ضعيف سندا و لا جابر له فلا تصل النوبة الي ملاحظة دلالته و النقاش فيها.

و منها ما رواه السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما السلام ان عليا عليه السلام سئل عن قدر طبخت و اذا في القدر فأرة قال: يهرق مرقها، و يغسل الحلم و يؤكل «2» بتقريب: ان الأمر باهراق المرق يدل علي عدم جواز الانتفاع بالمرق المتنجس اذ لو كان جائزا و لو في الجملة لم يكن وجه لأمره باهراقه. و فيه ان الرواية ضعيفة سندا فلا اعتبار بدلالتها. و منها ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: اذا وقعت الفارة في السمن فماتت فان كان جامدا فألقها و ما يليها و كل ما بقي، و ان كان ذائبا فلا تأكله، و استصبح به و الزيت مثل ذلك «3». بتقريب: ان الأمر بإلقاء ما لاقي الميتة يدل علي عدم جواز الانتفاع بالمتنجس. و فيه ان المستفاد من الحديث بقرينة السياق عدم جواز الأكل مضافا الي أن ثبوت المدعي في مورد خاص لا يدل علي الكبري الكلية فانا قد استفدنا من حديث ابن وهب «4» ان الدهن المتنجس لا يجوز الانتفاع به في غير الإسراج.

و منها ما رواه ابن وهب «5» بتقريب ان المستفاد من الحديث عدم الانتفاع بالمتنجس و الا لم يكن وجه لالقاء ما حول الجرذ. و فيه انه يستفاد من الحديث

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

(2) الوسائل الباب 5 من ابواب الماء المضاف الحديث 3

(3) نفس المصدر الحديث 1

(4) لاحظ 88

(5) لاحظ 88

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب،

ج 1، ص: 107

عدم جواز الانتفاع بالدهن النجس في غير الاستصباح لكن حيث ان ما حول الجرذ قليل فلا يكون قابلا للإسراج و بعبارة واضحة: هذه الرواية من ادلة جواز الانتفاع بالدهن النجس في خصوص الإسراج مضافا الي ما مر آنفا أن ثبوت المدعي في مورد خاص لا يكون دليلا عليه علي نحو الاطلاق و العموم.

و منها ما رواه الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الفأرة و الدابة تقع في الطعام و الشراب فتموت فيه، فقال: ان كان سمنا أو عسلا أو زيتا فانه ربما يكون بعض هذا، فان كان الشتاء فانزع ما حوله و كله و ان كان الصيف فارفعه حتي تسرج به و ان كان ثردا فاطرح الذي كان عليه و لا تترك طعامك من أجل دابة ماتت عليه «1»، و تقريب المدعي بالحديث ظاهر، و الجواب قد ظهر مما مر و علي الجملة يستفاد من الحديث ان الدهن النجس لا ينتفع به في غير الإسراج.

و منها ما رواه ابن جعفر في كتابه عن أخيه موسي بن جعفر عليهما السلام قال:

سألته عن الفأرة تموت في السمن و العسل الجامد أ يصلح أكله؟ أقال: اطرح ما حول مكانها الذي ماتت فيه و كل ما بقي و لا بأس «2» و التقريب ظاهر و الجواب ان الأمر بالطرح لا يبعد أن يكون لقلته حيث أنه لا يكون قابلا للإسراج و أن أبيت عن الدلالة علي عدم الانتفاع علي نحو الإطلاق يقيد بما يدل علي جواز الإسراج.

و منها ما رواه ابن جعفر أيضا عن أخيه موسي بن جعفر عليه السلام قال سألته عن الفارة و الكلب اذا أكلا من الجبن و شبهه أ يحل

أكله؟ قال: يطرح منه ما أكل و يحل الباقي «3» و التقريب هو التقريب، و الجواب ان المستفاد من الحديث حرمة أكل ما لاقي النجس و هذا لا اشكال فيه.

______________________________

(1) الوسائل الباب 43 من أبواب الاطعمة المحرمة الحديث 4

(2) نفس المصدر الحديث 8

(3) الوسائل الباب 45 من ابواب الاطعمة المحرمة الحديث 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 108

و منها ما رواه زكريا بن آدم قال: سألت أبا لحسن عليه السلام عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيه لحم كثير و مرق كثير، قال: يهراق المرق، أو يطعمه أهل الذمة، أو الكلب و اللحم اغسله و كله «1» و الاستدلال علي المدعي بالرواية بالتقريب المتقدم و فيه ان السند ضعيف فلا تصل النوبة الي ملاحظة دلالتها.

و منها ما رواه سماعة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل معه أناء ان فيهما ماء وقع في احدهما قذر لا يدري أيهما هو، و ليس يقدر علي ماء غيره قال يهريقهما جميعا و يتيمم «2» بتقريب أن الأمر باهراقهما يدل علي عدم جواز الانتفاع بالمتنجس و فيه أنه لا يبعد أن يستفاد من الحديث جواز اهراقهما لأن يتمكن من التيمم و بعبارة أخري لا يستفاد من الحديث أن الإنائين لا ينتفع بما فيهما من الماء.

و منها ما ورد في اهراق الماء الملاقي مع النجاسة لاحظ ما رواه ابو بصير عنهم عليهم السلام قال: اذا أدخلت يدك في الإناء قبل أن تغسلها فلا بأس الا أن يكون أصابها قذر بول أو جنابة فان أدخلت يدك في الماء و فيها شي ء من ذلك فاهرق ذلك الماء «3».

و ما رواه أحمد بن محمد بن أبي

نصر قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يدخل يده في الإناء و هي قذرة، قال: يكفي الاناء قال في القاموس كفأه كمنعه كبه و قلبه كأكفأه 4.

و ما رواه سماعة قال: سألته عن رجل يمس الطست أو الركوة ثم يدخل يده في الاناء قبل أن يفرغ علي كفيه؟ قال: يهريق من الماء ثلاث جفنات و ان لم

______________________________

(1) الوسائل الباب 38 من ابواب النجاسات الحديث 8

(2) الوسائل الباب الباب 8 من ابواب الماء المطلق الحديث 2

(3) (3 و 4) نفس المصدر الحديث 4 و 7

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 109

يفعل فلا بأس، و ان كانت أصابته جنابة فادخل يده في الماء فلا بأس به ان لم يكن أصاب يده شي ء من المني و ان كان أصاب يده فأدخل يده في الماء قبل ان يفرغ علي كفيه فليهرق الماء كله «1» و ما رواه أبو بصير «2».

فان هذه النصوص تدل علي عدم جواز الانتفاع بالماء المتنجس. و فيه أنه لا يبعد أن يستفاد من هذه الطائفة من النصوص انفعال الماء القليل بملاقاة النجاسة و لذا لا يفهم من هذه الطائفة عدم جواز سقي الاشجار و اشباهه به مما لا يشترط فيه الطهارة و أن أبيت عما ذكرناه و قلت انها تدل علي المدعي قلت: انه حكم خاص وارد في مورد مخصوص و لا وجه للتعدي منه الي الموارد الاخر مضافا الي وضوح جواز الانتفاع بالماء المتنجس في المنافع الاخر و لا يبعد أن يقال ان السيرة من المتشرعة جارية علي الانتفاع به في غير المشروط بالطهارة.

و منها ما ورد في حرمة الانتفاع بالدهن المتنجس في غير الاسراج و فيه أولا أنه علي

تقدير التسليم لا وجه للتعدي عن مورده الي غيره من الموارد و ثانيا: أنه قد مر منا أن النص الخاص قد دل علي جواز الاسراج و نحوه لاحظ ما رواه ابن جعفر «3» فان المستفاد من هذا الحديث جواز الاسراج و نحوه.

و بعبارة اخري: مقتضي حديث علي بن جعفر جواز الانتفاع بالدهن المتنجس في غير ما يشترط فيه الطهارة و بهذا الحديث نقيد حديث ابن وهب «4» فان المستفاد من ذلك الحديث عدم جواز استعماله في غير الاستصباح بلا فرق بين المشروط بالطهارة و عدمه و حديث ابن جعفر يدل علي الانتفاع به في غير ما يشترط فيه

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 10

(2) نفس المصدر الحديث 11

(3) لاحظ ص 103

(4) لاحظ 88

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 110

الطهارة و حيث انه أخص من تلك الرواية نقيدها بهذا الحديث و بهذا التقريب نقول: لو سلمنا دلالة احاديث الاهراق علي الحرمة علي نحو الاطلاق نقيدها بحديث ابن جعفر.

و ربما يستدل علي المدعي بالإجماع و فيه ان المنقول منه غير حجة و المحصل منه غير حاصل و علي فرض حصوله يحتمل أن يكون مدركيا فلا يكون اجماعا تعبديا كاشفا فالنتيجة عدم قيام دليل علي المدعي فيجوز الانتفاع بالمتنجس الا ما ثبتت حرمته بالدليل الخاص.

الفرع الحاد يعشر: انه هل يحل الانتفاع بالأعيان النجسة كالانتفاع بالعذرة للتسميد أم لا؟ الظاهر انه لو لا دليل خاص علي الحرمة لا وجه لها و مقتضي اصالة البراءة الجواز و يمكن الاستدلال علي الحرمة بالوجوه المتقدمة التي استدل بها علي عدم جواز الانتفاع بالمتنجس و لكن قد تقدم الجواب عن تلك الوجوه و ربما يتمسك علي المدعي بقوله تعالي حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ

الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَ مٰا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّٰهِ بِهِ وَ الْمُنْخَنِقَةُ وَ الْمَوْقُوذَةُ وَ الْمُتَرَدِّيَةُ وَ النَّطِيحَةُ وَ مٰا أَكَلَ السَّبُعُ إِلّٰا مٰا ذَكَّيْتُمْ وَ مٰا ذُبِحَ عَلَي النُّصُبِ وَ أَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلٰامِ «1»، بتقريب: أن مقتضي الإطلاق حرمة مطلق الانتفاع بالمذكورات. و فيه ان الحرمة لا تتعلق بالعين الخارجية فلا بد من تقدير المضاف و المناسبة بين الموضوع و الحكم تقتضي تقدير ما يناسب الموضوع الذي علقت عليه الحرمة ففي مورد الآية المناسب هو الأكل و في قوله تعالي حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهٰاتُكُمْ وَ بَنٰاتُكُمْ «2» مقتضي التناسب تقدير النكاح و هكذا مضافا الي أن ثبوت عموم الحكم في مورد لا يكون دليلا علي حرمة الانتفاع علي الإطلاق من كل نجس و القول بعدم الفصل لا يرجع الي محصل كما أن الإجماع

______________________________

(1) المائدة/ 3

(2) النساء/ 24

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 111

المنقول لا يكون حجة و المحصل منه علي تقدير حصوله محتمل المدرك فلا يكون كاشفا عن رأي المعصوم عليه السلام فالنتيجة جواز الانتفاع بالأعيان النجسة الا فيما علم بالخصوص حرمته في مورد خاص.

الفرع الثاني عشر: أن الحق جواز بيع المتنجس وضعا

فان مقتضي ادلة جواز البيع و صحته جواز بيع المتنجسات ما دام لم يقم دليل علي التخصيص و لا يتوقف الجواز علي القول بجواز الانتفاع كما قلنا أنه يجوز فأنه لا يشترط في المبيع كونه ذا مالية كما أنه لا دليل علي اشتراط عدم كونه محرما و قد تقدم كرارا عدم تمامية الأخبار العامة التي تعرضناها في اوّل البحث تبعا للماتن و قلنا أن عمل المشهور بحديث ضعيف لا يجبر ضعف سنده كما ان اعراض المشهور عن حديث معتبر لا يوجب سقوطه عن الاعتبار فالنتيجة جواز بيع المتنجس

وضعا.

الفرع الثالث عشر: مقتضي أصالة الحلية شرعا و قبح العقاب بلا بيان عقلا جواز بيع المتنجس تكليفا.
الفرع الرابع عشر: هل يحل بيع الأعيان النجسة وضعا أم لا؟

الكلام فيه هو الكلام فانه لو لا دليل خاص دال علي الحرمة في مورد كما قام في بيع الخمر و نحوه لا يكون وجه للفساد و قد ظهر مما تقدم ما يمكن أن يستدل به علي المنع مع جوابه فلاحظ.

الفرع الخامس عشر: أنه هل يجوز بيع الاعيان النجسة تكليفا

فانه ان لم يقم دليل علي المنع لا مقتضي للحرمة علي نحو الاطلاق أو العموم و بعبارة أخري مقتضي الاصل الاولي شرعا و عقلا هو الجواز فاذا ثبتت الحرمة في مورد كما ثبتت في بيع الخمر نلتزم بها و الا فلا فلاحظ.

الفرع السادس عشر: أنه لو سقطت عين عن المالية هل يمكن اثبات حق الاختصاص فيها أم لا؟
اشارة

و يقع الكلام في هذا المقام في جهات عديدة:

الجهة الأولي أن مالية الاشياء بلحاظ المنافع الموجودة فيها

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، 4 جلد، كتابفروشي محلاتي، قم - ايران، اول، 1413 ه ق عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب؛ ج 1، ص: 112

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 112

و تلك المنافع توجب رغبات الناس فيها، و زيادة المالية و قلتها بحسب كثرة الرغبات فيها و قلتها و اذا لم يكن شي ء ذا فائدة موجبة للرغبة فيه لا يصدق عنوان المال علي ذلك الشي ء.

الجهة الثانية: اذا كانت عين ذو مالية ملكا لاحد ثم سقطت عن المالية هل تسقط عن الملكية أم لا؟

الظاهر أنه لا وجه لسقوطها عن الملكية فان النسبة بين المال و الملك عموم من وجه فربما يكون شي ء مالا و لا يكون ملكا كالجواهر التي لا تكون مملوكة لاحد و ربما يكون علي العكس كالا ملاك التي لا مالية لها و ربما يجتمعان كالأموال المملوكة فلا دليل علي كون السقوط عن المالية ملازما للسقوط عن الملكية بل الدليل قائم علي الخلاف فانه لا شبهة في أن الاموال التي تسقط عن المالية باقية علي مملوكيتها لملاكها عند العقلاء و الشارع الاقدس لم يردع عن هذه السيرة العقلائية.

الجهة الثالثة: في أنه هل يمكن اثبات حق الاختصاص في قبال الملكية أم لا؟
اشارة

و الذي يظهر من بعض الكلمات أن المنشأ لهذا البحث أن العين المملوكة لشخص اذا سقطت عن المالية سقطت عن الملكية أيضا لكن يبقي في العين حق الاختصاص

و ذكرت لاثبات الحق المذكور وجوه:
الوجه الأول: أن حق الاختصاص سلطنة ثابتة في الاموال

و هي غير الملكية فاذا زالت الملكية تبقي تلك السلطنة بحالها و لا تزول.

و فيه أنه لا دليل علي هذه الدعوي و ان كانت ممكنة في مقام الثبوت و الامكان.

الوجه الثاني: أن حق الاختصاص مرتبة ضعيفة من الملكية

فاذا زالت الملكية التي هي المرتبة الشديدة تبقي تلك المرتبة الضعيفة لعدم الملازمة بين القوي و الضعيف في السقوط. و فيه أن الملكية الاعتبارية أمر بسيط و لا يكون ذا اجزاء و مراتب بحيث يبقي مقدار منها و يزول مقدار آخر و ان شئت قلت لا دليل علي هذا المدعي مضافا الي أن قوام الملكية باعتبار من بيده الامر فعلي تقدير اعتباره تكون

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 113

الملكية باقية و علي تقدير عدم اعتباره تزول و لا تكون الملكية مثل الاعراض الخارجية كالسواد بحيث تزول المرتبة منه و تبقي مرتبة اخري منه فلاحظ.

الوجه الثالث: أنه قد ثبت في الشريعة المقدسة بالسيرة و بالنص عدم جواز التصرف في مال الغير

لاحظ ما رواه سماعه عن أبي عبد اللّه عليه السلام (في حديث) أن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال: من كانت عنده أمانته فليؤدها الي من ائتمنه عليها فانه لا يحل دم امرئ مسلم و لا ما له الا بطيبة نفس منه «1» فاذا زالت الملكية نشك في زوال ذلك الحكم و نحكم ببقائه بمقتضي الاستصحاب و فيه أولا: أن الاستصحاب الجاري في الاحكام الكلية معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد و ثانيا: أن الحكم المذكور مترتب علي عنوان المال و مع زوال هذا العنوان لا مجال لبقاء الحكم و ببيان أوضح لا مجال للاستصحاب مع انتفاء الموضوع.

الوجه الرابع: الاجماع

و فيه أن المنقول منه غير حجة و المحصل منه علي فرض حصوله محتمل المدرك فلا يكون اجماعا تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم عليه السلام.

الوجه الخامس قوله: «من حاز ملك»

بتقريب أن مقتضي الحديث المذكور بقاء الملكية بعد سقوط الشي ء عن المالية. و فيه أولا أن كون الجملة المذكورة مقول قول المعصوم عليه السلام أول الكلام و الاشكال و ثانيا الكلام في حق الاختصاص بعد زوال الملكية و المذكور في الجملة المنقولة عنوان تحقق الملكية بالحيازة و ثالثا: أن اثبات الملكية في العين المملوكة بعد سقوط المالية عنها لا يحتاج الي دليل كي يستدل بالمرسلة المنقولة.

الوجه السادس: قوله صلي اللّه عليه و آله من سبق الي ما لا يسبقه إليه المسلم

______________________________

(1) الوسائل الباب 3 من ابواب مكان المصلي الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 114

فهو أحق به «1» و فيه أولا أنه ضعيف سندا و ثانيا أنه لا اشكال في بقاء الملكية بعد زوال المالية فلا يحتاج الي التماس دليل علي بقاء الحق.

الجهة الرابعة: هل توجب الحيازة الملكية أم لا؟

لا اشكال في أن حيازة المباحات توجب صيرورتها مملوكة للحائز و السيرة العقلائية الخارجية جارية عليه و الشارع الاقدس لم يردع عنها و أمضاها فلا مجال لان يقال انه لا دليل علي كون الحيازة مملكة.

الجهة الخامسة: في أنه هل يشترط في حصول الملكية بالحيازة قصد التملك أو قصد الانتفاع أو لا

يشترط بشرط بل تحصل الملكية بمجرد الحيازة قال سيدنا الاستاد في هذا المقام ان حق الاختصاص بالمحيز يحصل بمجرد تحقق الحيازة لعدم دليل علي الاشتراط و التقييد «2».

و يرد عليه أولا أن الحق أن الحيازة تقتضي الملكية لا حق الاختصاص اذ لا دليل علي حق الاختصاص في قبال الملكية، و ثانيا أنه لا مجال للأصل في امثال المقام بل مقتضي الاصل عدم تحقق الملكية أو عدم تحقق حق الاختصاص الا مع اجتماع قيود المحملة و بعبارة أخري الامور الوضعية اذا لم يكن عليها اطلاق أو عموم يكون مقتضي الاصل عدم تحققها الا فيما يجتمع فيه القيود التي يمكن اعتبارها فيها فالنتيجة أن الحيازة انما تفيد الملكية فيما يكون الغرض منها التملك الا أن يثبت جريان السيرة المتشرعة علي كفاية مجردها في حصول الملكية.

الجهة السادسة: في أنه هل يتحقق حق الاولوية بالسبق في الاماكن المشتركة

كالمساجد و المشاهد المشرفة و نحوهما؟ قد وردت في المقام جملة من النصوص

______________________________

(1) مستدرك الوسائل ج 17 الباب 1 من ابواب احياء الموات الحديث 4

(2) مصباح الفقاهة ج 1 ص: 146

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 115

منها ما رواه محمد بن علي بن الحسين قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام سوق المسلمين كمسجدهم، فمن سبق الي مكان فهو أحق به الي الليل و كان لا يأخذ علي بيوت السوق كراء «1».

و منها ما رواه اين أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سوق المسلمين كمسجدهم يعني اذا سبق الي السوق كان له مثل المسجد 2.

و منها رواه وهب عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام أنه كره أن يأخذ من سوق المسلمين أجرا 3.

و منها ما رواه محمد بن اسماعيل عن بعض أصحابنا عن

أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: نكون بمكة أو بالمدينة أو الحيرة أو المواضع التي يرجي فيها الفضل فربما خرج الرجل يتوضأ فيجي ء آخر فيصير مكانه، فقال: من سبق الي موضع فهو أحق به يومه و ليلة «4» و منها قوله صلي اللّه عليه و آله من سبق الي ما لا يسبقه إليه المسلم فهو احق به «5» و هذه النصوص كلها ضعيفة لكن لا اشكال في ثبوت الاولوية للسابق في الاماكن المشتركة و لا يجوز لاحد أن يزاحم السابق نعم يشترط ثبوت الحق بأن حيازته للمحل لاجل الانتفاع به نفعا مقصودا و غاية من ذلك المحل كما لو سبق أحد الي مكان من المسجد لاجل الصلاة فيه، و أما لو لم يكن كذلك فلا يثبت الحق للسابق و الا كان لازمه جواز اشغال المكان و عدم رفع اليد عند الا باخذ مال في مقابله و هل يمكن الالتزام بهذا اللازم؟

الفرع السابع عشر: أن حق الاختصاص علي فرض الالتزام به هل يكون قابلا للإسقاط؟

الظاهر أنه لا دليل عليه الا أن يقال أن عدم الدليل علي بقائه بعد الاسقاط

______________________________

(1) (1 و 2 و 3) الوسائل الباب 17 من ابواب آداب التجارة الحديث 1 و 2 و 3

(4) الوسائل الباب 56 من أبواب احكام المساجد الحديث 1

(5) لاحظ ص 113

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 116

يكفي للالتزام بسقوطه لانه مع الشك لا طريق الي احرازه الا الاستصحاب و قلنا مرارا أن الاستصحاب لا يجري في الاحكام الكلية الالهية لمعارضته باصالة عدم الجعل الزائد.

ثم انه هل يكون قابلا لأن ينقل الي الغير بصلح أو بشرط في ضمن العقد أو نحوهما أم لا؟ مقتضي الأصل الأولي عدم الجواز اذ قد ذكرنا قريبا أن الأمر الوضعي لو لم

يكن عليه دليل يكون مقتضي الأصل عدم تحققه، نعم الظاهر أنه لا اشكال في أنه لو اعرض عن حقه يجوز لغيره أن يتصرف في مورد الحق فان الأعراض عن الملك يوجب خروجه عن ملك المعرض فكيف بحق الاختصاص هذا علي فرض القول به و لكن لا دليل علي ثبوته و تحققه حتي في الخمر التي صارت خلافان مقتضي القاعدة بقائها في ملك مالكها.

بقي شي ء في المقام و هو أنه لو كانت عين مملوكة لاحد و لا تكون لها مالية عقلائية عرفية هل يجوز التصرف فيه بدون اذن مالكه؟ الذي يختلج بالبال أن يقال مقتضي السيرة العقلائية عدم الجواز و لا يبعد أن السيرة المتشرعية علي طبق السيرة العقلائية و قد ورد في المقام حديث عن النبي صلي اللّه عليه و آله قال: لا يحلبن أحدكم ماشية أخيه، الا باذنه «1» و لكن الحديث ضعيف سندا مضافا الي أن مورده المال لا الملك فقط فلا اثر له للمدعي.

«قوله قدس سره: و جعل هذا من المستثني عن بيع الاعيان النجسة … »

أقول البحث في جواز المعاوضة علي الاعيان النجسة فيكون استثناء الدهن المتنجس منقطعا علي كل تقدير اذ المفروض أن الدهن المتنجس ليس داخلا في

______________________________

(1) المستدرك الباب 3 من أبواب مكان المصلي الحديث 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 117

الاعيان النجسة بلا فرق بين القول بجواز الانتفاع به و عدمه و بعبارة اخري: يكون البحث عن بيع الدهن المتنجس بالمناسبة فانه خارج عن أصل البحث فلاحظ.

«قوله قدس سره: الاجماع عليه في الجملة … »

لعدم الاجماع علي الانتفاع به بالجملة و علي نحو الاطلاق بل قيل لا يجوز الانتفاع به الا في الاستصباح به تحت السماء.

«قوله

قدس سره: هل هي مشروطة باشتراط الاستصباح … »

قد تقدم و سبق أنه لا دليل علي الاشتراط المذكور.

«قوله قدس سره: فلا يجوز بيعه لا علي الاطلاق … »

قد ذكرنا مرارا أنه لا دليل علي اشتراط المالية في المبيع فان مقتضي قوله تعالي أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ «1» جواز بيع ما لا مالية له نعم لا يمكن الاستدلال علي المدعي بقوله تعالي لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ «2» فان الآية الشريفة اخذ فيها عنوان المال في موضوع الحكم الذي تكون متعرضة له.

«قوله: لان قصد الفائدة النادرة … »

لا يخفي أن مالية الشي ء لا ترتبط بالقصد و عدمه فان مالية الاشياء كما تقدم مترتبة علي الفوائد الموجودة فيها و المنافع التي توجب رغبات العقلاء فيها.

______________________________

(1) البقرة/ 275

(2) النساء/ 29

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 118

«قوله: لان اكل المال حينئذ ليس بالباطل … »

قد تقدم منا أن الجار في الآية الشريفة للسببية لا للمقابلة فلاحظ.

«قوله قدس سره. فافهم … »

لعله اشارة الي ما ذكرنا من الاشكال.

«قوله قدس سره. فسد العقد بفساد الشرط … »

قد حققنا في محله أن فساد الشرط لا يسري الي العقد و فساده لا يوجب فساد العقد فلا تغفل.

«قوله قدس: فيكون أكل الثمن أكلا بالباطل … »

قد ظهر ما فيه من الاشكال فلا نعيد.

«قوله قدس سره: فافهم»

لعله اشارة الي ما ذكرنا فلاحظ.

«قوله قدس سره: كما يؤمي الي ذلك ما ورد في تحريم شراء الجارية المغنية … »

لاحظ ما ارسله الصدوق قال: سأل رجل علي بن الحسين عليهما السلام عن شراء جارية لها صوت فقال: ما عليك لو اشتريتها فذكرتك الجنة؟ يعني بقراءة القرآن و الزهد و الفضائل

التي ليست بغناء فاما الغناء فمحظور «1» و الرواية لا يستفاد منها المدعي مضافا الي أنها ضعيفة سندا بالارسال.

«قوله: و لا عادة»

كيف لا ترتب بينهما عادة و الحال ان المتدين بعد علمه بكون الدهن نجسا

______________________________

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 119

و لا يجوز له الا الاستصباح يستعمله فيه، و لكن قد تقدم عدم حصر الانتفاع به في الاسراج فراجع.

«قوله قدس سره: و لو في حق الجاهل»

صدق القبيح علي فعل يتوقف علي علم الفاعل و أما مع الجهل العذري كما هو المفروض فلا يصدق عليه عنوان القبيح.

«قوله قدس سره: فعل شخص علة تامة … »

الاكراه لا يكون علة تامة لصدور الفعل المكره عليه عن المكره بالفتح اذ المفروض أنه يصدر الفعل عنه باختياره و ارادته.

«قوله قدس سره: لان استناد الفعل الي السبب قوي»

قد ظهر ما فيه مما تقدم و أيضا قد تقدم الكلام حول الاقسام المذكورة و ما ينبغي أن يقال فلاحظ ما تقدم منا.

«قوله قدس سره: ضرر مالي قد امرنا … »

الإنصاف أن تشخيص مصداقه مشكل و تحصيل الإجماع التعبدي علي الحكم المذكور اشكل.

«قوله: فتأمل»

لعله اشارة الي ما ذكرناه سابقا من كون النجاسة بنفسها عيب.

«قوله قدس سره: البعيدة عن التقييد»

لم يظهر لي وجه بعد الروايات عن التقييد و الظاهر أنه لا بعد فيه نعم لا دليل علي تقييدها و المرسلات لا اعتبار بها و قد ذكرنا مرارا أنها لا تنجبر بعمل المشهور بها مضافا الي النقاش في الصفري لعدم القطع بكونهم مستندين إليها

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 120

و اللّه العالم.

«قوله قدس سره: كالخمر»

عدم جواز الانتفاع بالخمر في غير الانتفاعات المحرمة

محل الكلام و الأشكال و قد مر في بحث حرمة بيع الخمر أنه يستفاد من بعض النصوص جواز جعل الخمر خلا فما الوجه في حرمة بل الأرض بالخمر ان قلت مقتضي قوله تعالي إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ «1»، وجوب الاجتناب عن الخمر علي الإطلاق فلا يجوز الانتفاع به بأي وجه قلت الظاهر من الآية الشريفة النهي عن شربه كما أن النهي عن الأنصاب النهي عن الذبح علي الحجر المنصوب أو النهي عن العبادة عنده علي اختلاف التفسيرين و العرف ببابك.

«قوله قدس سره: دليلنا اجماع الفرقة … »

لا يبعد أن يكون هذه الجملة كلام شيخ الطائفة في مقام الاستدلال.

«قوله قدس سره: و من بعض ما ذكرنا … »

لا يبعد أن يكون ناظرا الي كون المتبادر من الرجس العناوين الأولية و هي الأعيان النجسة و كذلك عنوان الرجز فلا يشمل المتنجس.

«قوله قدس سره: بقرينة مقابلته بحلية الطيبات «2»»

لا وجه لحمل الحلية علي خصوص الاكل كي يكون قرينة علي كون المراد من الحرمة هو الاكل و قد تقدم منا حول الآية الشريفة ما اختلج ببالنا القاصر فراجع

______________________________

(1) المائدة/ 90

(2) الاعراف/ 156

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 121

ما ذكرناه هناك.

«قوله قدس سره: لانه الظاهر من قوله دليلنا اجماع الفرقة … »

بل الظاهر خلافه و أن الاجماع قائم علي الاحكام المذكورة فلاحظ.

«قوله قدس: و الرواية اشارة الي ما عن الراوندي … »

لاحظ ما روي عن موسي بن جعفر عن أبيه، أن عليا (عليه السلام) سئل عن الزيت يقع فيه شي ء له دم فيموت فقال يبيعه لمن يعمله صابونا «1» و ليس في الرواية ذكر الشحم.

«قوله قدس سره: و هذا

هو الّذي يقتضيه استصحاب الحكم»

يرد عليه أولا: أن استصحاب الحكم الكلي دائما معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد و ثانيا: أن الاستصحاب المذكور داخل في الاستصحاب التعليقي الذي لا نقول به اذ قبل تنجسه لو كان مبيعا كان بيعه صحيحا و الآن كما كان و الاستصحاب التعليقي غير تام عندنا.

«قوله قدس سره: قال و ليس المراد»

لفظ قال في المقام زائد و يظهر بملاحظة صدر الكلام فلاحظ.

«قوله: فافهم»

______________________________

(1) المستدرك الباب 6 من ابواب ما يكتسب به الحديث 7

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 122

لعلة اشارة الي أن الظاهر من عبارة المحقق أن قول العلامة مخالف مع مذهبه.

«قوله قدس: فلا يندفع الاشكال عنه»

لان القابل للطهارة هو الثوب الذي غسل بالصابون و أما الاجزاء الصابونية فهي منفصلة عن الثوب بالغسل و تنعدم فلا يصير الصابون طاهرا.

«قوله قدس سره: للاستقذار أو للتوصل بها الي الفرار … »

لا يبعد ان يكون المراد من العبارة ان النجس علي قسمين احدهما ما يكون قذرا و ثانيهما ما لا يكون كذلك اما القسم الأول فالمنع عنه لاجل الاستقذار و اما القسم الثاني فلأجل الفرار بسبب الحرمة عن تلك النجاسة.

«قوله قدس سره: بعض الاساطين»

المراد به الشيخ الكبير كاشف الغطاء.

«قوله قدس سره: بل من جهة التسامح و الادعاء العرفي … »

لا دليل علي اعتبار التسامح و الادعاء العرفي و انما الميزان بالفهم العرفي في مفاهيم الالفاظ نعم اذا ثبت الانصراف المستقر يترتب عليه الاثر.

«قوله: بعض الروايات»

و هو ما رواه الحسن بن محبوب قال: سألت أبا لحسن عليه السلام عن الجص يوقد عليه بالعذرة و عظام الموتي ثم يجصص به المسجد، أ يسجد عليه؟ فكتب

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 123

الي بخطه: ان

الماء و النار قد طهراه «1» ثم انه وقع الكلام بين الاصحاب في فقه الحديث و انه ما المراد بقوله عليه السلام ان الماء و النار قد طهراه و الحال انه غير معهود في الشريعة و قال سيدنا الاستاد علي ما في التقرير: «انه يمكن ان يكون المراد من النار الشمس فانها تطهر اذا جفت شيئا يصير طاهرا و يمكن ان يكون المراد بالماء ماء المطر الذي يصيب الموضع المجصص»، و يرد عليه أولا ان كون المراد بالنار الشمس خلاف الظاهر و لا قرينة علي ما ذكر حتي يصار إليه و ثانيا انه لو فرض اصابة المطر الي موضع نجس فلا يحتاج بعد الي مطهر آخر.

فالذي يقرب الي الذهن ما عن الكاشاني قدس سره في الوافي بأن نقول المراد بتطهير النار احالة النار العذرة و عظام الموتي رمادا فان الاستحالة من المطهرات و المراد بالماء ماء المطر الذي يصيب الموضع المجصص فلكل واحد من النار و الماء اثر خاص لا يرتبط بالأثر الأخر و كيف كان يستفاد من الحديث أمران احدهما اشتراط الطهارة فيما يسجد عليه ثانيهما جواز السجود علي الجص و لو كان مطبوخا فلاحظ.

«قوله قدس سره: فتامل»

لعله اشارة الي ان مقتضي حديث تحف العقول عدم جواز جميع التقلبات.

«قوله: و الخمر المحترمة»

و هي التي تصير خلا.

[النوع الثاني مما يحرم التكسب به ما يحرم لتحرم ما يقصد به]
[القسم الأول ما لا يقصد من وجوده الخاص الا الحرام]
[منها هياكل العبادة المبتدعة كالصليب و الصنم]
اشارة

«قوله قدس سره: منها هياكل العبادة المبتدعة كالصليب و الصنم بلا خلاف ظاهر بل الظاهر الاجماع عليه … »

______________________________

(1) الوسائل الباب 81 من أبواب النجاسات الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 124

لا اشكال في ظهور كلام الماتن في بيان حرمة بيعها وضعا و الا لم يكن مجال للاستدلال علي المدعي بالنهي عن الأكل بالباطل و

نحوه و كيف كان يقع الكلام تارة في حكم بيعها وضعا و اخري في حكم بيعها تكليفا فالكلام يقع في مقامين أما

المقام الأول [في حكم بيعها وضعا]
اشارة

فما يمكن أن يذكر في الاستدلال علي الحرمة وجوه:

الوجه الأول الإجماع

و فيه انه علي فرض تحققه و تحصيله محتمل المدرك اذ يحتمل استنادهم الي الوجوه المذكورة في المقام فلا يكون اجماعا تعبديا كاشفا.

الوجه الثاني رواية تحف العقول

«فكل أمر يكون فيه الفساد مما هو منهي عنه» و قوله «أو شي ء يكون فيه وجه من وجوه الفساد» و قوله عليه السلام «و كل منهي عنه مما يتقرب به لغير اللّه» و قوله عليه السلام: «انما حرم اللّه الصناعة التي هي حرام كلها التي يجي ء منه الفساد محضا نظير البرابط و المزامير و الشطرنج و كل ملهوبه و الصلبان و الأصنام» الي أن قال: «فحرام تعليمه و تعلمه و العمل به و اخذ الأجرة عليه و جميع التقلب فيه من جميع وجوه الحركات» «1» بالتقريب الذي افاده في المتن و قد مر ان الحديث ضعيف سندا و غير قابل لأن يستند إليه.

الوجه الثالث: النبوي المشهور

ان اللّه تعالي اذا حرم علي قوم اكل شي ء حرم ثمنه «2» و قد سبق عدم اعتباره و لا جابر لضعف سنده مضافا الي النقاش في دلالته.

الوجه الرابع: قوله تعالي لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ*

«3» و حيث ان أكل المال في المقام في مقابل الباطل يكون حراما و فيه انه قلنا سابقا ان الجار الواقع في الآية ليس للمقابلة بل للسببية.

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

(2) المستدرك الباب 6 من ابواب ما يكتسب به الحديث 8

(3) النساء 29

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 125

الوجه الخامس: قوله تعالي [إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ]

إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ «1» بتقريب ان هيكل العبادة رجس فيجب الاجتناب عنه علي الإطلاق. و فيه ان الظاهر بحسب الفهم العرفي كون المراد النهي عن عبادة هيكل العبادة كما ان المراد من النهي عن الخمر المذكورة في الآية شربها و يؤيد المدعي قوله تعالي رجس من عمل الشيطان فان المناسبة بين الموضوع و الحكم تقتضي أن يكون المراد العمل الشيطاني اي عبادة هيكل العبادة مثلا مضافا الي أنه لو سلم التقريب المذكور لا يكون دليلا علي المدعي فان حرمة البيع تكليفا لا تقتضي فساده الوضعي و الكلام في فساده الوضعي و الآية علي تقدير دلالتها علي حرمة البيع تكون دالة علي حرمته تكليفا.

الوجه السادس: قوله تعالي فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثٰانِ

«2» بتقريب ان الاجتناب عن هيكل العبادة واجب علي الاطلاق فلا يجوز بيعه. و فيه أولا ان المراد بمتعلق الاجتناب عبادة الهيكل، و ثانيا ان الحرمة التكليفية لا تستلزم الحرمة الوضعية و لا يرتبط احد الامرين بالآخر.

الوجه السابع قوله تعالي وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ

«3» و فيه مضافا الي ما مر في الجواب عن الاستدلال بالآيتين قد سبق منا ان الرجز يحتمل أن يكون المراد منه العذاب و هجره الهجر عن سببه فلا تكون الآية دليلا علي المقام.

الوجه الثامن ما رواه ابن أذينة

قال: كتبت الي أبي عبد اللّه عليه السلام أسأله عن رجل له خشب فباعه ممن يتخذه برابط فقال: لا بأس به و عن رجل له خشب فباعه ممن يتخذه صلبانا: قال لا «4»، بتقريب انه لو كان بيع الخشب ممن يصنعه

______________________________

(1) المائدة/ 90

(2) الحج/ 30

(3) المدثر/ 5

(4) الوسائل الباب 41 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 126

صلبانا حراما فبيع نفس هيكل العبادة حرام بالاولوية. و فيه ان حمل النهي علي الارشاد الي الفساد خلاف الظاهر و بعبارة اخري: قد ثبت في محله ان النهي ظاهر في الحرمة التكليفية كما ان الامر ظاهر في الوجوب التكليفي و العدول عن التكليفي الي الارشادي الوضعي يتوقف علي قيام قرينة و حيث انه لا قرينة في المقام علي الارشاد يحمل النهي علي ظاهره و هو الحرمة التكليفية.

الوجه التاسع ان النبي صلي اللّه عليه و آله و عليا عليه السلام اتلفا أصنام مكة

و لو كان بيع هيكل العبادة جائزا لم يكن اتلافها جائزا و فيه ان النبي صلي اللّه عليه و آله كان ذا الولاية علي جميع الاموال مضافا الي أنه كان في فعله مصلحة ملزمة فانه بهذا العمل المقدس طهر البيت و أعلن قولا و فعلا بأن الكعبة المطهرة محل لعبادة ذاته المقدسة و لا تكون محلا للوثن و الصنم و علي الجملة الاستدلال علي المدعي بهذا الوجه في غاية السقوط و لا يقاس بفعلهما ما نحن فيه كما يظهر بأدني تأمل.

الوجه العاشر: السيرة الجارية

و بتعبير احسن ان مقتضي الارتكاز المتشرعي فساد بيع هيكل العبادة و الظاهر ان هذا الوجه احسن الوجوه المذكورة في المقام و ان شئت قلت: بيع هيكل العبادة أمر مستنكر في أذهان المتشرعة بل يمكن أن يقال انه لا شبهة في هذه السيرة و في هذا الارتكاز و هما متصلان الي زمانهم عليهم السلام هذا تمام الكلام في المقام الأول.

و أما

المقام الثاني [في حكم بيعها تكليفا]

فيكفي للاستدلال علي الحرمة ما رواه ابن أذينة مضافا الي وضوح الامر عند الكل. بقي شي ء و هو ان هيكل العبادة لها صورة و لها مادة لا اشكال في حرمة بيع المادة المتهيئة بالهيئة الخاصة وضعا و تكليفا و أما لو باع المادة بما هي مادة فهل يكون البيع صحيحا و هل يجوز تكليفا؟ الظاهر انه لا مانع منه لان المنهي عنه تكليفا و وضعا المتهيئة بالهيئة الخاصة و أما نفس المادة فمقتضي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 127

القواعد صحة بيعها و جوازه.

ثم أنه بعد البيع هل يجوز كسر الهيئة اذا لم يشترط علي المشتري أم لا يجوز؟ أفاد سيدنا الأستاد بأنه يجب اعدامها و ازالتها لكن يشكل بأنه تصرف في مال الغير بلا رضاه و الجزم بالحلية يتوقف علي قيام دليل عليه ان قلت: لا اشكال في أن هيكل العبادة مادة الفساد و سبب للإضلال فيجوز بل يجب افنائه قلت:

لو علمنا بأن المشتري بعد تسلم المبيع يفني الهيئة فلا وجه للتصرف في ماله.

«قوله قدس: نعم لو باع رضاضها الباقي … »

فيما افيد مواقع للنظر و الأشكال: الأول ان الظاهر من العبارة أن البيع يتعلق بالرضاض الحاصلة بعد ذلك و يدخل البيع المذكور في المعلق و التعليق باطل.

الثاني ان الوثوق بكسر المشتري

لا يرتبط بالجهة الوضعية و بعبارة اخري: غاية ما في الباب حرمة البيع تكليفا و الكلام في الصحة الوضعية كما هو صريح كلامه حيث قال «أمكن القول بالصحة» و بعبارة واضحة: الحرمة التكليفية لا تقتضي الفساد الوضعي كما هو ظاهر عند التأمل. الثالث: ان الحرمة التكليفية ان كانت فيمكن أن تكون من باب الإعانة علي الأثم و قد تقدم منا أنه لا دليل علي حرمتها مضافا الي أن الإعانة علي الأثم علي فرض التسليم تحصل بالدفع الخارجي و الكلام في نفس البيع و لا يرتبط أحد المقامين بالآخر.

[منها آلات القمار بأنواعه]

«قوله قدس سره: و منها آلات القمار بانواعه بلا خلاف ظاهر … »

حرمة بيع آلات القمار ان تمت بالإجماع و التسالم فهو و الا فيشكل اتمام الأمر بالنصوص الواردة في المقام فان النصوص المشار إليها لا تعرض فيها لحكم بيع الآلات و أفاد سيدنا الأستاد علي ما في التقرير أن جملة من الأخبار قد دلت علي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 128

حرمة بيع آلات القمار و حرمة الانتفاع بها و قال: منها ما رواه أبو الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالي «إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» قال: أما الخمر فكل مسكر من الشراب «الي أن قال» و أما الميسر فالنرد و الشطرنج و كل قمار ميسر و أما الأنصاب فالأوثان التي كانت تعبدها المشركون، و أما الأزلام فالأقداح التي كانت تستقسم بها المشركون من العرب في الجاهلية، كل هذا بيعه و شراؤه و الانتفاع بشي ء من هذا حرام من اللّه محرم و هو رجس من عمل الشيطان و قرن اللّه الخمر و

الميسر مع الاوثان «1» «2».

و الرواية كما تري لا تدل علي المدعي اي لا تدل علي الحرمة الوضعية بل تدل علي الحرمة التكليفية مضافا الي أن الظاهر كونها مرسلة و المرسلات لا اعتبار بها نعم يستفاد من حديث أن بيع الشطرنج حرام وضعا و تكليفا و هو ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: بيع الشطرنج حرام و أكل ثمنه سحت و اتخاذها كفر و اللعب بها شرك و السلام علي اللاهي بها معصية و كبيرة موبقة الحديث «3».

فان تم سند الحديث يتم المدعي من حيث الحكم الوضعي و التكليفي كليهما لكن الحديث علي فرض تماميته يختص بالشطرنج و دعوي عدم الفصل كما في كلام سيدنا الاستاد لا يرجع الي محصل و العجب كيف يشكل في كثير من الاجماعات و في المقام يستدل علي عموم المدعي بعدم القول بالفصل و أما حديث حسين بن زيد عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام في حديث المناهي قال: نهي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله عن اللعب بالنرد و الشطرنج و الكوبة و العرطبة و هي

______________________________

(1) الوسائل الباب 102 من أبواب ما يكتسب الحديث 12

(2) مصباح الفقاهة ج 1 ص 153

(3) الوسائل الباب 103 من ابواب ما يكتسب به الحديث 4

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 129

الطنبور و العود و نهي عن بيع النرد «1»، الدال علي حرمة بيع النرد تكليفا فضعيف سندا بضعف اسناد الصدوق الي شعيب علي ما ذكره الحاجياني في رجاله ثم ان المستفاد من حديث البزنطي ان النظر الي آلة الشطرنج حرام و أيضا يستفاد منه ان لمسها باليد حرام.

«قوله قدس سره و يقوي هنا

أيضا جواز بيع المادة … »

الامر كما افاده بالتقريب المتقدم في بيع هياكل العبادة.

«قوله قدس سره: ثم ان المراد بالقمار … »

نتعرض لتحقيق مفهوم القمار عند تعرض الماتن لحرمته فانتظر.

[منها آلات اللهو علي اختلاف اصنافها]

«و منها آلات اللهو علي اختلاف اصنافها … »

يقع الكلام في حكم بيع آلات اللهو تارة من حيث الصحة و الفساد و اخري من حيث الحلية و الحرمة تكليفا قال سيدنا الاستاد: «اتفق فقهائنا بل الفقهاء كافة ظاهرا علي حرمة بيع آلات الملاهي وضعا و تكليفا بل في المستند دعوي الاجماع علي ذلك محققا الخ «2» فان تم المدعي بالاتفاق المذكور فهو و الا فيشكل الجزم بالحكم و الاستدلال بالروايات العامة المتقدمة في أول الكتاب مدفوع بكونها ضعيفة سندا و أما الروايات الواردة في المقام فيشكل استفادة الحكم منها فلاحظ منها ما رواه إسحاق بن جرير قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: ان شيطانا يقال له: القفندر اذا ضرب في منزل الرجل أربعين صباحا بالبربط و دخل الرجال وضع ذلك الشيطان كل عضو منه علي مثله من صاحب البيت ثم نفخ فيه نفخة

______________________________

(1) الوسائل الباب 104 من ابواب ما يكتسب به الحديث 6

(2) مصباح الفقاهة ج 1 ص 154 و 155

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 130

فلا يغار بعدها حتي تؤتي نساؤه فلا يغار «1».

و منها ما رواه كليب الصيداوي قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: ضرب العيدان ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الخضرة «2».

و منها ما رواه سماعة قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام لما مات آدم شمت به ابليس و قابيل فاجتمعا في الارض فجعل ابليس و قابيل المعازف و الملاهي شماتة بآدم عليه

السلام فكل ما كان في الارض من هذا الضرب الذي يتلذذ به الناس فانما هو من ذلك «3».

نعم يستفاد من مرسلة أبي الفتوح حرمة بيع المزامير روي عن أبي إمامة عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم انه قال: ان اللّه تعالي بعثني هدي و رحمة للعالمين الي أن قال: ان آلات المزامير شرائها و بيعها و ثمنها و التجارة بها حرام الخبر «4» لكن الحديث ضعيف سندا.

«قوله قدس سره: و الكلام في بيع المادة كما تقدم»

الامر كما افاده فان الملاك واحد فلا وجه للإعادة فلاحظ.

«قوله: و سيأتي معني اللهو و حكمه»

و نتعرض هناك حول المسألة ما يختلج ببالنا القاصر إن شاء اللّه تعالي فانتظر.

«قوله: و منها أواني الذهب و الفضة»

تارة يقع الكلام في ان حرمة الانتفاع بآنية الذهب و الفضة هل تختص

______________________________

(1) الوسائل الباب 100 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1

(2) نفس المصدر الحديث 3

(3) نفس المصدر الحديث 5

(4) مستدرك الوسائل الباب 79 من أبواب ما يكتسب به الحديث 16

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 131

بالانتفاع الخاص كالاكل و الشرب أم تعم جميع الانتفاعات بها؟ و اخري يقع الكلام في جواز بيعها وضعا و تكليفا أما الكلام من الناحية الاولي فتفصيل البحث فيها موكول الي كتاب الطهارة و مجمل القول فيها انه لا دليل علي الحرمة علي نحو الاطلاق بحيث يكون كل انتفاع منها محرما و أما الكلام من الناحية الثانية فعلي فرض جواز جملة من الانتفاعات فلا اشكال في جواز بيعها تكليفا و وضعا اذ لا دليل علي الحرمة كما انه لا دليل علي الفساد بل مقتضي اصالة الاباحة جوازه تكليفا كما أن مقتضي ادلة صحة البيع

صحته وضعا و أما علي القول بحرمة جميع منافعها و كونها مما لا يجي ء منها الا الفساد فقال سيدنا الاستاد: «فلا ريب في حرمة المعاوضة عليها مطلقا «1» و الانصاف ان اثبات هذه الدعوي في غاية الاشكال فان غاية ما في الباب وجوب افنائها لوجوب حسم مادة الفساد و هذا لا يقتضي حرمة البيع لا وضعا و لا تكليفا فان الامر بالوفاء بالعقد ارشاد الي اللزوم فلا مجال لان يقال الامر بالوفاء ينافي الامر بالافناء فلاحظ.

[منها الدراهم الخارجة]

«قوله قدس سره: و منها الدراهم الخارجة … »

يقع الكلام تارة في حكم الغش و اخري في جواز الانتفاع بالدرهم المغشوش و ثالثة في حكم بيعه من حيث الصحة و الفساد و من حيث الحلية و الحرمة فنقول:

لا اشكال في حرمة الغش في الجملة و المصنف يتعرض لحكم الغش بعد ذلك و تبعا له قدس سره نتعرض لما يكون متعلقا بهذه الجهة و أما من حيث جواز الانتفاع و عدمه فربما يقال لا يجوز الانتفاع به لبعض النصوص لاحظ ما رواه الجعفي قال كنت عند ابي عبد اللّه عليه السلام فالقي بين يديه دراهم فألقي الي درهما منها فقال:

ايش هذا؟ فقلت: ستوق فقال و ما الستوق، فقال طبقتين فضة و طبقة من نحاس

______________________________

(1) مصباح الفقاهة ج 1 ص 157

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 132

و طبقة من فضة، فقال: اكسرها فانه لا يحل بيع هذا و لا انفاقه «1» و هذه الرواية ضعيفة سندا مضافا الي أنه لا يستفاد منها المنع عن الانتفاع به علي الإطلاق.

و لاحظ ما رواه موسي بن بكر قال: كنا عند أبي الحسن عليه السلام و اذا دنانير مصبوبة بين يديه فنظر الي

دينار فأخذه بيده ثم قطعه بنصفين ثم قال لي ألقه في البالوعة حتي لا يباع شي ء فيه غش «2» و هذه الرواية ضعيفة سندا أيضا.

و يستفاد من بعض النصوص جواز البيع مع الأعلام لاحظ حديث عبد الرحمن بن الحجاج قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام أشتري الشي ء بالدراهم فاعطي الناقص الحبة و الحبتين قال: لا حتي تبينه، ثم قال: الا أن يكون نحو هذه الدراهم الأوضاحية التي تكون عندنا عددا «3».

و لاحظ حديث ابن ملم قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام الرجل يعمل الدراهم يحمل عليها النحاس أو غيره ثم يبيعها قال: اذا بين ذلك فلا بأس «4».

و يستفاد من بعض النصوص أنه يجوز فيما جازت الفضة المثلين لاحظ حديث عمر بن يزيد قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن انفاق الدراهم المحمول عليها فقال: اذا جازت الفضة المثلين فلا بأس «5» و يستفاد من حديث عمر بن يزيد انه اذا كان الغالب عليها الفضة فلا بأس روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في انفاق الدراهم المحمول عليها فقال: اذا كان الغالب عليها الفضة فلا بأس بانفاقها «6».

لكن الحديثين يختصان بالإنفاق فنقول يجوز الإنفاق مقيدا بالشرط المذكور

______________________________

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب الصرف الحديث 5

(2) الوسائل الباب 86 من أبواب ما يكتسب به الحديث 5

(3) الوسائل الباب 10 من ابواب الصرف الحديث 7

(4) نفس المصدر الحديث 2

(5) نفس المصدر الحديث 3

(6) نفس المصدر الحديث 4

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 133

و أما البيع فيجوز مع البيان لحديث عبد الرحمن و أما بقية التصرفات و الانتفاعات فلا دليل علي حرمتها فتجوز علي طبق القاعدة الاولية هذا بالنسبة الي الجواز التكليفي

و أما من حيث الوضع فنقول تارة لا يكون الغش مانعا عن رواج المعاملة و اخري يكون مانعا أما الصورة الاولي فعن الجواهر عدم الخلاف في الجواز بل يمكن تحصيل الاجماع عليه فضلا عن محكيه للسيرة القطعية بعد الاصل الخ.

و يمكن الاستدلال علي المدعي بحديث عبد الرحمن «1» فان المستفاد من الحديث جواز اشتراء الشي ء بالدرهم المغشوش اذا كان رائجا بلا اعلام و الظاهر من الحديث ان محور الكلام الجواز التكليفي و أما اذا لم يكن رائجا بحيث يتحقق الغش فالمستفاد من هذه الرواية و كذلك بقية النصوص جواز البيع بشرط الاعلام فالنتيجة انه ان كان المغشوش رائجا فلا مانع عن شرائه و بيعه و ان لم يكن كذلك فيجوز مع الاعلام.

«قوله: بطل البيع»

فان الصورة النوعية و لو كانت عرفية تكون مقومة للبيع و بعبارة واضحة اذا وقع البيع علي عنوان كما لو باع عبدا فانكشف انه حمار لا يكون البيع صحيحا فعليه يبطل البيع في المقام كما افاد اذ المفروض أن المسكوك بسكة السلطان نوع في قبال المسكوك بسكة التاجر فلاحظ.

«قوله: فالظاهر صحة البيع … »

الظاهر ان الامر كما أفاده فان المفروض ان البيع لم يعلق علي الصورة النوعية فلا وجه للبطلان نعم اذا كان مغشوشا يثبت خيار العيب.

«قوله قدس سره: فهو خيار التدليس»

______________________________

(1) لاحظ ص 132

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 134

ان كانت المعاملة واقعة علي الشخص من دون عنوان فلا مجال لخيار التدليس اذ المفروض انه لا تدليس و ان كان العقد واقعا علي الصورة فلازمه بطلان البيع فالامر دائر بين الصحة مع عدم خيار التدليس و بين البطلان و لعله قوله فتأمل اشارة الي ما ذكرنا.

«قوله قدس: و هذا

بخلاف ما تقدم من الآلات … »

يستفاد من كلامه مطلبان: المطلب الاول ان الثمن لا يقع مقدار منه في مقابل الجزاء العقلي بل التسقيط يتوقف علي التركب الخارجي و لذا لا مجال لان يقال بيع آلة القمار مثلا ينحل الي بيعين: أحدهما صحيح و الاخر باطل كما هو كذلك في بيع الخمر و الخل اذ بيع الدرهم المغشوش ليس كبيع آلة القمار اي يمكن تصحيح البيع في الدرهم المغشوش و لا يمكن في بيع الآلة اقول: المطلب الاول الذي افاده تام فان الثمن لا يقع في مقابل الجزء العقلي و أما المطلب الثاني فيرد عليه ان البيع اذا وقع علي المتهيأ بالهيئة يفسد البيع كما في كلامه و اذا باع المادة بلا لحاظ الهيئة فلا يرتبط بتلك الكبري و لا جامع بين المقامين و بعبارة واضحة: لا فرق بين الدرهم المغشوش و بين الآلات فان البيع اذا وقع في قبال الصورة النوعية يكون البيع باطلا في كلا الموردين و ان وقع في قبال المادة يصح كذلك فلا مجال لما أفاده.

«قوله قدس سره: و هذا الكلام مطرد … »

الظاهر ان مقصوده ان كل قيد يكون قيدا عقليا و جزءا عقليا يقع العقد عليه و بعبارة اخري: ان كان من قبيل المذكورات يكون البيع فاسدا و لكن الإنصاف ان العبارة قاصرة عن افادة ما ذكرنا فان قوله قدس سره «بذل الثمن الخاص لداعي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 135

وجوده» يناسب الشرط الفاسد و قد حقق في محله ان الشرط الفاسد لا يفسد العقد و لا يقع الثمن في مقابله غاية ما في الباب ان تخلفه يوجب الخيار و أما مع عدم التخلف فيكون العقد صحيحا

و لا مقتضي للخيار كما لو شرط كون العبد المشتري بالفتح خمارا أو قطاعا للطريق و اللّه العالم.

[القسم الثاني ما يقصد منه المتعاملان المنفعة المحرمة و يتصور علي وجوه]
[الأولي بيع العنب علي أن يعمل خمرا]
اشارة

«قوله قدس سره: الاولي بيع العنب علي ان يعمل خمرا … »

يقع الكلام تارة من الجهة الوضعية و اخري من الجهة التكليفية اما الكلام في

الجهة الأولي [الحكم الوضعي]
اشارة

فنقول: ما يمكن ان يقال او قيل في مقام الاستدلال علي المدعي وجوه:

الوجه الأول: الإجماع

و فيه ان المنقول منه ليس حجة و المحصل منه علي فرض تحققه لا يكون تعبديا كاشفا لأحتمال استناد المجمعين الي الوجوه المذكورة في المقام.

الوجه الثاني: ان اكل المال بالباطل منهي عنه

في قوله تعالي لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ «1» و المفروض وقوع الثمن في مقابل الباطل. و فيه انه قد مرّ مرارا ان الجار للسببية لا للمقابلة و المفروض ان البيع من الاسباب الصحيحة مضافا الي ان الثمن يقع في قبال العين لا في قبال الشرط و انما الشرط يوجب زيادة الثمن او نقصه فلاحظ.

الوجه الثالث: انه اعانة علي الإثم و هي حرام

. و فيه أولا: انه لا دليل علي حرمة الإعانة علي الأثم بل الدليل قائم علي حرمة التعاون و ثانيا: ان الإعانة تتحقق بالتسليم الخارجي لا بالبيع و الكلام في صحة البيع و فساده و ثالثا: أن النهي التكليفي لا يقتضي الفساد الوضعي و رابعا: علي فرض كون الحرمة التكليفية مقتضية

______________________________

(1) النساء/ 29

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 136

للفساد الوضعي انا نلتزم به فيما يكون النهي متعلقا بالمعاملة بعنوانها الأولي لا فيما يتعلق بها بعنوانها العرضي كما في المقام، و خامسا: يختص الأشكال بصورة العلم بصدور الحرام عن المشتري و أما مع العلم بعدم الصدور حراما أو الشك فيه فلا يتم التقريب المذكور.

الوجه الرابع: ان الشرط الفاسد مفسد للمعاملة

و المقام يكون من مصاديقه.

و فيه انه قد ثبت في محله ان الشرط الفاسد لا يكون مفسدا للعقد.

الوجه الخامس: ما عن المستند من انه بنفسه حرام

بتقريب ان الفعل المباح بقصد التوصل به الي الحرام حرام. و فيه أولا: انه لا دليل علي حرمة المقدمة و لو مع قصد التوصل بها الي الحرام و ثانيا: الحرمة التكليفية لا تقتضي الفساد الوضعي و ثالثا: ان المقدمة علي فرض تسليم كونها حراما انما تكون كذلك فيما تكون صادرة عن المتصدي للحرام و الكلام في البيع الذي يكون فعلا لغير فاعل الحرام.

الوجه السادس: ان النهي عن المنكر واجب فيكون النهي لدفعه واجبا بالأولوية

. و فيه أولا: انه لو قام الدليل علي وجوب الدفع يستفاد وجوب الرفع بالأولوية و اما العكس فلا و ثانيا: يتوقف التقريب المذكور علي العلم بصدور الحرام عن المشروط عليه و ثالثا الحكم التكليفي لا يؤثر في الحكم الوضعي.

الوجه السابع: النص الخاص

لاحظ ما عن ابي عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يؤاجر بيته فيباع فيه «فيها» الخمر قال حرام اجره «1» و فيه أولا ان السند ضعيف و ثانيا ان الحديث في الإجارة و لا يرتبط احد المقامين بالآخر.

الوجه الثامن: ما رواه ابن اذينة

قال: كتبت الي ابي عبد اللّه عليه السلام اسأله عن رجل له خشب فباعه ممن يتخذه برابط فقال: لا بأس به، و عن رجل له

______________________________

(1) الوسائل الباب 39 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 137

خشب فباعه ممن يتخذه صلبانا قال: لا «1».

بتقريب ان المستفاد من الخبر حرمة بيع الخشب ممن يعلم انه يصنعه صلبانا فيدل علي الحرمة في المقام بالأولوية و مثله في الدلالة و التقريب خبر عمرو بن حريث قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن التوت ابيعه يصنع للصليب و الصنم قال: لا «2»، و فيه أولا انه يمكن ان يكون خصوصية للصليب و لذا فصل عليه السلام بين بيع الخشب ممن يجعله برابط و بين بيعه ممن يعمله صلبانا بأن حكم بالجواز في الاول و حكم بالحرمة في الثاني و ثانيا سيجي ء جواز بيع العنب ممن يعلم انه يجعله خمرا و النصوص متعارضة في المقام فالنتيجة انه لا يكون دليل علي فساد البيع وضعا.

[الجهة الثانية الحرمة التكليفية]

و اما الكلام من حيث الحرمة التكليفية فلا بد من التفصيل بأن يقال ان انطبق علي عقده بهذا النحو عنوان حرام كترويج المحرم الالهي و بعبارة واضحة ان علم كون العقد بالنحو المذكور مصداقا لمحرم من المحرمات الالهية فهو و الا فلا وجه لحرمته نعم مثل هذا الشخص مستحق للعقاب بلا اشكال لانه يكشف عن جرأته علي المولي الا ان يقال كشفه عن الجرأة يتوقف علي اثبات الحرمة و مع عدم اثباتها كيف تتحقق الجرأة فلاحظ.

«قوله: فتأمل»

لعله اشارة الي ان الجمع المذكور ليس جمعا عرفيا اضعف الي ذلك ان خبر صابر ضعيف سندا فلا يكون قابلا لان يعارض الخبر

المعتبر سندا و هو خبر ابن اذينة قال كتبت الي ابي عبد اللّه عليه السلام اسأله عن الرجل يؤاجر سفينته و دابته ممن يحمل فيها او عليها الخمر و الخنازير قال: لا بأس «3».

______________________________

(1) الوسائل الباب 41 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

(2) نفس المصدر الحديث 2

(3) الوسائل الباب 39 من ابواب ما يكتسب به الحديث 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 138

و لا يخفي ان المستفاد من خبر اين اذينة ليس صورة الاشتراط بل المستفاد منه جواز اجارة الدابة ممن يعلم انه يحمل عليها الخمر و الذي يختلج بالبال ان يقال انه يستفاد من الحديث جواز اجارة الدابة بلحاظ هذه المنفعة اي حمل الخمر لان الاهمال في الواقع غير معقول و الاجارة تمليك للمنفعة و المنفعة المملوكة للمستأجر اما خصوص حمل الخمر و اما الاعم منه و اما غيره فان كان غيره فلا يكون حق للمستأجر لان يحمل الخمر علي الدابة و ان كان خصوص الحمل او الاعم منه يلزم جواز الاجارة بهذا اللحاظ فلا بد اما من الالتزام بجواز اجارة المحرم و اما من الالتزام بأن حمل الخمر لا يكون حراما و حيث انه لا يمكن الالتزام بجواز اجارة العين بلحاظ المنفعة المحرمة يتعين الشق الثاني.

«قوله قدس كفي العمومات المتقدمة»

قد تقدم الأشكال في اسناد الأحاديث العامة فلا وجه للإعادة.

«قوله قدس سره: يوجب أكل الثمن بإزائه أكلا للمال بالباطل».

قد تقدم قريبا الأشكال في التقريب المذكور و قلنا الممنوع الأكل بالسبب الباطل فلاحظ.

«قوله قدس سره: مع ان الجزء أقبل للتفكيك … »

قد تقدم ان الانحلال و التقسيط يختصان بالأجزاء الخارجية و أما الجزء العقلي فلا يكون كذلك و الحق أن يقال ان

بطلان بيع آلات اللهو لا يستلزم البطلان في المقام اذا الثمن لا يقع في مقابل الشرط بل يقع في مقابل نفس العين فلا مقتضي الفساد فلاحظ.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 139

[الثانية يحرم المعاوضة علي الجارية المغنية]
اشارة

«قوله قدس سره: المسألة الثانية يحرم المعاوضة علي الجارية المغنية … »

فصل الماتن في بيع الجارية المغنية بين بذل مقدار من الثمن في مقابل الصفة و بين غيره فحكم بالبطلان في الصورة الأولي دون الثانية و يقع الكلام في مقامين:

المقام الأول فيما تقتضيه القاعدة الأولية

، المقام الثاني فيما تقتضيه النصوص الواردة في المقام:

أما المقام الأول فمقتضي القاعدة صحة البيع و المعاوضة فان الثمن لا يقع في مقابل الصفات بل الثمن يقع في مقابل العين فلا وجه لفساد العقد مضافا الي ان مجرد الصفة ككون الأمة ماهرة في التغني أو يكون العبد ماهرا في القمار لا يكون حراما و مبغوضا فلا مقتضي للفساد و لا مجال للأخذ بكون أكل المال بالباطل حراما.

و أما

المقام الثاني فقد وردت في الباب جملة من النصوص

لا بدّ من ملاحظتها سندا و دلالة و الحكم بمقتضاها منها ما رواه العمري بخط صاحب الزمان عليه السلام أما ما سألت عنه أرشدك اللّه و ثبتك من أمر المنكرين لي الي أن قال و أما ما وصلتنا به فلا قبول عندنا الا لما طاب و طهر و ثمن المغنية حرام «1». و الحديث لم يثبت اعتباره و لكن دلالته تامة علي فساد بيع المغنية.

و منها ما رواه ابراهيم بن أبي البلاد قال: قلت لأبي الحسن الأول عليه السلام جعلت فداك ان رجلا من مواليك عنده جوار مغنيات قيمتهن أربعة عشر آلاف دينار و قد جعل لك ثلثها فقال: لا حاجة لي فيها ان ثمن الكلب و المغنية سحت «2» و هذه الرواية تدل علي أن بيع المغنية فاسد وضعا و الحديث تام سندا.

______________________________

(1) الوسائل الباب 16 من ابواب ما يكتسب به الحديث 3

(2) نفس المصدر الحديث 4

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 140

و منها ما رواه ابراهيم أيضا قال أوصي اسحاق بن عمر بجوار له مغنيات أن تبيعهن «يبعن» و يحمل ثمنهن الي أبي الحسن عليه السلام قال ابراهيم: فبعت الجواري بثلاثمائة ألف درهم و حملت الثمن إليه فقلت له: ان مولي لك يقال

له:

اسحاق بن عمر أوصي عند وفاته ببيع جوار له مغنيات و حمل الثمن أليك و قد بعتهن و هذا الثمن ثلاثمائة ألف درهم فقال: لا حاجة لي فيه، ان هذا سحت و تعليمهن كفر و الاستماع منهن نفاق و ثمنهن سحت «1» و الرواية دالة علي المدعي لكن سندها ضعيف.

و منها ما ارسله الصدوق قال سأل رجل علي بن الحسين عليهما السلام عن شراء جارية لها صوت، فقال: ما عليك لو اشتريتها فذكرتك الجنة يعني بقراءة القرآن و الزهد و الفضائل التي ليست بغناء فأما الغناء فمحظور «2». و الحديث ضعف بالإسال مضافا الي عدم دلالتها علي المدعي.

و منها ما رواه الدينوري قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام جعلت فداك ما تقول في النصرانية أشتريها و أبيها من النصراني؟ فقال اشتر و بع، قلت: فانكح؟

فسكت عن ذلك قليلا ثم نظر الي و قال شبه الأخفاء: هي لك حلال. قال: قلت جعلت فداك فأشتري المغنية أو الجارية تحسن أن تغني أريد بها الرزق لا سوي ذلك قال: اشتر و بع «3» و الرواية ضعيفة سندا مضافا الي عدم دلالتها علي المدعي بل تدل علي جواز البيع تكليفا.

و منها ما رواه الوشاء قال سئل أبو الحسن الرضا عليه السلام عن شراء المغنية قال: قد تكون للرجل الجارية تلهبه و ما ثمنها إلا ثمن الكلب و ثمن الكلب سحت،

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 5

(2) نفس المصدر الحديث 2

(3) نفس المصدر الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 141

و السحت في النار «1» و الحديث ضعف سندا و لكن يؤيد المدعي.

و منها ما عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال سأله رجل عن بيع الجواري المغنيات فقال شراؤهن

و بيعهن حرام و تعليمهن كفر و استماعهن نفاق «2» و الحديث ضعيف سندا مضافا الي أنه لا يستفاد منه كون بيع المغنية حراما وضعا بل يدل علي الحرمة التكليفية.

و النصوص الواردة في الباب و ان كان اكثرها مخدوشا سندا لكن يكفي للحكم بالحرمة مدركا ما يكون معتبرا سندا فلاحظ فالنتيجة ان بيع الجارية المغنية باطل و لا يتخيل ان مقتضي حرمة بيعها فساد بيع الجارية التي تقدر علي التغني فان الظاهر من الدليل حرمة بيع الجارية التي شغلها التغني في مجالس الطرب و لا يبعد أن يكون الدليل ناظرا الي الجارية التي تدخل في المجالس المتعارفة المتداولة التي يدخل الرجال علي النساء و يكون من مجالس العصيان بتمام معني الكلمة.

لكن لقائل أن يقول مقتضي اطلاق دليل المنع عدم الفرق فيكفي لترتب الفساد تحقق الموضوع و هو صدق كون الجارية مغنية لكن قد وردت جملة من النصوص تفصل بين أقسام كسب المغنية منها ما رواه أبو بصير قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن كسب المغنيات فقال: التي يدخل عليها الرجال حرام و التي تدعي الي الأعراس ليس به بأس «3» و هذه الرواية ضعيفة سندا.

و منها ما رواه ابو بصير قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام أجر المغنية التي تزف العرائس ليس به بأس و ليست بالتي يدخل عليها الرجال «4» و هذه الرواية تامة

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 6

(2) نفس المصدر الحديث 7

(3) الوسائل باب 15 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

(4) نفس المصدر الحديث 3

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 142

سندا و يستفاد منها ان التي تزف العرائس لا بأس بأجرها و اما التي يدخل عليها الرجال فيكون

أجرها حراما فلا يبعد أن يستفاد من الرواية ان الممنوع شرعا عن بيعها و عن أجرها الحصة الخاصة منها و هي التي يدخل عليها الرجال فلاحظ و منها ما رواه ابن قابوس قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: المغنية ملعونة ملعون من أكل كسبها «1» و الرواية مخدوشة سندا و علي تقدير الاغماض عن سندها لا يبعد أن تقيد بحديث أبي بصير و يؤيد المدعي حديث أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: المغنية التي تزف العرائس لا بأس بكسبها «2» و حديث ابن جعفر عن أخيه قال سألته عن الغناء هل يصلح في الفطر و الاضحي و الفرح قال: لا بأس به ما لم يعص به «3» و مع ذلك كله في النفس شي ء و هو انه لا تنافي بين فساد بيع الجارية المغنية و بين جواز كسبها احيانا فتأمل.

[الثالثة يحرم بيع العنب ممن يعمله خمرا بقصد أن يعمله]
اشارة

«قوله قدس سره. المسألة الثالثة يحرم بيع العنب ممن يعمله خمرا بقصد ان يعمله … »

في المقام فروع:

الفرع الأول: بيع العنب ممن يعلم انه يصنعه خمرا بداعي انه يصنعه كذلك
اشارة

و استدل الماتن قدس سره علي حرمته بحرمة الإعانة علي الاثم و لا اشكال في أن مقتضي الأصل العملي جوازه الا فيما ثبت عدم الجواز بدليل و ما يمكن أن يكون مستندا لحرمة الإعانة وجوه:

الوجه الأول قوله تعالي وَ لٰا تَعٰاوَنُوا عَلَي الْإِثْمِ وَ الْعُدْوٰانِ

«4» و فيه ان المستفاد من الآية الشريفة حرمة التعاون علي الأثم و هو أن يجتمع عدة اشخاص لإيجاد محرم من المحرمات كأن يجتمع عدة اشخاص

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 4

(2) نفس المصدر الحديث 2

(3) نفس المصدر الحديث 5

(4) المائدة/ 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 143

و يقتلوا فردا محقون الدم و أما فيما يكون الفعل صادرا من واحد و الاخر يعينه فلا يصدق التعاون بل يصدق عنوان الإعانة.

الوجه الثاني: الإجماع

و فيه أن الإجماع المنقول لا يكون حجة و المحصل منه علي فرض تحققه يكون محتمل المدرك فلا يكون اجماعا تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم عليه السلام.

الوجه الثالث: ما ورد من النصوص الكثيرة الدالة علي ذم اعوان الظلمة

منها ما رواه محمد بن عذافر عن أبيه قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام يا عذافر نبئت أنك تعامل أبا أيوب و الربيع فما حالك اذا نودي بك في أعوان الظلمة؟ قال فوجم أبي فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام لما رأي ما أصابه: اي عذافر انما خوفتك بما خوفني اللّه عز و جل به فقال محمد: فقدم أبي فما زال مغموما مكروبا حتي مات «1».

و منها ما رواه السكوني عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله اذا كان يوم القيمة نادي مناد أين أعوان الظلمة و من لاق لهم دواتا أو ربط كيسا أو مد لهم مدة قلم فاحشروهم معهم «2».

و منها ما رواه ابن أبي يعفور قال كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام اذ دخل عليه رجل من اصحابنا فقال له جعلت فداك انه ربما أصاب الرجل منا الضيق أو الشدة فيدعي الي البناء يبنيه، أو النهر يكريه أو المسناة يصلحها، فما تقول في ذلك؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السلام ما احب أني عقدت لهم عقدة أو وكيت لهم وكاء و ان لي ما بين لابتيها لا و لا مدة بقلم ان أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار حتي يحكم اللّه بين العباد «3» الي غيرها من الروايات فانه يستفاد من تلك الطائفة من الروايات حرمة اعانه الظلمة و فيه ان القياس باطل و بعبارة اخري حكم

______________________________

(1) الوسائل الباب 42

من ابواب ما يكتسب به الحديث 3

(2) نفس المصدر الحديث 11

(3) نفس المصدر الحديث 6

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 144

خاص وارد في مورد مخصوص و لا وجه للتعدي بل المناسبة تقتضي الاختصاص فان غصب الخلافة أمر له اهمية كثيرة فلا وجه لتسرية حكمها الي غير تلك الموارد.

الوجه الرابع ان ترك الإعانة دفع للمنكر و دفع المنكر واجب كرفعه

و يرد عليه أولا أن التقريب المذكور انما يتم اذا علم أن المنكر يدفع بترك الإعانة و أما اذا علم بأن المنكر يتحقق أو يشك في تحققه و عدمه فلا يتم التقريب المذكور اذ فرض عدم ترك المنكر واقعا في الصورة الأولي و فرض الشك فيه في الصورة الثانية فالموضوع غير متحقق.

و ثانيا لا دليل علي وجوب دفع المنكر الا في الأمور التي علم من الشارع كونها في الأهمية بدرجة يريد الشارع الأقدس دفعها بأي وجه كان كحفظ النفوس مثلا و أما وجوبه علي نحو الإطلاق فلا دليل عليه و أما النهي عن المنكر فلا اشكال في وجوبه مع اجتماع شرائطه ان قلت النهي عن المنكر مرجعه الي دفعه لأن الذي يرتكب محرما كأن يشرب الخمر مثلا بالنسبة الي المقدار الذي شرب لا موضوع للنهي و لا للدفع و أما بالنسبة الي المقدار الذي لم يشربه يكون النهي عنه دفعا للمنكر فالواجب هو الدفع لا الرفع. قلت الأحكام الشرعية لا تبتني علي التدقيق العقلي بل الميزان فيها الصدق العرفي و يصدق عنوان الرفع في بعض الموارد و لو لم يكن رفعا بالدقة فان العاصي المشتغل بشرب الخمر اذا منع عن الاستمرار يصح أن يقال انه رفع و منع عن الاستمرار.

فتحصل انه لا دليل علي حرمة الإعانة علي الأثم بل مضافا الي كون الحلية مقتضي الأصل

يمكن الاستدلال علي عدم الحرمة بوجوه:

منها انه لو لم تجز الإعانة علي الأثم لما جاز سقي الكافر علي القول بكونه نجسا اذ بمباشرته الماء ينجسه و شرب النجس حرام و هل يمكن أن يقال أن سقيه

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 145

حرام؟ كلا ثم كلا. ان قلت ان الكافر لا يقدر أن يشرب الماء الطاهر قلت: امتناعه بالاختيار و هو لا ينافي الاختيار و بعبارة اخري يمكن للكافر ان يسلم ثم يشرب الماء كي لا يكون حراما عليه و قس علي سقيه بيع الميتة منه الي غير ذلك من الموارد و قس عليه بيع العصير قبل ذهاب ثلثيه من العامة الذين لا يشترطون ذهابهما في الحلية.

و منها السيرة و الضرورة القطعية علي جواز بيع الغذاء النجس من المسلمين غير المبالين بأمر الدين و أيضا لا اشكال في جواز اجارة المراكب مع العلم بأن في الراكبين و المسافرين من يكون قاصدا للحرام و أيضا لا اشكال في جواز تشكيل مجالس العزاء و الفرح و التبليغ مع العلم بتحقق جملة من المعاصي فيها و أيضا لا اشكال في جواز تمكين الزوجة زوجها مع العلم بانه لا يغتسل من الجناية و كذلك العكس اي يجوز الجماع مع الزوجة التي لا تقوم بالوظيفة الشرعية.

و منها الأخبار المتعددة الواردة في المقام حيث تدل علي جواز بيع العنب او التمر ممن يعلم انه يعمله خمرا فأن البيع اعانة علي الأثم و مع ذلك حكم عليه السلام بالجواز و علي الجملة لا دليل علي حرمة الإعانة علي الأثم علي نحو الإطلاق ففي كل مورد ثبتت حرمتها كما ثبتت حرمة اعانة الظلمة نلتزم بها و الا فلا و يمكن ان يستدل

علي المدعي بما رواه عمر بن اذينة «1» بتقريب ان المستفاد من الحديث ان بيع الخشب ممن يعلم انه يتخذه صلبانا حرام فتدل الرواية علي حرمة البيع بقصد ترتب الحرام و مثلها في الدلالة علي المدعي بالتقريب المذكور ما رواه عمرو ابن حريث «2» و فيه ان الحديث وارد في بيع الخشب ممن يتخذه صلبانا و الكلام في بيع العنب ممن يعمله خمرا و من الممكن اختصاص الحرمة بالموضوع

______________________________

(1) لاحظ ص 137

(2) راجع ص: 137

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 146

المذكور في الحديث و الدليل علي الاختصاص التفصيل في نفس الحديث بين البربط و الصلبان فلا يتم التقريب المذكور اضف الي ذلك كله انه لو قطع النظر عن جميع ما ذكر فغاية ما يمكن اثباته بالدليل الأول و الثاني حرمة البيع تكليفا لكن الحرمة التكليفية لا تستلزم الفساد الوضعي.

الفرع الثاني بيع العنب ممن يعمله خمرا بلا قصد ترتب الحرام عليه

اي بلا جعل الحرام غاية للبيع قال الشيخ قدس سره «الأكثر علي عدم التحريم» الخ و قد وردت جملة من النصوص منها ما رواه احمد بن محمد بن ابي نصر قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن بيع العصير فيصير خمرا قبل ان يقبض الثمن، فقال: لو باع ثمرته ممن يعلم انه يجعله حراما لم يكن بذلك بأس فأما اذا كان عصيرا فلا يباع الا بالنقد «1».

و منها ما رواه أبو بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن ثمن العصير قبل أن يغلي يبتاعه ليطبخه أو يجعله خمرا؟ قال: اذا بعته قبل أن يكون خمرا و هو حلال فلا بأس 2.

و منها ما رواه محمد الحلبي قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن بيع عصير العنب ممن يجعله حراما، فقال: لا

بأس به تبيعه حلالا ليجعله حراما فأبعده اللّه و أسحقه «3».

و منها ما رواه عمر بن أذينة قال: كتبت الي أبي عبد اللّه عليه السلام أسأله عن رجل له كرم أ يبيع العنب و التمر ممن يعلم انه يجعله خمرا او سكرا فقال انما باعه حلالا في الإبان الذي يحل شربه او اكله فلا بأس ببيعه 4.

و منها ما رواه ابو كهمس قال سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السلام عن العصير

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 59 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1 و 2

(3) (3 و 4) نفس المصدر الحديث 4 و 5

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 147

فقال: لي كرم و انا اعصره كل سنة و اجعله في الدنان و ابيعه قبل ان يغلي، قال:

لا بأس به و ان غلا فلا يحل بيعه ثم قال: هو ذا نحن نبيع تمرنا ممن نعلم انه يصنعه خمرا «1».

و منها ما رواه ابو المعزي قال: سأل يعقوب الأحمر أبا عبد اللّه عليه السلام و انا حاضر فقال: انه كان لي اخ و هلك و ترك في حجري يتيما ولي اخ يلي صنيعة لنا و هو يبيع العصير ممن يصنعه خمرا و يؤاجر الأرض بالطعام (الي ان قال) فقال: اما بيع العصير ممن يصنعه خمرا فلا بأس، خذ نصيب اليتيم منه «2».

و منها ما رواه رفاعة بن موسي قال: سئل ابو عبد اللّه عليه السلام و أنا حاضر عن بيع العصير ممن يخمره قال حلال السنا نبيع تمرنا ممن يجعله شرابا خبيثا 3.

و منها ما رواه الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السلام انه سئل عن بيع العصير ممن يصنعه خمرا، فقال بعه

ممن يطبخه او يصنعه خلا احب الي و لا اري بالأول بأسا «4».

و منها ما رواه يزيد بن خليفة عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: سأله رجل و انا حاضر قال: ان لي الكرم قال تبيعه عنبا قال: فانه يشتريه من يجعله خمرا؟ قال:

فبعه اذا عصيرا قال: فانه يشتريه مني عصيرا فيجعله خمرا في قربتي قال: بعته حلالا فيجعله حراما فأبعده اللّه ثم سكت هنيهة ثم قال: لا تذرن ثمنه عليه حتي يصير خمرا فتكون تأخذ ثمن الخمر 5، يستفاد منها الجواز فانه يستفاد من هذه النصوص الميزان الكلي و هو جواز بيع عين ممن يعلم انه يصنعه حراما.

الفرع الثالث انه يصح البيع في كل مورد يكون من قبيل ما نحن فيه

اي

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 6

(2) (2 و 3) نفس المصدر الحديث 7 و 8

(4) (4 و 5) نفس المصدر الحديث 9 و 10

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 148

يقصد بالبيع الغاية المحرمة او يعلم ان المشتري يستفيد من المبيع الفائدة المحرمة.

الفرع الرابع انه يجوز البيع في جميع الأقسام المذكورة من حيث التكليف

فلاحظ نعم يمكن صدق عنوان التجري في بعض الفروض و قلنا ان المتجري يستحق العقاب.

«قوله قدس سره: و إلا لزم التسلسل … »

بتقريب انه لو صدق الإعانة علي الأثم و حرم يلزم ان يكون فعل البائع حراما و البائع من هذا البائع أيضا يصدق علي بيعه عنوان الإعانة و هكذا و هل يمكن الالتزام بهذا اللازم؟

«قوله: فافهم»

لعل امره بالفهم اشارة الي انه يصدق العنوان علي البائع الاخير و لا يصدق علي من قبله و لعله اشارة الي دقة المطلب و حيث ان الاعانة علي الاثم لم يثبت كونها حراما لا وجه للتطويل.

«قوله قدس سره: في هذا الزمان … »

لا يبعد ان يكون المراد ان اخذ العصا لضرب مظلوم يصدق عليه انه لا نفع له سوي النفع الحرام فان ذلك الزمان له خصوصية فيصدق هذا العنوان عرفا.

«قوله قدس سره: و انما الثابت من النقل و العقل … »

لا سبيل للعقل الي استنباط الاحكام الشرعية و استنباط الاحكام منحصر في ادلتها فلاحظ و تأمل.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 149

«قوله قدس سره: او المسامحة في الردع عنه … »

اي النهي اما نهي عن الاعانة علي الاثم حيث ان البيع اعانة للمشتري علي الاثم او نهي عن المسامحة في الردع فان وظيفة البائع ان لا يبيع كي يردعه عن الحرام و علي كلا التقديرين يكون النهي نهيا عن عنوان خارج و عارض علي

العقد فلا يكون ارشادا الي الفساد بل لو كان النهي عن نفس المعاملة لا يحمل علي الارشاد الا مع وجود قرينة دالة علي كون النهي للإرشاد.

[القسم الثالث ما يحرم لتحريم ما يقصد منه شأنا]
اشارة

«قوله قدس سره: القسم الثالث ما يحرم لتحريم ما يقصد منه شأنا … »

الامر كما افاده فان مقتضي ادلة حلية البيع وضعا جواز بيع هذا القسم كما ان مقتضي دليل البراءة شرعا و عقلا عدم حرمة البيع تكليفا نعم في كل مورد قام الدليل علي الحرمة نلتزم بها.

«قوله قدس سره: الا ان المعروف بين الاصحاب حرمته … »

يقع البحث في المقام من جهات:

الجهة الأولي: فيما يمكن ان يستدل به علي حرمة بيع السلاح من الاعداء

و ما يمكن ان يستدل به عليها امران: احدهما الاجماع قال الشيخ قدس سره «لا خلاف فيها» و فيه ان الاجماع علي تقدير تحققه و حصوله محتمل المدرك فلا يكون اجماعا تعبديا كاشفا.

ثانيهما: النصوص الواردة في المقام و هي العمدة و يلزم ملاحظة كل واحد منها سندا و دلالة و استفادة الحكم منه فنقول: منها ما رواه الحضرمي قال دخلنا علي ابي عبد اللّه عليه السلام فقال له حكم السراج ما تقول فيمن يحمل الي الشام

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 150

السروج و اداتها؟ فقال لا بأس انتم اليوم بمنزلة اصحاب رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم انكم في هدنة فاذا كانت المبانية حرم عليكم ان تحملوا إليهم السروج و السلاح «1» و هذه الرواية ضعيفة بالحضرمي فانه لم يوثق.

و منها ما رواه هند السراج قال قلت لابي جعفر عليه السلام اصلحك اللّه اني كنت احمل السلاح الي اهل الشام فابيعه منهم «فيهم» فلما عرفني اللّه هذا الامر ضقت بذلك و قلت: لا احمل الي اعداء اللّه فقال لي: احمل إليهم و بعهم فان اللّه يدفع بهم عدونا و عدوكم يعني الروم، و بعه فاذا كانت الحرب بيننا فلا تحملوا فمن حمل الي عدونا سلاحا يستعينون به

علينا فهو مشرك «2» و هذه الرواية ضعيفة بالسراج بل و بغيره.

و منها ما رواه السراج عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: اني ابيع السلاح قال: فقال: لا تبعه في فتنة «3» و الحديث ضعيف سندا.

و منها ما رواه الصيقل قال: كتبت إليه: اني رجل صيقل اشتري السيوف و ابيعها من السلطان أ جائز لي بيعها؟ فكتب لا بأس به 4 و الرواية ضعيفة سندا.

و منها ما روي عن ابي عبد اللّه عليه السلام عن آبائه عليهم السلام في وصية النبي صلي اللّه عليه و آله لعلي عليه السلام قال: يا علي كفر باللّه العظيم من هذه الأمة عشرة: القتات (الي ان قال) و بائع السلاح من اهل الحرب «5» و الرواية ضعيفة سندا.

و منها ما رواه محمد بن قيس قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الفئتين تلتقيان من اهل الباطل ابيعهما «نبيعها» السلاح؟ قال: بعهما ما يكتهما الدرع

______________________________

(1) الوسائل الباب 8 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

(2) نفس المصدر الحديث 2

(3) (3 و 4) نفس المصدر الحديث 4 و 5

(5) نفس المصدر الحديث 7

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 151

و الخفين و نحو هذا «1» و المستفاد من هذا الحديث جواز ما يكن و يقي كالدرع و نحوه فيما يكون الحرب دائرا بين فئتين من اهل الباطل و لا بدّ من كون الطرفين محقوني الدم و علي كل حال، لا يرتبط الحديث بما نحن بصدده.

و منها ما رواه علي بن جعفر عن اخيه موسي عليه السلام قال سألته عن حمل المسلمين الي المشركين التجارة، قال: اذا لم يحملوا سلاحا فلا بأس «2» و هذه الرواية تامة

سندا و المستفاد منها عدم جواز حمل السلاح الي المشركين و لا يستفاد منها ازيد من هذا المقدار و بعبارة واضحة: المستفاد من هذه الرواية حرمة بيع السلاح من المشركين بلا قيد فما افاده الشهيد قدس سره من اطلاق الحرمة تام نعم المذكور في الرواية عنوان المشرك فلا بد من تسرية الحكم الي مطلق الكافر من قيام دليل عليه.

و صفوة القول: ان المستفاد من النص هذا المقدار فلا بد في التجاوز عن الحد المذكور من التماس دليل كأن يقال تقوية الكافر و العدو للمسلمين حرام و هذا الملاك موجود في غير الكفار فان العامة اعداء للشيعة فلا يجوز تقويتهم اذ مرجع تقويتهم الي تضعيف المذهب.

و علي الجملة لو تحقق الموضوع بهذا العنوان و احرز فالظاهر عدم الاشكال في الحرمة فتحصل مما تقدم ان مقتضي حديث علي بن جعفر حرمة حمل السلاح الي المشركين فلا فرق بين زمان الحرب و زمان الهدنة كما انه لا لا فرق بين العلم باستعمالهم السلاح في الحرب مع المسلمين و عدمه و أيضا لا فرق بين ان يكون البيع بهذه الغاية و عدمه و علي الجملة مقتضي اطلاق الحديث الحرمة علي الاطلاق فلاحظ.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 3

(2) نفس المصدر الحديث 6

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 152

الجهة الثانية: ان الحكم بالحرمة هل يعم الآلات التي يجن بها في الحرب

كالمجن و المغفر و الدرع أم تختص الحرمة بالآلات القتالة كالسيف و الرمح الظاهر انه لا وجه للاختصاص فان المذكور في حديث ابن جعفر عنوان السلاح و هذا العنوان علي ما يظهر من اللغة اسم للأعم قال في مجمع البحرين في مقام تفسير السلاح: «و هو ما يقاتل به في

الحرب و يدافع» و عن المصباح «ما يقاتل به في الحرب و يدافع» و عن القاموس «المغفر كمنبر الي أن قال «ينتفع به المتسلح» الي غيرها من كلماتهم.

الجهة الثالثة: المستفاد من الحديث حرمة البيع تكليفا لا وضعا

فلو باع علي خلاف المقرر الشرعي يكون البيع صحيحا و بعبارة واضحة: الظاهر من الدليل الحرمة التكليفية و رفع اليد عن الظاهر يتوقف علي قيام دليل عليه.

الجهة الرابعة: ان المستفاد من الحديث ان الحرام حمل السلاح إليهم

و أما مجرد البيع بدون الحمل إليهم فلا دليل علي حرمته التكليفية مضافا الي أن المناسبة بين الحكم و الموضوع تقتضي ذلك فانها تقتضي حرمة تقويتهم و اعانتهم و التقوية انما تحصل بالتسليم الخارجي لا بمجرد الأمر الاعتباري اي البيع.

[النوع الثالث مما يحرم الاكتساب به ما لا منفعة فيه محللة معتدا بها عند العقلاء]
اشارة

«قوله قدس سره: النوع الثالث مما يحرم الاكتساب به ما لا منفعة فيه محللة معتدا بها عند العقلاء … »

يقع الكلام في هذا المقام في جهات

الجهة الأولي: في أنه هل يشترط في المبيع أن يكون مالا و يصدق عليه هذا العنوان أم لا؟
اشارة

و ما يمكن أن يذكر في مقام الاستدلال علي المدعي و الاشتراط وجوه:

الوجه الأول: ما عن المصباح بكون البيع مبادلة مال بمال

. و فيه أولا انه معارض بما عن غيره و ثانيا الرجوع الي اللغة انما يصح فيما يكون الأمر مجهولا و أما مع وضوح المفهوم عرفا فلا مجال للرجوع الي اللغة و لا ريب في انه يصدق البيع و لو لم يكن المبدل مالا.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 153

الوجه الثاني: ما عن الإيضاح من أن بذل المال في قبال ما لا يكون مالا أكل للمال بالباطل من طرف الآخذ

. و فيه انه قد مر مرارا أن الجار الواقع في الآية الشريفة لا يكون للمقابلة بل الجار للسببية و من الظاهر أن البيع من الأسباب الصحيحة لا الباطلة.

الوجه الثالث: ان بذل المال في قبال ما لا مالية له سفهي

و العقد السفهي باطل. و يرد عليه أولا أن الأمر السفهي ما لا يكون فيه غرض عقلائي نوعي أو شخصي و أما مع الغرض و لو كان شخصيا يخرج الفعل عن السفهائية الي العقلائية و من الممكن أن بذل المال في مقابل شي ء لا مالية له يكون لغرض شخصي كما لو بذل أحد مالا كثيرا في قبال تصوير أبيه و الحال أنه لا مالية له عند النوع و لا يبذلون بإزائه اقل قليل و ثانيا لا دليل علي بطلان العقد السفهي و انما الدليل قائم علي حجر المتصرف في ماله ان كان سفيها و بين المقامين بون بعيد.

الوجه الرابع: حديث تحف العقول

و فيه أن الحديث ضعيف سندا و لا جابر له فلا اثر له و لو مع تسليم دلالته علي المدعي.

الوجه الخامس: الإجماع

. و فيه أن المنقول منه غير حجة و المحصل منه علي فرض حصوله محتمل المدرك فلا يكون اجماعا تعبديا كاشفا.

الجهة الثانية: انه لو فرض قيام الدليل علي اشتراط المالية في المبيع

فهل يجوز معاوضة ما لا مالية له بالمال مستدلا بآية التجارة؟ بتقريب أنه لا دليل علي الاشتراط في مورد التجارة فنقول: يشكل الاستدلال علي المدعي بالآية الشريفة اذ لا يبعد أن يكون لفظ التجارة بما له من المفهوم مرادفا للفظ البيع و لا اقل من الشك و احتمال الترادف و مع الشك لا مجال للأخذ بإطلاقها لعدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية فلاحظ نعم لا اشكال في المصالحة عليه و هبته و عاريته الي غيرها من العقود القابلة لأن تقع عليه لوجود المقتضي و عدم المانع.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 154

الجهة الثالثة: في أنه لو لم يكن لشي ء مالية هل يملك بالحيازة او يثبت حق الاختصاص؟

الظاهر بمقتضي السيرة يصير المحوز مملوكا للحائز، و بعبارة اخري ما لا مالية له قابل للمملوكية و لذا لا اشكال في ان المال المملوك لو سقط عن المالية لا يخرج عن ملك مالكه و من الظاهر انه لا فرق بين الحدوث و البقاء من هذه الجهة.

الجهة الرابعة: انه لو غصب غاصب ما لا مالية له هل يكون ضامنا أم لا؟

افاد سيدنا الأستاد انه ضامن بمقتضي السيرة و يجب عليه اما رد عينه او مثله فاذا لم يمكن رد العين و المثل يبقي في ضمان الضامن الي يوم القيمة. و الإنصاف انه لا يمكن مساعدته اذا ثبات الضمان بالنسبة الي غير المال مشكل فان احراز السيرة العقلائية المدعاة في غاية الاشكال.

الجهة الخامسة: ان ما استند إليه الماتن لإثبات حق الاولوية النبوي قال من سبق الي ما لا يسبقه إليه المسلم فهو احق به «1» و هذه الرواية ضعيفه سندا فلا اعتبار بها لكن تكفي السيرة العقلائية لاثبات الملكية به بها.

«قوله قدس سره: فيما لو غصب صبرة تدريجا … »

الظاهر ان النقض غير وارد فان الصبرة ذو مالية فلا يقاس بها ما لا مالية له كحبة من الحنطة.

[النوع الرابع ما يحرم الاكتساب به لكونه عملا محرما في نفسه]
اشارة

«قوله قدس سره: النوع الرابع ما يحرم الاكتساب به لكونه عملا محرما في نفسه … »

قال سيدنا الأستاد: أنه يكفي في عدم جواز المعاملة علي الأعمال المحرمة ما دل علي حرمتها بادلتها اذ لا يمكن الجمع بين كونها حراما و بين وجوب الوفاء

______________________________

(1) المستدرك الباب 1 من أبواب احياء الموات الحديث 4

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 155

بالعقد عليها فان مقتضي حرمتها عدم الإتيان بها و مقتضي وجوب الوفاء بالعقد عليها وجوب اتيانها و هما لا يجتمعان كما هو ظاهر «1».

و ما افاده غريب لأن وجوب الوفاء بالعقود ليس وجوبا تكليفيا كي يتم هذا التقريب بل مقتضي الأمر بالوفاء الإرشاد الي اللزوم فلا تنافي بين الأمرين بأن يقال مقتضي صحة العقد كون العمل الفلاني مملو كالمن يكون له العقد و مقتضي كون الفعل حراما شرعا لزوم الكف عنه فما لك الفعل بالعقد له أن يفسخ العقد

بالاشتراط الارتكازي و لا مانع منه.

[المسألة الأولي تدليس الماشطة]
اشارة

«قوله قدس سره: تدليس الماشطة … »

في هذه المسألة فروع:

الفرع الأول: انه لا اشكال في حرمة الغش في الجملة

كالغش في البيع أو الغش في التزويج و امثالهما و يقع الكلام فيه إن شاء اللّه مفصلا عند تعرض الماتن لحرمة الغش.

الفرع الثاني: في تمشيط الماشطة الظاهر انه لا دليل علي حرمته

في نفسه و لا مقتضي للحرمة كما هو ظاهر.

الفرع الثالث في تدليس الماشطة فانه لا دليل علي حرمة التدليس بما هو علي وجه الإطلاق

و لو فرض تحقق الغش و التدليس بفعل من يريد التزويج او من يريد البيع لا يحرم فعل الماشطة نعم علي القول بحرمة الإعانة علي الأثم لو صدق عنوان الإعانة علي عملها يحرم بهذا العنوان لكن قد نقدم عدم حرمة الإعانة علي الأثم اللهم الا أن يتم المدعي بتحقق الإجماع التعبدي الكاشف.

الفرع الرابع: هل يجوز وصل شعر المرأة بشعر مرأة اخري أم لا يجوز؟

يستفاد من بعض النصوص كونه حراما لاحظ ما رواه ابن أبي عمير مرسلا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: دخلت ماشطة علي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم

______________________________

(1) مصباح الفقاهة ج 1 ص 197

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 156

فقال لها هل تركت عملك أو اقمت عليه: فقالت: يا رسول اللّه انا اعمله الا أن تنهاني عنه فانتهي عنه. فقال: افعلي فاذا مشطت فلا تجلي «تحكي» الوجه بالخرق فانه يذهب بماء الوجه و لا تصلي الشعر بالشعر «1». و الرواية ضعيفة سندا.

و منها ما رواه علي قال سألته عن امرأة مسلمة تمشط العرائس، ليس لها معيشة غير ذلك و قد دخلها ضيق قال: لا بأس و لكن لا تصل الشعر بالشعر «2». و السند ضعيف أيضا.

و منها ما رواه ابن الحسن قال سألته عن القرامل، قال: و ما القرامل؟

قلت: صوف تجعله النساء في رءوسهن، قال: اذا كان صوفا فلا بأس و ان كان شعرا فلا خير فيه من الواصلة و الموصلة 3 و الرواية لا تدل علي الحرمة مضافا الي ما في السند بالإضافة الي الإضمار.

و منها ما ارسله الصدوق قال قال عليه السلام لا بأس بكسب الماشطة ما لم تشارط و قبلت ما تعطي، و لا تصل شعر المرأة بشعر امرأة غيرها و أما شعر المعز

فلا بأس بأن توصله بشعر المرأة «4» و المرسل لا اعتبار به.

و منها ما رواه ابن غراب عن جعفر بن محمد عن آبائه قال: لعن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله النامصة و المنتصمة و الواشرة و الموتشرة و الواصلة و المستوصلة و الواشمة و المستوشمة 5 و السند ضعيف.

و منها ما رواه ابن سعيد قال سئل ابو عبد اللّه عليه السلام عن النساء تجعل في رءوسهن القرامل؟ قال: يصلح الصوف و ما كان من شعر امرأة لنفسها و كره للمرأة أن تجعل القرامل من شعر غيرها فان وصلت شعرها بصوف أو بشعر نفسها فلا

______________________________

(1) الوسائل الباب 19 من ابواب ما يكتسب به الحديث 2

(2) (2 و 3) نفس المصدر الحديث 4 و 5

(4) (4 و 5) نفس المصدر الحديث 6 و 7

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 157

يضرها «1» و الحديث غير دال علي الحرمة فالنتيجة انه لا دليل عليها و مقتضي الأصل شرعا و عقلا الجواز.

الفرع الخامس: انه هل يجوز ان تشارط الأجر أم لا يجوز؟

يستفاد من بعض النصوص عدم الجواز لاحظ ما ارسله الصدوق و المرسل لا اعتبار به.

الفرع السادس: انه هل يجوز وشم الأطفال علي تقدير كونه ايذاء للطفل؟

الذي يختلج بالبال أن يفصل بأن يقال ان كان علي خلاف مصلحة الطفل او ان لم يكن علي مقتضي الصلاح فلا يجوز لعدم جواز الإيذاء بلا مرجح و أما ان كان علي طبق صلاحه فالظاهر جوازه للسيرة الجارية كما في ثقب الأذن و الأنف لأجل تزيين الطفل فلاحظ.

الفرع السابع: انه افاد الماتن ان التدليس يحصل بمجرد رغبة الخاطب و المشتري

و ان علما ان البياض و الصفا لا يكونان واقعيا و يرد عليه: ان التدليس عبارة عن التزوير و ستر العيب و أما فعل ما يوجب الرغبة بمجرده فلا يكون تدليسا فعن القاموس: «التدليس كتمان عيب السلعة عن المشتري» و عن المنجد «دلس البائع كتم عيب ما يبيعه عن المشتري».

[المسألة الثانية تزيين الرجل بما يحرم عليه من لبس الحرير و الذهب]
اشارة

«قوله قدس سره: المسألة الثانية تزيين الرجل بما يحرم عليه من لبس الحرير و الذهب … »

في هذه المسألة فروع:

الفرع الأول: يحرم لبس الحرير للرجل

و تدل علي المدعي جملة من النصوص منها ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا يصلح لباس الحرير و الديباج فأما بيعهما فلا بأس «2».

و منها ما رواه ابو الجارود، عن أبي جعفر ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله

______________________________

(1) الوسائل الباب 101 من ابواب مقدمات النكاح الحديث 1

(2) الوسائل الباب 11 من أبواب لباس المصلي الحديث 3

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 158

قال لعلي عليه السلام اني أحب لك ما أحب لنفسي، و اكره لك ما اكره لنفسي فلا تختم بخاتم ذهب (الي أن قال) و لا تلبس الحرير فيحرق اللّه جلدك يوم تلقاه «1».

و منها ما رواه مسعدة بن صدقه عن جعفر بن محمد عن أبيه ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله نهاهم عن سبع منها لباس الإستبرق و الحرير و القز و الأرجوان 2 و منها ما رواه اسماعيل بن الفضل عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا يصلح للرجل أن يلبس الحرير الا في الحرب «3».

و منها ما رواه ابن بكير عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

لا يلبس الرجل الحرير و الديباج الا في الحرب 4.

و منها ما رواه سماعة بن مهران قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن لباس الحرير و الديباج فقال: أما في الحرب فلا بأس به و ان كان فيه تماثيل «5».

و منها ما رواه محمد بن علي بن الحسين قال لم يطلق النبي صلي اللّه عليه و آله لبس الحرير

لأحد من الرجال الا لعبد الرحمن بن عوف و ذلك انه كان رجلا قملا 6 و منها ما رواه اسماعيل بن الفضل عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الثوب يكون فيه الحرير فقال ان كان فيه خلط فلا بأس «7».

و منها ما رواه زرارة قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام ينهي عن لباس الحرير للرجال و النساء الا ما كان من حرير مخلوط بخز لحمته أو سداه خز أو كتان أو قطن و انما يكره الحرير المحض للرجال و النساء 8.

الفرع الثاني: هل يحرم التزين للرجل بالحرير ما لم يصدق عنوان اللبس

أم

______________________________

(1) (1 و 2) نفس المصدر الحديث 5 و 11

(3) (3 و 4) الوسائل الباب 12 من ابواب لباس المصلي الحديث 1 و 2

(5) (5 و 6) نفس المصدر الحديث 3 و 4

(7) (7 و 8) الوسائل الباب 13 من ابواب لباس المصلي الحديث 4 و 5

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 159

يجوز؟ الظاهر انه لا وجه لعدم الجواز فان المستفاد من النصوص حرمة لبس الحرير و بطلان الصلاة فيه و أما التزين به فلا.

الفرع الثالث: انه يحرم لبس الذهب للرجل

و تدل علي المدعي جملة من النصوص منها ما رواه عمار بن موسي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال:

لا يلبس الرجل الذهب و لا يصلي فيه لانه من لباس أهل الجنة «1».

و منها ما رواه جراح المدائني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا تجعل في يدك خاتما من ذهب 2.

و منها ما رواه موسي بن أكيل النميري عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الحديد انه حلية اهل النار و الذهب انه حلية اهل الجنة و جعل اللّه الذهب في الدنيا زينة النساء فحرم علي الرجال لبسه و الصلاة فيه «3».

و منها ما رواه أبو الجارود عن أبي جعفر عليه السلام ان النبي صلي اللّه عليه و آله قال لعلي عليه السلام اني أحب لك ما أحب لنفسي و اكره لك ما أكره لنفسي، لا تتختم بخاتم ذهب فانه زينتك في الآخرة 4.

و منها ما رواه عبيد اللّه بن علي الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال علي عليه السلام نهاني رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم و لا أقول نهاكم عن التختم بالذهب و عن ثياب القسي

و عن مياثر الأرجوان و عن الملاحف المفدحة و عن القراءة و أنا راكع «5».

و منها ما رواه البراء بن عازب قال: نهي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله عن سبع و أمر بسبع نهانا أن نتختم بالذهب و عن الشرب في آنية الذهب و الفضة و قال

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 30 من ابواب لباس المصلي الحديث: 4 و 2

(3) (3 و 4) نفس المصدر الحديث 5 و 6

(5) نفس المصدر الحديث 7

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 160

من شرب فيها في الدنيا لم يشرب فيها في الآخرة «1».

و منها ما رواه مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد عن أبيه عليه السلام أن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله نهاهم عن سبع: منها التختم بالذهب «2».

و منها ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل هل يصلح له الخاتم الذهب؟ قال لا و رواه علي بن جعفر في كتابه الا انه قال: هل يصلح له أن يتختم بالذهب قال: لا 3.

و منها ما رواه حنان بن سدير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول:

قال النبي صلي اللّه عليه و آله لعلي عليه السلام اياك أن تتختم بالذهب فانه حليتك في الجنة و اياك أن تلبس القسي 4.

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، 4 جلد، كتابفروشي محلاتي، قم - ايران، اول، 1413 ه ق عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب؛ ج 1، ص: 160

الفرع الرابع: انه هل يجوز التزين بالذهب للرجال؟

الظاهر انه لا دليل علي حرمته فلو تزين الرجل بالذهب علي نحو لا يصدق عنوان لبس الذهب لا يكون حراما

الفرع الخامس: هل يجوز للرجل و المرأة أن يتشبه كل واحد منهما بالآخر

بأن يلبس كل منهما ما يختص بالآخر أم لا؟ و قد وردت جملة من النصوص لا بدّ من ملاحظتها سندا و دلالة و استفادة المراد منها فنقول من تلك النصوص ما رواه ابن عباس عن النبي صلي اللّه عليه و آله و يشبه الرجال بالنساء و النساء بالرجال و يركبن ذوات الفروج السروج فعليهم من أمتي لعنة اللّه «5» و هذه الرواية ضعيفة سندا مضافا الي أن الممنوع في الرواية تشبه الرجال بالنساء و بالعكس علي نحو الاطلاق و من الظاهر انه لا يمكن الالتزام بحرمة التشبه علي الإطلاق و الا يلزم أن يحرم علي المرأة الزرع و يحرم علي الرجل الطبخ و هو كما تري فالمقصود من

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 8

(2) (2 و 3 و 4) نفس المصدر الحديث 9 و 10 و 11

(5) الوسائل الباب 48 من ابواب جهاد النفس الحديث 22

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 161

التشبه تأنث الرجل و تذكر المرأة و هي اللواط و المساحقة و منها ما رواه سماعة عن أبي عبد اللّه و أبي الحسن عليهما السلام في الرجل يجر ثيابه قال: اني لأكره أن يتشبه بالنساء «1» و الحديث ضعيف سندا مضافا الي عدم دلالته علي حرمة التشبه و منها ما عن أبي عبد اللّه عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال: كان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله يزجر الرجل أن يتشبه بالنساء و ينهي المرأة أن تتشبه بالرجال في لباسها «2» و السند ضعيف.

و منها ما رواه جابر عن أبي جعفر عليه

السلام قال قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله في حديث: لعن اللّه المحلل و المحلل له و من تولي غير مواليه و من ادعي نسبا لا يعرف و المتشبهين من الرجال بالنساء و المتشبهات من النساء بالرجال و من أحدث حدثا في الإسلام أو آوي محدثا و من قتل غير قاتله أو ضرب غير ضاربه «3» و الحديث ضعيف مضافا الي أن المستفاد من الحديث حرمة مطلق التشبه الذي لا يمكن الالتزام به.

و منها ما رواه زيد بن علي عن آبائه عن علي عليه السلام انه رأي رجلا به تأنيث في مسجد رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فقال له اخرج من مسجد رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله يا من لعنه رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم ثم قال علي عليه السلام سمعت رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم يقول: لعن اللّه المتشبهين من الرجال بالنساء و المتشبهات من النساء بالرجال «4» و الحديث ضعيف سندا مضافا الي ما في المضمون من الإطلاق اضف الي ذلك ان المستفاد من الحديث التأنث و التذكر فان ذكر التأنيث في الحديث يمنع عن انعقاد الإطلاق.

______________________________

(1) الوسائل الباب 13 من ابواب احكام الملابس الحديث 1

(2) نفس المصدر الحديث 2

(3) الوسائل الباب 87 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

(4) نفس المصدر الحديث 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 162

و منها ما رواه ابو إمامة عن النبي صلي اللّه عليه و آله قال: أربع لعنهم اللّه من فوق عرشه و أمنت عليه ملائكته: الذي يحصر نفسه فلا يتزوج و لا يتسري لئلا يولد له و الرجل يتشبه

بالنساء و قد خلقه اللّه ذكرا و المرأة تتشبه بالرجال و قد خلقها اللّه أنتي «1» و السند ضعيف.

و منها ما رواه الجعفي قال سمعت أبا جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام يقول: لا يجوز للمرأة أن تتشبه بالرجال لأن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله، لعن المتشبهين من الرجال بالنساء و لعن المتشبهات من النساء بالرجال «2».

و منها ما رواه في الفقه الرضوي عليه السلام: قد لعن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله سبعة: الواصل شعره بغير شعره و المتشبه من النساء بالرجال و الرجال بالنساء «3»

و منها ما رواه عروة قال دخلت علي فاطمة بنت علي بن ابي طالب عليه السلام و هي عجوزة كبيرة و في عنقها خرز و في يدها مسكتان فقالت: يكره للنساء أن يتشبهن بالرجال «4».

و منها ما رواه في دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد عليهما السلام ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم، نهي النساء أن يكن متعطلات من الحلي أو يتشبهن بالرجال و لعن من فعل ذلك منهن «5».

و هذه النصوص كلها ضعيفة سندا فالنتيجة عدم الدليل علي حرمة التشبه علي الإطلاق أو التشبه في اللباس فالحرام التذكر و التأنث و يؤيد المدعي بعض النصوص لاحظ ما رواه أبو هريرة قال: لعن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله المخنثين من

______________________________

(1) مستدرك الوسائل الباب 70 من ابواب ما يكتسب به الحديث 2

(2) مستدرك الوسائل الباب 9 من ابواب احكام الملابس الحديث 1

(3) نفس المصدر الحديث: 2

(4) نفس المصدر الحديث 3

(5) نفس المصدر الحديث 4

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 163

الرجال المشتبهين بالنساء و المترجلات من النساء المتشبهات بالرجال

«1».

و ما رواه الحضرمي قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله لعن اللّه و أمنت الملائكة علي رجل تأنث و امرأة تذكرت «2» فالمتحصل مما تقدم عدم قيام دليل علي حرمة التشبه لا علي الإطلاق و لا علي النحو الخاص بل الحرام اللواط و السحق.

الفرع السادس: و هو الفرع الذي يختم به البحث في المسألة الثانية

ان الخنثي يحرم عليها كلا الأمرين علي القول بحرمة تشبه كل من الفريقين بالآخر من باب العلم الإجمالي المعروف عند القوم كونه منجزا و ذكرنا في الأصول في هذا المقام انه يمكن الالتزام بعدم التنجيز و مجمل القول فيه انا لا نري مانعا من جريان الأصل في كل من الطرفين مع ترك الطرف الأخر و الاجتناب عنه و بعبارة اخري ان المحذور في جريان الأصل في جميع الأطراف و أما جريانه في بعض الأطراف علي التعيين فلا مانع منه و تفصيل الكلام موكول الي ذلك البحث.

[المسألة الثالثة التشبيب بالمرأة المعروفة المؤمنة]
اشارة

«قوله قدس سره: المسألة الثالثة التشبيب بالمرأة المعروفة المؤمنة … »

قال سيدنا الأستاد «لا شبهة في حرمة ذكر الأجنبيات و التشبيب بها كحرمة ذكر الغلمان و التشبيب بهم بالشعر و غيره اذا كان التشبيب لتمني الحرام و ترجي الوصول الي المعاصي و الفواحش كالزنا و اللواط و نحوهما فان ذلك هتك لأحكام الشارع و جرأة علي معصيته و من هنا حرم طلب الحرام من اللّه بالدعا «3» الي آخر كلامه.

و اثبات ما افاده بالتقريب الذي ذكره مشكل فان النسبة بين تمني الحرام و هتك الأحكام الشرعية عموم من وجه و بعبارة اخري مجرد تمني الحرام لا يكون هتكا

______________________________

(1) المستدرك الباب 70 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

(2) نفس المصدر الحديث 3

(3) مصباح الفقاهة ج 1 ص 211

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 164

للحكم الشرعي و ان شئت قلت: تمني الحرام ليس أعظم من ارتكاب الحرام و من الظاهر ان ارتكاب الحرام في نفسه ليس هتكا للحكم الشرعي نعم تمني الحرام مع وصف الحرمة لا يبعد أن يكون مصداقا للتجري فيكون صاحبه مستحقا للعقاب اذ قلنا في

محله ان التجري يقتضي استحقاق العذاب و اما اقتضائه لحرمة ما يتحقق به فلا و كيف كان ما يمكن أن يستدل به علي حرمة التشبيب بالمعني الذي ذكره الماتن قدس سره أو استدل وجوه:

الوجه الأول: ان التشبيب بها هتكها و توهينها فيكون حراما

. و فيه ان حرمة الهتك لا تختص بالشعر و لا تختص بالأجنبية فان هتك المؤمن حرام باي وجه كان و بين العنوانين عموم من وجه فلاحظ.

الوجه الثاني: انه ايذاء للغير فيكون حراما

. و فيه أولا انا لا نسلم كون التشبيب مستلزما للإيذاء فانه يختلف بحسب الموارد من الخصوصيات و ليس أمرا كليا بل ربما يكون التشبيب يوجب سرور المشيب بها فان النفوس مختلفة و ثانيا ان الفعل اذا كان جائزا في حد نفسه فاثبات حرمته لكونه إيذاء يحتاج الي الدليل سيما اذا لم يكن الفاعل قاصدا للإيذاء و بعبارة واضحة: اي دليل دل علي كون الإيذاء علي الإطلاق حراما فانه علي هذا الأساس يلزم حرمة كثير من الأفعال لكونها إيذاء للغير و هل يمكن الالتزام به مثلا لو فرض ان زيدا يتأذي من صيرورة بكر مجتهدا فهل يمكن أن يقال ان صيرورة بكر مجتهدا حرام لكونه إيذاء لزيد؟

كلا ثم كلا.

الوجه الثالث: ان التشبيب لهو و اللهو باطل

. و فيه ان التشبيب لا يكون ملازما مع اللهو اذ ربما يكون فيه غرض عقلائي مضافا الي أنه لا دليل علي حرمة اللهو علي الإطلاق و مقتضي قوله تعالي: وَ مَا الْحَيٰاةُ الدُّنْيٰا إِلّٰا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ «1» عدم حرمته علي الاطلاق و علي الجملة اللهو في الجملة حرام و اما بالجملة فلا.

______________________________

(1) الانعام/ 32

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 165

الوجه الرابع ان التشبيب من الفحشاء و المنكر فيكون حراما

. و فيه انه مصادرة بالمطلوب و بعبارة اخري: اثبات كون التشبيب من الفحشاء و المنكر يحتاج الي اقامه دليل و مجرد الدعوي لا يكفي كما هو ظاهر مضافا الي أنه علي هذا لا يختص بمورد دون الأخر فلا وجه لأخذ القيود المذكورة في الموضوع.

الوجه الخامس: انه مناف مع العفاف الذي اعتبر في الشاهد

لاحظ حديث ابن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتي تقبل شهادته لهم و عليهم؟ فقال: أن تعرفوه بالستر و العفاف و كف البطن و الفرج و السيد و اللسان «1» فان المستفاد من الحديث اشتراط العفاف في العدالة و حيث ان العدالة واجبة يحرم ما ينافيها. و فيه ان العفاف عن المحرمات واجب و شرط في العدالة لا مطلق العفاف و كون التشبيب حراما اوّل الكلام و الأشكال.

الوجه السادس: الأخبار الدالة علي حرمة اثارة الشهوة الي غير الحليلة

و هذه الأخبار علي طوائف منها ما يدل علي حرمة النظر الي الأجنبية و منها الأخبار الدالة علي حرمة الخلوة مع الأجنبية و منها ما يدل علي حرمه قعود النساء و الرجال في الخلاء و منها ما ورد في النهي عن قعود الرجل مكان المرأة حتي يبرد و منها ما ما ورد في رجحان التستر عن نساء اهل الذمة لأنهن يصفن لأزواجهن و منها ما ورد في التستر عن الصبي المميز الذي يصف ما يري الي غيرها من النصوص فان المستفاد من هذه الأخبار حرمة اثارة الشهوة الي غير الحليلة و حيث ان التشبيب من مصاديق الأثارة فيحرم. و فيه أولا ان النسبة بين التشبيب و اثارة الشهوة عموم من وجه و ثانيا هذه الأخبار علي فرض غمض العين عن اسنادها و تسلم كونها معتبرة و علي فرض غمض العين أيضا عن النفاش في دلالتها غاية ما يستفاد منها الأحكام الخاصة المذكورة فيها اعني النظر و الخلوة و القعود معها في بيت الخلأ و لا يستفاد

______________________________

(1) الوسائل الباب 41 من ابواب الشهادات الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 166

منها ان الأثارة بما هي حرام

و الا يلزم أن نلتزم بحرمة أكل بعض المقويات التي توجب اثارة الشهوة و هل يمكن الالتزام به؟

الوجه السابع: انه يوجب اغراء الفساق بها

. و فيه أولا انه لا ملازمة بين الأمرين و ثانيا ان التشبيب بالحليلة يمكن أن يوجب ذلك فلا وجه للتقييد بكون المرأة اجنبية كما انه لا فرق فيه بين المرأة المؤمنة و غيرها في هذه الجهة و ثالثا ما الدليل علي حرمة الأغراء غير كونه اعانة علي الاثم و قد مر عدم دليل علي حرمتها.

الوجه الثامن: انه يوجب النقص فيها فيحرم

. و فيه أولا انه لا ملازمة بين الأمرين و ثانيا لا يختص بالشعر فتحصل انه لا دليل علي حرمة التشبيب بما هو نعم اذا تعنون بعنوان من العناوين المحرمة يكون حراما كما هو واضح.

[المسألة الرابعة تصوير صور ذوات الأرواح حرام إذا كانت الصورة مجسمة]
اشارة

«قوله قدس سره: المسألة الرابعة تصوير صور ذوات الارواح حرام اذا كانت الصورة مجسمة … »

في هذه المسألة فروع:

الفرع الأول: في حكم تصوير صور ذوات الأرواح اذا كانت الصورة مجسمة

ربما يستدل علي حرمته بالإجماع و فيه ان المنقول منه غير حجة و المحصل منه علي فرض حصوله محتمل المدرك اذ يمكن أن يكون المستند في نظر المجمعين النصوص الواردة في الأبواب المتفرقة فالعمدة في مدرك الحكم النصوص فلا بد من ملاحظتها سندا و دلالة و استفادة الحكم منها فنقول:

منها ما رواه أبو العباس عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عز و جل يعملون له ما يشاء من محاريب و تماثيل فقال: و اللّه ما هي تماثيل الرجال و النساء و لكنها الشجر و شبهه «1» و هذه الرواية لا تدل علي المدعي فان المستفاد من الحديث ان تلك التماثيل لم تكن تماثيل الرجال و اما حكم تماثيل الرجال فالحديث ساكت

______________________________

(1) الوسائل الباب 94 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 167

عنه.

و منها ما رواه حسين بن زيد عن الصادق عن آبائه عليهم السلام في حديث المناهي قال: نهي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله عن التصاوير و قال: من صور صورة كلفه اللّه تعالي يوم القيمة أن ينفخ فيها و ليس بنافخ «1» و هذه الرواية ضعيفة سندا فلا اعتبار بها و ان كانت ظاهرة في المدعي.

و منها ما رواه ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله من صور صورة عذب و كلف أن ينفخ فيها و ليس بفاعل «2» و الحديث ضعيف سندا.

و منها ما رواه محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن تماثيل الشجر

و الشمس و القمر، فقال: لا بأس ما لم يكن شيئا من الحيوان «3» و الظاهر انه لا بأس به سندا و أيضا يستفاد منها عدم جواز تمثال الروحاني.

و منها ما رواه محمد بن مروان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال سمعته يقول:

ثلاثة يعذبون يوم القيمة: من صور صورة من الحيوان يعذب حتي ينفخ فيها و ليس بنافخ فيها و المكذب في منامه يعذب حتي يعقد بين شعيرتين و ليس بعاقد بينهما و المستمع الي حديث قوم و هم له كارهون يصب في اذنه الآنك و هو الأسرب «4» و لا يبعد اعتبار سند الحديث كما ان المستفاد منه حرمة التصوير فلا اشكال في حرمة تصوير صور ذوات الأرواح اذا كانت الصورة مجسمة.

الفرع الثاني: هل يحرم تصوير صور ذات الأرواح اذا كان علي نحو النقش لا علي نحو التجسيم أم لا؟

الحق بمقتضي الأدلة حرمته لاحظ ما رواه ابن مسلم «5»

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 6

(2) نفس المصدر الحديث 9

(3) نفس المصدر الحديث 3

(4) نفس المصدر الحديث 7

(5) مر آنفا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 168

فان مقتضي اطلاق التمثال حرمة الصورة المنفوشة فان المستفاد من الذيل حرمة تمثال الحيوان و لو منقوشا و لاحظ ما رواه محمد بن مروان المتقدم آنفا فان مقتضي اطلاق الصورة شمولها للمنقوش و لا مجال لان يقال ان ذيل الرواية يوجب اختصاص الحكم بالمجسم بتقريب ان التكليف بالنفخ يتوقف علي قابلية المحل لأن ينفخ فيه، اذ يمكن التكليف بالنفخ في المنقوش بلحاظ اللون و اجزاء الصبغ اللطيفة و لا يلزم منه تبديل العرض بالجوهر بل تبديل الجوهر بجوهر آخر فلا تغفل.

و تؤيد المدعي جملة من النصوص منها ما رواه ابو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله

أتاني جبرئيل قال: يا محمد ان ربك يقرئك السلام و ينهي عن تزويق البيوت قال ابو بصير فقلت و ما تزويق البيوت فقال: تصاوير التماثيل «1».

و منها ما رواه ابن أبي عمير عن رجل، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: من مثل تمثالا كلف يوم القيمة أن ينفخ فيه الروح 2.

و منها ما رواه المثني عن أبي عبد اللّه عليه السلام ان عليا عليه السلام كره الصور في البيوت «3».

و منها ما رواه الحسين بن المنذر قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام ثلاثة معذبون يوم القيمة: رجل كذب في رؤياه يكلف أن يعقد بين شعيرتين و ليس بعاقد بينهما و رجل صور تماثيل يكلف أن ينفخ فيها و ليس بنافخ 4 و منها ما رواه ابو العباس «5»

و منها رواه الفضل ابو العباس قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام في قول اللّه عز و جل: يعلمون له ما يشاء من محاريب و تماثيل و جفان كالجواب و قال: ما هي

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 3 من ابواب احكام المساكن الحديث 1 و 2

(3) (3 و 4) نفس المصدر الحديث 3 و 5

(5) لاحظ ص 166

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 169

تماثيل الرجال و النساء و لكنها تماثيل الشجر و شبه «1»

و منها ما رواه ابن القداح، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام بعثني رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله في هدم القبور و كسر الصور 2.

و منها ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام بعثني رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله الي المدينة فقال:

لا تدع صورة الا محوتها و لا قبرا الا سويته و لا كلبا الا قتلته «3».

و منها ما رواه جراح المدائني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا تبنوا علي القبور و لا تصوروا سقوف البيوت فان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله كره ذلك 4.

و منها ما رواه الاصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: من جدد قبرا أو مثل مثالا فقد خرج من الإسلام «5».

و منها ما رواه ابو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله أتاني جبرئيل فقال: يا محمد ان ربك ينهي عن التماثيل 6.

و منها ما رواه سعد بن طريف عن أبي جعفر عليه السلام قال: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ هم المصورون يكلفون يوم القيمة أن ينفخوا فيها الروح «7».

و منها ما رواه يحيي بن أبي العلاء عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنه كره الصور في البيوت 8.

الفرع الثالث هل يحرم تصوير صور غير ذوي الأرواح كالشجر و نحوه أم لا

ربما يقال بأن مقتضي اطلاق بعض النصوص حرمته و عدم الاختصاص بذوي الارواح كالحديث الواحد و الثالث و السابع و الثامن و التاسع و العاشر و الحاد يعشر و الثالث

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 3 من أبواب أحكام المساكن الحديث 6 و 7.

(3) (3 و 4) نفس المصدر الحديث 8 و 9.

(5) (5 و 6) نفس المصدر الحديث: 10 و 11.

(7) (7 و 8) نفس المصدر الحديث: 12 و 13.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 170

عشر و الرابع عشر من الباب 3 من أبواب احكام المساكن.

و فيه أولا ان اكثر هذه النصوص ضعيف سندا و ثانيا علي فرض الإغماض عن اسنادها و تمامية

الإطلاق في مفادها لا بدّ من رفع اليد عن اطلاقها و تقييدها بخصوص ذوات الأرواح لاحظ ما رواه محمد بن مسلم «1» فان المستفاد من الحديث اختصاص الحرمة بصورة ذي الروح و لاحظ ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال:

لا بأس بتماثيل الشجر «2» فانه قد صرح في هذه الرواية بجواز تمثال الشجر و علي الجملة لا مقتضي لعموم الحكم أولا و قيام الدليل علي الاختصاص ثانيا فلا يحرم تصوير صور غير ذوات الأرواح.

الفرع الرابع: هل يحرم تصوير الملك او الجن أم لا؟

يمكن أن يستدل علي الجواز بأن دليل المنع مشتمل علي عنوان الحيوان و هذا العنوان لا يشمل الملك و الجن فانهما لا يكونان من الحيوانات و بعبارة اخري: الجن مغاير للحيوان و كذلك الملك و ان شك في كونهما من أنواع الحيوان يكفي الشك في صدق عنوان الحيوان عليهما فانه مع الشك في الموضوع لا مجال للأخذ بالإطلاق أو العموم و الذي يختلج بالبال أن يقال: ان الحيوان عبارة عن جسم حساس نام متحرك بالإرادة فان كان الجن و الملك جسما يكونان داخلين تحت هذا المفهوم بلا كلام و ان لم يكونا جسما بأن يقال الملك من عالم المجردات فعلي تقدير صحة هذه الدعوي لا يمكن تصويره فانه كيف يمكن تصوير المجرد و بعبارة واضحة المجرد لا صورة له و يمكن اثبات الحرمة بتقريب آخر و هو ان تصوير الملك أو الجن لا محالة يكون كصورة الحيوان فيشمله دليل الحرمة و ببيان واضح: يصدق علي تصويريهما انه صورة الحيوان فيشمله دليل المنع. ان قلت الذي يصور

______________________________

(1) لاحظ ص: 167

(2) الوسائل الباب 94 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 171

صورة الملك أو

الجن لا يقصد تصوير الحيوان بل يقصد صورة الملك أو الجن فلا يحرم علي فرض عدم كونهما حيوانا قلت اذا صدق عنوان تصوير الحيوان يشمله دليل المنع و لا وجه لاشتراط القصد المذكور و بعبارة اخري: تعلق الحرمة بهذا العنوان و مقتضي اطلاق دليل الحرمة عدم اشتراط القصد المذكور و مما ذكرنا علم ما في كلام الماتن حيث افاد بأنه مع عدم قصد الحكاية لا بأس قطعا فانه اي دافع عن اطلاق الدليل فلاحظ و صفوة القول انه يكفي في تحقق الحرمة الالتفات الي أن الصورة الفلانية صورة الحيوان فانه يشمله دليل الحرمة.

الفرع الخامس: هل يشترط في الحرمة ان تكون الصورة معجبة أم لا؟

الظاهر انه لا وجه لهذا الاشتراط فان مقتضي الإطلاق عموم الحكم و عدم التقييد فلا وجه لما أفاده الماتن من التقييد المذكور.

الفرع السادس: هل يعتبر الصدق العرفي في حرمة التصوير أم لا؟

الحق هو الاعتبار فان المستفاد من الدليل حرمة تصوير ذوات الأرواح فاذا صور صورة يد انسان لا يكون حراما و بعبارة اخري تصوير جزء من اجزاء الحيوان لا يكون مشمولا لدليل الحرمة و علي الجملة لا بدّ في تحقق الحرمة من صدق العنوان فاذا صور صورة جالس يكون حراما و علي هذا الأساس لو صور جملة من اعضاء الإنسان و لم يتمم لم يرتكب حراما و اذا تمم الأجزاء و كملها شخص آخر ارتكب المحرم و اذا شرع في التصوير و كان عازما علي الإتمام ثم بدا له و لم يتمم لم يرتكب الحرام لعدم تحقق موضوعه نعم يستحق العقاب من باب تحقق التجري.

الفرع السابع: هل يكون أخذ العكس المتعارف المتداول في الخارج في العصر الحاضر حراما أم لا؟

قال سيدنا الأستاد في هذا المقام: لا يحرم اخذ العكس المتعارف في زماننا لعدم كونه ايجادا للصورة المحرمة و انما هو أخذ للظل و ابقاء له بواسطة الدواء فان الإنسان اذا وقف في مقابل المكينة العكاسة كان حائلا بينها

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 172

و بين النور فيقع ظله علي المكينة و يثبت فيها لأجل الدواء الي آخر كلامه.

و يرد عليه ان الميزان في استفادة المقاصد من الألفاظ العرف و بعبارة اخري العرف محكم في تشخيص المفاهيم و لا اشكال في أن التصوير بماله من المفهوم العرفي يصدق علي العكس المتداول في زماننا فيترتب عليها الحكم اي الحرمة.

الفرع الثامن: في ان اقتناء الصور المحرمة هل يكون حراما أم لا؟
اشارة

ما يمكن أن يذكر في مستند المنع وجوه:

الوجه الأول انه لا فرق بين الإيجاد و الوجود الا بالاعتبار

فان الوجود اذا لوحظ بالنسبة الي الموجود يكون وجودا و اذا لوحظ بالنسبة الي الموجد يكون ايجادا فلو حرم الإيجاد يحرم الوجود. و فيه ان الكلام في ابقاء الوجود و من الظاهر انه لا ملازمة بين الحدوث و البقاء من الحكم و الذي ثبت حرمته احداثه و أما ابقائه فلا دليل علي حرمته لو لم يكن دليل علي جوازه.

الوجه الثاني: ان مقتضي حديث تحف العقول حرمة الإبقاء

اذ فيه حرمة امساك ما يجي ء فيه الإفساد. و فيه أولا ان الحديث ضعيف سندا و ثانيا ليس التصوير و الصورة مما لا يترتب عليه الا الفساد.

الوجه الثالث انه يستفاد من جملة من النصوص وجوب محو كل صورة

لاحظ ما رواه السكوني «1» و ما رواه جراح المدائني «2» و فيه ان الأخبار المشار إليها ضعيفة سندا مضافا الي ان مقتضي بعض النصوص وجوب محو الصورة و لو لم تكن صورة ذي روح من ذوي الأرواح.

الوجه الرابع انه قد دل بعض النصوص علي حرمة اللعب بالتماثيل

لاحظ ما رواه ابن جعفر عن أخيه موسي أنه سأل أباه عن التماثيل فقال: لا يصلح أن يلعب بها «3» و ما رواه مثني رفعه قال: التماثيل لا يصلح أن يلعب بها 4 و يرد عليه أولا ان الحديثين

______________________________

(1) لاحظ ص 169

(2) لاحظ ص 169

(3) (3 و 4) الوسائل الباب 3 من ابواب احكام المساكن الحديث 15 و 16

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 173

ضعيفان سندا و ثانيا عدم الصلاح اعم من الحرمة فتأمل و ثالثا علي فرض تمامية الدلالة انما يدلان علي حرمة اللعب بها و حرمة اللعب بالتماثيل لا تستلزم حرمة مطلق الاقتناء كما هو ظاهر.

الوجه الخامس ما رواه ابن مسلم

«1» بتقريب ان الظاهر من الرواية السؤال عن التماثيل بعد فرض وجودها في الخارج لا عن ايجادها فلا بد من تقدير ما يناسب تقديره و لا اشكال في كون تقدير الاقتناء مناسبا و فيه ان المناسبة بين الحكم و الموضوع تقتضي أن يكون السؤال عن احداثها اذ يستفاد من جملة من النصوص ان التصوير في الجملة محرم في الشريعة فالسئوال يناسب أن يكون من الأحداث و ان أبيت فلا اقل من كونه احد المحتملات و مع هذا الاحتمال لا يمكن الجزم بكون المقدر هو الاقتناء و امثاله بل يتردد الأمر بين كون المراد احداث التمثال و بين اقتنائه بعد فرض وجوده و بعبارة اخري لا جامع بين الأمرين فيعلم اجمالا بحرمة أحد الأمرين و المفروض حرمة الأحداث بمقتضي بقية النصوص فاصالة الإباحة الجارية في الاقتناء بلا معارض.

مضافا الي أنه يعارضه ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

سألته عن الوسادة و البساط يكون فيه التماثيل، فقال: لا بأس به يكون في البيت

قلت التماثيل؟ فقال: كل شي ء يوطأ فلا بأس به «2» و مقتضي هذه الرواية جواز الإبقاء و الاقتناء و حيث ان الأحدث منهما غير معلوم يدخل المقام في باب اشتباه الحجة بغير الحجة و مقتضي اصالة الإباحة هو الجواز.

اضعف الي ذلك ما رواه علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن البيت فيه صورة سمكة أو طير أو شبهها يعبث به أهل البيت هل تصلح الصلاة فيه

______________________________

(1) راجع ص 167

(2) الوسائل الباب 4 من ابواب احكام المساكن الحديث 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 174

فقال: لا حتي يقطع رأسه منه و يفسد، و ان كان قد صلي فليست عليه اعادة «1» فان المستفاد من هذه الرواية جواز الاقتناء و انما الأشكال من جهة الصلاة و هذه الرواية ترجح علي غيرها لكونها أحدث و مثله في الدلالة ما رواه سعد بن اسماعيل عن أبيه قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن المصلي و البساط يكون عليه تماثيل أ يقوم عليه فيصلي أم لا؟ فقال و اللّه اني لاكره و عن رجل دخل علي رجل عنده بساط عليه تمثال، فقال: أ تجد هاهنا مثالا؟ فقال لا تجلس عليه و لا تصل عليه «2» و ما رواه علي بن جعفر عن أبيه قال سألته عن الرجل يصلح أن يصلي في بيت علي بابه ستر خارج فيه تماثيل و دونه مما يلي البيت ستر آخر ليس فيه تماثيل، هل يصلح أن يرخي الستر الذي ليس فيه تماثيل حتي يحول بينه و بين الستر الذي فيه التماثيل أو يجيف الباب دونه و يصلي فيه؟ قال: لا بأس قال و سألته عن الثوب يكون فيه التماثيل

أو في علمه أ يصلي فيه قال لا يصلي فيه 3.

الوجه السادس: ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام

قال لا بأس بأن يكون التماثيل في البيوت اذا غيرت رءوسها منها و ترك ما سوي ذلك «4» فان هذه الرواية بمفهومها تدل علي حرمة اقتناء التماثيل الا اذا غيرت رءوسها منها و حمل الرواية علي أن النهي ناظر الي الصلاة خلاف الظاهر لكن تعارض جملة اخري من النصوص و فيها ما يكون أحدث فالترجيح مع دليل الجواز.

الوجه السابع ما رواه حاتم

عن جعفر عن أبيه ان عليا كان يكره الصورة في البيوت «5». فان المستفاد من هذا الحديث ان عليا كان يكره الصورة في البيوت

______________________________

(1) الوسائل الباب 32 من ابواب مكان المصلي الحديث 12

(2) (2 و 3) الوسائل الباب 45 من ابواب لباس المصلي الحديث 14 و 16

(4) الوسائل الباب 4 من ابواب احكام المساكن الحديث 3

(5) الوسائل الباب 3 من ابواب أحكام المساكن الحديث 14

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 175

و مقتضي حديث أبي بصير «ان عليا لم يكن يكره الحلال «1» فيكون ابقاء التمثال حراما و الجواب أولا ان هذا الحديث ضعيف و ثانيا ان المراد بالحلال الذي لم يكن عليه السلام يكرهه الحلال في مقابل بقية الأحكام و بعبارة اخري الحلال المساوي الطرفين و الا فلا اشكال في أنه عليه السلام كان يكره المكروه.

الوجه الثامن ما رواه الحلبي

عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ربما قمت اصلي و بين يدي و سادة فيها تماثيل طائر فجعلت عليه ثوبا، و قال: و قد اهديت الي طنفسة من الشام عليها تماثيل طائر فامرت به فغير رأسه فجعل كهيئة الشجر و قال:

ان الشيطان أشد ما يهم بالإنسان اذا كان وحده «2».

فان المستفاد من الحديث حرمة الإبقاء و فيه أولا ان الحديث ضعيف سندا و ثانيا ان فعل الإمام لا يدل علي الوجوب و ثالثا علي فرض تسليم الدلالة يعارضه جملة أخري من النصوص و فيها أحدث اضف الي ذلك ان المستفاد من حديث ابن مسلم جواز الاقتناء قال سألت احدهما عليه السلام عن التماثيل في البيت فقال:

لا بأس اذا كانت عن يمينك و عن شمالك و عن خلفك أو تحت رجلك، و ان كانت في القبلة فالق

عليها ثوبا «3» فعلي تقدير عدم تشخيص الأحدث يدخل المقام في اشتباه الحجة بغيرها فتصل النوبة الي البراءة الا أن يقال ان الوارد في هذه الرواية عنوان التماثيل و هو قابل للتخصيص فتأمل.

الفرع التاسع هل يجوز بيع التماثيل و لو كانت مجسمة أم لا؟

الظاهر هو الجواز لعدم ما يقتضي المنع فان الدليل انما دل علي حرمة ايجاد صور ذوات الأرواح و أما بيع الصور تكليفا أو وضعا فلا دليل علي المنع عنه و مقتضي القاعدة

______________________________

(1) الوسائل الباب 15 من ابواب الربا الحديث 1

(2) الوسائل الباب 4 من ابواب المساكن الحديث 7

(3) الوسائل الباب 32 من ابواب مكان المصلي الحديث 4

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 176

الأولية الجواز تكليفا و الصحة وضعا فلاحظ.

«قوله قدس سره: فتأمل»

لعل وجه التأمل أنه لا فرق بين الواجب و الحرام من هذه الجهة فان الحكم مترتب علي ايجاد الصورة و يتحقق هذا الموضوع باتمامها فلا وجه للحرمة الشرعية قبل الإتمام.

[المسألة الخامسة التطفيف حرام]

«قوله قدس سره: الخامسة التطفيف حرام … »

عن تفسير التبيان المطفف المقلل حق صاحبه بنقصانه عن الحق في كيل أو وزن و التطفيف التنقيص علي وجه الخيانة في الكيل او الوزن و عن مفردات الراغب طفف الكيل قلل نصيب المكيل له في ايفائه و استيفائه و عن المصباح طففه فهو مطفف اذا كال أو وزن و لم يوف.

«قوله قدس سره: و يدل عليه الادلة الاربعة … »

اما الكتاب فيدل علي المدعي قوله تعالي وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتٰالُوا عَلَي النّٰاسِ يَسْتَوْفُونَ وَ إِذٰا كٰالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ «1» و قوله تعالي فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَ الْمِيزٰانَ وَ لٰا تَبْخَسُوا النّٰاسَ أَشْيٰاءَهُمْ وَ لٰا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلٰاحِهٰا «2» و قوله تعالي وَ يٰا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيٰالَ وَ الْمِيزٰانَ بِالْقِسْطِ وَ لٰا تَبْخَسُوا النّٰاسَ أَشْيٰاءَهُمْ وَ لٰا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ «3» و قوله تعالي أَوْفُوا الْكَيْلَ وَ لٰا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ وَ زِنُوا بِالْقِسْطٰاسِ الْمُسْتَقِيمِ وَ لٰا تَبْخَسُوا النّٰاسَ أَشْيٰاءَهُمْ وَ لٰا

تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ «4»

______________________________

(1) المطففين/ 3 و 2 و 1

(2) الاعراف/ 85

(3) الهود/ 85

(4) الشعراء/ 183 و 182 و 181

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 177

و أما الستة فعدة نصوص منها ما رواه سعد بن سعد عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن قوم يصغرون القفيزان يبيعون بها قال: اولئك الذين يبخسون الناس أشياءهم «1»

و منها ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا يصلح للرجل ان يبيع يصاع غير صاع المصر 2.

و منها ما رواه الأصبغ بن نباتة قال سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول علي المنبر: يا معشر التجار الفقه ثم المتجر الفقه ثم المتجر الفقه ثم المتجر و اللّه للربا في هذه الأمة أخفي من دبيب النمل علي الصفا، شوبوا أيمانكم بالصدق التاجر فاجر، و الفاجر في النار الا من اخذ الحق و اعطي الحق «3».

و اما الإجماع فالظاهر انه لا يكون تعبديا بل يمكن استنادهم الي الوجوه المذكورة في المقام من الكتاب و السنة و أما العقل فتقريب الاستدلال به علي المدعي ان البخس في المكيال ظلم و الظلم قبيح عقلا فيحرم شرعا. و فيه انه لا يمكن استفادة الأحكام الشرعية عن طريق العقل لأن الأحكام الشرعية تابعة للملاكات التي يعلمها الشارع الأقدس و لا تنال تلك الملاكات بالعقول و لذا لا اشكال في أن كل مورد يرد دليل شرعي يدل علي جواز الفعل الفلاني نلتزم بالجواز لأنا تابعون للشارع و نقول لعل الحكم الفلاني فيه ملاك لا نميزه مثلا يحكم العقل بقبح الإيذاء فلو ورد دليل دل علي أن الإيذاء الخاص من حيث الزمان و المكان و المؤذي بالفتح جائز نأخذ بذلك الدليل

و نقول يجوز الإيذاء الفلاني و الحال أنه لو كان حكم العقل مستتبعا للحكم الشرعي يلزم التناقض فالنتيجة ان الدليل هو الكتاب و السنة و نعم الدليل

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 6 من ابواب عقد البيع و شروطه الحديث: 1 و 2

(3) الوسائل الباب 1 من أبواب آداب التجارة الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 178

و يكفينا مضافا الي أنه لا اشكال و لا كلام في حرمة البخس.

«قوله قدس سره: ثم ان البخس» …

بلا اشكال و لا كلام و عن مفردات الراغب البخس نقص الشي ء علي سبيل الظلم و عن القاموس البخس النقص و الظلم فيكون النقص في العدو الذرع داخلا تحت عنوان البخس.

«قوله قدس سره: و لو وازن الربوي بجنسه … »

ينبغي توضيح المقام و تفصيله كي يتضح الحال علي ما هو حقه فنقول تارة يقع العقد علي الكلي في الذمة و اخري يقع علي الكلي في المعين و ثالثة يقع علي الموجود الخارجي أما الصورة الاولي و الصورة الثانية فلا كلام في صحة العقد بلا فرق بين كون البيع ربويا و ما لم يكن كذلك غاية الأمر في مقام تسليم المبيع لو خان و لم يسلم حق المشتري ارتكب محرما و يكون ضامنا و أما الصورة الثالثة و هي ما لو وقع البيع علي الشخص الخارجي علي انه كذا مقداره و لم يكن ذلك المقدار فربما يقال يكون البيع باطلا بتقريب أن ما قصد لم يقع و ما وقع لم يقصد أو بتقريب ان المورد من موارد تعارض الإشارة و الوصف و الحق أن يقال أن العنوان المأخوذ في المبيع تارة يكون من العناوين الذاتية و لو عرفا و

اخري لا يكون كذلك أما لو وقع البيع علي العنوان الذاتي كما لو أوقع البيع علي الموجود الخارجي علي أنه حمار فبان أنه عبد حبشي يكون البيع باطلا و أما لو لم يكن العنوان المأخوذ في المبيع عنوانا ذاتيا كما لو وقع العقد علي العبد الخارجي علي أنه كاتب فبان انه لا يكون كاتبا فتارة يعلق العقد علي وجود الكتابة و اخري يشترط في ضمن العقد كونه كاتبا اما علي الأول فيكون العقد باطلا لأجل التعليق و اما في الصورة الأخري فيكون العقد صحيحا مع الخيار.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 179

اذا عرفت ما تقدم نقول: اذا وازن الربوي بجنسه و يكون في احد الطرفين نقص فان العقد علي نحو التعليق يبطل العقد لأجل التعليق و ان كان بنحو الاشتراط يبطل لأجل الربا و ان كان المقصود تبديل المقدار الخاص بمقابله بذلك المقدار يصح العقد في المقدار المساوي و يبطل في الزائد هذا في الربوي و اما في غيره فان كان من القسم الأول يبطل لاجل التعليق و ان كان من القسم الثاني يصح مع الخيار و ان كان من القسم الثالث يصح في المقدار المساوي و يبطل في الزائد فلاحظ.

«قوله قدس سره: و يمكن ابتنائه علي ان الاشتراط … »

هذا المبني فاسد فان الشرط لا يقابل بالثمن فلا مجال لان يقال له قسط من الثمن و بعد فساد المبني يكون البناء فاسدا أيضا فلاحظ.

[المسألة السادسة التنجيم حرام]
اشارة

«قوله قدس سره: السادسة التنجيم حرام … »

في هذه المسألة فروع

الفرع الأول: انه يجوز الاخبار عن احوال الكواكب و حركاتها

و ما يتفرع عليها من الخسوف و الكسوف و الحرارة و البرودة فانه لا شبهة في هذه الامور فان الاخبار عن شدة حرارة الشمس في الصيف و تأثيرها في الامور السفلية جائز فانه لا اشكال و لا كلام في سير الكواكب و تأثيرها في جملة من الامور و مع القطع بها او الاطمينان يجوز الاخبار نعم لو لم يحصل القطع و حصل الظن لا يجوز الاخبار الجزمي بل يجوز الاخبار الظني.

الفرع الثاني: انه يحرم الاخبار عن تأثير الاوضاع الفلكية في الامور السفلية

علي نحو تأثير الاستقلالي او علي نحو الدخل في التأثير فانه علي خلاف ضرورة الدين اذ لا مؤثر في الوجود الا اللّه و قد وردت جملة من الروايات في المقام لا بدّ من ملاحظتها سندا و دلالة و استفادة المراد منها فمن تلك النصوص ما رواه عبد

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 180

الرحمن قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام ان الناس يقولون: ان النجوم لا يحل النظر فيها و هي تعجبني فان كانت تضر بديني فلا حاجة لي في شي ء يضر بديني و ان كانت لا تضر بديني فو اللّه اني لاشتهيها و اشتهي النظر فيها، فقال: ليس كما يقولون لا تضر بدينك، ثم قال: انكم تنظرون في شي ء منها كثيره لا يدرك و قليله لا ينتفع به «1» و هذه الرواية ضعيفة سندا و لا يستفاد منها ما يرتبط بالمدعي في المقام.

و منها ما رواه هشام الخفاف قال: قال لي ابو عبد اللّه عليه السلام كيف بصرك بالنجوم؟ قال: قلت: ما خلفت بالعراق ابصر بالنجوم مني، قال: كيف دوران الفلك عندكم «الي ان قال» ما بال العسكرين يلتقيان في هذا حاسب و في هذا حاسب فيحسب هذا لصاحبه بالظفر و

يحسب هذا لصاحبه بالظفر ثم يلتقيان فيهزم أحدهما الاخر فأين كانت النجوم؟ قال: قلت لا و اللّه لا أعلم ذلك قال: فقال:

صدقت أن أصل الحساب حق و لكن لا يعلم ذلك الا من علم مواليد الخلق كلهم «2» و هذه الرواية ضعيفة سندا و لا يستفاد منها ما يرتبط بالمقام.

و منها ما رواه معلي بن الخنيس قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن النجوم أحق هي؟ فقال: نعم ان اللّه بعث المشتري الي الأرض في صورة رجل فاخذ رجلا من العجم فعلمه «الي ان قال» ثم أخذ رجلا من الهند فعلمه الحديث «3» و الرواية ضعيفة مضافا الي عدم دلالتها علي المدعي.

و منها مرسل جميل عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سئل عن النجوم قال:

ما يعلمها الا أهل بيت من العرب و أهل بيت من الهند «4» و الكلام فيه هو الكلام.

______________________________

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1

(2) نفس المصدر الحديث 2

(3) نفس المصدر الحديث 3

(4) نفس المصدر الحديث 4

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 181

و منها ما روي عن علي عليه السلام في حديث أن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله نهي عن خصال تسعة: عن مهر البغي، و عن عسيب الدابة يعني كسب الفحل «الي أن قال» و عن النظر في النجوم «1» و الرواية ضعيفة سندا.

و منها ما رواه أبو الحصين قال سمعت أبا عبد اللّه السلام عليه يقول: سئل رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله عن الساعة فقال: عند ايمان بالنجوم و تكذيب بالقدر «2» و الحديث ضعيف سندا.

و منها ما رواه ابن قابوس قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام

يقول: المنجم ملعون و الكاهن ملعون و الساحر ملعون و المغنية ملعونة و من آواها ملعون و آكل كسبها ملعون 3 و الحديث ضعيف سندا.

و منها مرسل الصدوق قال و قال: عليه السلام المنجم كالكاهن و الكاهن كالساحر و الساحر كالكافر، و الكافر في النار «4» و السند ضعيف.

و منها ما رواه الصدوق أيضا عن أبي جعفر عن آبائه عن النبي صلي اللّه عليه و آله أنه نهي عن عدة خصال منها النظر في النجوم 5 و السند ضعيف.

و منها ما رواه هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث أن زنديقا قال له ما تقول في علم النجوم؟ قال: هو علم قلت منافعه و كثرت مضاره، لا يدفع به المقدور و لا يتقي به المحذور ان خبر المنجم بالبلاء لم ينجه التحرز من القضاء و ان خبر هو بخير لم يستطع تعجيله و ان حدث به سوء لم يمكنه صرفه و المنجم يضاد اللّه في علمه بزعمه أنه يرد قضاء اللّه عن خلقه «6» و السند ضعيف و منها

______________________________

(1) الوسائل الباب 5 من ابواب ما يكتسب به الحديث 14

(2) (2 و 3) الوسائل الباب 24 من أبواب ما يكتسب به الحديث 6 و 7

(4) (4 و 5) نفس المصدر الحديث 8 و 9

(6) نفس المصدر الحديث 10

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 182

المرسل قال النبي صلي اللّه عليه و آله من صدق كاهنا أو منجما فهو كافر بما انزل علي محمد صلي اللّه عليه و آله «1» و لا اعتبار بالمرسلات.

و منها ما رواه ابن طاوس في كتاب الاستخارات في دعاء الاستخارة الذي كان يدعو به الصادق عليه السلام

الي أن قال: اللهم انك خلقت أقواما يلجئون الي مطالع النجوم لأوقات حركاتهم و سكونهم و خلقتني أبرأ أليك من اللجأ إليهم و من طلب الاختيارات بها و أيقن أنك لم تطلع أحدا علي غيبك في مواقعها و لم تسهل له السبيل الي تحصيل أفا عليها الخ 2 و السند ضعيف.

و منها ما رواه ابن اعين قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام أني قد ابتليت بهذا العلم فاريد الحاجة، فاذا نظرت الي الطالع و رأيت الطالع الشر جلست و لم أذهب فيها، و اذا رأيت طالع الخير ذهبت في الحاجة فقال لي: تقتضي؟ قلت نعم قال: أحرق كتبك «3» و السند ضعيف.

و منها ما رواه ابن عوف قال لما أراد أمير المؤمنين عليه السلام المسير الي أهل النهروان أتاه منجم فقال له: يا أمير المؤمنين لا تسر في هذه الساعة و سر في ثلاث ساعات يمضين من النهار فقال له أمير المؤمنين عليه السلام و لم؟ قال لأنك ان سرت في هذه الساعة أصابك و أصاب أصحابك أذي و ضر شديد و ان سرت في الساعة التي أمرتك ظفرت و ظهرت و أصبت كلما طلبت فقال أمير المؤمنين عليه السلام تدري ما في بطن هذه الدابة أذكر أم أنثي؟ قال ان حسبت علمت فقال أمير المؤمنين عليه السلام من صدقك علي هذا القول فقد كذب بالقرآن «ان اللّه عنده علم الساعة و ينزل الغيث و يعلم ما في الأرحام و ما تدري نفس ما ذا تكسب غدا و ما تدري نفس بأي أرض تموت ان اللّه عليم خبير» ما كان محمد صلي اللّه عليه و آله

______________________________

(1) (1 و 2) نفس المصدر الحديث 11 و

12

(3) الوسائل الباب باب 14 من ابواب آداب السفر الحديث: 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 183

يدعي ما ادعيت، أ تزعم أنك تهدي الي الساعة التي من صار فيها صرف عنه السوء و الساعة التي من صار فيها حاق به الضر، من صدقك بهذا استغني بقولك عن الاستعانة باللّه في ذلك الوجه و أحوج الي الرغبة أليك في دفع المكروه عنه، و ينبغي أن يوليك الحمد دون ربه عز و جل فمن آمن لك بهذا فقد اتخذك من دون اللّه ضدا و ندا ثم قال عليه السلام اللهم لا طير الا طيرك و لا ضير الا ضيرك و لا خير الا خيرك و لا إله غيرك ثم التفت الي المنجم و قال: بل نكذبك و نسير في الساعة التي نهيت عنها «1» و السند ضعيف.

و منها ما رواه المفضل بن عمر عن الصادق عليه السلام في حديث في قول اللّه تعالي «و اذ ابتلي ابراهيم ربه بكلمات» الي أن قال: و أما الكلمات فمنها ما ذكرناه و منها المعرفة بقدم باريه و توحيده و تنزيهه عن التشبيه حتي نظر الي الكواكب و القمر و الشمس و استدل بافول كل واحد منها علي حدثه و بحدثه علي محدثه ثم اعلمه عز و جل ان الحكم بالنجوم خطاء «2» و السند ضعيف.

و منها ما رواه الكابلي قال سمعت زين العابدين عليه السلام يقول: الذنوب التي تغير النعم البغي علي الناس «الي أن قال» و الذنوب التي تظلم الهواء السحر و الكهانة و الأيمان بالنجوم و التكذيب بالقدر و عقوق الوالدين الحديث «3» و السند ضعيف.

و منها ما رواه ابن شعيب قال سألت أبا عبد اللّه

عليه السلام عن قوله تعالي «و ما يؤمن اكثرهم باللّه إلا وهم مشركون» قال، كانوا يقولون يمطر نوء كذا و نوء كذا لا يمطر و منها انهم كانوا يأتون العرفاء فيصدقونهم بما يقولون «4» و السند

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 4

(2) نفس المصدر الحديث 5

(3) نفس المصدر الحديث 6

(4) نفس المصدر الحديث 7

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 184

ضعيف.

و منها ما روي عن نهج البلاغة قال قال أمير المؤمنين عليه السلام لبعض اصحابه لما عزم علي المسير الي الخوارج فقال له: يا أمير المؤمنين ان سرت في هذا الوقت خشيت أن لا تظفر بمرادك من طريق علم النجوم فقال عليه السلام أ تزعم أنك تهدي الي الساعة التي من سار فيها انصرف عنه السوء و تخوف الساعة التي من سار فيها حاق به الضر، فمن صدقك بهذا فقد كذب القرآن، و استغني عن الاستعانة باللّه في نيل المحبوب و دفع المكروه و ينبغي في قولك للعامل بأمرك أن يوليك الحمد دون ربه، لأنك بزعمك أنت هديته الي الساعة التي نال فيها النفع و أمن الضر ثم اقبل عليه السلام علي الناس فقال: ايها الناس اياكم و تعلم النجوم الا ما يهتدي به في بر أو بحر فانها تدعو الي الكهانة و الكاهن كالساحر و الساحر كالكافر و الكافر في النار سيروا علي اسم اللّه. «1» و السند ضعيف.

و منها ما رواه ابن طاوس نقلا من كتاب تعبير الرؤيا لمحمد بن يعقوب الكليني باسناده عن محمد بن بسام قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام قوم يقولون النجوم أصح من الرؤيا و ذلك هو كانت صحيحة حين لم ترد الشمس علي يوشع بن نون و

علي أمير المؤمنين عليه السلام فلما رد اللّه عز و جل الشمس عليهما ضل فيها علماء النجوم فمنهم مصيب و مخط «2» و السند ضعيف.

و منها ما رواه زيد بن خالد قال صلي بنا رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله صلاة الصبح في الحديبية، في اثر سماءة كانت من الليل فلما انصرف الناس قال: هل تدرون ما ذا قال ربكم؟ قالوا: اللّه و رسوله أعلم، قال: ان ربكم يقول: من

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 8

(2) نفس المصدر الحديث 9

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 185

عبادي مؤمن لي و كافر بالكواكب و كافر بي و مؤمن بالكواكب فمن قال: مطرنا بفضل اللّه و رحمته فذلك مؤمن بي و كافر بالكواكب، و من قال مطرنا بنوء كذا و كذا فذلك كافر بي و مؤمن بالكواكب «1» و السند ضعيف.

و منها ما رواه حمران عن أبي جعفر عليه السلام قال: ثلاثة من عمل الجاهلية:

الفخر بالأنساب و الطعن بالأحساب و الاستسقاء بالأنواء «2» و حمران الراوي للخبر لم يوثق و الحديث لا يستفاد منه الا مرجوحية الاستسقاء بالأنواء.

و منها ما رواه محمد بن عيسي قال كتب إليه أبو عمر اخبرني يا مولاي انه ربما اشكل علينا هلال شهر رمضان و لا نراه و نري السماء ليست فيها علة و يفطر الناس و نفطر معهم و يقول قوم من الحساب قبلنا: انه يري في تلك الليلة بعينها بمصر و افريقية و الأندلس هل يجوز يا مولاي ما قال الحساب في هذا الباب حتي يختلف العرض «الفرض» علي اهل الأمصار فيكون صومهم خلاف صومنا و فطرهم خلاف فطرنا فوقع: لا صوم من الشك افطر لرؤيته و صم لرؤيته «3»

و السند مخدوش بالإضمار و بغيره مضافا الي انه لا يستفاد من الخبر الا عدم حجية قول المنجم في هلال شهر رمضان.

و منها ما روي عن النبي صلي اللّه عليه و آله قال من صدق كاهنا او منجما فهو كافر بما انزل علي محمد صلي اللّه عليه و آله «4» و السند ضعيف.

فالنتيجة انه لا يستفاد من نصوص الباب ما يرتبط بالمقام فعلي هذا يلزم ان نري ما هو الميزان في تحقق الإسلام و الكفر بمقتضي الكتاب و السنة و الإجماع ثم نري ان الاعتقاد بتأثير الكواكب في الأمور السفلية ينافي الإسلام أم لا فنقول اصول

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 10

(2) الوسائل الباب 10 من ابواب صلاة الاستسقاء

(3) الوسائل الباب 15 من ابواب احكام شهر رمضان الحديث 1

(4) نفس المصدر الحديث 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 186

الإسلام أربعة: الأول الإيمان باللّه و انه المؤثر في جميع العوالم من العلوية و السفلية و هذا من الواضحات و لا مجال للبحث فيه و الكلام حوله و من انكر وجود الصانع و الموجد كالدهرية كان كافرا بالضرورة عند اهل الاسلام و تدل علي المدعي جملة من الآيات القرآنية منها قوله تعالي إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللّٰهِ وَ رَسُولِهِ* الآية «1» فان المستفاد من الآية انحصار المؤمن فيمن يكون مؤمنا باللّه و برسوله.

و تدل علي المدعي أيضا جملة من الروايات منها ما رواه سماعة قال قلت لابي عبد اللّه عليه السلام اخبرني عن الاسلام و الايمان أ هما مختلفان؟ فقال ان الايمان يشارك الاسلام و الاسلام لا يشارك الايمان فقلت: فصفهما لي، فقال: الاسلام شهادة ان لا إله الا اللّه و التصديق برسول اللّه صلي اللّه عليه

و آله به حقنت الدماء و عليه جرت المناكح و المواريث و علي ظاهره جماعة الناس «2».

الثاني الايمان و الاقرار بالتوحيد و يقابله الشرك و يدل علي المدعي جملة من الآيات منها قوله تعالي يا ايها الذين آمنوا انما المشركون نجس الي أن قال قٰاتِلُوا الَّذِينَ لٰا يُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَ لٰا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ لٰا يُحَرِّمُونَ مٰا حَرَّمَ اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ «3» و منها قوله تعالي قُلْ يٰا أَهْلَ الْكِتٰابِ تَعٰالَوْا إِليٰ كَلِمَةٍ سَوٰاءٍ بَيْنَنٰا وَ بَيْنَكُمْ أَلّٰا نَعْبُدَ إِلَّا اللّٰهَ وَ لٰا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَ لٰا يَتَّخِذَ بَعْضُنٰا بَعْضاً أَرْبٰاباً 4 و منها قوله تعالي وَ يَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكٰاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ «5».

كما انه تدل علي المدعي جملة من النصوص منها ما رواه هشام بن سالم

______________________________

(1) النور/ 62

(2) الاصول من الكافي ج 2 ص 25 حديث 1 باب ان الايمان يشرك الاسلام

(3) (3 و 4) التوبة/ 28 و 29/ و آل عمران/ 64

(5) الانعام/ 22

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 187

عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت: فطرة اللّه التي فطر الناس عليها قال التوحيد «1».

و منها ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن قول اللّه عز و جل: «فطرة اللّه التي فطر الناس عليها» ما تلك الفطرة؟ قال هي الاسلام فطرهم اللّه حين اخذ ميثاقهم علي التوحيد قال: أ لست بربكم؟ و فيه المؤمن و الكافر 2.

و منها ما رواه زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قول اللّه عز و جل «فطرة اللّه التي فطر الناس عليها» قال فطرهم جميعا علي التوحيد

«3».

و منها ما رواه عبد اللّه بن مسكان عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عز و جل «حنيفا مسلما» قال: خالصا مخلصا ليس فيه شي ء من عبادة الأوثان «4».

و منها بهذا الأسناد قال سألته عن قول اللّه عز و جل: الا من أتي اللّه بقلب سليم قال: القلب السليم الذي يلقي ربه و ليس فيه أحد سواه قال و كل قلب فيه شرك أو شك فهو ساقط و انما أرادوا الزهد في الدنيا لتفرغ قلوبهم للآخرة 5.

الثالث الإيمان بنبوة محمد صلي اللّه عليه و آله فان توقف الإسلام علي الاعتراف بنبوة نبي الاسلام من الواضحات الاولية فان قوام الاسلام به مضافا الي دلالة الكتاب و السنة عليه أما الكتاب فقوله تعالي انما المؤمنون الذين آمنوا باللّه و رسوله و اذا كانوا معه علي أمر جامع لم يذهبوا حتي يستأذنوه «6» فان الآية تدل بوضوح علي المدعي و أما السنة فجملة من النصوص منها ما رواه سماعة «7».

______________________________

(1) (1 و 2) الاصول من الكافي ج 2 ص 12 باب فطرة الخلق الحديث 1 و 2

(3) الاصول من الكافي ج 2 ص 12 باب فطرة الخلق الحديث 3

(4) (4 و 5) الاصول من الكافي ج 2 ص 15 باب الاخلاص الحديث 1 و 5

(6) النور/ 62

(7) راجع ص 186

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 188

الرابع: الايمان بالمعاد الجسماني و الاقرار بيوم القيامة و الاجماع قائم علي كون الايمان بالمعاد الجسماني دخيل في الاسلام قال سيدنا الاستاد علي ما في التقرير و قد دلت الآيات الكثيرة أيضا علي كفر منكر المعاد الخ «1».

و لم نجد الي الآن آية من القرآن الكريم تدل علي

المدعي كما انه لم يذكر المعاد في الحديث الذي ذكرناه آنفا نعم جملة من الآيات القرآنية تدل علي اصل المعاد و هذا أمر آخر فالنتيجة أن الاسلام المقابل للكفر متوقف علي امور أربعة و قد تعرضنا لهذا البحث في الجزء الثالث من كتابنا مباني منهاج الصالحين و من اراد الوقوف علي ما قلناه فليراجع ما ذكرناه هناك.

و صفوة القول أن اصول الاسلام هذه الامور الاربعة فان عدم الاعتقاد بها و عدم الايمان بها و لو كان عن عذر يوجب الكفر و أما غيرها كانكار ضروري من ضروريات الدين فان رجع الي انكار الرسول و تكذيبه فيوجب الكفر من حيث رجوعه الي عدم الايمان و عدم تصديق تلك الامور الاربعة و أما لو لم يرجع إليه فلا يوجب الكفر و ان شئت قلت ليس لانكار الضروري في حد نفسه موضوعية و لذا لو كان عن عذر لا يكون مؤثرا في الكفر و علي هذا الاساس الذين أنكروا ولاية علي بن ابي طالب عليه السلام بعد النبي صلي اللّه عليه و آله مع العلم بكونه منصوبا من قبل الرسول الاكرم ارتدوا عن الاسلام و كفروا بما انزل علي محمد و صاروا كافرين بل جماعة منهم صاروا داخلين في زمرة النصاب و الناصب أنجس من الكلب و الخنزير.

اذا عرفت ما تقدم نقول الاعتقاد بتأثير الاجرام السماوية في الأجرام الأرضية علي انحاء: الأول: ان يعتقد الشخص بأن للأجرام السماوية تأثيرات في الاجرام السفلية في الجملة كتأثير الشمس في النباتات فقد مر انه لا يضر بكون المعتقد مسلما و ان الاعتقاد المذكور لا يوجب الكفر كما مر فان التأثير المذكور من الأمور

______________________________

(1) مصباح الفقاهة ج 1 ص 247

عمدة المطالب في

التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 189

الظاهرة الواضحة.

الثاني: أن يعتقد ان الاجرام السماوية مؤثرة في الأجرام السفلية علي نحو الاستقلال او علي نحو التشريك مع اللّه سبحانه تعالي عن ذلك و لا اشكال في ان هذا الاعتقاد يوجب الكفر فان المؤثر في جميع العوالم الوجودية ذاته تبارك و تعالي و لا إله غيره و لا شريك له.

الثالث: أن يعتقد بأن الاوضاع العلوية علامة للحوادث التي تحدث في الأرض كان يعتقد بأن الوضع الكذائي للكوكب الفلاني علامة كون ولد زيد في بطن أمه ذكرا مثلا بدون أن يكون مؤثرا و المؤثر الوحيد ذات الباري و هذا الاعتقاد لا يوجب الكفر كما هو ظاهر.

الرابع: ان يعتقد بأن اللّه تعالي قد اودع في ذوات الكواكب خصوصيات تقتضي جملة من الحوادث في الأرض بدون الاعتقاد بالاستقلال و لا التشريك و هذا أيضا لا يوجب الكفر بلا كلام.

و قال سيدنا الأستاد ان النحوين الأخيرين الثالث و الرابع باطل لوجوه:

الوجه الأول انه لا طريق لنا الي احراز هذا المعني و كشفه في مقام الأثبات و فيه انه لو فرض الجزم به للاعتقاد به لا يتم التقريب المذكور فانه مع الجزم يجوز الاخبار به.

الوجه الثاني: انه مخالف لحرمة العمل و مناف لإطلاق النصوص الدالة عليها. و فيه أولا انه قد مر عدم تمامية النصوص المشار إليها و ثانيا الاعتقاد القلبي لا يكون عملا كي يقال انه حرام.

الوجه الثالث: انه مناف للأدلة الدالة علي الاستعانة باللّه و الحث علي الدعاء و الطلب منه تعالي و الحث علي الصدقة و انها ترد القضاء. و فيه انه لا تنافي بين الأمرين اصلا اذ المفروض ان الشخص معتقد بأن ازمة الأمور طرا بيده و ما من

عمدة المطالب

في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 190

أمر الا اختياره بيده و عليه فلا منافاة بين الامرين.

الفرع الثالث: انه هل يجوز النظر في علم النجوم و تعلمه و تعليمه أم لا؟

الحق انه جائز اذ لا دليل علي المنع ما دام لا يعتقد المنجم ما يخالف الإسلام او ما يخالف الادلة الشرعية و قد مر النقاش في اسناد الروايات.

الفرع الرابع: هل يكون قول المنجم معتبرا في اخباره عن اوّل الشهر او عن غيره من الحوادث المعلومة عنده بوسيلة علم النجوم أم لا؟

الذي يمكن أن يقال ان قوله حجة لأنه من اهل الخبرة و الميزان الكلي اعتبار قول اهل الخبرة في جميع الأمور الاجتهادية النظرية اذا كان المخبر ثقة و بعبارة اخري: رجوع الجاهل الي العالم أمر علي طبق القاعدة و رفع اليد عنه يتوقف علي عدم قيام دليل معتبر يدل علي عدم جواز ترتيب الأثر علي قوله و قد استدلوا علي عدم اعتبار قوله في هلال شهر رمضان و هلال شوال بعدم الدليل علي اعتباره و الحال انه يكفي للدلالة الضابط الكلي و هو رجوع الجاهل الي العالم نعم يمكن الاستدلال علي عدم اعتبار قوله بالنسبة الي وجوب الصوم و جواز الإفطار بجملة من النصوص منها ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: انه سئل عن الأهلة فقال: هي أهلة الشهور، فاذا رأيت الهلال فصم و اذا رأيته فأفطر «1».

و منها ما رواه إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام انه قال: في كتاب علي عليه السلام صم لرؤيته و افطر لرؤيته و اياك و الشك و الظن فان خفي عليكم فأتموا الشهر الأول ثلاثين «2» الي غيرهما من النصوص الواردة في الباب المشار إليه فان المستفاد من هذه النصوص ان الميزان في الصوم و الإفطار اما الرؤية و اما

______________________________

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب احكام شهر رمضان الحديث: 1

(2) نفس المصدر الحديث 11

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 191

اتمام الشهر ثلاثين يوما و لا اشكال في اعتبار البينة القائمة علي

الرؤية بمقتضي جملة من النصوص منها: ما رواه منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام (قال عليه السلام) و ان شهد عندك شاهدان مرضيان بأنهما رأياه فاقضه «1» مضافا الي أنه لا اشكال عندهم في ثبوت هلال رمضان أو شوال بالبينة الشرعية. و صفوة القول انه يستفاد من النصوص المشار إليها عدم حجية قول المنجم في اخباره بثبوت الهلال و انما نكتفي بشهادة عدلين من باب قيام الدليل عليها بالخصوص فعدم كفاية قول المنجم علي القاعدة الصناعية و يؤيد عدم كفاية قولهم ما رواه محمد بن عيسي قال كتب إليه ابو عمر أخبرني يا مولاي انه ربما اشكل علينا هلال شهر رمضان و لا نراه و نري السماء ليست فيها علة و يفطر الناس و نفطر معهم و يقول قوم من الحساب قبلنا: انه يري في تلك الليلة بعينها بمصر و افريقية و الأندلس هل يجوز يا مولاي ما قال الحساب في هذا الباب حتي يختلف العرض «الفرض» علي أهل الأمصار فيكون صومهم خلاف صومنا و فطرهم خلاف فطرنا؟ فوقع: لا صوم من الشك أفطر لرؤيته و صم لرؤيته «2».

«قوله قدس سره: بل يظهر من المحكي عن ابن ابي الحديد»

شرح نهج البلاغة طبع مصر طباعة دار احياء الكتب العربية ج 6 ص 213 و 212.

«قوله قدس سره مثل ما في الاحتجاج عن ابان بن

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 8

(2) الوسائل الباب 15 من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 192

تغلب»

بحار الانوار ج 58 ص 219 حديث: 1

«قوله قدس سره: و في رواية المدائني»

بحار الأنوار ج 58 ص 248 حديث 29.

«قوله و ما روي في صحة علم النجوم»

بحار

الانوار ج 57 ص 250 حديث: 35 و 36

«قوله المروي في الاحتجاج عن رواية الدهقان»

بحار الأنوار ج 58 ص: 221 حديث: 2

«قوله و في رواية اخري»

بحار الانوار ج 57 ص 229 حديث: 13

«قوله قدس سره في البحار و وجد في كتاب عتيق»

بحار الانوار ج 58 ص 236 حديث 17

«قوله قدس و في البحار أيضا»

بحار الانوار ج 58 ص: 243 حديث 23

«قوله قدس سره و بالاسناد عن محمد بن سالم»

بحار الانوار ج 58 ص: 242 حديث: 22

فتحصل انه لا دليل علي كفر المنجم أو فسقه بما هو منجم نعم اذا اعتقد بالنجوم علي نحو يكون مرجعه الي انكار الصانع أو تعطيله او انكار التوحيد يكون كافرا كما انه لو اخبر بشي ء علي البت بلا حجة يكون فاسقا و اللّه العالم.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 193

[المسألة السابعة حفظ كتب الضلال حرام في الجملة]
اشارة

«قوله قدس سره: السابعة حفظ كتب الضلال حرام في الجملة … »

الظاهر ان مراده بقوله في الجملة نفي الحرمة في بعض الصور كما لو لم يترتب علي الحفظ محذور و فساد.

«قوله قدس سره مضافا الي حكم العقل … »

ما يمكن أن يذكر في تقريب الاستدلال علي الحرمة وجوه
الوجه الأول: حكم العقل بوجوب قطع مادة الفساد

. و فيه ان حكم العقل ان كان من باب حسن العدل و قبح الظلم بتقريب ان حفظ مادة الفساد ظلم فيرد عليه انه لا دليل علي وجوب دفع الظلم كيف و ان ازمة الأمور بيده تعالي و هو الذي اقدر الظلمة علي الظلم مضافا الي أن حفظ كتاب الضلال لا يكون مادة للظلم فان الظلم عبارة عن العدوان و لا يكون المقام مصداقا للعدوان و ان كان من باب وجوب دفع مادة الفساد فلا دليل علي وجوبه و بعبارة واضحة: اي دليل دل علي وجوب قطع مادة الفساد نعم في بعض الموارد يمكن قيام الدليل علي وجوبه ففي كل مورد تم الدليل عليه نأخذ به و ان شئت قلت: لا يمكن اثبات الحكم الشرعي من طريق العقل فان الأحكام الشرعية تابعة للملاكات التي تكون معلومة عند الشارع الأقدس و أما نحن فلا نحيط بملاكات الأحكام الشرعية فكيف يمكن استكشاف الحكم الشرعي من العقل و صفوة القول: ان ما اشتهر عندهم من أنه كلما حكم به العقل حكم به الشرع غير تام نعم العقل محكم في باب وجوب الإطاعة و حرمة العصيان فانه لو لا الحكم العقلي علي لزوم الإطاعة و الانزجار لا يتم باب الأحكام و الأوامر و النواهي الجارية بين الموالي و العبيد و منها الأحكام الشرعية الصادرة عن ناحية الشارع الأقدس فالصحيح أن يقال: انه لا سبيل للعقل في باب علل الأحكام و

أما في سلسلة المعاليل فالعقل هو

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 194

الحاكم الوحيد بلزوم الإطاعة و قبح العصيان و وجوب الإطاعة من قبل الشارع ارشاد الي حكم العقل فلاحظ.

الوجه الثاني: قوله تعالي [وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ]

وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ يَتَّخِذَهٰا هُزُواً أُولٰئِكَ لَهُمْ عَذٰابٌ مُهِينٌ «1» بتقريب انه قيل في تفسير الآية انه يشتري كتابا فيه لهو الحديث فتشمل حفظ كتب الضلال و يرد عليه أولا: ان الكلام في الحفظ و لا يرتبط بالاشتراء للإضلال و بعبارة اخري: حفظ كتب الضلال يحتمل أن يترتب عليه الضلالة و الحكم بالحرمة يتوقف علي قيام دليل بل لو فرض القطع بترتب الضلال عليه فما الدليل علي الحرمة. و ثانيا لا يبعد أن يستفاد من الآية التحدث بالباطل و اللهو للإضلال و من الظاهر يحرم الإضلال و يحرم الاستهزاء بالنسبة الي مقام القدس الربوبي بل لو قيل بأنه يوجب الكفر لا يكون جذافا.

الوجه الثالث: قوله تعالي وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ

«2» بتقريب انه يجب الاجتناب عن قول الزور و كتاب الضلال مصداق لقول الزور. و يرد عليه ان قول الزور تارة فسر بالكذب و اخري بالغناء فلا ترتبط الآية بالمقام ان قلت: ان الآية تدل علي وجوب اعدام كتاب الضلال فان مضامينه من اظهر انحاء الكذب قلت: الآية لا تدل علي وجوب اعدام الأكاذيب و الا كان اللازم اعدام جميع الكتب التي تحتوي علي الأكاذيب ككتب القصص و الحكايات الكاذبة و كتب التواريخ التي فيها كثير من الأكاذيب.

الوجه الرابع: حديث تحف العقول

فان جملة من فقراته تدل علي المدعي.

و فيه انه علي تقدير تمامية التقريب المذكور لا اعتبار به لضعف سنده فلا مجال للاعتماد عليه.

______________________________

(1) لقمان/ 6

(2) الحج/ 30

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 195

الوجه الخامس: ما رواه عبد الملك بن اعين

قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام اني قد ابتليت بهذا العلم فاريد الحاجة فاذا نظرت الي الطالع و رأيت الطالع الشر جلست و لم أذهب فيها و اذا رأيت طالع الخير ذهبت في الحاجة فقال لي:

تقضي؟ قلت نعم نال: احرق كتبك «1» و فيه ان اسناد الصدوق الي الرجل ضعيف علي ما كتبه الحاجياني مضافا الي ان الحكم الوارد فيه موضوع خاص و هو الحكم بالباطل.

الوجه السادس: الإجماع

. و فيه ان الإجماع علي فرض حصوله محتمل المدرك فلا يكون حجة فلا بد من اتمام الأمر بالتسالم بين الأصحاب مضافا الي اهمية الأمر عند الشارع الأقدس لكن هذا فيما يعلم بترتب الضلال علي بقائه او احتمال ترتبه عليه و أما مع العلم بعدم الترتب فلا دليل علي حرمة الحفظ و اللّه العالم.

ايقاظ لم يتعرض المصنف قدس سره في المقام لحكم حلق اللحية
اشارة

و قال سيدنا الأستاد:

«و لا بأس بالتعرض لحرمة حلق اللحية» الي آخر كلامه دام عمره و بقائه و ما يمكن أن يستدل به علي حرمته وجوه:

الوجه الأول: قولة تعالي [وَ لَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّٰهِ]

وَ لَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّٰهِ وَ مَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطٰانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللّٰهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرٰاناً مُبِيناً «2» بتقريب ان حلق اللحية من مصاديق تغيير خلقه تعالي و مما يأمر به الشيطان و تغيير خلق اللّه بأمر الشيطان حرام. و فيه ان المراد من الآية مجمل و غير معلوم اذ لا يمكن الأخذ بإطلاقه و الا يلزم حرمة قطع الأشجار و أمثاله و هو كما تري. ان قلت: نرفع اليد عن الإطلاق بالمقدار الذي قام الدليل علي جوازه و يبقي الباقي تحت دليل المنع. قلت:

تخصيص الأكثر مستهجن و لا يصار إليه مضافا الي أن المذكور في الآية ان الشيطان

______________________________

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب آداب السفر الحديث 1

(2) النساء/ 119

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 196

يأمر بالتغيير و الناس يغيرون ما أمرهم به فلا اطلاق في الآية و بعبارة اخري: يستفاد من الآية ان المراد التغيير الخاص فيكون مجملا و لعل المراد تغيير دين اللّه و الفطرة التي فطر الناس عليها و يمكن أن يكون المراد اللواط و السحق فان المجعول من قبله تعالي ينافي هذه الأفعال القبيحة فالنتيجة: عدم قيام الآية دليلا علي المدعي.

الوجه الثاني: جملة من النصوص

منها ما ارسله الصدوق قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله حفوا الشوارب و اعفوا اللحي و لا تشبهوا باليهود «1» و فيه ان المرسل لا اعتبار به مضافا الي أن اعفاء اللحي لا يكون واجبا قطعا.

و منها مرسله الأخري قال قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله ان المجوس جزوا لحاهم و وفروا شواربهم و انا نحن نجز الشوارب و نعفي اللحي و هي الفطرة «2» و فيه ما في سابقه.

و منها ما رواه

علي بن غراب عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله حفوا الشوارب، و اعفوا اللحي، و لا تشبهوا بالمجوس 3 و فيه ان السند ضعيف مضافا الي ما في دلالة الحديث علي المدعي بما مر آنفا.

و منها ما عن امير المؤمنين عليه السلام في شرطة الخميس و معه درة لها سبابتان يضرب بها بياعي الجري و المارماهي و الزمار و يقول لهم: يا بياعي مسوخ بني اسرائيل و جند بني مروان فقام إليه فرات بن احنف فقال: يا امير المؤمنين و ما جند بني مروان؟ قال: فقال له أقوام حلقوا اللحي و فتلوا الشوارب فمسخوا «4» و السند ضعيف.

و منها ما عن الصادق عليه السلام في قوله تعالي: و اذ ابتلي ابراهيم ربه بكلمات

______________________________

(1) الوسائل الباب 67 من ابواب آداب الحمام الحديث 1

(2) (2 و 3) نفس المصدر الحديث 2 و 3

(4) نفس المصدر الحديث: 4

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 197

فاتمهن قال: انه ما ابتلاه اللّه به في نومه من ذبح ولده اسماعيل فأتمها ابراهيم و عزم عليها و سلم لأمر اللّه فلما عزم قال اللّه تعالي له ثوابا له الي أن قال: «اني جاعلك للناس إماما» ثم انزل عليه الحنفية و هي عشرة اشياء خمسة منها في الرأس و خمسة منها في البدن و أما التي في الرأس فأخذ الشارب و اعفاء اللحي و طم الشعر الخ «1» و الظاهر ان الحديث مرسل و المرسل لا اعتبار به مضافا الي أنه لا دلالة في الحديث علي الوجوب و بعبارة اخري: الذي يستفاد من الحديث ان الأمور المذكورة من الأحكام

النازلة علي ابراهيم عليه السلام و أما انها علي نحو الوجوب او الاستحباب فلا تعرض له في الرواية.

و منها ما عن الجعفريات عن علي عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: حلق اللحية من المثلة و من مثل فعليه لعنة اللّه «2» و السند ضعيف.

و منها ما عن عوالي اللئالي قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله ليس منا من سلق و لا خرق و لا حلق. قال في الحاشية في شرح الحديث و الحلق هي حلق اللحية قلت: قال الكازروني في المنتقي في حوادث السنة السادسة بعد أن ذكر كتابة رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله الي الملوك: و انه كتب كسري الي عامل اليمن بازان، أن يبعثه صلي اللّه عليه و آله و سلم و أنه بعث كاتبه بانويه و رجلا آخر يقال له خرخسك إليه صلي اللّه عليه و آله قال و كانا قد دخلا علي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و قد حلفا لحاهما و أعفيا شواربهما فكره النظر إليهما و قال: ويلكما من أمر كما بهذا؟ قالا: أمرنا بهذا ربنا يعنيان كسري فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: لكن ربي أمرني باعفاء لحيتي و قص شاربي «3» و السند ضعيف.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 5

(2) المستدرك الباب 40 من آداب الحمام الحديث 1

(3) نفس المصدر الحديث 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 198

و منها ما عن النبي صلي اللّه عليه و آله انه قال عشر خصال عملها قوم لوط بها أهلكوا و تزيدها أمتي بخلة اتيان الرجال الي أن قال و قص اللحية و طول الشارب «1» و السند

ضعيف.

و منها ما رواه البزنطي صاحب الرضا عليه السلام قال: و سألته عن الرجل هل يصلح له أن يأخذ من لحيته؟ قال أما من عارضيه فلا بأس و أما من مقدمها فلا «2» بتقريب ان الأخذ من المقدم منهي عنه فيحرم. و فيه ان المذكور في الحديث عنوان الأخذ و لا اشكال في جواز الأخذ و انما الكلام في حرمة الحلق فالرواية و ان كانت تامة سندا فان علي بن جعفر ذكرها في كتابه و لكن من حيث الدلالة غير تامة.

الوجه الثالث: السيرة الجارية بين المتشرعة

بحيث يستنكرون حلقها و يرون الحالق للحيته فاسقا و علي ما ببالي كان سيدي الوالد قدس اللّه نفسه الطاهرة الزكية يقول ما يقرب من هذا المضمون ان ارتكاز المسلم بما هو مسلم ان حلق اللحية حرام و يؤيده ما نقل من الإجماع علي حرمته و اللّه العالم.

[المسألة الثامنة الرشوة حرام]
اشارة

«قوله قدس سره: الثامنة الرشوة حرام»

ينبغي أن يبحث أولا في تحقيق هذه الكلمة و معناها و ثانيا في حكمها فيقع الكلام في مقامين أما

المقام الأول [في تحقيق هذه الكلمة]

فقد اختلفت كلمات القوم في تفسير هذه الكلمة فعن مجمع البحرين «الرشوة بالكسر ما يعطيه الشخص الحاكم و غيره ليحكم له أو يحمله علي ما يريد» الي ان قال: «و الرشوة قل ما تستعمل الا فيما يتوصل به الي ابطال حق أو تمشية باطل» و قيل و كذلك ما عن المصباح و عن القاموس «الرشوة مثلثة الجعل» و عن المنجد «الرشوة مثلثة ما يعطي لأبطال حق او احقاق

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 3

(2) الوسائل الباب 63 من ابواب آداب الحمام الحديث 5

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 199

باطل» و عن اقرب الموارد «الرشوة مثلثة ما يعطي لأبطال حق او احقاق باطل و ما يعطي للمتملق» و عن النهاية «الرشوة الوصلة الي الحاجة بالمصانعة» و عن نيل الأرب «الرشوة مثلثة الجعل» و عن الزمخشري «الرشوة الوصلة الي الحاجة بالمصانعة» و عن تاج العروس «الرشوة اعطاء الحاكم أو غيره ليحكم له أو يحمله علي ما يريد» و عن السيد الشريف «الرشوة الإعطاء لإحقاق باطل أو ابطال حق» و عن الزرقاني «الرشوة اخذ مال لأبطال حق أو تحقيق باطل» الي غيرها من التفاسير و مقتضي القاعدة عند الشك في المفهوم زيادة و نقيصة الاقتصار علي القدر المتيقن و عند الشك يكون مقتضي الأصل عدم كونه داخلا تحت المفهوم كما ان مقتضي عدم جواز التمسك بالدليل عند الشك في المصداق عدم جواز الأخذ بالعموم او الإطلاق فالقدر المعلوم كونه رشوة المال الذي يعطي للقاضي لأبطال حق أو احقاق باطل هذا تمام الكلام في المقام

الأول و اما

المقام الثاني [في حكمها]
اشارة

فيقع البحث تارة في الحكم الوضعي و اخري في الحكم التكليفي أما الموضع الأول فنقول: مقتضي القاعدة الأولية عدم جواز أخذ الرشوة وضعا علي ما هو المقرر عند الأصحاب من عدم صحة الأجرة علي الفعل المحرم فالحرمة الوضعية لا تحتاج الي دليل خاص بل تكفي القواعد العامة و بعبارة اخري لا اشكال في حرمة القضاء بالباطل اجماعا و كتابا مثل قوله تعالي وَ لْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ فِيهِ وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ الْفٰاسِقُونَ «1» و سنة لاحظ ما رواه عمار بن موسي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سئل عن الحكومة فقال: من حكم برأيه بين اثنين فقد كفر و من فسر برأيه آية من كتاب اللّه فقد كفر «2».

و ما رواه ابو بصير قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: من حكم في

______________________________

(1) المائدة/ 47

(2) الوسائل الباب 6 من ابواب صفات القاضي الحديث: 45

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 200

درهمين بغير ما انزل اللّه عز و جل فهو كافر باللّه العظيم «1».

و ما رواه ابن عياش عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال من حكم في درهمين بغير ما انزل اللّه فقد كفر، قلت كفر بما انزل اللّه أو كفر بما انزل علي محمد صلي اللّه عليه و آله و سلم؟ قال: ويلك اذا كفر بما انزل علي محمد صلي اللّه عليه و آله فقد كفر بما أنزل اللّه «2».

و بعد ثبوت حرمة القضاء بالباطل تكون الإجارة عليه باطلة أضعف الي ذلك ان الحرمة الوضعية التي محل الكلام في المقام تستفاد من جملة من النصوص منها:

ما رواه ابن مسكان عن

يزيد بن فرقد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن السحت فقال: الرشاء في الحكم «3».

و منها ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: السحت ثمن الميتة و ثمن الكلب و ثمن الخمر و مهر البغي و الرشوة في الحكم و أجر الكاهن 4.

و منها ما عن جعفر بن محمد عن آبائه في وصية النبي صلي اللّه عليه و آله لعلي عليه السلام قال يا علي من السحت ثمن الميتة و ثمن الكلب و ثمن الخمر و مهر الزانية و الرشوة في الحكم و أجر الكاهن «5».

و منها ما رواه الفضل بن الحسن الطبرسي في مجمع البيان قال روي عن النبي صلي اللّه عليه و آله ان السحت هو الرشوة في الحكم و هو المروي عن علي عليه السلام «6» فان مقتضي هذه النصوص حرمة الرشوة وضعا

و اما الموضع الثاني فقد استدل علي حرمتها بالإجماع و الكتاب و السنة بل قال

______________________________

(1) الوسائل الباب 5 من ابواب صفات القاضي الحديث 2

(2) نفس المصدر الحديث 15

(3) (3 و 4) نفس المصدر الحديث 4 و 5

(5) نفس المصدر الحديث 9

(6) نفس المصدر الحديث 15

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 201

سيدنا الأستاد في جملة كلام له: و مجمل القول ان حرمة الرشوة في الجملة من ضروريات الدين و مما قام عليه اجماع المسلمين و استدل علي حرمتها من الكتاب بقوله تعالي وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ وَ تُدْلُوا بِهٰا إِلَي الْحُكّٰامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوٰالِ النّٰاسِ بِالْإِثْمِ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ «1» بتقريب ان المستفاد من الآية حرمة الإعطاء و اذا حرم الاعطاء حرم الأخذ و فيه انه لا ملازمة بين الأمرين

و لا دليل علي هذه الملازمة و بعبارة اخري: تارة نقول بأن الرشوة الجعل و الأجرة المجعولة في قبال الحكم بالباطل فلا اشكال في حرمة أخذها لما مر آنفا من عدم صحة الإجارة علي الحرام و مع عدم الصحة لا يجوز الأخذ بلا اشكال و أما مع قطع النظر عن هذه الجهة فلا يمكن اثبات المدعي بالملازمة بين حرمة الإعطاء و حرمة الأخذ لعدم دليل علي الملازمة.

و يمكن الاستدلال علي الحرمة التكليفية بجملة من النصوص منها ما رواه عمار بن مروان قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الغلول فقال: كل شي ء غل من الإمام فهو سحت و أكل مال اليتيم و شبهه سحت و السحت أنواع كثيرة منها أجور الفواجر و ثمن الخمر و النبيذ و المسكر و الربا بعد البينة فأما الرشاء في الحكم فان ذلك الكفر باللّه العظيم جل اسمه و برسوله صلي اللّه عليه و آله «2».

و منها ما رواه سماعة قال: قال أبو عبد اللّه: السحت أنواع كثيرة: منها كسب الحجام اذا شارط و أجر الزانية و ثمن الخمر و أما الرشاء في الحكم فهو الكفر باللّه العظيم 3.

و منها ما رواه محمد بن علي بن الحسين قال: قال عليه السلام أجر الزانية سحت و ثمن الكلب الذي ليس بكلب الصيد سحت و ثمن الخمر سحت و أجر الكاهن سحت و ثمن الميتة سحت فأما الرشا في الحكم فهو الكفر باللّه العظيم «4».

______________________________

(1) البقرة/ 188

(2) (2 و 3) الوسائل الباب 5 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1 و 2

(4) نفس المصدر الحديث 8

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 202

و منها ما رواه الأصبغ عن امير المؤمنين عليه

السلام قال: ايما وال احتجب من حوائج الناس احتجب اللّه عنه يوم القيامة و عن حوائجه و ان أخذ هدية كان غلولا و ان أخذ الرشوة فهو مشرك «1».

و منها ما رواه عمار بن مروان قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام كل شي ء غل من الامام فهو سحت و السحت أنواع كثيرة منها ما أصيب من أعمال الولاة الظلمة و منها أجور القضاة و اجور الفواجر و ثمن الخمر و النبيذ المسكر و الربا بعد البينة فاما الرشاء يا عمار في الاحكام فان ذلك الكفر باللّه العظيم و برسوله صلي اللّه عليه و آله «2».

و منها ما رواه الفضل بن الحسن الطبرسي قال و روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام أن السحت أنواع كثيرة فاما الرشا في الحكم فهو الكفر باللّه «3».

و منها ما رواه سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: الرشاء في الحكم هو الكفر باللّه «4».

و منها ما رواه يزيد بن فرقد قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن البخس فقال هو الرشاء في الحكم 5.

و منها ما رواه يوسف بن جابر قال: قال أبو جعفر عليه السلام لعن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله من نظر الي فرج امرأة لا تحل له، و رجلا خان أخاه في امرأته و رجلا احتاج الناس إليه لتفقهه فسألهم الرشوة «6».

و منها ما رواه سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: و أما الرشا في الحكم فهو الكفر باللّه 7.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 10

(2) نفس المصدر الحديث 12

(3) نفس المصدر الحديث 16

(4) (4 و 5) الوسائل الباب 8 من ابواب آداب القاضي الحديث 3 و 4

(6) (6

و 7) نفس المصدر الحديث 5 و 8

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 203

فالنتيجة أن أخذ الرشوة حرام وضعا و تكليفا و لكن كما سبق في تحقيق مفهوم هذه الكلمة انه لا بدّ من الاقتصار علي ما جمع فيه القيود المحتملة و لا يخفي أن استعمال الرشوة في الفاقد لبعض القيود لا يدل علي أعمية المفهوم لان الاستعمال أعم من الحقيقة و بعبارة اخري: أصالة الحقيقة اصل عقلائي يجري في مورد الشك في كون الاستعمال الفلاني حقيقة أو مجازا و أما مع احراز المراد فلا مجال لجريان الاصل لعدم الدليل عليه.

ثم ان الشيخ قدس سره تعرض لفروع مربوطة بالمقام
اشارة

و المناسب أن نذكر كل واحد من هذه الفروع و نتكلم حوله فنقول:

الفرع الأول أنه هل يحرم أن يأخذ القاضي الاجر علي قضائه علي طبق الموازين الشرعية أم لا؟

مقتضي القاعدة الاولية هو الجواز وضعا و تكليفا و الحرمة تحتاج الي الدليل و في المقام حديث و هو حديث عمار بن مروان «1» يمكن أن يقال أن المستفاد منه حرمة أجر القاضي علي الاطلاق اذ عد من السحت اجور القضاة فان مقتضي هذا الحديث حرمة اجور القضاة و حرمة أجر القاضي. و فيه أن الظاهر من قوله عليه السلام اجور القضاة اجور القضاة الذين يكونون قضاة لائمة الجور و هم خلفاء الجور من السابقين و اللاحقين فلا يشمل الحديث القاضي الشرعي الا أن يقال لا وجه لهذا التقييد و مقتضي العموم الوضعي و الجمع المحلي بالالف و اللام شمول الحكم لجميع القضاة فيكون اجر القاضي علي الاطلاق حراما فلاحظ.

و أما الاستدلال علي المدعي بحديث ابن سنان قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن قاض بين قريتين يأخذ من السلطان علي القضاء الرزق فقال: ذلك السحت «2» فيرد عليه أن الظاهر من الحديث لو لم يكن صريحا أن المراد بالقاضي المذكور

______________________________

(1) راجع ص 202

(2) الوسائل الباب 8 من أبواب آداب القاضي الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 204

في الرواية الذي يكون منصوبا من قبل سلطان الجور و من الظاهر أن نصبه حرام و شغله حرام و قضاءه حرام و أخذ الاجر علي قضائه حرام و لا يرتبط بالمقام الذي نتكلم حوله و هو جواز أخذ الاجر علي القضاء علي طبق الموازين الشرعية.

و ربما يقال ان المستفاد من حديث ابن حمران قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: من استأكل بعلمه افتقر قلت أن في شيعتك قوما يتحملون

علومكم و يبثونها في شيعتكم فلا يعدمون منهم البر و الصلة و الاكرام فقال: ليس اولئك بمستأكلين، انما ذاك الذي يفتي بغير علم و لا هدي من اللّه ليبطل به الحقوق طمعا في حطام الدنيا «1»، جواز الاخذ بتقريب ان المستفاد من الحديث حصر الحرام في القضاء بغير علم فيفهم من الحديث جواز اخذ الاجر علي القضاء الشرعي، و فيه أن الرواية ضعيفة سندا فلا اعتبار بها مضافا الي أنه لا تدل الرواية علي الحرمة و أما التمسك بالاصل لجواز الاجر فلا مجال له بعد قيام الدليل علي الحرمة.

و عن العلامة في المختلف التفصيل بأن قال اذا كان القضاء واجبا علي القاضي و كان غنيا و لم يكن محتاجا الي الأخذ لا يجوز له الأخذ و إلا جاز. و مقتضي اطلاق خبر عمار بل عمومه حرمة الأخذ و انصراف الحديث عن صورة الاحتياج كما في كلام الشيخ قدس سره لا وجه له كما أن الوجوب العيني لا يقتضي الحرمة فان الحرمة تختص بمورد يعلم من الشارع طلب صدور الفعل بلا عوض و الا فمجرد الوجوب لا يقتضي الفساد.

الفرع الثاني: أنه هل يجوز ارتزاق القاضي من بيت المال أم لا؟
اشارة

يقع البحث في هذا الفرع من جهات

الجهة الأولي: أنه لو كان القاضي واجدا للشرائط المقررة الشرعية و كان منصوبا من قبل الإمام عليه السلام

العادل للقضاوة أو منصوبا من قبل نائب الإمام عليه السلام لها و كان القاضي محتاجا فلا اشكال في جواز ارتزاقه

______________________________

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب صفات القاضي الحديث 12

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 205

من بيت المال لأنه معد لمصالح الإسلام و المقام من اهمها ان قلت: قد مر قريبا عدم جواز أخذ الأجر علي القضاوة قلت: فرق بين الأجر و الارتزاق فان الأجر يتحقق بالجعل و العقد أو بالإيقاع كالجعالة و أما الارتزاق فليس فيه عقد و لا ايقاع و انما الأمر بيد ولي المسلمين و نظره و اعتقاده و يؤيد المدعي ما عن نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه السلام في عهد طويل كتبه الي مالك الأشتر حين ولاه علي مصر و أعمالها يقول فيه الي أن قال ثم ذكر صفات القاضي ثم قال و اكثر تعاهد قضائه و افسح له في البذل ما يزيح علته و تقل معه حاجته الي الناس و اعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره «1».

و أيضا يؤيده ما ارسله حماد عن بعض اصحابنا عن العبد الصالح عليه السلام في حديث طويل في الخمس و الأنفال و الغنائم قال: و الأرضون التي أخذت عنوة فهي موقوفة متروكة في يد من يعمرها و يحييها- ثم ذكر الزكاة و حصة العمال الي أن قال: و يؤخذ الباقي فيكون بعد ذلك أرزاق اعوانه علي دين اللّه و في مصلحة ما ينوبه من تقوية الإسلام و تقوية الدين في وجوه الجهاد و غير ذلك مما فيه مصلحة العامة ثم قال: ان اللّه لم يترك شيئا من الأموال الا و قد قسمه

فاعطي كل ذي حق حقه الخاصة و العامة و الفقراء و المساكين و كل صنف من صنوف الناس «2».

الجهة الثانية: أنه لو كان واجدا للشرائط و كان منصوبا من قبل الإمام الجائر

فهل يكون ارتزاقه جائزا من بيت المال أم لا؟ و لا بدّ من أن يبحث أولا في جواز قضاوته في الصورة المذكورة ثم البحث في جواز ارتزاقه فنقول: أفاد سيدنا الأستاد في المقام علي ما في التقرير في تقريب جواز ارتزاقه كون غرضه من قبول القضاوة التودد و التحبب الي فقراء الشيعة و قضاء حوائجهم و انفاذ امورهم و انقاذهم

______________________________

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب آداب القاضي الحديث 9

(2) الوسائل الباب 8 من أبواب آداب القاضي الحديث 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 206

من المهلكة و الشدة «1» و الحال أنه أفتي في منهاجه بحرمة معونة الظالم و لو في المباحات و الطاعات اذا عد من اعوانه و المنسوبين إليه «2».

و الظاهر أن ما أفاده في المقام مناقض لما أفاده هناك و كيف كان الظاهر عدم جواز اعانة الظالم فيفسق بانتصابه و مع فرض صيرورته فاسقا كيف يجوز له الارتزاق من بيت المال و بعبارة اخري: كيف يجوز للفاسق أن يرتزق من بيت مال المسلمين مع كونه معينا للغاصب لمقام الخلافة و الحال أن بيت المال معد لمصالحهم مضافا الي النص الخاص لاحظ ما رواه ابن سنان «3» فان هذه الرواية تدل بوضوح علي حرمة ما يأخذ القاضي من السلطان و مقتضي اطلاق الرواية عدم الفرق بين ان يكون القاضي المنصوب من قبل السلطان الجائر قاضيا علي طبق الموازين المقررة و غيره و بعبارة اخري: مقتضي هذه الرواية أن ما يأخذه سحت و حرام.

الجهة الثالثة: أنه لو لم يكن القاضي محتاجا

فهل يجوز له أن يرتزق من بيت المال؟ الذي يختلج بالبال أن يقال ان بيت المال معد لمصالح الإسلام و المسلمين و صرفه منوط بنظر ولي الأمر فان رأي

الصلاح في اعطاء القاضي من بيت المال لارتزاقه بجوز له الإعطاء و الا فلا.

الفرع الثالث: انه هل يحرم اخذ الهدية التي يبذلها الباذل بقصد أن توجب الداعي في نفس القاضي لان يحكم للباذل حقا كان او باطلا أم لا؟
اشارة

ما يمكن ان يستدل به علي حرمة اخذ الهدية في الصورة المفروضة وجوه:

الوجه الأول: انه رشوة و اخذ الرشوة حرام

. و فيه ان تحقق الرشوة يتوقف علي الجعل بأن يجعل المال في مقابل القضاء فلا تشمل صورة الهبة بداعي الحكم الباطل و ببيان واضح:

______________________________

(1) مصباح الفقاهة ج 1 ص: 269

(2) منها ج الصالحين ج 2 ص 7

(3) راجع ص 203

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 207

انه قد مر ان مقتضي القاعدة التحفظ علي جميع القيود المحتملة في مفهوم الرشوة.

الوجه الثاني انها بحكم الرشوة بتنقيح المناط

. و فيه ان تنقيح المناط القطعي غير ممكن و اما الظني منه فلا اثر له فان الظن لا يغني عن الحق شيئا.

الوجه الثالث ما عن الرضا عليه السلام

عن آبائه عن علي عليه السلام في قوله تعالي: اكالون للسحت قال هو الرجل يقضي لاخيه الحاجة ثم يقبل هديته «1» فان المستفاد من الحديث حرمة اخذ الهدية لقضاء الحاجة بعد قضائها و الحديث ضعيف سندا مضافا الي ان مقتضاه حرمة قبول الهدية بعد قضاء الحاجة علي نحو العموم و الاطلاق و لا اشكال في الجواز في الجملة.

الوجه الرابع: ما رواه الأصبغ

عن امير المؤمنين عليه السلام قال: ايما وال احتجب من حوائج الناس احتجب اللّه عنه يوم القيامة و عن حوائجه و ان أخذ هدية كان غلولا و ان أخذ الرشوة فهو مشرك «2» و الحديث مورد الكلام من حيث السند و لا بدّ من ملاحظته مضافا الي أن المذكور في الحديث عنوان الوالي و الكلام في القاضي اضعف الي ذلك انه لا مجال للاخذ بالإطلاق المنعقد في الحديث بل يمكن أن يقال لا اشكال في جواز الأخذ اذا كان بعد القضاء.

الوجه الخامس ما عن النبي صلي اللّه عليه و آله

انه قال: هدية الأمراء غلول «3».

و فيه أولا ان السند ضعيف و ثانيا لا يرتبط مضمون الحديث بالمقام فان الكلام في المقام في القاضي و المذكور في الحديث عنوان الأمير فالنتيجة انه لا دليل علي حرمة قبول الهدية علي نحو الإطلاق و العموم.

«قوله قدس سره: للرواية توجيهات»

الظاهر ان توجيه الرواية علي نحو تكون النتيجة الحرمة يتوقف علي اعمال

______________________________

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب ما يكتسب به الحديث 11

(2) نفس المصدر الحديث 10

(3) الوسائل الباب 8 من أبواب آداب القاضي الحديث 6

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 208

خلاف الظاهر و حمل الحديث علي غير ظاهره و الا فلا وجه للحرمة فلاحظ.

الفرع الرابع: انه هل يحرم الرشوة في غير الحكم أم لا؟

ربما يستدل علي حرمته بصدق عنوان الرشوة علي ما يعطي في غير الحكم فتحرم لما دل علي حرمتها من بعض النصوص لاحظ ما رواه الأصبغ «1» و لاحظ ما رواه يوسف «2».

و يرد عليه أولا ان صدق العنوان اوّل الكلام و قد مر انه لا بدّ من التحفظ علي جميع القيود المحتملة نعم ان صدق العنوان عرفا يمكن اثبات عموم المفهوم بالاستصحاب القهقري فانه من الأصول اللفظية العقلائية و أما مع عدم امكان اثبات عموم المفهوم فلا يمكن اثبات الحرمة بدليل حرمة الرشوة فانه لا يجوز الأخذ بالعموم أو الإطلاق في الشبهة المصداقية و ثانيا ان سند ما يدل علي حرمة مطلق الرشوة ضعيف.

و ثالثا سلمنا اطلاق الدليل لكن لا بدّ من أن يقيد بالمورد الخاص لاحظ ما رواه الصير في قال سمعت أبا الحسن عليه السلام و سأله حفص الأعور فقال: ان السلطان يشترون منا القرب و الأداوي فيوكلون الوكيل حتي يستوفيه منا فنرشوه حتي لا يظلمنا، فقال: لا بأس ما تصلح

به مالك، ثم سكت ساعة ثم قال: اذ انت رشوته يأخذ اقل من الشرط؟ قلت نعم قال: فسدت رشوتك «3».

و لاحظ ما رواه محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يرشو الرجل الرشوة علي أن يتحول من منزله فيسكنه قال: لا بأس به «4»

فالنتيجة انه لا يحرم اخذ الرشوة علي المباح نعم اخذها علي الحرام حرام لعدم جواز الاجر علي الحرام علي ما هو المقرر عندهم لا من ناحية حرمة اكل المال

______________________________

(1) لاحظ ص 207

(2) لاحظ ص 202

(3) الوسائل الباب الباب 37 من ابواب احكام العقود

(4) الوسائل الباب 85 من ابواب ما يكتسب به الحديث 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 209

بالباطل اذ قد تكرر منا ان الجار في الآية المباركة للسببية لا للمقابلة بل لأن الحرام غير محترم عند الشارع و العقد عليه فاسد و أما العقد علي الجامع بين الحلال و الحرام فالظاهر عدم صحته فان الجامع بين الحلال و الحرام لا يمكن أن يكون واجبا و بعبارة اخري صحة العقد تستلزم وجوب الاداء و كيف يمكن أن يتعلق الأمر باداء ما يكون حراما فلاحظ. و صفوة القول ان جعل شي ء في مقابل الحلال لا مانع منه و بتنقيح المناط لا يمكن اثبات الحرمة فان القطعي منه غير ممكن و الظني منه لا اثر له و اللّه العالم.

«قوله قدس سره نعم يمكن ان يستدل علي حرمته بفحوي … »

يمكن أن يكون المراد من العبارة ان مقتضي تلك الطائفة من النصوص حرمة مطلق الهدية و لو لم تكن بإزاء شي ء فاذا كانت الهدية محرمة بهذا النحو من الإطلاق يفهم منها حرمة أخذ القاضي الهدية لأجل القضاء و

لكن قد مر ان تلك النصوص ضعيفة سندا.

الفرع الخامس: هل يلحق بالرشوة في الحرمة المعاملة المشتملة علي المحاباة أم لا؟

الميزان في تحقق الحرمة و عدمها صدق عنوان الرشوة في الحكم و عدمه فان صدق هذا العنوان يحرم الأخذ، و الا فلا هذا علي نحو الاجمال و اما تفصيل الحال فنقول تارة لا يقصد المحابي بالعقد الا المحاباة لأجل أن يحكم القاضي له و بعبارة اخري: يكون البناء مع القاضي علي هذا الوجه و ببيان واضح: ان المعاملة صورية و لا واقع لها و الظاهر انه لا اشكال في حرمته اذ لا يبعد أن يصدق عليه عنوان الرشوة و علي فرض عدم تسلم صدق عنوانها يكفي للحرمة حديث عمار «1»

فانه من مصاديق الأجر و اخري يقصد المعاملة المحاباتية حقيقة لكن يشترط مع القاضي و لو ضمنا أن يقضي له و في هذه الصورة ان صدق الرشوة يحرم الأخذ و ان لم يصدق عنوان الرشوة يشكل الحكم بالحرمة لعدم كون ما يحابي بها أجرا كي

______________________________

(1) لاحظ ص 202

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 210

يشمله حديث عمار و ثالثة يقصد العقد المحاباتي و يكون غرضه جلب قلب القاضي و هذا يكون مثل الهدية و لا دليل علي حرمة الأخذ في الصورة المفروضة.

الفرع السادس: انه هل يصح العقد المحابي فيه أم لا؟

قال الشيخ قدس سره في فساد المعاملة المحابي فيها وجه قوي و قال سيدنا الأستاد في ذيل عبارة الشيخ علي ما في التقرير: أقول لا وجه لفساد المعاملة المشتملة علي المحاباة المحرمة الا اذا كان الحكم للمحابي شرطا فيها و قلنا ان الشرط الفاسد مفسد للعقد فيحكم بالبطلان انتهي. و الأمر كما افاده سيدنا الأستاد و ذلك لأنه لا وجه لبطلان اصل المعاملة الا علي القول بكون الشرط الفاسد مفسدا للعقد و لا نقول به.

الفرع السابع: هل يحرم علي الراشي اعطاء الرشوة كما يحرم اخذها علي المرتشي أم لا؟

مقتضي القاعدة الأولية عدم الحرمة و لم نجد دليلا علي الحرمة و ادعي سيدنا الأستاد ان الظاهر من نصوص المقام ان الرشوة بمنزلة الربا فكما ان الربا يحرم علي المعطي و علي الأخذ كذلك الرشوة و لا اشكال في أن الظهور أمر عرفي لا بدّ من أن يعرفه اهل العرف و لم نعرفه و يستفاد من بعض النصوص كون دفع الرشوة حراما منها ما عن النبي صلي اللّه عليه و آله الراشي و المرتشي و الماشي بينهما ملعونون «1» و منها ما عنه صلي اللّه عليه و آله أيضا: لعن اللّه الراشي و المرتشي و الماشي بينهما 2 و هذه النصوص كلها ضعيفة سندا فلا مجال للاستدلال بها علي الحرمة و علي فرض تسلم الحرمة هل يجوز اعطائها لإنقاذ الحق ربما يقال كما في كلام سيدنا الأستاد يجوز لقاعدة نفي الضرر و لكن قد ذكرنا في بحث لا ضرر ان المستفاد من القاعدة النهي عن الإضرار لا نفي الضرر كي يقال انها حاكمة علي ادلة الأحكام و تخصيصها.

الفرع الثامن ان الرشوة تارة تكون في مقابل عوض

و اخري تكون علي نحو

______________________________

(1) (1 و 2) البحار ج 104 ص 274 حديث 9 و 10 و 11

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 211

الاشتراط و ثالثة علي نحو الهبة أما الصورة الأولي فتحرم تكليفا و وضعا و لا بدّ من ردها الي مالكها لو أخذها و لو تلفت يكون الاخذ ضامنا لقاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده و أما الصورة الثانية فان صدق عنوان الرشوة يحرم الأخذ و لكن لا وجه للضمان اذ غايته ان الشرط الواقع في ضمن العقد فاسد و الشرط الفاسد لا يفسد لكن الظاهر انه لو قلنا بحرمة الأخذ يتحقق

الضمان للقاعدة المقررة و لقاعدة اليد في فرض التلف و لقاعدة الإتلاف في فرض اتلافه هذا في العقد المحاباتي و أما لو اشترط اعطاء شي ء في مقابل الحكم يكون الأخذ حراما اما لصدق عنوان الرشوة و اما لصدق اجر القاضي و مع الحرمة لا يكون مملوكا للآخذ فبمقتضي قانون علي اليد يكون الأخذ مقتضيا للضمان و أما اذا كان علي نحو الهبة و الهدية فمع عدم صدق عنوان الرشوة لا يكون الأخذ حراما و يصير ملكا للآخذ و لا مجال للضمان و أما مع صدق عنوان الرشوة يكون الأخذ حراما لكن لا دليل علي الضمان فان ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده كما ان قاعدة علي اليد لا تقتضي الضمان لأن اعطاءه مجاني و مثلها قاعدة الإتلاف و صفوة القول ان عمدة دليل الضمان في باب التلف و الإتلاف السيرة العقلائية الممضاة و لا سيرة في مورد الإعطاء المجاني فلاحظ.

ثم ان الماتن قدس سره تعرض ل

ثلاثة فروع في اختلاف الدافع و القابض:
الفرع الأول: انه لو ادعي الدافع انها هدية ملحقة بالرشوة

في الفساد و الحرمة و ادعي القابض أنها هبة صحيحة لداعي القربة أو غيرها احتمل الشيخ تقديم الأول و استدل عليه بأن الدافع أعرف بنيته. و يرد عليه انه لا دليل علي تمامية هذه القاعدة علي نحو الإطلاق بل يختص الدليل بموارد خاصة كالحيض و الطهر و العدة و استدل ثانيا باصالة الضمان اذا كانت الدعوي بعد التلف و لا يخفي انه لا اثر للدعوي اذا كانت بعد التلف اذ لا يتحقق الضمان بالتلف قطعا أما علي تقدير كونها هبة صحيحة فظاهر و أما علي تقدير كونها هدية ملحقة بالرشوة فلان ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 212

بفاسده فلا مجال لما

أفاده الشيخ قدس سره من احتمال الضمان نعم الأثر يترتب علي الدعوي فيما تكون قبل التلف فعلي تقدير كونها هبة صحيحة بقصد القربة لا يمكن ارجاع العين و علي تقدير كونها هدية ملحقة بالرشوة تكون قابلة للإرجاع بل لم يتحقق النقل و الحق مع الاخذ لاصالة الصحة الجارية في العقود و الإيقاعات

الفرع الثاني: ان يتوافق المترافعان علي فساد الأخذ و الإعطاء و لكن الدافع يدعي كون المدفوع رشوة

علي سبيل الإجارة و القابض يدعي كون المدفوع هدية فاسدة فعلي الأول يتحقق الضمان و علي الثاني لا يتحقق لان صحيح الإجارة يوجب الضمان ففاسدها أيضا موجب له و صحيح الهدية لا يوجب الضمان ففاسدها أيضا لا يوجب و لا مجال للأخذ بقاعدة اليد لإثبات الضمان فان خبر علي اليد ضعيف سندا لكن يمكن اثبات الضمان بتقريب آخر و هو ان المستفاد من السيرة العقلائية الممضاة عند الشارع الأقدس ان وضع اليد علي مال الغير بدون رضاه يقتضي الضمان و وضع اليد علي مال الغير وجداني و عدم رضاه مقتضي الأصل فيتحقق الموضوع المركب من الوجدان و الأصل.

الفرع الثالث: لو ادعي الدافع انها رشوة او اجرة علي المحرم

و ادعي القابض انها صحيحة يقدم قول الدافع فان مقتضي الأصل عدم تحقق سبب انتقال المال الي الاخذ و بقائه علي ملك مالكه الأول و ان شئت قلت ان الدافع ينكر انتقال ماله الي ملك الاخذ و الاخذ يدعي الانتقال و مقتضي الأصل عدم الانتقال. ان قلت لا تصل النوبة الي الاستصحاب فان مقتضي اصالة الصحة كون ما وقع صحيحا فيكون الحق مع مدعي الهبة الصحيحة قلت أصالة الصحة الجارية في العقود و الإيقاعات ليس عليها دليل عام أو مطلق يؤخذ به في موارد الشك بل دليل لبي يقتصر فيها بالمقدار المتيقن و المقدار الذي يجري فيه الأصل مورد اتحاد الدعوي كأن يدعي أحد الطرفين صحة البيع الذي وقع في الخارج و يدعي الطرف الأخر انه فاسد

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 213

و أما لو ادعي احدهما ان ما وقع بيع صحيح و ادعي الأخر ان ما وقع اجارة فاسدة لا تجري اصالة الصحة فالنتيجة ان مقتضي القاعدة تقديم قول الدافع.

لكن يختلج بالبال أن يقال:

ان مقتضي اصالة عدم الانتقال رد العين علي فرض بقائها اذ بجريان الأصل يحرز كونها مملوكة للدافع فلا بد من ارجاعها إليه و أما بعد تلف العين فلا وجه لتضمين الاخذ لأن مجرد اليد لا يوجب الضمان بل لا بدّ من احراز كون اليد يدا عدوانية و الأصل عدم كونها عدوانية و بعبارة اخري: الأصل عدم تحقق موجب الضمان. ان قلت: علي هذا اذا كانت الدعوي قبل التلف لا تكون يد الدافع يد عدوان حتي بعد الدعوي فلا يكون تلف العين أو اتلافها موجبا للضمان قلت لا مجال لهذا التقريب اذ لا اشكال في كون اليد بعد الدعوي عدوانية و بغير رضا المالك و لكن لا يتم هذا البيان فان مقتضي السيرة ضمان الاخذ الا فيما يكون الاخذ باذن المالك و مقتضي الأصل عدم اذنه و رضاه فيتم موضوع الضمان بعضه بالوجدان و بعضه بالأصل كما تقدم قريبا فلاحظ.

[المسألة التاسعة سب المؤمنين حرام في الجملة]
اشارة

«قوله قدس سره التاسعة سب المؤمنين حرام في الجملة»

اذ لا اشكال في جواز السب في بعض الموارد فحرمته كما افاد الماتن في الجملة.

«قوله بالأدلّة الاربعة … »

اما العقل فقد افاد الشيخ قدس سره في تقريب دلالته علي المدعي بكون السب ظلما فنقول هل يمكن تجويز الشارع الأقدس ترخيص الظلم و الظلم وضع الشي ء في غير محله و الحال انه لا اشكال في أنه لو دل دليل علي جواز سب المؤمن الفلاني نأخذ به و نلتزم بجواز سبه و كيف يمكن الالتزام بجواز الظلم و علي الجملة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 214

كما بينا سابقا لا طريق للعقل في استكشاف الأحكام الشرعية لعدم الإحاطة بالمصالح و المفاسد الواقعية و ان شئت قلت: حكم العقل متبع

في سلسلة المعلولات أي باب الإطاعة و العصيان و أما في سلسلة العلل بأن يكشف بالعقل الحكم الشرعي فامر غير ممكن و أما الكتاب فيمكن الاستدلال علي المدعي بقوله تعالي و اجتنبوا قول الزور «1» فان الزور فسر في اللغة بالباطل و السب باطل في نظر العرف فيحرم بمقتضي الآية.

و قد يقال قد فسر قول الزور في جملة من النصوص بالغناء منها ما رواه ابو بصير قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قول اللّه تبارك و تعالي: فاجتنبوا الرجس من الأوثان و اجتنبوا قول الزور قال الغناء «2».

و منها ما رواه زيد الشحام قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قول اللّه عز و جل:

فاجتنبوا الرجس من الأوثان و اجتنبوا قول الزور قال الرجس من الأوثان الشطرنج و قول الزور الغناء «3».

و منها مرسلة ابن أبي عمير عن ابي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عز و جل:

فاجتنبوا الرجس من الأوثان و اجتنبوا قول الزور قال الرجس من الأوثان الشطرنج و قول الزور الغناء 4.

و منها رواه عبد الأعلي قال سألت جعفر بن محمد عليه السلام عن قول اللّه عز و جل: فاجتنبوا الرجس من الأوثان و اجتنبوا قول الزور قال الرجس من الأوثان الشطرنج و قول الزور الغناء قلت قوله عز و جل: وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ قال منه الغناء «5».

______________________________

(1) الحج/ 21

(2) تفسير البرهان ج 3 ص 90 حديث 1

(3) (3 و 4) تفسير البرهان ج 3 ص 90 حديث 2 و 3

(5) نفس المصدر ص 91 حديث 5

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، 4 جلد، كتابفروشي محلاتي، قم - ايران، اول،

1413 ه ق عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب؛ ج 1، ص: 215

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 215

و منها ما رواه هشام عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال الرجس من الأوثان الشطرنج و قول الزور الغناء و قوله حنفاء اي طاهرين و قوله في مكان سحيق اي بعيد «1».

و منها ما رواه الشيخ في أماليه باسناده في قوله «اجتنبوا الرجس من الأوثان و اجتنبوا قول الزور قال الرجس الشطرنج و قول الزور الغناء «2» و لكن النصوص المذكورة كلها ضعيفة سندا فلا مانع عن الأخذ بإطلاق الآية و اللّه العالم.

و أما الإجماع فادعي سيدنا الأستاد اجماع المسلمين من غير نكير و أما السنة فتدل علي المدعي جملة من النصوص منها ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن موسي عليه السلام في رجلين يتسابان قال البادي منهما أظلم و وزره و وزر صاحبه عليه ما لم يعتذر الي المظلوم «3».

و منها ما رواه ابو بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله سباب المؤمن فسوق و قتاله كفر و أكل لحمه معصية و حرمة ماله كحرمة دمه «4».

و منها ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله سباب المؤمن كالمشرف علي الهلكة 5.

و أما حديث أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال: ان رجلا من تميم أتي النبي صلي اللّه عليه و آله فقال: أو صني فكان فيما أوصاه أن قال: لا تسبوا الناس فتكسبوا العداوة لهم «6»، فلا يدل علي الحرمة بل المستفاد منه الإرشاد و بعبارة

______________________________

(1) نفس المصدر ص 91 حديث

9

(2) نفس المصدر ص 91 حديث 10

(3) الوسائل الباب 158 من ابواب احكام العشرة الحديث 1

(4) (4 و 5) نفس المصدر الحديث 3 و 4

(6) نفس المصدر الحديث 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 216

اخري أن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله نبه السائل بأن سب الناس يوجب العداوة و علي الجملة لا يكون في مقام بيان الحكم الشرعي.

«قوله قدس سره: و في مرجع الضمائر اغتشاش … »

يمكن أن يكون الشيخ قدس سره ناظرا الي أن الظاهر من الحديث أن وزر البادي علي صاحبه و هو المظلوم ما لم يعتذر الظالم الي المظلوم و لا يمكن الالتزام بهذا الظاهر اذ كيف يمكن أن يكون وزر الظالم علي المظلوم و الامر كما أفاده لكن الذي يسهل الخطب ان الحديث ليس كما نقله الشيخ بل هكذا و وزره و وزر صاحبه عليه ما لم يعتذر الي المظلوم و عليه لا اشكال في العبارة اذ يكون المعني أن وزر البادي و وزر المظلوم كلاهما علي الظالم و مناسبة الحكم و الموضوع تقتضيه لان الظالم اوقع المظلوم في الاثم فاثمه عليه.

ثم انه يقع الكلام في جهات:

الجهة الأولي: في تفسير السب و تحقيق معناه

فعن لسان العرب سب اي عير بالبخل و السب الشتم و السبة: العار، و يقال: صار هذا الامر سبة عليهم بالضم اي عارا يسب به و عن المصباح «السبة العار» و عن مفردات الراغب «السب الشتم الوجيع و السبابة سميت للإرشارة بها عند السب و تسميتها بذلك كتسميتها بالمسبحة لتحريكها بالتسبيح» و قال في مجمع البحرين «و السب الشتم» و قال في المنجد «سبه سبا شتمه شتما وجيعا» و علي الجملة السب مفهوم عرفي يعرفه كل احد من اهل العرف.

الجهة الثانية: انه لا يعتبر في صدق السب مواجهة المسبوب

بل يتحقق و لو في غيابه فان السب ما يوجب اذلاله بقصد الاهانة و الهتك و عليه تكون النسبة بين الغيبة و السب عموما من وجه اذ ربما يصدق السب بدون صدق الغيبة كما لو قال

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 217

مواجها و مخاطبا للمسبوب يا حمار بقصد هتكه و اهانته و ربما تصدق الغيبة و لا يصدق عنوان السب كما لو كشف احد عيوبه بدون قصد الاهانة و ربما يصدق كلا العنوانين كما لو اخبر بعيبه بقصد تنقيصه و هتكه.

و يمكن أن يقال كما عن المحقق الايرواني أن النسبة بين العنوانين التباين بتقريب ان السب امر انشائي و الغيبة امر اخباري. و اورد عليه سيدنا الاستاد بأنه لا دليل علي هذه التفرقة بل يتحقق كل من الامرين تارة بالانشاء و اخري بالاخبار. و يرد عليه ان الغيبة كيف تتحقق بالانشاء و الحال ان الغيبة عبارة عن كشف ما ستره اللّه و الانشاء ليس فيه اخبار فالحق ان يقال ان السب يتحقق بالانشاء و بالاخبار و أما الغيبة فلا يتحقق الا بالاخبار فالنسبة بين العنوانين عموم من وجه لا التباين و في مورد

التصادق يتحقق كلا العنوانين و مقتضي القاعدة تعدد العصيان و يتبعه تعدد العقاب كما افاده الماتن.

الجهة الثالثة: في انه هل يجوز سب المتجاهر بالفسق أم لا؟

افاد الشيخ قدس سره انه يجوز كما يجوز اغتيابه لما ورد في بعض النصوص انه لا حرمة له لاحظ ما رواه هارون بن الجهم عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام قال: اذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له و لا غيبة «1» و هذه الرواية ضعيفه سندا.

و لاحظ ما رواه ابو البختري عن جعفر بن محمد عن ابيه قال: ثلاثة ليس لهم حرمة صاحب هوي مبتدع، و الإمام الجائر و الفاسق المعلن بالفسق «2» و السند ضعيف أيضا فالظاهر انه لا دليل علي جواز سب المتجاهر بالفسق.

ثم انه علي تقدير الجواز لا يختص جواز السب بخصوص الفسق المتجاهر فيه فان الاختصاص ينافي الإطلاق المستفاد من الحديث فان مقتضاه أنه لا حرمة

______________________________

(1) الوسائل الباب 154 من ابواب أحكام العشرة الحديث 4

(2) نفس المصدر الحديث 5

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 218

له علي الإطلاق ثم ان السب كما يتحقق بالأخبار كذلك يتحقق بالإنشاء ففي صورة تحققه بالأخبار و كان الأخبار بالعيب المخبر به كذبا يتحقق العنوانان احدهما السب و الاخر الافتراء فيتعدد عنوان العصيان و يترتب عليه تعدد العقاب.

و علي فرض جواز سب المتجاهر بالفسق هل يشترط الجواز بكونه مصداقا للنهي عن المنكر أم لا؟ مقتضي الإطلاق المستفاد من النص عدم الاشتراط و مقتضي الاحتياط كما قاله الشيخ الاشتراط هذا علي فرض تمامية دليل الجواز و أما علي ما قلنا فلا مجال لهذا البحث.

ثم أن الشيخ استثني من حرمة السب سب المبتدع لما ورد عنهم لاحظ ما رواه داود بن سرحان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله اذا رأيتم أهل الريب و البدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم و اكثروا من سبهم و القول فيهم و الوقيعة و باهتوهم كيلا يطمعوا في الفساد في الإسلام و يحذرهم الناس و لا يتعلمون من بدعهم يكتب اللّه لكم بذلك الحسنات و يرفع لكم به الدرجات في الآخرة «1».

و اورد عليه سيدنا الأستاد بأنه لا وجه لهذا الاستثناء لان المبدع اما مبدع في الفروع و اما مبدع في الاصول فان كان من القسم الأول فهو داخل تحت عنوان المتجاهر بالفسق و ان كان من القسم الثاني فهو داخل تحت عنوان الكافر فلا مقتضي لحرمة سبه فان الحرام سب المؤمن هذا ملخص ما افاده في المقام علي ما في التقرير.

و يرد عليه أولا: انه يمكن ان يكون مبدعا في الفروع و لكن غير متجاهر به فيكون عنوانا مستقلا في مقابل المتجاهر و ثانيا يمكن ان يكون مبدعا في الاصول و لا يكون كافرا و يتصور نعوذ باللّه بأن يلقي شبهات في الاذهان و يوجب انحراف جملة من الناس الذين لا يكون لهم قدرة علي الرد و مع ذلك يكون بنفسه مؤمنا

______________________________

(1) الوسائل الباب 39 من ابواب الامر و النهي و ما يناسبهما الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 219

و معتقدا بالاصول و الفروع و علي الجملة يمكن ان يوجب شخص زوال اعتقاد غيره و يبقي بنفسه معتقدا و هذا امر ممكن.

الجهة الرابعة: في انه هل يشترط في حرمة السب ان يتأثر المسبوب أم لا؟

الحق هو الثاني فان مقتضي اطلاق دليل الحرمة عدم الاشتراط لاحظ ما رواه عبد الرحمن «1» فان مقتضي اطلاق الحديث عموم الحكم فلاحظ نعم لا اشكال في تقوم صدق السب و الشتم بالاهانة و

الهتك و بدون هذا العنوان لا يتحقق و لا يصدق عنوان السب و الشتم فما افاده الشيخ قدس سره من ان السب ربما لا يوجب الذل و الهوان في المسبوب غير تام اذ كيف يتصور صدق عنوان السب و مع ذلك لا يوجب هتك المسبوب فان الامرين متنافيان.

اذا عرفت ما ذكرنا فاعلم ان الشيخ قدس سره ذكر موارد ثلاثة للاستثناء الاول سب الوالد للولد بأن نقول يجوز سب الوالد ولده اما لعدم تحقق الهوان و اما لعدم تأثره و اما لكونه فخرا له و اما لاستفادة الجواز من النصوص الدالة علي كون الولد و ماله لوالده لاحظ ما رواه محمد بن مسلم عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال:

سألته عن الرجل يحتاج الي مال ابنه، قال يأكل منه ما شاء من غير سرف و قال:

في كتاب علي عليه السلام ان الولد لا يأخذ من مال والده شيئا الا باذنه و الوالد يأخذ من مال ابنه ما شاء و له ان يقع علي جارية ابنه اذا لم يكن الابن وقع عليها و ذكر ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال لرجل: انت و مالك لابيك «2».

و ما رواه ابو حمزه الثمالي عن ابي جعفر عليه السلام ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال لرجل: انت و مالك لابيك، ثم قال ابو جعفر عليه السلام ما احب «لا نحب» ان يأخذ من مال ابنه الا ما احتاج إليه مما لا بدّ منه ان اللّٰهُ لٰا يُحِبُّ الْفَسٰادَ «3» و ما

______________________________

(1) لاحظ ص 215

(2) الوسائل الباب 78 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

(3) نفس المصدر الحديث 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1،

ص: 220

رواه حسين بن ابي العلاء قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السلام ما يحل للرجل من مال ولده؟ قال: قوته «قوت» بغير سرف اذا اضطر إليه، قال: فقلت له: فقول رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله للرجل الذي اتاه فقدم اباه فقال له: انت و مالك لابيك، فقال: انما جاء بأبيه الي النبي صلي اللّه عليه و آله فقال يا رسول اللّه هذا ابي و قد ظلمني في ميراثي عن امي فأخبره الأب انه قد انفقه عليه و علي نفسه و قال: انت و مالك لابيك و لم يكن عند الرجل شي ء او كان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله يحبس الأب للابن «1» و اما للسيرة الجارية بين المتشرعة.

و الوجوه المذكورة كلها فاسدة اما الاول فقد تقدم ان قوام السب بتحقق الاهانة في المسبوب فلا يمكن تحقق عنوان السب بلا تحقق الهوان في المسبوب، و اما الوجه الثاني فلا تنافي بين فخره و الحرمة اذ لا دليل علي جواز السب في مورد يكون المسبوب راضيا و مفتخرا به و ما افاده سيدنا الاستاد من ان مفهوم السب ينافي مفهوم الفخر فغير تام اذ يمكن ان يفتخر الولد بوقوعه مورد توجه الوالد و لو بهذا المقدار و لا نري تنافيا بين الأمرين بوجه و أما الوجه الثالث فان تلك الروايات في بيان حكم اخلاقي و في مقام بيان رفعة مقام الوالد بحيث يكون الوالد مالكا لولده و لما له و لا يستفاد منها جواز ايذائه و هتكه و اذلاله و العرف ببابك و لا يبعد أن يكون قول الشيخ قدس سره فتأمل اشارة الي ما ذكرنا.

و أفاد سيدنا الأستاد في المقام انه

لو كانت النصوص المشار إليها في مقام اثبات الملكية الحقيقية أو التنزيلية أو كانت في مقام اثبات الولاية المطلقة لكان لما أفاد الشيخ قدس سره وجه.

و لكن لو كانت في ذلك المقام لم يكن لكلامه وجه أيضا لعدم ارتباط بين المقامين فان مقتضي دليل حرمة السب حرمته حتي بالنسبة الي مملوكه و عبده و أما

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 8

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 221

الوجه الرابع فتحقق السيرة من المتشرعة مع الالتفات اوّل الكلام.

الثاني: سب المولي عبده و الكلام فيه هو الكلام فان مقتضي اطلاق دليل الحرمة حرمة سب المولي عبده نعم لو قلنا بجواز تأديب المولي عبده و لو مع استلزامه هتكه و اهانته يمكن القول بالجواز في مقام التأديب.

الثالث سب المعلم للمتعلم و الكلام فيه هو الكلام و قد تقدم الوجوه القابلة للاستدلال بها علي المدعي و الجواب عنها فلاحظ.

[المسألة العاشرة السحر حرام في الجملة]
اشارة

«قوله قدس سره: العاشرة السحر حرام في الجملة … »

الظاهر ان مراده بهذه الجملة ان بعض اقسام السحر جائز كالسحر الذي يبطل به السحر الاخر فحرمته في الجملة و سيقع الكلام في موارد الاستثناء إن شاء اللّه تعالي فانتظر.

و قال سيدنا الأستاد في هذا المقام لا خلاف في حرمة السحر في الجملة بل هي من ضروريات الدين و مما قام عليه اجماع المسلمين الخ «1» و يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين:

المقام الأول: في تحقيق معناه و حقيقته،

المقام الثاني: في حكمه و الجهات الراجعة إليه أما المقام الأول فعن لسان العرب «و من السحر الاخذة التي تأخذ العين حتي يظن أن الأمر كما يري و ليس الأصل علي ما يري و السحر الاخذة و كل ما لطف مأخذه و دق فهو سحر» و عن الأزهري «و أصل السحر صرف الشي ء عن حقيقته الي غيرها فكأن الساحر لما أري الباطل في صورة الحق خيل الشي ء علي غير حقيقته فقد سحر الشي ء عن وجهه اي صرفه» و عن الفراء في قوله تعالي (فاني تسحرون) «معناه فأني تصرفون» و عن يونس «تقول العرب للرجل ما سحرك عن وجه كذا و كذا اي صرفك» و عن اقرب الموارد «سحره سحرا عمل له السحر و خدعه و سحر فلانا عن الأمور صرفه و يقال سحرت الفضة اذا طليتها بالذهب و قيل السحر و التمويه بجريان مجري واحدا» و عن مجمع البحرين «فأني

______________________________

(1) مصباح الفقاهة ج 1 ص 283

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 222

تسحرون اي فكيف تخدعون عن توحيده و يموه لكم و يسمي السحر سحرا لأنه صرفه جهته» و عن مفردات الراغب «نحن قوم مسحورون اي مصروفون عن معرفتنا بالسحر» و

عن المنجد «سحره خدعه و سحره عن كذا صرفه و أبعده و سحر الفضة طلاها بالذهب» و في بعض العبائر و عن الطبرسي عن صاحب العين «السحر عمل يقرب الي الشيطان و من السحر الاخذة التي تأخذ العين حتي تظن ان الأمر كما تري و ليس الامر كما تري فالسحر عمل خفي لخفاء سببه يصور الشي ء بخلاف صورته و يقلبه عن جنسه في الظاهر و لا يقلبه عن جنسه في الحقيقة الا تري الي قول اللّه تعالي يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهٰا تَسْعيٰ «1».

و عن القاموس «انه ما لطف مأخذه و دق» و مثله عن الصحاح و عن المغرب المطرزي و المصباح «هو الخديعة» و عن مقاييس اللغة لابن فارس «قال قوم هو اخراج الباطل في صورة الحق و يقال هو الخديعة» و عن التهذيب «اصل السحر صرف الشي ء عن حقيقته الي غيره فكان الساحر لما اري الباطل في صورة الحق و خيل الشي ء علي غير حقيقته فقد سحر الشي ء عن وجهه اي صرفه و عن مقدمة مرآت الانوار «السحر بمعني الخديعة و تخليط العقل و الصرف الي شي ء عن جهته» و عن المجازات النبوية «السحر في الاصل التمويه و الخديعة و التلبيس و التغطية» الي غيرها من الكلمات و التفاسير.

و المستفاد من مراجعة كلماتهم في مقام تفسير هذه الكلمة ان السحر عبارة عن صرف الشي ء عن وجهه علي سبيل الخدعة و التمويه بحيث ان الساحر يلبس الباطل لباس الحق و يظهره بصورة الواقع فيري الناس الهياكل الغريبة و الاشكال المعجبة المخوفة و يستفاد المدعي من القرآن العظيم «قٰالُوا يٰا مُوسيٰ إِمّٰا أَنْ تُلْقِيَ وَ إِمّٰا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقيٰ قٰالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذٰا

حِبٰالُهُمْ وَ عِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهٰا

______________________________

(1) طه 66

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 223

تَسْعيٰ «1».

فان المستفاد من الكتاب الكريم ان السحر كيد و خدعة و لا واقع له و لذا قالوا إِنْ هٰذٰانِ لَسٰاحِرٰانِ «2» اي ليس فيهما حقيقة و واقع و أيضا يدل علي المدعي قوله تعالي فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ «3» اي اجمعوا خدعكم فلا واقع للسحر بل امور خيالية موهومة. ان قلت: كيف تقول ان السحر لا واقع له و الحال انه لا اشكال في أن السحر ربما يؤثر في بدن المسحور أو في عقله و نفسه و يدل علي المدعي بالصراحة قوله تعالي فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً «4» قلت لا واقعية للسحر و لكن ربما يترتب عليه أمر له واقع فقد يظهر الساحر للمسحور شيئا مخوفا فيؤثر ذلك الشي ء في نفسه اي يريه بحرا فيلقي المسحور نفسه في ذلك البحر الموهومي فيلقي من الشاهق علي الأرض و يموت فلا تنافي بين الأمرين.

و صفوة القول أن المستفاد من مجموع الكلمات و من الكتاب العزير ان السحر لا واقع له و علي هذا الأساس يظهر الفرق بين الأعجاز و السحر و الشعوذة «و الشعبدة» المعبر عنها في لسان الفرس ب «تردستي» فان الأعجاز أمر واقعي غاية الأمر لا يؤدي بالأسباب العادية بل تتحقق الأمور المسببة عن الأعجاز بقدرة إلهية خارقة للعادة، و أما الشعوذة فلها واقعية غاية الأمر يتصور ان المشعوذ يوجد الأمر الفلاني علي خلاف الأسباب العادية و بعبارة اخري: يأخذ الشي ء الفلاني من مكانه بالسرعة بحيث لا يفهم و يتخيل أن ذلك الشي ء بنفسه وقع في يده و الحال أنه أخذه بالطريق العادي

______________________________

(1) طه/ 65/ 66

(2) طه/ 63

(3) طه/

64

(4) طه/ 67

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 224

و مع الشك في صدق العنوان لا يترتب عليه حكمه لما قرر في محله من عدم جواز التمسك بالدليل في الشبهة المصداقية بل مقتضي الاستصحاب عدم كونه من مصاديقه علي ما ذكرنا كرارا من جريان الاستصحاب في الشبهات المفهومية هذا تمام الكلام في المقام الأول.

و أما

المقام الثاني فيقع الكلام في فروع:
الفرع الأول في أن السحر حرام في الجملة

كما تقدم و لا اشكال فيه و تدل علي حرمته جملة من النصوص منها ما رواه نصر بن قابوس قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول المنجم ملعون و الكاهن ملعون و الساحر ملعون و المغنية ملعونة و من آواها و آكل كسبها ملعون «1».

و منها ما رواه الصدوق قال: و قال عليه السلام المنجم كالكاهن و الكاهن كالساحر و الساحر كالكافر و الكافر في النار «2».

و منها ما رواه ابو خالد الكابلي قال سمعت زين العابدين عليه السلام يقول:

الذنوب التي تغير النعم البغي علي الناس الي أن قال و الذنوب التي تظلم الهواء السحر و الكهانة و الأيمان بالنجوم و التكذيب بالقدر و عقوق الوالدين «3».

و منها ما رواه محمد بن الحسين الرضي قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام لبعض اصحابه لما عزم علي المسير الي الخوارج فقال له يا أمير المؤمنين الي أن قال: ثم أقبل عليه الناس فقال: أيها الناس اياكم و تعلم النجوم الا ما يهتدي به في بر أو بحر، فانها تدعو الي الكهانة و الكاهن كالساحر و الساحر كالكافر و الكافر في النار سيروا علي اسم اللّه «4».

______________________________

(1) الوسائل الباب 24 من ابواب ما يكتسب به الحديث 7

(2) الوسائل الباب 24 من ابواب ما يكتسب به الحديث 8

(3) الوسائل الباب 14 من

أبواب آداب السفر الحديث 6

(4) نفس المصدر الحديث 8

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 225

و منها ما رواه اسماعيل بن مسلم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله لامرأة سألته ان لي زوجا و به علي غلظة و اني صنعت شيئا لأعطفه علي فقال لها رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله أف لك كدرت البحار و كدرت الطين، و لعنتك الملائكة الاخيار و ملائكة السموات و الارض، قال: فصامت المرأة نهارها و قامت ليلها و حلقت رأسها و لبست المسوح فبلغ ذلك النبي صلي اللّه عليه و آله فقال ان ذلك لا يقبل منها «1».

و منها ما رواه زيد الشحام عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: الساحر يضرب بالسيف ضربة واحدة علي رأسه «2».

الفرع الثاني ان المجلسي قدس سره ذكر للسحر أقساما

«3» و قال و اعلم ان السحر علي اقسام الخ و الماتن قدس سره ذكر تلك الاقسام في كلامه و الاقسام المذكورة في كلام المجلسي قدس سره كلها خارجة عن حقيقة السحر أما القسم الاول فاستحداث ما يخرق العادة بسبب عرفان القوي العالية لا يكون سحرا بل يباين السحر فان السحر لا واقعية له و هذا أمر واقعي فلا يكون سحرا موضوعا و اما من حيث الحكم فالظاهر عدم حرمته ما دام لم يرتكب المستحدث العارف ما يكون حراما في الشريعة.

و أما القسم الثاني فالكلام فيه هو الكلام فان احداث شي ء بواسطة قوة النفس لا يكون سحرا بل مضاد له و من حيث الحكم لا يكون حراما اذا لم يرتكب صاحب النفس القوية ما يخالف الشرع.

و أما القسم الثالث فكذلك فان الاستعانة بالجن و استخدامه

و احداث أمر بسببه

______________________________

(1) الوسائل الباب 144 من ابواب مقدمات النكاح

(2) الوسائل الباب 1 من ابواب بقية الحدود الحديث 3

(3) البحار ج 59 ص 278

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 226

لا يرتبط بالسحر الذي لا واقع له و مقتضي الأصل الأولي جواز تسخير الجن بل قال سيدنا الأستاد يجوز ايذائه.

و أما القسم الرابع فهو داخل في الشعوذة و الماتن يتعرض لحكمها و نتكلم هناك إن شاء اللّه تعالي و هي مغايرة للسحر أيضا فان الشعوذة أمر واقعي لكن لا يلتفت الناظر ما يرتكبه المشعوذ.

و أما القسم الخامس فلا اشكال في عدم كونه سحرا و لا اشكال في جوازه في حد نفسه فانه لا يتوهم أحد أن الاختراعات من السحر كما أنه لا يتوهم أحد انها محرمة.

و أما القسم السادس فلا مجال لتوهم كونه من السحر و لا اشكال في عدم حرمته اذا لم يتعنون بعنوان حرام، و أما القسم السابع فهو حرام من باب كونه داخلا في الكذب و لكن الكذب و ايجاد المحبة و العلقة في قلب الغير لا يكون من السحر و أما القسم الثامن فلا اشكال في حرمته كما أنه لا اشكال في عدم كونه سحرا.

الفرع الثالث ان التسخير ليس من السحر

و عليه يجوز تسخير الحيوانات و الأجنة بل يجوز تسخير الملائكة ما دام لم يرتكب المسخر بالكسر محرما من المحرمات الشرعية فان مقتضي اصالة الحل شرعا و قبح عقاب ما لا بيان له عقلا هو الجواز فلا مجال لأن يقال انه من أنواع السحر فدليل حرمته مقتضيا لحرمته بالإطلاق اذ قد ظهر خروجه عن عنوان السحر موضوعا مضافا الي أن تحقق دليل معتبر علي حرمة السحر علي نحو الإطلاق أو العموم اوّل الكلام و

الأشكال.

ثم انه يظهر من سيدنا الأستاد التفريق بين ايذاء الجن و ايذاء الملك بالجواز في الأول و عدمه في الثاني و لم نفهم الوجه في التفريق فان الإيذاء ان كان حراما علي الإطلاق فما الوجه في تجويز ايذاء المؤمن من الجن و ان لم يكن عليه دليل

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 227

فما الوجه في تحريم ايذاء الملك و الذي يختلج بالبال أن يقال ان مناسبة الحكم و الموضوع تقتضي حرمة ايذاء الملك و الجن اذا كان مؤمنا و ان كان مقتضي اصالة الحل جوازه علي الإطلاق الا أن يقال مقتضي دليل حرمة ايذاء المؤمن حرمة ايذاء كل مؤمن و لو من الجن فتأمل.

و صفوة القول انه لا وجه لتحريم التسخير اذا لم يكن فيه ايذاء و أما بالنسبة الي تسخير الحيوانات فان الأمر فيه أوضح فهل يمكن الالتزام بجواز تسخير الحيوانات بالقهر و الغلبة و الضرب و مع ذلك لا يجوز تسخيرها بما يوجب دخولها تحت الخدمة طوعا بل لنا أن نقول يجوز تسخير المؤمن من الأنس اذا لم يكن فيه ايذاء و اكراه لعدم الدليل علي حرمته.

ثم ان سيدنا الأستاد أفاد بأن المسخر بالكسر اذا كان معرضا للتضرر أو التلف أو الجنون لا يكون التسخير جائزا و يرد عليه ان مجرد المعرضية للمذكورات مع عدم قيام أمارة معتبرة عليها لا يكون موجبا للحكم بالحرمة الا فيما يحرز من الشرع ان مجرد الاحتمال يكفي للاحتياط الواجب و الا فمقتضي القاعدة الأولية هو الجواز و اللّه العالم.

الفرع الرابع: هل يجوز دفع السحر بالسحر

و يمكن الاستدلال علي جوازه باصالة البراءة بعد دعوي انصراف دليل المنع عن مثله و فيه منع الانصراف ان تم الإطلاق و ربما يستدل ببعض النصوص

الدالة علي الجواز لاحظ ما رواه شيخ من اصحابنا الكوفيين قال دخل عيسي بن ثقفي علي أبي عبد اللّه عليه السلام و كان ساحرا يأتيه الناس و يأخذ علي ذلك الأجر فقال له جعلت فداك أنار جل كانت صناعتي السحر و كنت آخذ عليه الأجر و كان معاشي و قد حججت منه و من اللّه علي بلقائك و قد تبت الي اللّه عز و جل فهل لي في شي ء من ذلك مخرج فقال له أبو عبد اللّه

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 228

عليه السلام حل و لا تعقد «1» فان مقتضي هذه الرواية جواز الحل و حرمه العقد و الأشكال في الاستدلال بأن الإمام عليه السلام ناظر الي الحل بغير السحر مدفوع بأنه خلاف الظاهر لكن الرواية مخدوشة سندا فلا اعتبار بها.

و لاحظ ما ارسله الصدوق قال و روي أن توبة الساحر أن يحل و لا يعقد «2».

و المرسل لا اعتبار به.

و لاحظ ما عن العسكري عن آبائه عليهم السلام في حديث قال في قوله عز و جل «و ما انزل علي الملكين ببابل هاروت و ماروت» قال: كان بعد نوح عليه السلام قد كثرت السحرة المموهون، فبعث اللّه عز و جل ملكين الي نبي ذلك الزمان يذكر ما يسحر به السحرة و ذكر ما يبطل به سحرهم و يرد به كيدهم فتلقاه النبي عن الملكين و أداه الي عباد اللّه بأمر اللّه عز و جل، و أمرهم أن يقفوا به علي السحر و ان يبطلوه، و نهاهم أن يسحروا به الناس و هذا كما يدل علي السم ما هو و علي ما يدفع به غائلة السم «الي أن قال» و ما يعلمان

من أحد ذلك السحر و ابطاله حتي يقولا للمتعلم انما نحن فتنة و امتحان للعباد ليطيعوا اللّه فيما يتعلمون من هذا و يبطلوا به كيد السحرة و لا يسحروهم فلا تكفر باستعمال هذا السحر و طلب الإضرار به، و دعاء الناس الي أن يعتقدوا أنك به تحيي و تميت و تفعل ما لا يقدر عليه الا اللّه عز و جل، فان ذلك كفر (الي أن قال) و يتعلمون ما يضرهم و لا ينفعهم لأنهم اذا تعلموا ذلك السحر ليسحروا به و يضروا به فقد تعلموا ما يضرهم في دينهم و لا ينفعهم فيه «3» و تقريب الاستدلال بالرواية ظاهر لكنها مخدوشة سندا.

و لاحظ ما رواه ابن جهم عن الرضا عليه السلام في حديث قال و أما هاروت

______________________________

(1) الوسائل الباب الباب 25 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

(2) نفس المصدر الحديث 3

(3) نفس المصدر الحديث 4

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 229

و ماروت فكانا ملكين علما الناس السحر ليحترزوا به سحر السحرة و يبطلوا به كيدهم و ما علما أحدا من ذلك شيئا حتي قالا انما نحن فتنة فلا تكفر، فكفر قوم باستعمالهم لما امروا بالاحتراز منه و جعلوا يفرقون بما تعلموه بين المرء و زوجه قال اللّه تعالي: وَ مٰا هُمْ بِضٰارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلّٰا بِإِذْنِ اللّٰهِ، يعني بعلمه «1» و التقريب ظاهر و السند مخدوش فلا يعتد بالرواية.

و استدل سيدنا الأستاد علي جواز دفع السحر بالسحر بقوله تعالي وَ مٰا أُنْزِلَ عَلَي الْمَلَكَيْنِ بِبٰابِلَ هٰارُوتَ وَ مٰارُوتَ وَ مٰا يُعَلِّمٰانِ مِنْ أَحَدٍ حَتّٰي يَقُولٰا إِنَّمٰا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلٰا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمٰا مٰا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ زَوْجِهِ وَ مٰا

هُمْ بِضٰارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلّٰا بِإِذْنِ اللّٰهِ وَ يَتَعَلَّمُونَ مٰا يَضُرُّهُمْ وَ لٰا يَنْفَعُهُمْ «2» بتقريب انه لو لم يكن حل السحر بالسحر جائزا لم يجز تعليمه فجواز التعليم يدل علي جواز عمله في الجملة و القدر المعلوم منه دفع السحر بالسحر.

و فيه ان جواز التعليم لا يدل علي جواز عمله للمكلف مضافا الي أن جوازه في شريعة من الشرائع السابقة لا يستلزم جوازه في شريعتنا كما هو ظاهر فبهذه الوجوه لا يمكن الاستناد في الحكم بالجواز نعم يمكن الاستدلال علي الجواز بعدم تمامية دليل المنع فان الضرورة و الإجماع قائمان علي حرمة السحر في الجملة و أما النصوص الدالة علي حرمة السحر فالظاهر انه ليس فيها ما يكون مطلقا و مع ذلك يكون معتبرا سندا نعم مقتضي حديث عبد العظيم حرمة السحر علي الإطلاق قال:

حدثني ابو جعفر الثاني عليه السلام قال: سمعت أبي يقول: سمعت أبي موسي بن جعفر عليه السلام يقول: دخل عمرو بن عبيد علي أبي عبد اللّه عليه السلام فلما سلم و جلس تلا هذه الآية «الذين يجتنبون كبائر الأثم و الفواحش» ثم أمسك فقال له

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 5

(2) البقرة/ 102

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 230

أبو عبد اللّه عليه السلام ما أسكتك قال: أحب ان اعرف الكبائر من كتاب اللّه عز و جل فقال نعم يا عمرو اكبر الكبائر الاشراك باللّه الي أن قال و السحر لأن اللّه عز و جل يقول: و لقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق «1» و علي فرض القول بالحرمة فلا اشكال في جوازه فيما زاحمه ملاك أقوي و لذا قد يجب كما لو توقف دفع من يدعي

النبوة و ينحصر طريق بطلان دعواه بالسحر فلاحظ.

الفرع الخامس: انه هل يختص حرمة السحر بما يكون مضرا بالنسبة الي الغير أم لا؟

ربما يقال ان مقتضي اطلاق نصوص الباب عدم الاختصاص و لكن حيث ان نصوص الباب لا تكون نقية سندا لا بدّ من الاقتصار علي المقدار المتيقن منه فلا يمكن الحكم بحرمة السحر علي الإطلاق الا أن يقال يكفي للإطلاق ما رواه عبد العظيم فان قوله عليه السلام «و السحر» في تعداد الكبائر يدل علي كون السحر علي اطلاقه حراما بل من الكبائر و عبد العظيم و ان لم يوثق بالصراحة و لكن قال سيدنا الأستاد في رجاله: و الذي يهون الخطب ان جلالة مقام عبد العظيم و ايمانه و ورعه غنية عن التشبث في اثباتها بامثال هذه الروايات الضعاف الخ «2».

و الذي يدل علي جلالة الرجل و رفعة مقامه ما قاله النجاشي في حقه: كان عابدا ورعا الخ فلا اشكال في سند الحديث لكن الأشكال في أن مقتضي تفسير بعض للسحر اشتراطه بكونه مضرا بالغير اما في بدنه أو عقله و مع احتمال تقيد حقيقة السحر بهذا القيد لا مجال لترتب احكامه عليه.

و أما حديث الاحتجاج من حديث الزنديق الذي سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن مسائل كثيرة منها ما ذكره بقوله: فأخبرني عن السحر ما أصله؟ و كيف يقدر الساحر علي ما يوصف من عجائبه و ما يفعل؟ قال: ان السحر علي وجوه شتي:

______________________________

(1) الوسائل الباب 46 من أبواب جهاد النفس الحديث: 2

(2) معجم رجال الحديث ج 10 ص 49

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 231

وجه منها: بمنزلة الطب، كما ان الأطباء وضعوا لكل داء دواء فكذلك علم السحر احتالوا لكل صحة آفة، و لكل عافية عاهة و لكل معني حيلة. و نوع

آخر منه:

خطفة و سرعة و مخاريق و خفة و نوع آخر: ما يأخذ اولياء الشياطين عنهم. قال فمن أين علم الشياطين السحر؟ قال: من حيث عرف الأطباء الطب: بعضه تجربة و بعضه علاج. قال فما تقول في الملكين هاروت و ماروت؟ و ما يقول الناس بأنهما يعلمان الناس السحر؟ قال: انهما موضع ابتلاء و موضع فتنة، تسبيحهما: اليوم لو فعل الإنسان كذا و كذا لكان كذا و كذا و لو يعالج بكذا و كذا لكان كذا أصناف السحر فيتعلمون منهما ما يخرج عنهما فيقولان لهم: انما نحن فتنه فلا تأخذوا عنا ما يضركم و لا ينفعكم.

قال: أ فيقدر الساحر أن يجعل الإنسان بسحره في صورة الكلب أو الحمار او غير ذلك! قال: هو أعجز من ذلك، و أضعف من ان يغير خلق اللّه، ان من ابطل ما ركبه اللّه و صوره و غيره فهو شريك اللّه في خلقه تعالي اللّه عن ذلك علوا كبيرا لو قدر الساحر علي ما وصفت لدفع عن نفسه الهرم و الآفة و الامراض و لنفي البياض عن رأسه و الفقر عن ساحته و ان من اكبر السحر النميمة يفرق بها بين المتحابين و يجلب العداوة علي المتصافين و يسفك بها الدماء و يهدم بها الدور و يكشف بها الستور و النمام اشر من و وطء الأرض بقدم فأقرب اقاويل السحر من الصواب انه بمنزلة الطب ان الساحر عالج الرجل فامتنع من مجامعة النساء فجاء الطبيب فعالجه بغير ذلك العلاج فأبرئ «1» فحيث انه مرسل لا اعتبار به فلا يمكن الاستناد به في تفسير لفظ السحر موضوعا.

و صفوة القول ان التفاسير الواردة في تفسير كلمة السحر متعارضة فمنها ما ينفي عموم

مفهوم الكلمة و بعضها يثبت عموم المفهوم و التعارض يقتضي التساقط ان قلت:

______________________________

(1) الاحتجاج طبع النجف ص 185

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 232

قد قرر في محله ان شهادة الأثبات تقدم علي شهادة النفي قلت: الظاهر ان المثبت يعتمد علي الاستعمال و الاستعمال اعم من الحقيقة و النافي يعتمد علي الاطلاع مضافا الي أنه يمكن أن يعكس الأمر بأن نقول من يقول باختصاص المفهوم بخصوصية يثبت و القائل بالعموم ينفي و يضاف الي جميع ذلك ان تقديم شهادة الأثبات علي النفي لا دليل عليه من آية أو رواية يؤخذ بإطلاق ذلك الدليل بل الدليل عليه السيرة و لا بدّ من الاقتصار علي مقدار تحقق السيرة المذكورة.

الفرع السادس: ان السيميا هل يكون داخلا تحت عنوان السحر أم لا؟

قال الشيخ قدس سره و المراد به علي ما قبل احداث خيالات لا وجود لها في الحس يوجب تأثيرا في شي ء آخر انتهي. فان هذا التعريف يقتضي كونه من أقسام السحر بل تعريف السحر ينطبق عليه و يؤيده انه علي ما قيل تكون هذه الكلمة منسوبا الي سيمون الساحر و اللّه العالم.

الفرع السابع: انه هل يجوز تعليم السحر و تعلمه؟

الظاهر انه لا وجه لحرمة التعلم و لا حرمة التعليم ما لم يتعنونا بعنوان محرم فان الدليل قائم علي حرمة عمل السحر و التعليم و التعلم خارجان عن الموضوع كما هو ظاهر و اما حديث أبي البختري عن جعفر بن محمد عن أبيه ان عليا عليه السلام قال: من تعلم شيئا من السحر قليلا او كثيرا فقد كفر، و كان آخر عهده بربه وحده أن يقتل الا أن يتوب «1» الدال علي حرمة تعلم السحر فهو ضعيف سندا.

الفرع الثامن: أنه هل يجب قتل الساحر؟

يستفاد من بعض النصوص ان الساحر يقتل لاحظ ما رواه السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: ساحر المسلمين يقتل و ساحر الكفار لا يقتل قيل يا رسول اللّه لم لا يقتل ساحر الكفار؟ قال: لأن الشرك أعظم من السحر

______________________________

(1) الوسائل الباب 25 من ابواب ما يكتسب به الحديث 7

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 233

لأن السحر و الشرك مقرونان «1» و الحديث ضعيف سندا فان طريق الصدوق الي السكوني ضعيف علي ما كتبه الحاجياني و لاحظ ما رواه ابو البختري المتقدم آنفا و الحديث ضعيف سندا.

و لاحظ ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله ساحر المسلمين يقتل و ساحر الكفار لا يقتل، فقيل يا رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و لم لا يقتل ساحر الكفار؟ قال: لأن الكفر «الشرك» أعظم من السحر و لأن السحر و الشرك مقرونان «2» و الحديث ضعيف سندا.

و لاحظ ما رواه زيد الشحام عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: الساحر يضرب بالسيف ضربة واحدة

علي رأسه «3» و الحديث ضعيف سندا.

و لاحظ ما رواه إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه أن عليا عليه السلام كان يقول: من تعلم شيئا من السحر كان آخر عهده بربه وحده القتل الا ان يتوب «4» و الحديث ضعيف سندا فالنتيجة انه لا يجوز قتل الساحر بمقتضي حرمة القتل كتابا و سنة و ضرورة الا ان يتعنون بعنوان مجوز للقتل كأن يرتد.

الفرع التاسع: أن الساحر هل يكفر بالسحر أم لا؟

يستفاد من بعض النصوص ان الساحر كافر منها ما رواه ابو البختري «5» و منها ما رواه علي بن الجهم عن الرضا عليه السلام في حديث قال: و أما هاروت و ماروت فكانا ملكين علما السحر ليحترزوا به سحر السحرة و يبطلوا به كيدهم، و ما علما أحدا من ذلك شيئا حتي «الا» قالا انما نحن فتنة فلا تكفر «6».

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 2

(2) الوسائل الباب 1 من ابواب بقية الحدود الحديث 1

(3) نفس المصدر الحديث 2

(4) الوسائل الباب 3 من أبواب بقية الحدود الحديث 2

(5) لاحظ 232

(6) الوسائل الباب 25 من ابواب ما يكتسب به الحديث 5

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 234

و منها ما رواه محمد بن الحسين الرضي الموسوي في نهج البلاغة قال:

قال امير المؤمنين عليه السلام لبعض اصحابه لما عزم علي المسير الي الخوارج الي ان قال ثم أقبل عليه السلام علي الناس فقال: أيها الناس اياكم و تعلم النجوم الا ما يهتدي به في بر او بحر، فانها تدعو الي الكهانة و الكاهن كالساحر و الساحر كالكافر و الكافر في النار «1».

و هذه النصوص كلها ضعيفة سندا هذا من ناحية و من ناحية اخري انه لا وجه لكفر الساحر بما هو ساحر ما لم

يصدر عنه ما يوجب كفره و ارتداده كانكار الضروري و نحوه و اللّه العالم.

[المسألة الحادية عشرة الشعوذة حرام بلا خلاف]

«قوله قدس سره: الحادية عشرة الشعوذة حرام بلا خلاف … »

قد تقدم الكلام في تفسير الشعوذة و أنها مبانية مع السحر مفهوما فان السحر لا واقعية له بخلاف الشعوذة فانها أمر واقعي غاية الأمر لا يفهم الغير ما يرتكبه المشعوذ بواسطة سرعة عمله فمن حيث الموضوع مقابل للسحر و أما من حيث الحكم فما يمكن أن يذكر في حرمته امور: الأول: عدم الخلاف المذكور في كلام الشيخ و من الظاهر ان عدم الخلاف لا يكون من الأدلة الشرعية الثاني: الإجماع و فيه انه علي تقدير تماميته و حصوله محتمل المدرك فلا يكون حجة الثالث: حديث الاحتجاج «2» فانه قد ذكر فيه (و نوع آخر منه خطفة و سرعة و مخاريق و خفة).

و فيه ان الحديث ضعيف سندا و لا جابر له و الإجماع ان تم فهو بنفسه دليل علي المدعي و الا لا اثر لضم ما لا يكون حجة الي غير حجة كما هو ظاهر.

______________________________

(1) الوسائل الباب 14 من ابواب آداب السفر الحديث 8

(2) لاحظ 230

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 235

الرابع: انها سحر موضوعا. و فيه انه ثبت خلافه و علي تقدير الشك لا مجال للأخذ بالدليل في الشبهة في المصداق بل مقتضي الاستصحاب الجاري في الشبهة المفهومية عدم كونه داخلا تحت مفهوم السحر و استعمال لفظ السحر فيها علي تقدير تحققه لا يثبت المدعي فان الاستعمال اعم من الحقيقة.

الخامس: انه لهو و لعب فيحرم و يرد عليه انه ربما يكون لغرض عقلائي فلا يكون لهوا و ثانيا لا دليل علي حرمة مطلق اللهو و اللعب بل اللهو

و اللعب محرمان في الجملة لا بالجملة فلاحظ.

[المسألة الثانية عشرة الغش حرام بلا خلاف و الأخبار به متواترة]
اشارة

«قوله قدس سره: الثانية عشرة الغش حرام بلا خلاف و الاخبار به متواترة … »

الكلام في المقام يقع في جهات

الجهة الأولي: في بيان معني الغش

و هو مفهوم عرفي يرادفه في لغة الفرس لفظ (گول زدن) و عن لسان العرب «غشش: نقيض النصح و هو مأخوذ من الغشش المشرب الكدر، أنشد ابن الأعرابي:

و منهل تروي به غير غشش، أي غير كدر و لا قليل قال: و من هذا الغش في البياعات» و عن مجمع البحرين «المغشوش الغير الخالص» و عن المنجد «غشه أظهر له خلاف ما أضمره و خدعه» و عن الصحاح و القاموس و الفائق للزمخشري و نهاية ابن الأثير «الغش غير النصيحة» و عن المصباح و المغرب للمطرزي «لبن مغشوش مخلوط بالماء و قالوا في الخديعة و التدليس انهما اخفاء العيب قال ابن فارس الدلس هو الظلام و منه التدليس في البيع و هو ان يبيع من غير ابانة عيبه فكأنه خادعه و أتاه في ظلام» و عن مقاييس اللغة لابن فارس «الغش الا تمحض النصيحة» انتهي و اقول صدق الغش متوقف علي علم الغاش بالحال و جهل المغشوش به أما مع علمهما أو جهلهما أو جهل البائع بعيب المبيع و علم المشتري فلا يصدق

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 236

عنوان الغش كما هو ظاهر و العرف ببابك.

و صفوة القول ان الغش اخفاء للعيب و تغطيته و ارائة المعيوب صحيحا و ارائة القبيح حسنا و يستفاد المدعي من بعض النصوص أيضا لاحظ ما رواه ابن المختار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام انا نعمل القلانس فنجعل فيها القطن العتيق فنبيعها و لا نبين لهم ما فيها قال: احب لك أن تبين لهم ما فيها «1».

الجهة الثانية: في حكم الغش

قال سيدنا الأستاد في هذا المقام لا شبهة في حرمة غش المسلم في الجملة بلا خلاف بين الشيعة و السنة

لتواتر الروايات من طرقنا و من طرق العامة بل هي من ضروريات مذهب المسلمين و تدل علي حرمته جملة من النصوص منها ما رواه هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ليس منا من غشنا «2» و بهذا الاسناد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله لرجل يبيع التمر: يا فلان أ ما علمت أنه ليس من المسلمين من غشهم 3 و منها ما رواه هشام بن الحكم قال: كنت أبيع السابري في الظلال فمر بي أبو الحسن الأول راكبا فقال لي: يا هشام، ان البيع في الظلال غش و الغش لا يحل «4»

و منها ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: نهي النبي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله أن يشاب اللبن بالماء للبيع 5 و منها ما رواه الحسين بن زيد الهاشمي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: جاءت زينب العطارة الحولاء الي نساء النبي صلي اللّه عليه و آله و بناته و كانت تبيع منهن العطر فجاء النبي صلي اللّه عليه و آله و هي عندهن فقال: اذا أتيتنا طابت بيوتنا فقالت: بيوتك بريحك أطيب يا رسول اللّه قال: اذا بعت فاحسني و لا تغشي فانه أتقي و أبقي للمال الحديث «6»

______________________________

(1) الوسائل الباب 86 من أبواب ما يكتسب به الحديث 9

(2) (2 و 3) نفس المصدر الحديث 1 و 2

(4) (4 و 5) نفس المصدر الحديث 3 و 4

(6) نفس المصدر الحديث 6

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 237

و منها ما رواه عبيس بن هشام عن رجل من اصحابه عن أبي عبد اللّه

عليه السلام قال: دخل عليه رجل يبيع الدقيق فقال: اياك و الغش فانه من غش غش في ماله فان لم يكن له مال غش في اهله «1».

و منها ما رواه سعد الإسكاف عن أبي جعفر عليه السلام قال مر النبي صلي اللّه عليه و آله في سوق المدينة بطعام، فقال لصاحبه: ما اري طعامك الا طيبا و سأله عن سعره، فأوحي اللّه عز و جل إليه أن يدس «يدير» يده في الطعام ففعل فأخرج طعاما رديا، فقال لصاحبه: ما أراك الا و قد جمعت خيانة و غشا للمسلمين 2.

و منها ما رواه الحسين زيد عن الصادق عن آبائه عليهم السلام (في حديث المناهي) عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله انه قال: و من غش مسلما في شراء أو بيع فليس منا و يحشر يوم القيامة مع اليهود لأنهم أغش الخلق للمسلمين قال:

و قال عليه السلام ليس منا من غش مسلما و قال: و من بات و في قلبه غش لاخيه المسلم بات في سخط اللّه و اصبح كذلك حتي يتوب «3».

و منها ما عن عقاب الأعمال عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال في حديث و من غش مسلما في بيع أو في شراء فليس منا و يحشر مع اليهود يوم القيمة لأنه من غش الناس فليس بمسلم الي أن قال ثم قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله ألا و من غشنا فليس منا (قالها ثلاث مرات) و من غش أخاه المسلم نزع اللّه بركة رزقه و افسد عليه معيشته و وكله الي نفسه «4».

و منها ما في عيون الأخبار عن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول

اللّه صلي اللّه عليه و آله ليس منا من غش مسلما أو ضره أو ما كره 5.

______________________________

(1) (1 و 2) نفس المصدر الحديث 7 و 8

(3) نفس المصدر الحديث 10

(4) (4 و 5) نفس المصدر الحديث 11 و 12

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 238

و منها ما رواه محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام أنه سئل عن الطعام يخلط بعضه ببعض و بعضه أجود من بعض قال: اذا رؤيا جميعا فلا بأس ما لم يغط الجيد الردي «1».

و منها ما رواه الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يشتري طعاما فيكون أحسن له و أنفق له أن يبله من غير أن يلتمس زيادته؟ فقال: ان كان بيعا لا يصلحه الا ذلك و لا ينفقه غيره من غير أن يلتمس فيه زيادة فلا بأس و ان كان انما يغش به المسلمين فلا يصلح «2».

و منها ما رواه داود بن سرحان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان معي جرابان من مسك احدهما رطب و الأخر يابس فبدأت بالرطب فبعته ثم أخذت اليابس أبيعه فاذا أنا لا أعطي باليابس الثمن الذي يسوي و لا يزيدوني علي ثمن الرطب، فسألته عن ذلك أ يصلح لي أن أنديه؟ فقال: لا الا أن تعلمهم، قال: فنديته ثم أعلمتهم، فقال: لا بأس به اذا أعلمتهم «3».

الجهة الثالثة: ان الميزان في الحرمة صدق عنوان الغش

بلا فرق بين مصاديقه فلو كان الغش بفعل غير البائع و لكن البائع يعلم أن الجنس مغشوش و معيوب بعيب خفي يجب عليه الأعلام بمقتضي اطلاق دليل حرمة الغش و علي هذا لا وجه لتخصيص الحكم بصورة قصد البائع الغش فلو خلط المال بشي ء بحيث صار مغشوشا و

كان غرضه اصلاح المال يجب عند البيع اعلام المشتري لإطلاق دليل الحرمة و صفوة القول ان كل قيد يحتمل دخله في تحقق الحكم منفي بإطلاق دليل الحرمة بعد فرض صدق عنوان الموضوع و افاد الشيخ قدس سره انه يستفاد من

______________________________

(1) الوسائل الباب 9 من ابواب أحكام العيوب الحديث 1

(2) نفس المصدر الحديث 3

(3) نفس المصدر الحديث 4

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 239

حديث الحلبي «1» التفصيل بين قصد الغش ببل المتاع فيحرم و عدمه فلا يحرم فالمستفاد من الحديث ان الميزان في الحرمة قصد التلبيس علي المشتري سواء كان العيب خفيا أم جليا و يرد عليه ان المستفاد من الحديث ان بل المتاع ان كان موجبا لترغيب الناس فقط فيجوز و اما ان كان غشا و تلبيسا فلا يجوز.

و صفوة القول ان العيب لو كان خفيا و كان البائع عالما به و كان المشتري جاهلا به و لم يتبرأ البائع بصدق الغش و ان شئت قلت البائع اذا كان عالما بالعيب و لم يبين للمشتري يصدق عليه الغش و عدم قصد التلبيس لا يرجع الي معني محصل مثلا لو فرضنا ان القول الفلاني لو كان موجبا للهتك و القائل حين ارادته يعلم بأنه يوجب الهتك و مع ذلك قال فلا اشكال في صدق الهتك.

و بعبارة واضحة: عدم القصد مع العلم بالموضوع لا يجتمعان نعم الأغراض مختلفة فان التلفظ بالقول الموجب للهتك ربما لا يكون بغرض الهتك و لكن لا اثر له بعد صدق الموضوع و اطلاق الدليل و المقام كذلك.

ثم انه لو قال البائع للمشتري فتش المتاع لعله مغشوش لا يصدق الغش فلا يحرم لكن مجرد هذا القول لا يقتضي ارتفاع الخيار. و

أفاد المحقق الإيرواني قدس سره ان الالتزام بالخيار و اشتراطه علي تقدير ظهور العيب رافع للغش. و يرد عليه انه علي هذا الأساس لا يصدق الغش في اي مورد من الموارد اذ الخيار مجعول بالشرط الضمني الارتكازي فأين يصدق عنوان الغش الحرام.

الجهة الرابعة: في حكم بيع المغشوش وضعا

فربما يقال انه فاسد لبعض الوجوه و تنقيح المقام يقتضي التفصيل فنقول تارة يكون البيع كليا و اخري يكون شخصيا أما الأول فكما لو باع الحنطة الجيدة في ذمته و دفع في مقام الأداء الحنطة المعيوبة الردية فلا اشكال في صحة البيع لتمامية اركان الصحة و للمشتري رد المدفوع

______________________________

(1) لاحظ ص: 238

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 240

و مطالبة فرد آخر و بعبارة واضحة المدفوع لا يكون مصداقا لذلك الكلي فلا يتحقق التسليم المأمور به فيجب علي البائع تسليم ما هو مصداق لذلك الكلي و ان شئت قلت: المدفوع اجنبي عن الذي وقع عليه العقد نعم يمكن تبديل ما في الذمة بما في الخارج بمعاوضة جديدة.

و أما ان كان بيعا شخصيا فهذا يتصور علي انحاء: الأول: أن يكون الوصف المأخوذ في المبيع وصفا نوعيا في نظر العرف كما لو باع الحيوان الخارجي بعنوان كونه حمارا فبان انه بقر و لا اشكال في بطلان البيع في الصورة المفروضة فان الصور النوعية و لو كانت عرفية مقومة للبيع و عليه لو باع المتاع الخارجي بعنوان كونه ذهبا فبان كونه مذهبا يكون العقد باطلا لتخلف الصورة النوعية.

الثاني: أن يكون الوصف المأخوذ في الموضوع وصف صحة أو وصف كمال فتخلف الوصف المشروط كما لو باع حيوانا فبان كونه معيبا و كما لو باع عبدا علي أن يكون كاتبا فبان انه لا يعرف الكتابة ففي كلا

الفرضين يكون بيعه صحيحا غاية الأمر يتحقق في القسم الأول للمشتري خيار العيب علي التفصيل المذكور في محله و في الثاني يتحقق خيار تخلف الشرط.

الثالث: أن يكون المبيع مركبا من جزءين و هذا القسم علي نحوين أحدهما ما يكون لوصف الاجتماع تأثير في زيادة القيمة و ان لم يكن مقابلا بشي ء من الثمن ثانيهما: ما لا دخل لوصف الاجتماع في زيادة القيمة اما النحو الأول كمصرعي الباب فلو بان بعد البيع ان المبيع مصراع واحد و نحوه من بقية الموارد التي من هذا القبيل فان البيع بالنسبة الي الجزء المفقود باطل و بالنسبة الي الجزء الموجود صحيح مع خيار تخلف الوصف اي وصف الانضمام و أما النحو الثاني و هو ما لا دخل للانضمام كما لو باع منا من الحنطة فبان ان نصفه تراب فان البيع بالنسبة الي النصف المفقود باطل و بالنسبة الي النصف الموجود صحيح بلا خيار لعدم ما يقتضي الخيار فان الخيار انما يثبت فيما يكون دخيلا في مرغوبية المبيع لا مطلقا.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 241

اذا عرفت ما تقدم نقول: اذا باع شيئا فبان انه مغشوش فتارة يوجب الغش اختلاف الصورة النوعية كما لو باع خاتما بعنوان انه ذهب فبان كونه مذهبا يكون البيع باطلا لتخلف الصورة النوعية و أما اذا لم يكن كذلك و لم تتخلف الصورة النوعية بل التخلف يكون في الوصف فقط كما لو باع لبنا فبان أنه مخلوط بالماء فما يمكن أن يقال في وجه البطلان امور:

منها: ان القصد وقع علي الخالص و المخلوط بالماء لا يكون لبنا خالصا فما قصد لم يقع و ما وقع لم يقصد. و فيه ان المفروض ان البيع

شخصي و ليس المبيع كليا فالبيع واقع علي العين الخارجية و من ناحية اخري وصف الخلوص من الخليط ليس صورة نوعية كي يلزم من تخلفها البطلان فغاية ما يترتب عليه خيار تخلف الوصف و أما البطلان فلا وجه له. ان قلت: العقد معلق علي الخلوص و مع عدم الخلوص يلزم انتفائه قلت: التعليق في العقود يوجب بطلانها و بعبارة اخري: العقد واقع علي الموجود الخارجي بلا تعليق بشرط أن تكون خالصة عن الماء فلا مجال لأن يقال ان المقام داخل في كبري تعارض الوصف و الإشارة اذ لا اشكال في وقوع العقد علي العين الخارجية بشرط الخلوص و تعارض الوصف و الإشارة مورده التردد في أن العقد هل وقع علي العين الخارجية و توصيفها بالوصف الكذائي من باب اعتقاد انها موصوفة بالوصف المذكور او أن متعلق العقد نفس العنوان و الإشارة إليه باعتبار حضوره مضافا الي أن هذا البحث يجري فيما يتصور فيه التردد و أما مع العلم بكون وقوع العقد علي العين الخارجية كما هو المفروض في المقام فلا مجال لهذا البحث.

اضف الي ذلك كله ان التردد بين الأمرين انما يتصور فيما يكون الأمر دائرا بين الجزئيين الموجودين في الخارج كمسألة الاقتداء حيث يتردد الأمر بين تعلق القصد بالاقتداء بهذا المشار إليه بالإشارة الخارجية و توصيفه بذلك الوصف و بين

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 242

تعلق القصد بالموصوف في الذهن و الإشارة الي الموجود الخارجي من باب حضور ذلك الموصوف في اعتقاد المشير و أما لو لم يكن كذلك فلا مجال لهذا التردد كما في المقام فان القصد اما يتعلق بالعين الخارجية علي نحو التعليق و اما أن يتعلق بها مع توصيفها

بالوصف الكذائي و اما يتعلق بالموصوف أما علي الأول فيلزم عدم تحقق العقد لعدم المعلق عليه مضافا الي أنه يلزم البطلان للتعليق و أما علي الثاني فيلزم تحقق العقد بلا ترتب خيار التخلف لعدم الاشتراط و أما علي الثالث فيلزم تحقق العقد الصوري فيلزم تحقق العقد علي نحو بيع الكلي و الحال ان المفروض كون المبيع شخصيا.

و منها: ان النهي متعلق بالغش و البيع مصداق للغش فيبطل و فيه ان النهي عن الغش نهي تحريمي و الحرمة التكليفية لا تقتضي الفساد اذا النهي متعلق بعنوان خارجي و لم يتعلق بنفس البيع بل لنا ان نقول ان النهي لو تعلق بالبيع بعنوانه الأولي و لكن كان النهي نهيا تحريميا مولويا لا ارشاديا لا يترتب عليه الفساد لعدم تناف بين الحرمة التكليفية و الصحة الوضعية فهذا الوجه أيضا لا يقتضي الفساد.

و منها: انه يستفاد من النص عدم جواز العقد علي ما فيه الغش لاحظ خبر موسي بن بكر قال: كنا عند أبي الحسن عليه السلام و اذا دنانير مصبوبة بين يديه فنظر الي دينار فأخذه بيده ثم قطعه بنصفين، ثم قال لي: ألقه في البالوعة حتي لا يباع شي ء فيه غش «1».

و لاحظ خبر الجعفي قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام فالقي بين يديه دراهم فألقي الي درهما منها فقال: ايش هذا؟ فقلت: ستوق فقال: و ما الستوق

______________________________

(1) الوسائل الباب 86 من ابواب ما يكتسب به الحديث 5

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 243

فقال طبقتين فضة و طبقة من نحاس و طبقة من فضة، فقال اكسرها فانه لا يحل بيع هذا و لا انفاقه «1».

و الحديثان كلاهما ضعيفان سندا فلا تصل النوبة الي

ملاحظة دلالتهما فالنتيجة ان البيع المتعلق بالمغشوش حرام تكليفا صحيح وضعا.

الجهة الخامسة: هل تختص حرمة الغش بالمسلم فلا تحرم غش الكافر؟

مقتضي جملة من النصوص اختصاصها بالمسلم و لكن يكفي للإطلاق بعض مطلقات المقام لاحظ ما رواه هشام «2» فان مقتضي اطلاق الحرمة المستفاد من هذه الرواية عدم الاختصاص و لا تنافي بين المثبتين كما هو المقرر.

[المسألة الثالثة عشرة الغناء لا خلاف في حرمته في الجملة]
اشارة

«قوله قدس سره: الثالثة عشرة الغناء لا خلاف في حرمته في الجملة … »

فان حرمته في الجملة لا بالجملة حيث ان في حكمه اختلافا و تفصيلا بل تفاصيل و أقوال كما يظهر إن شاء اللّه تعالي في طي البحث و الكلام في الغناء يقع في مقامين

المقام الأول: في بيان موضوعه

المقام الثاني في حكمه و المناسب أن نقدم المقام الأول علي المقام الثاني فنقول: ان كلمات اللغويين و الفقهاء مختلفة في بيان موضوعه فعن المصباح «ان الغناء الصوت» و عن آخر «مد الصوت» و عن النهاية عن الشافعي «انه تحسين الصوت و ترقيقه» و عنها أيضا «ان كل من رفع صوتا و والاه فصوته عند العرب غناء» و عن لسان العرب في مادة غناء «كل من رفع صوته و والاه فصوته عند العرب غناء» و عنه أيضا «الغناء من الصوت ما طرب به» و عن مجمع البحرين «الغناء ككساء الصوت المشتمل علي الترجيع المطرب او ما

______________________________

(1) الوسائل الباب 10 من ابواب الصرف الحديث 5

(2) لاحظ ص 236

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 244

يسمي في العرف غناء، و ان لم يطرب سواء كان في شعر أو قرآن او غيرهما» و عن المنجد «الغناء من الصوت ما طرب به» و عن الصحاح «الغناء من السماع» و عن مقاييس اللغة لابن فارس و المقصور و الممدود لأبي ولاد «الغناء من الصوت» و عن القاموس «الغناء ككساء من الصوت ما طرب به».

و في المستند ج 2 في بحث الغناء «انه فسره بعضهم بالصوت و آخر بالصوت المشتمل علي الترجيع و ثالث بالصوت المشتمل علي الترجيع و الأطراب معا و رابع بالترجيع و خامس بالتطريب و سادس بالترجيع مع التطريب و سابع

برفع الصوت مع الترجيع و ثامن بمد الصوت و تاسع بمده مع احد الوصفين أو كليهما و عاشر بتحسين الصوت و حادي عشر بمد الصوت و موالاته و ثاني عشر و هو الغزالي بالصوت الموزون المفهم المحرك للقلب».

و قال سيدنا الأستاد: «ان الغناء المحرم عبارة عن الصوت المرجع فيه علي سبيل اللهو و الباطل و الإضلال عن الحق سواء تحقق في كلام باطل أم في كلام حق و سماه في الصحاح بالسماع و يعبر عنه في لغة الفرس بكلمة (دو بيت و سرود و پسته و آوازه خواندن «1».

و لازم ما افاده انه لا يعتبر في صدق عنوان الغناء حسن الصوت و ايجاد الطرب في السامع و من الظاهر عدم صدق العنوان علي مطلق الصوت و لا اشكال في أن حسن الصوت مقوم للعنوان و أيضا لا اشكال في أن مجرد رفع الصوت لا يكون غناء فان الدليل قائم علي استحباب رفع الصوت بالأذان كما ان مجرد حسن الصوت لا يكون غناء فانه نقل ان سيد نازين العابدين عليه السلام كان حسن الصوت و كان يقرأ القرآن رافعا صوته فلا بد في الجزم بترتب الحكم التحفظ علي كل قيد يحتمل اعتباره و الا فلا مجال للأخذ بدليل حرمته لعدم جواز الأخذ بالعام أو المطلق في

______________________________

(1) مصباح الفقاهة ج 1 ص: 311

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 245

موارد الشبهة المصداقية بل مقتضي الاستصحاب عدم وضعه الا للجامع لجميع القيود المحتملة كما ان مقتضي الأصل الحكمي و هي اصالة البراءة عقلا و شرعا هو الجواز.

و المستفاد من مجموع ما ذكر في المقام ان الغناء عبارة عن مد الصوت الحسن مع الترجيع و التطريب و لا

يشترط فيه أن يكون مضمونه من المضامين اللهوية بل يتحقق و لو بقراءة القرآن لكن مع رعاية الشروط المذكورة و لا يلزم تحققه علي نحو يتداول عند الفسقة و الفجرة بل و لو علي نحو المتعارف في قراءة التعزية و أمثالها.

و الإنصاف ان الإرجاع الي العرف لا اثر له فانه ربما يصدق العنوان في نظر العرف و لكن لا يمكن تميز مشخصاته و أما ما افاده سيدنا الأستاد في كلامه المنقول عنه بتقييد مفهوم الغناء بكونه علي سبيل اللهو و الباطل و الإضلال عن الحق فلا دليل عليه فان التفاسير المنقولة في تفسيره خالية عما ذكر فالظاهر انه ليس داخلا في مفهومه نعم يمكن ان قيد الإضلال يستفاد من جملة من النصوص منها ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام: قال: سمعته يقول: الغناء مما وعد اللّه عليه النار و تلا هذه وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ يَتَّخِذَهٰا هُزُواً أُولٰئِكَ لَهُمْ عَذٰابٌ مُهِينٌ «1».

و منها ما رواه مهران بن محمد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول:

الغناء مما قال اللّه عز و جل: وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ 2.

و منها ما رواه الوشاء قال: سمعت أبا الحسن الرضا عليه السلام يقول: سئل ابو عبد اللّه عليه السلام «يسأل خ ل» عن الغناء فقال: هو قول اللّه عز و جل: وَ مِنَ

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 99 من ابواب ما يكتسب به الحديث 6 و 7

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 246

النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ «1».

و منها ما

رواه عبد الأعلي قال: سألت جعفر بن محمد عليهما السلام عن قول اللّه عز و جل «فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثٰانِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ» قال: الرجس من الأوثان الشطرنج و قول الزور الغناء قلت: قول اللّه عز و جل: «وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ» قال منه الغناء «2».

و منها ما رواه الفضل بن الحسن الطبرسي قال روي عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه و أبي الحسن الرضا عليهم السلام في قول اللّه عز و جل: «وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ يَتَّخِذَهٰا هُزُواً أُولٰئِكَ لَهُمْ عَذٰابٌ مُهِينٌ» انهم قالوا: منها الغناء «3».

و منها ما رواه الحسن بن هارون قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول الغناء مجلس لا ينظر اللّه الي اهله و هو مما قال اللّه عز و جل: وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ «4».

فان المستفاد من هذه الروايات ان الغناء يوجب الإضلال عن الحق و عن سبيله تعالي فلاحظ و لكن هذه النصوص كلها مخدوشة سندا فلا يعتد بها فالنتيجة ان قيد الإضلال عن الحق في مفهوم الغناء لا دليل عليه و لا يبعد أن يكون قيد الأطراب ملازما مع كونه علي سبيل اللهو و الباطل و لذا قال الشاعر: أطربا و انت قنسري اي شيخ كبير و الدهر بالإنسان دواري اي لا يناسب الطرب و اللهو مع مضي عمر طويل و عدم ثبات في هذا العالم و علي الجملة مع فناء هذه الدنيا الدنية و عدم بقائها لا ينبغي أن يكون الإنسان غافلا و مشتغلا باللهو و اللعب اعاذنا اللّه من الزلات

______________________________

(1) نفس المصدر

الحديث 11

(2) نفس المصدر الحديث 20

(3) نفس المصدر الحديث 25

(4) نفس المصدر الحديث 16

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 247

و الهلكات فمادة الطرب لا تناسب مع الأفاضل و الأماجد.

فالنتيجة ان الغناء عبارة عن الصوت الرفيع الذي يكون فيه الترجيع و التطريب و يكون بكيفية الأصوات اللهوية التي تناسب مجالس اللهو و الباطل فما أفاده سيدنا الاستاد في محله و تؤيد المدعي جملة من الروايات الواردة في المقام منها ما رواه زيد الشحام قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قوله عز و جل و اجتنبوا قول الزور قال: قول الزور الغناء «1».

و منها ما رواه ابن ابي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه تعالي: و اجتنبوا قول الزور قال: قول الزور الغناء «2».

و منها ما رواه ابو بصير قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قول اللّه عز و جل فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثٰانِ. وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ قال: الغناء 3.

و منها ما رواه يونس قال: سألت الخراساني عليه السلام عن الغناء و قلت ان العباسي ذكر عنك أنك ترخص في الغناء فقال: كذب الزنديق ما هكذا قلت له سألني عن الغناء فقلت ان رجلا اتي أبا جعفر عليه السلام فسأله عن الغناء فقال:

يا فلان اذا ميز اللّه بين الحق و الباطل فاين يكون الغناء؟ قال مع الباطل فقال:

قد حكمت «4».

و منها ما رواه الريان بن الصلت قال: سألت الرضا عليه السلام يوما بخراسان و ذكر نحوه 5 و منها ما رواه عبد الأعلي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الغناء و قلت: انهم يزعمون ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و

آله رخص في أن يقال:

جئناكم جئناكم حيونا حيونا نحيكم فقال: كذبوا ان اللّه عز و جل يقول: «وَ مٰا خَلَقْنَا السَّمٰاءَ وَ الْأَرْضَ وَ مٰا بَيْنَهُمٰا لٰاعِبِينَ، لَوْ أَرَدْنٰا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْنٰاهُ مِنْ لَدُنّٰا

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 2

(2) (2 و 3) نفس المصدر الحديث 8 و 9

(4) (4 و 5) نفس المصدر الحديث 13 و 14

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 248

إِنْ كُنّٰا فٰاعِلِينَ، بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَي الْبٰاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذٰا هُوَ زٰاهِقٌ وَ لَكُمُ الْوَيْلُ مِمّٰا تَصِفُونَ ثم قال: ويل لفلان مما يصف رجل لم يحضر المجلس «1».

و منها ما رواه ابن أبي عباد و كان مستهترا بالسماع و يشرب النبيذ قال:

سألت الرضا عليه السلام عن السماع فقال لأهل الحجاز «العراق» فيه رأي و هو في حيز الباطل و اللهو أ ما سمعت اللّه عز و جل يقول: وَ إِذٰا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرٰاماً «2» و منها ما رواه عبد الأعلي قال: سألت جعفر بن محمد عليهما السلام عن قول اللّه عز و جل «فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثٰانِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ» قال: الرجس من الأوثان الشطرنج و قول الزور الغناء قلت قول اللّه عز و جل «وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ» قال منه الغناء «3».

و منها ما رواه محمد بن عمر و بن حزم في حديث قال دخلت علي أبي عبد اللّه عليه السلام فقال: الغناء اجتنبوا الغناء اجتنبوا قول الزور فما زال يقول: اجتنبوا الغناء اجتنبوا فضاق بي المجلس و علمت انه يعنيني «4».

و منها ما رواه هشام عن ابي عبد اللّه عليه السلام في قوله تعالي: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثٰانِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ، قال: الرجس

من الأوثان الشطرنج و قول الزور الغناء 5 فانه يستفاد من هذه النصوص ان الغناء من مصاديق الباطل هذا تمام الكلام في المقام الأول و أما

المقام الثاني [في حكمه]
اشارظ

فيقع الكلام فيه في ضمن فروع

الفرع الأول في حرمته في الجملة
اشارة

و يمكن الاستدلال علي المدعي بوجوه:

الوجه الأول: دعوي عدم الخلاف و الإجماع و الضرورة

قال الشيخ قدس سره «لا خلاف في حرمته في الجملة» و قال سيدنا الأستاد في ذيل كلام الماتن «لا خلاف في حرمة الغناء في

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 15

(2) نفس المصدر الحديث 19

(3) نفس المصدر الحديث 20

(4) (4 و 5) نفس المصدر الحديث 24 و 26

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 249

الجملة بين الشيعة» و عن المستند «لا خلاف في حرمة ما ذكرناه انه غناء قطعا «1» الي أن قال: و لعل عدم الخلاف بل الإجماع عليه مستفيض بل هو اجماع محقق قطعا بل ضرورة دينية» 2 و عن متاجر الرياض بل عليه اجماع العلماء كما حكاه بعض الاجلة و هو الحجة الي غير ذلك من الكلمات الواردة في المقام.

الوجه الثاني: جملة من الآيات الشريفة

ببركة تفسيرها و بيانها بالنصوص الواردة عن اهل بيت الوحي عليهم صلوات اللّه و أهل البيت أدري بما في البيت منها قوله تعالي: وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ «3» بتقريب ان قول الزور قد فسر في بعض الأحاديث بالغناء منها ما رواه زيد الشحام «4» و منها ما رواه أبو الصباح عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قوله عز و جل لٰا يَشْهَدُونَ الزُّورَ قال: الغناء «5» و منها مرسلة ابن أبي عمير «6»

و منها ما عن عبد الأعلي 7 و منها ما رواه حماد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال سألته عن قول الزور قال: منه قول الرجل للذي يغني احسنت «8» و منها ما عن محمد بن عمرو بن حزم «9» و منها ما عن هشام «10».

و منها قوله تعالي وَ الَّذِينَ لٰا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَ إِذٰا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرٰاماً «11» فانه قد فسر الزور بالغناء في حديث

أبي الصباح الكناني عن ابي عبد اللّه عليه السلام

______________________________

(1) (1 و 2) المستند ج ج 2 في بحث الغناء

(3) الحج/ 31

(4) راجع ص: 247

(5) الوسائل الباب 99 من أبواب ما يكتسب به الحديث 3

(6) (6 و 7) راجع ص: 247

(8) الوسائل الباب 99 من أبواب ما يكتسب به الحديث 21

(9) لاحظ ص: 248

(10) لاحظ ص 248

(11) الفرقان/ 72

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 250

في قول اللّه عز و جل: وَ الَّذِينَ لٰا يَشْهَدُونَ الزُّورَ قال هو الغناء «1».

و منها قوله تعالي وَ الَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ «2» فانه قد فسر اللغو في تفسير القمي بالغناء و الملاهي «3».

و منها قوله تعالي وَ إِذٰا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرٰاماً «4» بضميمة ما رواه محمد بن أبي عباد «5».

و منها قوله تعالي وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ يَتَّخِذَهٰا هُزُواً أُولٰئِكَ لَهُمْ عَذٰابٌ مُهِينٌ «6» فانه قد فسرت الآية في بعض الروايات بالغناء لاحظ ما رواه محمد بن مسلم «7» و ما رواه مهران بن محمد 8 و ما رواه الوشاء «9» و ما رواه الحسن بن هارون 10 و ما رواه عن عبد الأعلي «11» و ما الفضل بن الحسن الطبرسي في مجمع البيان 12.

فان الآيات المباركات قد فسرت في هذه الروايات بالغناء و في المقام و نظائره اشكال و هو انه لو فسرت الآية الشريفة في حديث بأمر و في حديث آخر بأمر آخر هل يكون تعارض بين الحديثين أم لا؟ قال سيدنا الأستاد لا تعارض بينهما بدعوي ان المستفاد من الحديث المفسر تعيين أحد المصاديق فلا تنافي بين المقامين

______________________________

(1) الوسائل الباب 99 من أبواب

ما يكتسب به الحديث 5

(2) المؤمنون 3

(3) تفسير القمي ج 2 ص 88

(4) الفرقان/ 72

(5) راجع ص 248

(6) لقمان/ 6

(7) (7 و 8) راجع: ص 245

(9) (9 و 10) راجع ص 245 و 246

(11) (11 و 12) راجع ص 246

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 251

و بعبارة اخري: يمكن أن تكون مصاديق كثيرة للآية فلا تعارض بين التفسيرين هذا ملخص ما أفاده في المقام و غير المقام.

و الذي يختلج بالبال أن يقال الحق هو التفصيل اذ ربما يعبر في الحديث بما يستفاد منه ان المورد الفلاني من مصاديق الآية كقوله عليه السلام في حديث حماد «1» و اخري لا يكون كذلك كما في جملة من الأحاديث الواردة في مقام تفسير قول الزور بالغناء فعلي الأول لا يكون معارضا لغيره و علي الثاني يتحقق التعارض كما التزم به في المستند علي ما نقل عنه في كلام سيدنا الأستاد «2».

و لاحظ ما نقله في تفسير نور الثقلين عن مجمع البيان وَ الَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال أن يتقول الرجل عليك بالباطل او يأتيك بما ليس فيك فتعرض عنه للّه «3» و في رواية اخري: انه الغناء و الملاهي 4.

و لا وجه لما افاده سيدنا الأستاد في هذا المقام حيث قال فقد تنزل الآية في مورد أو في شخص او في قوم و لكنها لا تختص بذلك المورد أو ذلك الشخص أو اولئك القوم فهي عامة المعني فقد روي العياشي باسناده عن ابي جعفر عليه السلام في قوله تعالي و لكل قوم هاد علي الهادي و منا الهادي فقلت: فأنت جعلت فداك الهادي قال: صدقت ان القرآن حي

لا يموت و الآية حية لا تموت فلو كانت الآية اذا نزلت في الأقوام و ماتوا ماتت الآية لمات القرآن و لكن هي جارية في الباقين كما جرت في الماضين «5».

و الأحاديث المذكورة في كلامه لا تدل علي صحة ما ادعاه منها ما رواه عبد الرحيم القصير قال: كنت يوما من الأيام عند أبي جعفر عليه السلام فقال: يا عبد

______________________________

(1) راجع ص 249

(2) مصباح الفقاهة ج 1 ص: 306

(3) (3 و 4) نور الثقلين ج 3 ص 529 حديث 16 و 17

(5) البيان في تفسير القرآن ص 30

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 252

الرحيم قلت: لبيك قال: قول اللّه «إِنَّمٰا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هٰادٍ» اذ قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله انا المنذر و علي الهادي من الهادي اليوم؟ قال فسكت طويلا ثم رفعت رأسي فقلت: جعلت فداك هي فيكم توارثونها رجل فرجل حتي انتهت أليك فانت- جعلت فداك- الهادي قال: صدقت يا عبد الرحيم ان القرآن حي لا يموت و الآية حية لا تموت، فلو كانت الآية اذا نزلت في الأقوام ماتوا مانت الآية لمات القرآن «1».

و هذه الرواية ضعيفة سندا مضافا الي عدم دلالتها علي المدعي.

و منها ما رواه عمر بن يزيد قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام «الَّذِينَ يَصِلُونَ مٰا أَمَرَ اللّٰهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ» قال نزلت في رحم آل محمد و قد يكون في قرابتك ثم قال فلا تكونن ممن يقول للشي ء انه في شي ء واحد «2» و يستفاد من هذه الرواية ان هذه الآية الشريفة لا تختص بمورد خاص لكن لا يستفاد من الحديث ميزان كلي هذا علي تقدير تمامية سند الحديث.

و أما

خبر فرات بن ابراهيم الكوفي الذي ذكره سيدنا الأستاد في المقام فهو ضعيف سندا فان فرات لم يوثق مضافا الي ارسال الحديث.

و صفوة القول انه لا وجه لما ادعاه فانه يمكن أن يكون المراد ان القرآن كتاب جامع نافع لكل افراد البشر و لا يختص بجماعة خاصة و بعبارة اخري كما ان الشمس فائدتها تعم جميع العالم كذلك القرآن فلا ترتبط بالمقام و علي الجملة انه لا يستفاد من النصوص المنقولة في كلامه في كتاب البيان مدعاه فلاحظ هذا علي تقدير تمامية الأحاديث المذكورة من حيث السند و أما مع عدم تمامية اسنادها فلا تصل النوبة الي ملاحظة دلالتها.

______________________________

(1) بحار الانوار ج 35 ص 403 حديث 21

(2) تفسير البرهان ج 2 ص 288 حديث 4

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 253

الوجه الثالث: جملة كثيرة من الروايات

منها ما عن زيد الشحام «1» و منها ما عن أبي الصباح «2» و منها أيضا ما عن أبي الصباح الكناني «3» و منها ما عن محمد بن مسلم «4» و منها ما عن مهران محمد 5 و منها مرسلة ابن عمير «6» و منها ما عن ابي بصير 7.

و منها ما عن أبي أسامة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال الغناء غش النفاق «8» و منها ما عن الوشاء «9».

و منها ما عن ابراهيم بن محمد المدني عمن ذكره عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال سئل عن الغناء و أنا حاضر فقال: لا تدخلوا بيوتا اللّه معرض عن أهلها «10» و منها ما عن يونس «11» و منها ما عن الريان بن الصلت 12 و منها ما عن عبد الأعلي 13 و منها ما عن الحسن بن هارون «14»

و منها ما عن محمد بن أبي عباد «15» و منها ما عن عبد الأعلي 16 و منها ما عن حماد بن عثمان «17» و منها ما عن محمد بن عمرو 18 و منها ما عن الفضل ابن الحسن الطبرسي «19».

______________________________

(1) راجع ص 247

(2) راجع ص 248

(3) راجع ص 249

(4) (4 و 5) راجع ص 245

(6) (6 و 7) راجع ص 247

(8) الوسائل الباب 99 من ابواب ما يكتسب به الحديث 10

(9) راجع 245

(10) الوسائل الباب 99 من ابواب ما يكتسب به الحديث 12

(11) (11 و 12 و 13) راجع ص 247 و 248

(14) راجع ص 246

(15) (15 و 16) راجع ص 248

(17) (17 و 18) راجع ص 249 و 248

(19) راجع ص 246

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 254

و منها ما عن عبد اللّه بن عباس عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله في حديث قال:

أن من أشراط الساعة اضاعة الصلوات و اتباع الشهوات و الميل الي الأهواء الي أن قال فعندها يكون أقوام يتعلمون القرآن لغير اللّه و يتخذونه مزامير و يكون أقوام يتفقهون لغير اللّه و تكثر اولاد الزنا و يتغنون بالقرآن الي أن قال فأولئك يدعون في ملكوت السماوات الأرجاس الأنجاس «1» و منها ما عن هشام «2».

و منها ما عن جابر بن عبد اللّه عن النبي صلي اللّه عليه و آله قال: كان ابليس أول من تغني و أول من ناح لما أكل آدم من الشجرة تغني فلما هبطت حوا الي الأرض ناح لذكره ما في الجنة «3».

و منها ما عن الحسن قال: كنت أطيل القعود في المخرج لا سمع غناء بعض الجيران قال: فدخلت علي أبي

عبد اللّه عليه السلام فقال لي يا حسن «أن السمع و البصر و الفؤاد كل اولئك كان عنه مسئولا «السمع و ما وعي و البصر و ما رأي و الفؤاد و ما عقد عليه 4.

و منها ما رواه نصر بن قابوس قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول المغنية ملعونة ملعون من أكل كسبها «5».

و منها ما رواه ابراهيم بن أبي البلاد قال: قلت: لابي الحسن الاول عليه السلام جعلت فداك أن رجلا من مواليك عنده جوار مغنيات قيمتهن أربعة عشر ألف دينار و قد جعل لك ثلثها فقال: لا حاجة لي فيها، أن ثمن الكلب و المغنية سحت «6» فتأمل.

______________________________

(1) الوسائل الباب 99 من ابواب ما يكتسب به الحديث 27

(2) راجع ص 248

(3) (3 و 4) الوسائل الباب 99 من ابواب ما يكتسب به الحديث 28 و 29

(5) الوسائل الباب 15 من ابواب ما يكتسب به الحديث 4

(6) الوسائل الباب 16 من ابواب ما يكتسب به الحديث 4

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 255

و منها ما رواه ابراهيم بن أبي البلاد قال: أوصي اسحاق بن عمر بجواز له مغنيات أن تبيعهن و يحمل ثمنهن الي أبي الحسن عليه السلام قال ابراهيم فبعت الجواري بثلاثمائة ألف درهم و حملت الثمن إليه فقلت له: أن مولي لك يقال له اسحاق بن عمر أوصي عند وفاته ببيع جوار له مغنيات و حمل الثمن أليك و قد بعتهن و هذا الثمن ثلاثمائة الف درهم فقال: لا حاجة لي فيه ان هذا سحت و تعليمهن كفر و الاستماع منهن نفاق و ثمنهن سحت «1».

و منها ما رواه الحسن بن علي الوشاء قال سئل أبو الحسن الرضا

عليه السلام عن شراء المغنية قال: قد تكون للرجل الجارية تلهيه و ما ثمنها إلا ثمن الكلب و ثمن الكلب سحت و السحت في النار «2».

و منها رواه الطاطري عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سأله رجل عن بيع الجواري المغنيات فقال: شراؤهن و بيعهن حرام و تعليمهن كفر و استماعهن نفاق 3.

و منها ما رواه ابو الربيع الشامي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال سئل عن الشطرنج و النرد فقال لا تقربوهما قلت فالغناء؟ قال: لا خير فيه لا تقربه الحديث «4».

و منها ما رواه الأعمش عن جعفر بن محمد عليهما السلام في حديث شرايع الدين قال و الكبائر محرمة و هي الشرك باللّه الي أن قال و الملاهي التي تصد عن ذكر اللّه عز و جل مكروهة كالغناء و ضرب الأوتار و الإصرار علي صغائر الذنوب «5» فان المستفاد من هذه النصوص كون الغناء حراما و لو في الجملة.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 5

(2) (2 و 3) نفس المصدر الحديث 6 و 7

(4) الوسائل الباب 102 من أبواب ما يكتسب به الحديث 10

(5) الوسائل الباب 46 من ابواب جهاد النفس الحديث 36

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 256

الفرع الثاني: أن المحدث الكاشاني خصص حرمة الغناء بما ينضم إليه محرم آخر من المحرمات الإلهية
اشارة

و الا فلا يكون الغناء بما هو حراما و استدل علي مدعاه علي ما نسب إليه بوجوه:

الوجه الأول: ما أرسله الصدوق

قال سأل رجل علي بن الحسين عليه السلام عن شراء جارية لها صوت فقال ما عليك لو اشتريتها فذكرتك الجنة يعني بقراءة القرآن و الزهد و الفضائل التي ليست بغناء فأما الغناء فمحظور «1».

بتقريب أن المستفاد من الحديث جواز شراء الجارية التي تغني و جواز استماع غنائها بشرط أن تكون مذكرة للجنة. و يرد عليه أولا أن الرواية ضعيفة سندا فلا يعتد بها و ثانيا لم يفرض في الرواية كون الجارية مغنية فلا ترتبط الرواية بالمقام.

الوجه الثاني ما رواه ابو بصير

قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن كسب المغنيات فقال: التي يدخل عليها الرجال حرام و التي تدعي الي الأعراس ليس به بأس و هو قول اللّه عز و جل: وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ «2» بتقريب ان المستفاد من الحديث اختصاص الحرمة بصورة دخول الرجال علي النساء و الا فمجرد الغناء فلا يحرم و يرد عليه أولا ان الحديث ضعيف سندا بالبطائني و ثانيا ان غاية ما يستفاد من الحديث جواز الغناء في العرائس و لا يدل علي جوازه علي الإطلاق.

الوجه الثالث: ما رواه ابو بصير أيضا

قال: قال ابو عبد اللّه عليه السلام أجر المغنية التي تزف العرائس ليس به بأس، و ليست بالتي يدخل عليها الرجال «3».

و مثله حديث آخر له أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: المغنية التي تزف

______________________________

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2

(2) الوسائل الباب 15 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1

(3) نفس المصدر الحديث 3

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 257

العرائس لا بأس بكسبها «1» و يرد عليه أن غاية ما يستفاد من الحديثين جواز الغناء في العرائس و أما جوازه في غيرها فلا يستفاد من النصين و غيرهما و لقائل أن يقول ان المستفاد من هذه النصوص جواز كسب الجارية المغنية و الجواز الوضعي لا ينافي الحرمة التكليفية و لكن ابداء هذا الأشكال يقرع الاسماع.

الوجه الرابع: ما رواه ابن جعفر عن أخيه

قال: سألته عن الغناء هل يصلح في الفطر و الاضحي و الفرح قال: لا بأس به ما لم يعص به «2» بتقريب أن المستفاد من الحديث اختصاص حرمة الغناء بصورة ضميمة العصيان الاخر الي الغناء و الا فلا يحرم. و يرد عليه أن الحديث مخدوش سندا بعبد اللّه بن حسن.

الوجه الخامس النصوص الدالة علي استحباب قراءة القرآن بألحان العرب

و بالصوت الحسن منها ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله اقرءوا القرآن بألحان العرب و أصواتها و اياكم و لحون أهل الفسق و أهل الكبائر فانه سيجي ء من بعدي أقوام يرجعون القرآن ترجيع الغناء و النوح و الرهبانية لا يجوز تراقيهم قلوبهم مقلوبة و قلوب من يعجبه شأنهم «3».

و منها ما رواه علي بن محمد النوفلي عن أبي الحسن عليه السلام قال: ذكرت الصوت عنده فقال: أن علي بن الحسين عليه السلام كان يقرأ فربما مر به المار فصعق من حسن صوته «4».

و منها ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال النبي صلي اللّه عليه و آله لكل شي ء حلية و حلية القرآن الصوت الحسن 5.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 2

(2) نفس المصدر الحديث: 5

(3) الوسائل الباب 24 من ابواب قراءة القرآن الحديث 1

(4) (4 و 5) نفس المصدر الحديث 2 و 3

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 258

و منها ما رواه علي بن عقبة عن رجل عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان علي بن الحسين عليه السلام أحسن الناس صوتا بالقرآن و كان السقاءون يمرون فيقفون ببابه يستمعون قراءته «1».

و منها ما رواه ابو بصير قال: قلت لأبي جعفر عليه

السلام اذا قرأت القرآن فرفعت به صوتي جاءني الشيطان فقال انما تراثي بهذا أهلك و الناس فقال: يا أبا محمد اقرأ قراءة ما بين القراءتين تسمع أهلك و رجع بالقرآن صوتك فان اللّه عز و جل يحب الصوت الحسن يرجع فيه ترجيعا «2».

فيستفاد من هذه النصوص ان الغناء بما هو لا يكون حراما. و فيه أن هذه النصوص علي تقدير تسليم صحة اسنادها- و لا تكون كذلك- انما تدل علي أن حسن الصوت محبوب و مطلوب بل يستحب أن يقرأ القرآن بصوت حسن و الصوت الحسن اعم من الغناء بل ربما يقال أن بين العنوانين عموما من وجه مضافا الي أنه قد صرح في حديث ابن سنان في مقام الذم «يرجعون القرآن ترجيع الغناء».

الوجه السادس: ما رواه ابن جعفر أيضا

في كتابه الا انه قال: ما لم يزمر به «3» بالتقريب المتقدم اي ما لم يزمر به و اورد علي الاستدلال سيدنا الأستاد بأن الظاهر من قوله عليه السلام ما لم يزمر به أن الصوت بنفسه صوت مزماري و لحن رقصي كالحان اهل الفسوق و يعبر عنه في الفارسية بكلمة (پسته و سرود و دو بيت و آوازه خواندن) لا أنه صوت يكون في المزمار و إلا لقال ما لم يكن في المزمار أو بالنفخ في المزمار فيدل الرواية علي تحقق الغناء بالصوت المزماري و اللحن الرقصي لا مطلقا و علي هذا يحمل قوله عليه السلام ما لم يعص به في رواية قرب الأسناد علي

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 4

(2) نفس المصدر الحديث 5

(3) الوسائل الباب 15 من ابواب ما يكتسب به ملحق الحديث 5

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 259

تقدير صدورها من الإمام و أما اطلاق الغناء علي غير

هذا القسم في هاتين الروايتين في قول السائل سألته عن الغناء و تقرير الإمام عليه السلام صحة الإطلاق بالجواب عن حكمه بقوله «لا بأس به» فهو كاطلاق نوع اهل اللغة لفظ الغناء علي المعني الأعم.

و الحق ان ما افاده خلاف الظاهر فان الظاهر من السؤال و الجواب ان الغناء قسمان قسم يزمر معه و قسم لا يكون كذلك اما القسم الأول فهو حرام و اما القسم الثاني فلا فعلي هذا يقع التعارض بين هذه الرواية و النصوص الدالة علي الحرمة و ذكرنا اخيرا ان المرجح الوحيد في باب تعارض الروايات الأحدثية فهذه الرواية ترجح علي تلك النصوص لكونها احدث ان قلت يعارضها حديث آخر لابن جعفر أيضا في كتابه عن اخيه موسي بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل يتعمد الغناء يجلس إليه، قال: لا «1» فان المستفاد من هذه الرواية حرمة استماع الغناء فيدل الحديث بالظهور العرفي علي حرمة نفس الغناء قلت يدخل المقام في اشتباه الحجة بغيرها حيث لا يميز الحديث عن القديم فالمرجع اصل البراءة عن الحرمة فالنتيجة هو الجواز و لكن هل يمكن للفقيه الالتزام بالجواز مع دعوي الضرورة علي الحرمة مضافا الي ان حديث ابن جعفر الدال علي الجواز يدل علي جواز الغناء في الفطر و الأضحي و الفرح و لم يدل علي جواز الغناء علي الإطلاق فغاية ما في الباب تخصيص الروايات الدالة علي الإطلاق بهذه الرواية فلا يتم ما افاده المحدث الكاشاني من الحلية علي الإطلاق و اللّه العالم بحقايق الأمور و عليه التوكل و التكلان.

الفرع الثالث: انه هل يجوز الغناء في القرآن أم لا؟
اشارة

نسب بل قيل ان المشهور بين المتأخرين نسبة الجواز الي السبزواري و ما يمكن ان يذكر وجها لهذا القول

______________________________

(1) الوسائل الباب

99 من ابواب ما يكتسب به الحديث 32

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 260

وجهان:

الوجه الأول: جملة من النصوص الدالة علي جواز الغناء في القرآن

و استحباب قراءة القرآن بصوت حسن «1» و فيه أولا ان النصوص المشار إليها ضعيفة سندا فلا يعتد بها و ثانيا ان الصوت الحسن اعم من الغناء و ثالثا قد صرح في حديث ابن سنان بالنهي عن قراءة القرآن بألحان اهل الفسق و الكبائر و بحرمة ترجيع القرآن ترجيع الغناء.

الوجه الثاني ان اخبار حرمة الغناء تعارض ما يدل علي استحباب قراءة القرآن

و الأدعية و الاذكار بالعموم من وجه و بعد التعارض يتساقط الدليلان في مورد التصادق و المرجع بعد التساقط دليل اصالة البراءة فالنتيجة هو الجواز.

و ربما يقال كما في كلام الماتن ان الاحكام غير الالزامية لا تزاحم الاحكام الالزامية فلا مجال للتزاحم في المقام و يقدم دليل حرمة الغناء بلا كلام.

و الحق ان يفصل الكلام في المقام و نذكر الوجوه المتصوّرة في تزاحم الادلة و تعارضها كي نري ان ما نحن فيه من اي الاقسام فنقول:

القسم الأول ما يقع التزاحم في الحكم الالزامي و غير الالزامي في مقام الامتثال و يكون مورد كل حكم اجنبي عن الاخر كما لو دار امر المكلف بين زيارة الحسين عليه السلام و الاتيان بالفريضة اليومية فلا اشكال في ان الحكم الالزامي يقدم و يكون معجزا عن القيام بما لا يكون الزاميا و لكن لا يرتبط بالمقام.

القسم الثاني: ان يكون مركز كلا الحكمين امرا واحدا و لكن دليل الحكم غير الالزامي متعرض للشي ء في حد نفسه و دليل الحكم الالزامي متعرض للشي ء بما انه معنون بالعنوان الثانوي كما لو دل دليل علي جواز اكل لحم الغنم و دل دليل آخر علي حرمة لحم الغنم الموطوء فهل يكون تعارض و تناف بين الدليلين أم لا؟ افاد سيدنا

______________________________

(1) راجع ص 257 و 258

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 261

الاستاد انه

لا تنافي بين الدليلين فان دليل جواز الاكل لا يشمل صورة و طي الحيوان و لا اطلاق له بالنسبة إليه و ما افاده غير تام اذ لا وجه لعدم الاطلاق بعد تمامية مقدمات الحكمة فانه لا فرق بين الوطي و غيره العارض علي الحيوان مثلا دليل الجواز بإطلاقه هل يدل علي حلية الحيوان لو كان مهزولا او مريضا او ولودا او عقيما او ذكرا او اثني الي غير ذلك من العوارض و هل يمكن ان يقال ان دليل الجواز لا يشمل الموضوع الملحوظ فيه العارض و هل يكون فرق بين عروض الوطي و بقية العوارض؟

كلا لكن الحق عدم التعارض و التزاحم بين الدليلين و الوجه فيه ان العرف لا يري تنافيا بين الادلة الاولية و الثانوية و لذا نري ان دليل وجوب الوفاء بالنذر و الحلف و العهد لا يعارضه دليل جواز ارتكاب متعلقاتها و لعل الوجه في التقديم انه لو قدم دليل المنع يبقي لدليل الجواز غير ما عرضه العنوان الثانوي و اما لو قدم دليل الجواز فلا يبقي لدليل المنع موضوع و هذا من الوجوه المقتضية للتقديم في نظر العرف فلاحظ.

القسم الثالث: ان يكون الموضوع واحدا لكن يكون الحكم غير الالزامي مقيدا بعدم المخالفة مع الحكم الالزامي مثاله ان قضاء الحاجة مستحب لكن بشرط عدم كونه مصداقا للمحرم ففي مثله لا يتصور التعارض كما هو ظاهر.

القسم الرابع ان يكون موضوع حكم الالزامي اجنبيا عن موضوع حكم غير الزامي و كل منهما يكون موضوع عنوان غير عنوان موضوع الدليل الاخر و كانت النسبة بينهما بالعموم من وجه فيقع التعارض بين الدليلين في موارد التصادق فلا بد من اعمال قانون التعارض و المقام كذلك فان

دليل حرمة الغناء متعرض لحرمة الغناء و دليل استحباب القرآن بالصوت الحسن متعرض لاستحباب قراءته و بين الدليلين عموم من وجه.

و رجح سيدنا الاستاد دليل المنع لكون دليل الجواز موافقا مع العامة حيث

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 262

انهم قائلون بجواز الغناء و يرد عليه انه خلاف مبناه فانه قد صرح في موضع آخر بأن مقتضي تعارض المطلقين في مورد الاجتماع تساقط الدليلين و الحق في الجواب ان يقال انه قد سبق ان الاحاديث الدالة علي استحباب قراءة القرآن بصوت حسن اسنادها مخدوشة مضافا الي انه قد صرح في بعض النصوص بالنهي عن قراءة القرآن بألحان اهل الفسوق و المعاصي و النهي عن ترجيع القرآن ترجيع الغناء فالنتيجة عدم جواز التغني في القرآن.

و لقائل ان يقول: انه لا اشكال في استحباب قراءة القرآن بالنصوص الكثيرة الواردة في هذا الباب و مقتضي اطلاق هذه النصوص استحباب قراءتها بأي وجه كان حتي لو كان علي نحو التغني و عليه يقع التعارض بين هذه النصوص و ادلة حرمة التغني بالعموم من وجه و مع عدم مرجح في احد الطرفين يكون المرجع اصل البراءة الشرعية و العقلية و هل يمكن الالتزام بهذا اللازم؟

و الذي يختلج بالبال في هذه العجالة ان هذا التقريب فاسد لوجهين: احدهما ان دليل استحباب قراءة القرآن منصرف عن القراءة الغنائية اذ قد تقدم ان الصوت الغنائي هو اللهوي المطرب الذي يناسب مجالس اهل الفسق و الفجور و تقدم أيضا ان الطرب لا يناسب العبادة و لا يناسب الرجل الالهي و الانسان الكامل و ان شئت قلت:

قراءة القرآن من العبادات و هل يمكن ان تكون العبادة مصداقا للهو و للإطراب؟

كلّا ثم كلا.

ثانيهما انه لو

تم هذا البيان يلزم تخصيص ادلة الغناء الي حد لا يبقي له موضوع او الباقي بحد يكون التخصيص الي ذلك الحد تخصيصا مستهجنا بيان المدعي ان مقتضي تعارض دليل الغناء مع دليل القراءة التعارض و التساقط و الالتزام بجواز الغناء و هذا التقريب يجري في الرثاء علي الحسين و بقية اهل البيت و يجري أيضا بالنسبة الي استحباب المواعظ و النصائح و وجوب الامر بالمعروف و النهي عن

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 263

المنكر الي غير ذلك من الموارد فالنتيجة جواز التغني في جميعها و من المقرر عندهم انه لو دار الامر بين الاخذ بدليل و تخصيص ما يعارضه بحيث يبقي تحت دليل المعارض مقدار لا يترتب عليه محذور تخصيص الاكثر و بين الاخذ بالدليل المعارض و تخصيص الطرف الاخر بحد يترتب عليه المحذور يقدم و يؤخذ بالدليل الذي لا يترتب عليه المحذور و المقام كذلك مضافا الي ان قراءة القرآن من العبادات و بعد تعارض المتعارضين و تساقطهما لا يمكن الاخذ بدليل البراءة في جواز التغني بالقرآن اذ المكلف اما يأتي بالقراءة مع قصد القربة و اما يأتي بها بلا قصد القربة أما علي الاول فلا يجوز للزوم التشريع و أما علي الثاني فمقتضي دليل حرمة الغناء حرمتها فان المعارضة فيما بين دليل التغني و القراءة بقصد القربة لا مطلقا فلاحظ.

الفرع الرابع: هل يجوز الغناء في سوق الابل المسمي بالحداء أم لا؟

ربما يقال بالجواز لجملة روايات منقولة عن طريق العامة منها ما روي عن عائشة كنا مع النبي صلي اللّه عليه و آله في سفر و كان عبد اللّه بن رواحة جيد الحداء و هو مع الرجال و انجشة مع النساء فقال النبي صلي اللّه عليه و آله يا ابن رواحة حرك

بالقوم فاندفع يرتجز فتبعه انجشة فاعتنقت الابل فقال النبي صلي اللّه عليه و آله رويدك رفقا بالقوارير يعني النساء «1».

و في سنن البيهقي ج 10 ص 227 في الشهادات عن قيس بن حازم ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله امر عبد اللّه بن رواحة ان ينزل و يحرك الركاب فنزل و قال:

و اللّه لو لا انت ما اهتدينا و ما تصدقنا و لا صلينا

فانزلن سكينة علينا و ثبت الاقدام ان لاقينا

و في صحيح البخاري ج 3 ص 43 في غزوة خبير عن سلمة بن الاكوع قال خرجنا الي خبير فسرنا ليلا فقال رجل من القوم لعامر بن الاكوع الا تسمعنا من

______________________________

(1) محاضرات للسيد علي الشاهرودي ج 1: ص 241

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 264

هنيهاتك و كان عامر رجلا شاعرا فنزل يحد و بالقوم يقول (اللهم لو لا انت ما اهتدينا) الي آخر الابيات «1».

و حيث ان الروايات المذكورة لا اعتبار بها سندا فلا يعتد بها و المرجع اطلاقات ادلة المنع فلا وجه للجواز في المقام ان قلت المعارضة بين الطرفين بالعموم من وجه فما الوجه في تقديم حرمة الغناء قلت قد مر آنفا وجه تقديم دليل حرمة الغناء علي ما يعارضها من الادلة بالعموم من وجه فلاحظ.

الفرع الخامس: هل يجوز استماع الغناء او سماعه أم لا؟

الحق هو الثاني و تدل علي المدعي جمله من النصوص منها ما رواه هشام «2» فان المستفاد من الحديث وجوب الاجتناب عن الغناء و من الظاهر ان المستمع للغناء او السامع له لا يكون مجتنبا عنه و ان شئت قلت مقتضي اطلاق الاجتناب المأمور به حرمة التغني و حرمة الاستماع و السماع فان التقييد يتوقف علي قيام دليل يقيد الاطلاق.

و منها ما رواه

مسعدة قال كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام فقال له رجل:

بأبي أنت و امي اني أدخل كنيفا ولي جيران و عندهم جوار يتغنين و يضر بن بالعود «و» فربما أطلت الجلوس استماعا مني لهن فقال عليه السلام: لا تفعل فقال الرجل:

و اللّه ما اتيتهن، انما هو سماع أسمعه بأذني فقال عليه السلام: باللّه انت أ ما سمعت اللّه يقول: إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤٰادَ كُلُّ أُولٰئِكَ كٰانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا، فقال: بلي و اللّه كاني لم اسمع بهذه الآية من كتاب اللّه من عربي و لا عجمي لا جرم اني لا اعود ان شاء اللّه و اني استغفر اللّه فقال له قم فاغتسل وصل ما بدا لك فانك كنت مقيما علي امر عظيم ما كان أسوأ حالك لو مت علي ذلك «3».

______________________________

(1) نفس المصدر

(2) راجع ص 248

(3) الوسائل الباب 18 من ابواب الاغسال المسنونة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 265

و هذه الرواية تدل علي حرمة استماعه و سماعه و يستفاد من الحديث ان حرمته شديدة لكن المذكور في الرواية التغني مع العود فالرواية تدل علي حرمة المركب من الأمرين و منها ما رواه علي بن جعفر «1» و ظاهر هذه الرواية حرمة الاستماع لا السماع و منها ما في دعائم الاسلام عن جعفر بن محمد عليه السلام ان رجلا سأله عن سماع الغناء فنهي عنه و تلا قول اللّه عز و جل: «إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤٰادَ كُلُّ أُولٰئِكَ كٰانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا» و قال: يسأل السمع عما سمع و الفؤاد عما عقد و البصر عما أبصره «2».

و منها ما عنه عليه السلام انه قال: «لا يحل بيع الغناء و لا شراؤه

و استماعه نفاق و تعلمه كفر 3.

و منها ما عن فقه الرضا عليه السلام: و قد نروي عن أبي عبد اللّه عليه السلام انه سأله بعض اصحابه فقال: جعلت فداك، ان لي جيرانا و لهم جوار مغنيات يغنين و يضربن بالعود فربما دخلت الخلاء فأطيل الجلوس استماعا مني لهن قال: فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام لا تفعل، فقال الرجل: و اللّه ما هو شي ء اتيته برجلي، انما هو شي ء أسمع بأذني، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام انت ما سمعت قول اللّه تبارك و تعالي: «إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤٰادَ كُلُّ أُولٰئِكَ كٰانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا» و أروي في تفسير هذه الآية انه يسأل السمع عما سمع و البصر عما نظروا القلب عما عقد عليه» الخبر «4».

أضف الي النصوص الدالة علي المطلوب الارتكاز المتشرعي فان المرتكز في اذهان المتشرعة بما هم متشرعون حرمة استماعه بل سماعه و اللّه العالم.

الفرع السادس: هل يجوز تعليمه أو تعلمه أم لا؟

تارة يتحقق التعليم أو التعلم بالتغني

______________________________

(1) راجع ص 259

(2) (2 و 3) مستدرك الوسائل الباب 80 من ابواب ما يكتسب به الحديث 2 و 3

(4) نفس المصدر الحديث 4

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 266

و ايجاده و اخري يتحقق بدونه أما القسم الأول فلا اشكال في حرمته لإطلاق دليل الحرمة و اما القسم الثاني فمقتضي القاعدة الأولية جوازهما و أما حديث دعائم الإسلام «1» فهو مرسل لا اعتبار به فالنتيجة جواز التعليم و التعلم.

الفرع السابع: انه هل يجوز الغناء في الفطر و الأضحي و مجالس الفرح أم لا؟

مقتضي حديث ابن جعفر «2» جوازه ما لم يكن معه محرم آخر فان مقتضي قوله عليه السلام لا بأس بهما لم يزمر به جوازه في مطلق مجلس الفرح فانه تقدم منا ان الظاهر من الحديث جواز التغني في مجلس الفرح ما دام لا يضم إليه محرم آخر.

الفرع الثامن: هل يجوز الغناء في العرائس؟

قد استدل علي جوازه بجملة من النصوص منها ما رواه ابو بصير «3» و منها ما رواه ابو بصير أيضا «4».

و منها ما رواه ما رواه بصير أيضا «5» و لكن هذه النصوص متعرضة لحكم كسب المغنية و لا تنافي بين حلية كسبها و عدم جواز التغني الا أن يقال ان العرف يفهم من الحديث جواز الاستماع و السماع.

و يمكن الاستدلال علي الجواز بحديث ابن جعفر المتقدم ذكره آنفا فان تلك الرواية بإطلاقها تدل علي جواز الغناء في العرائس هذا بحسب الصناعة و الاحتياط طريق النجاة.

الفرع التاسع: هل يحل الغناء في رثاء الحسين عليه السلام؟

ربما يقال ان دليل محبوبية الرثاء للحسين عليه السلام أو لغيره من اهل البيت يقتضي جوازه حتي

______________________________

(1) راجع ص 265

(2) راجع ص 258

(3) راجع ص 256

(4) راجع صفحه 256

(5) راجع ص 256

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 267

بالتغني و دليل حرمة الغناء يقتضي الحرمة علي الإطلاق حتي في الرثاء لهم فيقع التعارض بين الطرفين و بعد التعارض و التساقط تصل النوبة الي البراءة و يرد علي هذا التقريب أولا انه لا يبعد انصراف دليل محبوبية الرثاء عن مورد تحققه بالتغني فان التعزية و اقامة المأتم لخامس آل العباء تنافي الطرب و ما يكون مناسبا لمجالس اهل الفسق و الفجور فيكون مباينا معه و غير قابل للجمع. و ثانيا: يرد علي التقريب المذكور ما اوردناه في بعض الفروع السابقة و قلنا لا مجال لملاحظة النسبة بل مقتضي القاعدة تقديم دليل حرمة الغناء. و ثالثا: علي فرض التعارض لا وجه للتساقط بل لا بدّ من ملاحظة الأدلة و ترجيح ما يكون أحدث نعم علي تقدير عدم تميز الحادث بالنسبة الي القديم تصل النوبة الي الأخذ بالبراءة فلاحظ.

[المسألة الرابعة عشر الغيبة حرام بالأدلة الأربعة]
اشارة

«قوله قدس سره: الرابعة عشر الغيبة حرام بالأدلّة الاربعة … »

يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين:

المقام الأول: في تحقيق موضوعها

فعن لسان العرب و غيره «ان الغيبة أن تتكلم خلف انسان مستور بسوء أو بما يغمه لو سمعه» و لازم هذا التعريف شموله لما لا يكون داخلا في الموضوع قطعا كما لو اطلع علي أن فلانا يحج في كل سنة خفية و لا يرضي أن يفهم أحد و يغمه أن يطلع الغير عليه فهل يكون الأخبار به داخلا في الموضوع و حراما و في مفردات الراغب «الغيبة أن يذكر الانسان غيره بما فيه من عيب من غير ان احرج الي ذكره» و قال في مجمع البحرين «يقال اغتابه اغتيابا اذا وقع فيه و الاسم الغيبة بالكسر و هو أن يتكلم خلف انسان مستور بما يغمه لو سمعه فان كان صدقا سمي غيبة و ان كان كذبا سمي بهتانا الخ» و قال في المنجد «اغتابه اغتيابا عابه و ذكره بما فيه من السوء.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 268

و قال في الحدائق «1» في تعريف الغيبة «القول بما يكرهه و يغيظه و ان كان حقا» و عن القاموس «غابه عابه و ذكره بما فيه من السوء» و عن المصباح المنير «اغتابه اذا ذكره بما يكرهه من العيوب و هو حق» و عن الصحاح «أن يتكلم خلف انسان مستور بما يغمه لو سمعه» و قد ورد تفسيرها في جملة من الروايات منها ما رواه عبد اللّه بن سنان قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: الغيبة أن تقول في أخيك ما قد ستره اللّه عليه فاما اذا قلت ما ليس فيه فذلك قول اللّه عز و جل فَقَدِ

احْتَمَلَ بُهْتٰاناً وَ إِثْماً مُبِيناً «2».

و منها ما رواه ابن سرحان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الغيبة قال:

هو أن تقول لأخيك في دينه ما لم يفعل و ثبت «تبث ظ» عليه أمرا قد ستره اللّه عليه لم يقم عليه فيه حد «3».

و منها ما رواه ابن سيابة قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: الغيبة أن تقول في أخيك ما ستره اللّه عليه و أما الأمر الظاهر مثل الحدة و العجلة فلا و البهتان أن تقول فيه ما ليس فيه 4.

و منها ما رواه ابان عن رجل لا نعلمه الا يحيي الأرزق قال: قال لي ابو الحسن عليه السلام من ذكر رجلا من خلفه بما هو فيه مما عرفه الناس لم يغتبه و من ذكره من خلفه بما هو فيه مما لا يعرفه الناس اغتابه و من ذكره بما ليس فيه فقد بهته «5»

و منها ما رواه ابو ذر عن النبي صلي اللّه عليه و آله في وصية له قال: يا أبا ذر اياك و الغيبة فان الغيبة اشد من الزنا قلت و لم ذاك يا رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال: لأن الرجل يزني فيتوب الي اللّه فيتوب اللّه عليه و الغيبة لا تغفر حتي يغفرها

______________________________

(1) الحدائق ج 18 ص 146

(2) الوسائل الباب 152 من ابواب احكام العشرة الحديث 22

(3) (3 و 4) الوسائل الباب 154 من أبواب احكام العشرة الحديث 1 و 2

(5) نفس المصدر الحديث 3

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 269

صاحبها، يا أبا ذر سباب المسلم فسوق و قتاله كفر و اكل لحمه من معاصي اللّه و حرمة ماله كحرمة دمه قلت يا

رسول اللّه و ما الغيبة قال: ذكرك أخاك بما يكره قلت يا رسول اللّه فان كان فيه الذي يذكر به قال: اعلم انك اذا ذكرته بما هو فيه فقد اغتبته و اذا ذكرته بما ليس فيه فقد بهته «1».

و هذه الروايات كلها ضعيفة سندا و عن الشهيد التقييد بكون المغتاب في مقام الانتقاص هذه جملة من الكلمات و جملة من النصوص في تفسير هذه الكلمة و مقتضي الصناعة التحفظ علي جميع القيود المذكورة اذ بدونه لا يحرز الموضوع و مع عدم الأحراز لا مجال للأخذ بدليل الحرمة لأن الأخذ بالدليل مع الشك في تحقق الموضوع غير جائز كما حقق في محله.

فنقول القيود المستفادة من النصوص و الكلمات امور: الأول ان المذكور لا بدّ أن يكون حقا و صدقا و هذا القيد يستفاد كونه من مقومات الموضوع من النصوص المشار إليها نعم يستفاد من صدر حديث ابن سرحان «2» ان قوامها بذكر ما لم يفعله و لكن يعارضه الذيل مضافا الي القطع بان الأمر ليس كذلك و يستفاد اشتراط القيد المذكور من جل الكلمات الواردة في المقام.

الثاني: يشترط ان يكون أمرا مستورا و هذا القيد أيضا يستفاد من النصوص و الكلمات الواردة في تفسير هذه الكلمة الثالث: أن يكون موجبا لنقص في الطرف و هذا أيضا مستفاد من النصوص و الكلمات. الرابع: ان يغمه لو علم به و هذا القيد أيضا كذلك.

الخامس: انه لا بدّ أن يكون الذكر في غيابه و خلفه فالذكر في الحضور لا يكون مصداقا لها السادس: أن يكون المغتاب بالكسر في مقام انتقاص المغتاب

______________________________

(1) الوسائل الباب 152 من ابواب احكام العشرة الحديث 9

(2) راجح ص 268

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1،

ص: 270

بالفتح كما نقل عن الشهيد تقييدها به كما انه يظهر المدعي من القاموس حيث قال في مقام التفسير علي ما نقل عنه «غابه عابه و ذكره بما فيه من السوء» فان قوله في مقام التعريف «عابه» يدل علي المدعي الا أن يقال ان مجرد ذكر العيب يصدق عليه انه عابه و لو لم يكن في مقام الانتقاص و لذا عطف في القاموس علي قوله «عابه» قوله «و ذكره بما فيه من السوء» و تقييد الموضوع بهذا القيد يضيق دائرة مفهوم الغيبة غاية التضييق و لا يبعد أن تكون السيرة جارية علي عدم الاشتراط اي يرون تحقق الغيبة و لو مع عدم قصد الانتقاص.

و لا يبعد أن يستفاد بعض القيود من الآية الشريفة و هي لٰا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ «1» فكان الآية الشريفة ناظرة الي تشبيه كون الرجل غائبا بموته و تنقيصه و اهانته بأكل لحمه.

هذا تمام الكلام في المقام الأول، و أما

المقام الثاني فيقع الكلام فيه في ضمن فروع:
الفرع الأول: انه لا اشكال و لا كلام في حرمة الغيبة في الجملة
اشارة

و ما يمكن أن يذكر في مقام الاستدلال علي المدعي وجوه

الوجه الأول قوله تعالي وَ لٰا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً

الآية 2 فانه قد نهي في الآية الشريفة عن الغيبة و شبه الاغتياب بأكل لحم الأخ و لا يبعد أن يكون الوجه في التشبيه ان الاغتياب قوامه بكونه خلف المغتاب فكانه في حال كونه غائبا يكون ميتا فكما ان الميت لا يكون حاضرا فلا يكون قادرا علي الدفاع اذا اكل لحمه كذلك الغائب في حكم الميت حيث لا يقدر علي الدفاع اذا اهين و وقع النقص في عرضه.

و يمكن أن يكون الوجه في الآية ان المغتاب بالكسر يأكل الجيف في الآخرة لاحظ ما رواه الراوندي في لب اللباب عن النبي صلي اللّه عليه و آله: انه نظر في النار ليلة الأسراء، فاذا قوم يأكلون الجيف فقال: يا جبرئيل من هؤلاء قال

______________________________

(1) (1 و 2) الحجرات/ 12

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 271

هؤلاء الذين يأكلون لحم الناس «1».

الوجه الثاني: قوله تعالي لٰا يُحِبُّ اللّٰهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلّٰا مَنْ ظُلِمَ

«2» بتقريب ان الغيبة مصداق للجهر بالسوء فتحرم، و فيه انه لا يستفاد من الآية الشريفة ان الغيبة من الجهر بالسوء بل لا يبعد أن يقال أن المستفاد من الآية الشريفة ان القول السوء غير محبوب للّه تعالي و بعبارة اخري ليس المراد من القول الأخبار عن السوء كي يشمل الغيبة فتأمل نعم ببركة النص الخاص يمكن أن يجعل الغيبة مصداقا له لاحظ ما رواه ابو الجارود عنه (اي الصادق) قال الجهر بالسوء من القول أن يذكر الرجل بما فيه «3» لكن هذا ليس استدلال بالكتاب بل بالسنة مضافا الي أن السند ضعيف ظاهرا بالإضافة الي أن عدم الحب اعم من التحريم فلاحظ.

الوجه الثالث: قوله تعالي وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ

«4» بتقريب ان الغيبة مصداق للآية قال سيدنا الأستاد في هذا المقام و بين العنوانين عموم من وجه و يمكن أن يقال ان النسبة بين العنوانين عموم مطلق فان الهمز و اللمز علي ما يستفاد من اللغة الوقيعة في الغير و من ناحية اخري الغيبة عبارة عما ستره اللّه فلو قلنا انه اشرب في مفهومها كون المغتاب بالكسر في مقام الانتقاص و الوقيعة تكون الغيبة من مصاديق الهمز و اللمز و يصح الاستدلال بالآية علي حرمتها.

الوجه الرابع: قوله تعالي إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفٰاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيٰا وَ الْآخِرَةِ

«5» و فيه ان المستفاد من الآية الشريفة ان

______________________________

(1) المستدرك الباب 132 من أبواب العشرة الحديث 43

(2) النساء/ 147

(3) تفسير البرهان ج 1 ص: 425 حديث 2

(4) الهمزة/ 1

(5) النور/ 19

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 272

حب شيوع الفاحشة من المحرمات و لا ترتبط الآية بالمقام نعم يستفاد من مرسل ابن أبي عمير ان الغيبة من مصاديق الآية لاحظ ما رواه عن بعض اصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: من قال في مؤمن ما رأته عيناه و سمعته أذناه فهو من الذين قال اللّه عز و جل: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفٰاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ «1» و المرسل لا اعتبار به و للرواية سند آخر ليس فيه الإرسال و لا يبعد اعتبار السند فلاحظ لكن الاستشهاد بالرواية ليس استدلالا بالآية و المقصود الاستدلال بالآية علي المدعي.

الوجه الخامس: جملة من النصوص

منها ما رواه سليمان بن خالد عن أبي جعفر عليه السلام قال قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله المؤمن من ائتمنه المؤمنون علي أنفسهم و أموالهم و المسلم من سلم المسلمون من يده و لسانه و المهاجر من هجر السيئات و ترك ما حرم اللّه و المؤمن حرام علي المؤمن أن يظلمه أو يخذله أو يغتابه أو يدفعه «دفعه» «2».

و منها ما رواه سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال من عامل الناس فلم يظلمهم و حدثهم فلم يكذبهم و وعدهم فلم يخلفهم كان ممن حرمت غيبته و كملت مروته و ظهر عدله و وجبت اخوته 3 و منها مرسلة ابن ابي عمير «4» و منها ما رواه ابو ذر «5».

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، عمدة

المطالب في التعليق علي المكاسب، 4 جلد، كتابفروشي محلاتي، قم - ايران، اول، 1413 ه ق عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب؛ ج 1، ص: 272

و منها ما رواه زيد بن علي عن آبائه عن النبي صلي اللّه عليه و آله قال: تحرم الجنة علي ثلاثة علي المنان و علي المغتاب و علي مدمن الخمر «6».

______________________________

(1) الوسائل الباب 152 من ابواب احكام العشرة الحديث 6

(2) (2 و 3) الوسائل الباب 152 من ابواب احكام العشرة الحديث 1 و 2

(4) مر آنفا

(5) راجع ص 268

(6) الوسائل الباب 152 من ابواب احكام العشرة الحديث 10

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 273

و منها ما رواه الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه عليهم السلام في حديث المناهي أن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله نهي عن الغيبة و الاستماع إليها و نهي عن النميمة و الاستماع إليها و قال: لا يدخل الجنة قتات يعني نماما و نهي عن المحادثة التي تدعو الي غير اللّه و نهي عن الغيبة و قال: من اغتاب امرأ مسلما بطل صومه و نقض وضوءه و جاء يوم القيمة يفوح من فيه رائحة أنتن من الجيفة يتأذي به أهل الموقف و ان مات قبل أن يتوب مات مستحلا لما حرم اللّه عز و جل ألا و من تطول علي أخيه في غيبة سمعها فيه في مجلس فردها عنه رد اللّه عنه ألف باب من الشر في الدنيا و الآخرة فان هو لم يردها و هو قادر علي ردها كان عليه كوزر من اغتابه سبعين مرة «1».

و منها ما رواه نوف البكالي قال: أتيت أمير المؤمنين عليه السلام و هو في رحبة في

مسجد الكوفة فقلت السلام عليك يا أمير المؤمنين و رحمة اللّه و بركاته الي أن قال قال اجتنب الغيبة فانها ادام كلاب النار ثم قال: يا نوف كذب من زعم أنه ولد من حلال و هو يأكل لحوم الناس بالغيبة الحديث «2».

و منها ما رواه الحسين بن خالد عن الرضا عن أبيه عن الصادق عليه السلام قال: ان اللّه يبغض البيت اللحم و اللحم السمين قال: فقيل له: انا لنحب اللحم و ما تخلو بيوتنا منه فقال ليس حيث تذهب انما البيت اللحم البيت الذي تؤكل فيه لحوم الناس بالغيبة و أما اللحم السمين فهو المتبختر المتكبر المختال في مشيه 3

و منها ما رواه أسباط بن محمد يرفعه الي النبي صلي اللّه عليه و آله قال: الغيبة اشد من الزنا فقيل يا رسول اللّه و لم ذلك؟ قال أما صاحب الزنا فيتوب فيتوب اللّه عليه و أما صاحب الغيبة فيتوب فلا يتوب اللّه عليه حتي يكون صاحبه الذي

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 13

(2) (2 و 3) نفس المصدر الحديث 16 و 17

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 274

يحله «1».

و منها في كتاب الأخوان بسنده عن اسباط بن محمد رفعه عن النبي صلي اللّه عليه و آله قال: ألا أخبركم بالذي هو أشد من الزنا وقع الرجل في عرض أخيه 2

و منها رواه علقمة بن محمد عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام (في حديث) انه قال فمن لم تره بعينك يرتكب ذنبا و لم يشهد عليه عندك شاهدان فهو من أهل العدالة و الستر و شهادته مقبولة و ان كان في نفسه مذنبا و من اغتابه بما فيه فهو خارج عن ولاية اللّه تعالي

ذكره داخل في ولاية الشيطان و لقد حدثني أبي عن أبيه عن آبائه عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال: من اغتاب مؤمنا بما فيه لم يجمع اللّه بينهما في الجنة ابدا و من اغتاب مؤمنا بما ليس فيه فقد انقطعت العصمة بينهما و كان المغتاب في النار خالدا فيها و بئس المصير «3».

و منها ما في عقاب الأعمال عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله انه قال في خطبة له: و من اغتاب أخاه المسلم بطل صومه و نقض وضوءه فان مات و هو كذلك مات و هو مستحل لما حرم اللّه «4».

و منها ما عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه نظر الي رجل يغتاب رجلا عند الحسن عليه السلام ابنه فقال: يا بني نزه سمعك عن مثل هذا، فانه نظر الي أخبث ما في وعائه فافرغه في وعائك «5».

و منها ما رواه هشام بن سالم قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول لحمران بن اعين: يا حمران انظر الي من هو دونك الي ان قال و اعلم انه لا ورع انفع من

______________________________

(1) (1 و 2) نفس المصدر الحديث 18 و 19

(3) نفس المصدر الحديث 20

(4) نفس المصدر الحديث 21

(5) المستدرك الباب 132 من ابواب احكام العشرة الحديث 9

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 275

تجنب محارم اللّه عز و جل و الكف عن اذي المؤمنين و اغتيابهم «1».

و منها ما رواه الشيخ ورام بن ابي فراس في تنبيه الخاطر: عن رسول اللّه عليه و آله، انه قال: لا تحاسدوا، و لا تباغضوا و لا يغتب بعضكم بعضا و كونوا عباد اللّه اخوانا «2»

و منها ما رواه عبد اللّه

بن سنان قال: قلت له: عورة المؤمن علي المؤمن حرام قال نعم قلت يعني: سفلته قال ليس حيث تذهب انما هو اذاعة سره «3».

و منها ما رواه مفضل بن عمر قال: قال لي ابو عبد اللّه عليه السلام من روي علي مؤمن رواية يريد بها شينه و هدم مروته ليسقط من اعين الناس اخرجه اللّه من ولايته الي ولاية الشيطان فلا يقبله الشيطان 4

و منها ما عن النبي صلي اللّه عليه و آله المسلم أخو المسلم لا يخونه، و لا يخذله و لا يعيبه و لا يحرمه و لا يغتابه «5».

و منها ما عن كتاب قضاء حقوق المؤمنين للشيخ سديد الدين قال سئل الرضا عليه السلام ما حق المؤمن علي المؤمن الي أن قال و لا يظلمه و لا يغشه و لا يخونه و لا يخذله و لا يغتابه و لا يكذبه و لا يقول له اف 6 فان المستفاد من هذه النصوص حرمة الغيبة.

الوجه السادس: انه لا خلاف في حرمة الغيبة في الجملة

بل الإجماع بقسميه عليه بل الضرورة قائمة عليها.

الوجه السابع: العقل

بتقريب انه ظلم و الظلم قبيح عقلا و كل ما حكم به العقل حكم به الشرع بقانون الملازمة بين المقامين و يرد علي التقريب المذكور

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 10

(2) نفس المصدر الحديث 20

(3) (3 و 4) الوسائل الباب 157 من ابواب احكام العشرة الحديث 1 و 2

(5) (5 و 6) المستدرك الباب 105 من أبواب احكام العشرة الحديث 5 و 16

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 276

ما بيناه في بعض المباحث السابقة و قلنا لا مجال لاستفادة الحكم الشرعي بسبب حكم العقل و لا وجه لإعادة ما ذكرناه سابقا و من اراد الوقوف علي ما حققناه فليراجع ما ذكرناه سابقا.

الفرع الثاني انه هل تكون الغيبة من المعاصي الكبيرة أم لا؟
اشارة

الحق ان الغيبة معصية كبيرة و

يمكن الاستدلال علي المدعي بوجوه:
الوجه الأول ان مقتضي قوله تعالي وَ لٰا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ

«1» ان الغيبة في حكم أكل الميتة هذا من ناحية و من ناحية أخري قد دل بعض النصوص ان أكل الميتة من الكبائر لاحظ ما رواه الفضل عن الرضا عليه السلام في كتابه الي المأمون قال: الأيمان هو اداء الأمانة و اجتناب جميع الكبائر الي أن قال: و أكل مال اليتيم ظلما و أكل الميتة و الدم و لحم الخنزير «2».

و ما رواه الأعمش عن جعفر بن محمد عليهما السلام في حديث شرايع الدين قال و الكبائر محرمة و هي الشرك باللّه و قتل النفس التي حرم اللّه و عقوق الوالدين و الفرار من الزحف و أكل مال اليتيم ظلما و اكل الربا بعد البينة و قذف المحصنات و بعد ذلك الزنا و اللواط و السرقة و أكل الميتة و الدم «3» لكن الحديثين ضعيفان.

الوجه الثاني: انه قد عد ترك الصلاة من الكبائر

في حديث عبد العظيم «4» و علل بقول رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله بأن من ترك الصلاة متعمدا فقد برء من ذمة اللّه و رسوله فيعلم ان التوعيد علي ذنب و لو من الرسول صلي اللّه عليه و آله و سلم يدل علي كونه من الكبائر هذا من ناحية و من ناحية اخري لا اشكال في ان الغيبة قد توعد عليها النار من قبل اهل بيت الوحي الا أن يقال لا بدّ في الأخذ بعموم

______________________________

(1) الحجرات/ 12

(2) الوسائل الباب 46 من ابواب جهاد النفس الحديث 33

(3) نفس المصدر الحديث 36

(4) نفس المصدر الحديث 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 277

العلة من وجود العلة المنصوصة في غير مورد النص فلا بد من التوعيد علي الغيبة بمثل التوعيد علي ترك الصلاة فلا أثر لمطلق التوعيد.

الوجه الثالث: ان الغيبة كبيرة في نظر اهل الشرع و المتشرعة

و من الظاهر ان الارتكاز عندهم يدل علي أن الأمر كذلك في نظر الشارع الأقدس فان منشأ الارتكاز وصول المرتكز إليهم من ناحية صاحب الشرع.

الوجه الرابع: انه لا يبقي ريب للمراجع الي الاخبار و النصوص الواردة في بيان حرمة الغيبة

بألسنة مختلفة مع كثرتها في أن الغيبة من الكبائر فتدخل في عموم قوله تعالي إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبٰائِرَ مٰا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئٰاتِكُمْ «1».

الفرع الثالث: ان حرمة الغيبة تختص بما يكون المغتاب بالفتح شيعيا اثني عشريا
اشارة

و يمكن الاستدلال علي المدعي بوجوه:

الوجه الأول ان قوله تعالي وَ لٰا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً

«2» صدر بقوله يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا و لا ريب في أن المراد من الأخوة المذكورة في الآية الموجبة لاحترام الأخ و حرمة غيبته الأخوة الايمانية و الدينية و لا اخوة بين الشيعي و السني و بعبارة واضحة: كما ان الآية الشريفة لا تشمل الكافر و لا تدل علي حرمة غيبة الكافر كذلك لا تدل علي حرمة غيبة غير الاثني عشري و الوجه فيه ان الرسول الأكرم في غدير الخم أعلن ولاية علي بن ابي طالب عليه السلام و قال اليوم اكملت لكم دينكم فالإسلام بلا ولاية علي بن ابي طالب و اولاده المعصومين ليس دينا مقبولا عند اللّه و عند رسوله بل ولاية علي بن ابي طالب عليه السلام قد ثبتت من يوم الدار و من يوم الإنذار و من يكون مبغضا لعلي عليه السلام لا يكون اخا للشيعة.

ان قلت: المراد من الأيمان في صدر الإسلام و في زمان نزول الآية الشريفة

______________________________

(1) النساء/ 31

(2) الحجرات/ 12

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 278

و في زمان حياة الرسول الأكرم صلي اللّه عليه و آله هو الإسلام و لا اشكال في أن العامة من المسلمين قلت: لا تنافي بين الأمرين فانهم كانوا من المسلمين و لكن بعد وفاة الرسول الأكرم ارتد الناس و صفوة القول ان الإسلام قوامه بالولاية و لولاها لا اثر له.

و بعبارة واضحة: قد علم من الرسول الأكرم ان الإسلام و الدين لا يتم الا بالولاية فمن لا يكون شيعيا لا اخوة بينه و بين الشيعي فلا تشمله الآية الشريفة.

و ببيان اوضح: ان الرسول الأكرم في غدير خم جعل ولاية علي عليه السلام جزءا و

مقوما للدين فمن دخل في ولايته و ارتد بعد رسول اللّه فهو كافر و من لم يدخل في ولايته خرج عن الإسلام قبل وفاة النبي صلي اللّه عليه و آله فعلي كلا التقديرين لا يكون المخالف من اهل الأيمان. ان قلت: فعلي هذا لا بدّ من الالتزام باختصاص التكليف بحرمة الغيبة بخصوص الشيعة فلا يكون الاغتياب حراما علي السنة قلت: لا تنافي بين الأمرين فان الأحكام مشتركة بين جميع المكلفين و لذا نقول الكفار مكلفون بالفروع كما يكونون مكلفين بالأصول و صفوة القول ان المراد بالأخوة المذكورة في الآية الشريفة الأخوة الايمانية و حيث ان السني ليس مسلما لا يشمله دليل تحريم غيبة الأخ المؤمن فتختص الآية بحرمة غيبة الشيعي.

الوجه الثاني: ان غير الشيعي كافر و لا يحرم غيبة الكافر

و يدل علي كفر المخالفين و من لا يكون مواليا جملة كثيرة من الأخبار منها ما رواه الفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام قال: ان اللّه عز و جل نصب عليا عليه السلام علما بينه و بين خلقه فمن عرفه كان مؤمنا و من انكره كان كافرا و من جهله كان ضالا و من نصب معه شيئا كان مشركا و من جاء بولايته دخل الجنة «1».

و منها ما رواه ابو حمزة قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: ان عليا عليه السلام

______________________________

(1) الاصول من الكافي ج 1 ص 437 حديث 7

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 279

باب فتحه اللّه فمن دخله كان مؤمنا و من خرج منه كان كافرا و من لم يدخل فيه و لم يخرج منه كان في الطبقة الذين قال اللّه تبارك و تعالي: «لي فيهم المشيئة» «1».

و منها ما رواه ابو سلمة عن أبي عبد اللّه عليه

السلام قال سمعته يقول: نحن الذين فرض اللّه طاعتنا لا يسع الناس الا معرفتنا و لا يعذر الناس بجهالتنا من عرفنا كان مؤمنا و من أنكرنا كان كافرا و من لم يعرفنا و لم ينكرنا كان ضالا حتي يرجع الي الهدي الذي افترض اللّه عليه من طاعتنا الواجبة فان يمت علي ضلالته يفعل اللّه به ما يشاء «2».

و منها ما رواه عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عز و جل، و الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمٰانَهُمْ بِظُلْمٍ قال: بما جاء به محمد صلي اللّه عليه و آله من الولاية و لم يخلطوها بولاية فلان فهو الملبس بالظلم «3».

و منها ما رواه طلحة بن زيد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال من اشرك مع امام إمامته من عند اللّه من ليست إمامته من اللّه كان مشركا باللّه «4».

و منها ما رواه جابر قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول اللّه عز و جل وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللّٰهِ أَنْدٰاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّٰهِ قال هم و اللّه اولياء فلان و فلان اتخذوهم ائمة دون الإمام الذي جعله اللّه للناس إماما، فلذلك قال و لو تري الذين ظلموا اذ يرون العذاب ان القوة للّه جميعا و ان اللّه شديد العذاب اذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا و رأوا العذاب و تقطعت بهم الأسباب و قال الذين اتبعوا لو ان لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك يريهم اللّه اعمالهم حسرات عليهم و ما هم بخارجين من النار ثم قال ابو جعفر عليه السلام هم و اللّه يا جابر ائمة الظلمة و أشياعهم 5.

______________________________

(1)

الاصول من الكافي ج 1 ص 437 حديث 8

(2) الاصول من الكافي ج 1 ص 187 حديث 11

(3) الاصول من الكافي ج 1 ص 413 حديث 3

(4) (4 و 5) الاصول من الكافي ج 1 ص 373 حديث 6 و 11

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 280

و منها ما رواه الفضيل بن يسار قال ابتدأنا ابو عبد اللّه عليه السلام يوما و قال:

قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله من مات و ليس عليه امام فميتته ميتة جاهلية فقلت:

قال ذلك رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله؟ فقال اي و اللّه قد قال قلت: فكل من مات و ليس له امام فميتته ميتة جاهلية؟ قال: نعم «1».

و منها ما رواه الحارث بن المغيرة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله من مات لا يعرف امامه مات ميتة جاهلية؟ قال: نعم، قلت: جاهلية جهلاء؟ او جاهلية لا يعرف امامه؟ قال جاهلية كفر و نفاق و ضلال «2».

و منها ما رواه عمار الساباطي قال قال سليمان بن خالد لأبي عبد اللّه عليه السلام و انا جالس: اني منذ عرفت هذا الأمر أصلي في كل يوم صلاتين أقضي ما فاتني قبل معرفتي قال: لا تفعل فان الحال التي كنت عليها أعظم من ترك ما تركت من الصلاة «3».

و منها ما رواه محمد بن جعفر عن ابيه عليه السلام قال: علي عليه السلام باب هدي من خالفه كان كافرا و من انكره دخل النار «4».

و منها ما رواه المفضل بن عمر عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال أبو جعفر عليه السلام ان اللّه جعل عليا عليه

السلام علما بينه و بين خلقه ليس بينه و بينهم علم غيره فمن تبعه كان مؤمنا و من جحده كان كافرا و من شك فيه كان مشركا 5.

و منها ما رواه مروان بن مسلم قال: قال الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام الإمام علم فيما بين اللّه عز و جل و بين خلقه فمن عرفه كان مؤمنا و من انكره كان

______________________________

(1) الاصول من الكافي ج 1 ص 376 حديث 1

(2) الاصول من الكافي ج 1 ص 377 حديث 3

(3) الوسائل الباب 31 من ابواب مقدمة العبادات الحديث 4

(4) (4 و 5) الوسائل الباب 10 من أبواب حد المرتد الحديث 14 و 13

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 281

كافرا «1».

و منها ما رواه سدير قال: قال ابو جعفر عليه السلام في حديث ان العلم الذي وضعه رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله عند علي عليه السلام من عرفه كان مؤمنا و من جحده كان كافرا ثم كان من بعده الحسن عليه السلام بتلك المنزلة الحديث 2.

و منها ما عن الاعتقادات قال قال الصادق عليه السلام من شك في كفر اعدائنا و الظالمين لنا فهو كافر «3».

و منها ما رواه صفوان الجمال عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لما نزلت الولاية لعلي عليه السلام قام رجل من جانب الناس فقال: لقد عقد هذا الرسول لهذا الرجل عقدة لا يحلها الا كافر «4».

و منها ما رواه يحيي بن القاسم عن جعفر بن محمد عن آبائه عن النبي صلي اللّه عليه و آله قال: الأئمة بعدي اثنا عشر اولهم علي بن ابي طالب و آخرهم القائم الي أن قال؟ المقرّ بهم مؤمن و المنكر لهم

كافر «5».

و منها ما رواه موسي بن عبد ربه عن الحسين بن علي عليهما السلام عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله في حديث قال: من زعم انه يحب النبي صلي اللّه عليه و آله و لا يحب الوصي فقد كذب و من زعم انه يعرف النبي صلي اللّه عليه و آله و لا يعرف الوصي فقد كفر 6.

و منها ما رواه ابو خالد الكابلي عن علي بن الحسين عليهما السلام قال: قلت له: كم الأئمة بعدك؟ قال: ثمانية لأن الأئمة بعد رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله اثنا عشر الي أن قال و من أبغضنا وردنا أورد واحدا منا فهو كافر باللّه و بآياته 7.

______________________________

(1) (1 و 2) نفس المصدر الحديث 18 و 19

(3) نفس المصدر الحديث 20

(4) نفس المصدر الحديث 25

(5) (5 و 6 و 7) نفس المصدر الحديث 27 و 28 و 29

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 282

و منها ما رواه أبو حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام قال: من المحتوم الذي لا تبديل له عند اللّه قيام قائمنا فمن شك فيما أقول لقي اللّه و هو به كافر و له جاحد «1».

و منها ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال من اصبح من هذه الأمة لا امام له من اللّه اصبح تائها متحيرا ضالا ان مات علي هذه الحال مات ميتة كفر و نفاق «2».

و منها ما رواه احمد بن محمد بن مطهر قال: كتب بعض اصحابنا الي أبي محمد عليه السلام يسأله عمن وقف علي أبي الحسن موسي عليه السلام فكتب:

لا تترحم علي عمك و تبرأ منه انا

الي اللّه منه بري ء فلا تتولهم و لا تعد مرضاهم و لا تشهد جنائزهم وَ لٰا تُصَلِّ عَليٰ أَحَدٍ مِنْهُمْ مٰاتَ أَبَداً، من جحد إماما من اللّه أو زاد إماما ليست إمامته من اللّه كان كمن قال «إِنَّ اللّٰهَ ثٰالِثُ ثَلٰاثَةٍ» ان الجاحد أمر آخرنا جاحد أمر اولنا، الحديث 3.

و منها ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت لأنك لم تجد رجلا يقول أنا أبغض محمدا و آل محمد و لكن الناصب من نصب لكم و هو يعلم أنكم تتولونا و انكم من شيعتنا «4».

فان المستفاد من هذه النصوص ان من لا ولاية له ليس مسلما و من لا يكون مسلما لا حرمة له فتحصل انه لا مقتضي للالتزام بحرمة غيبة غير الشيعي و بعبارة واضحة علي تقدير تسلم شمول اطلاق الآية بدوا لا بدّ من رفع اليد عنه بالنصوص الواردة الدالة علي اختصاص الإسلام بخصوص الاثني عشري نعم قد حكم في الشريعة

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 32

(2) (2 و 3) نفس المصدر الحديث 37 و 40

(4) عقاب الاعمال للصدوق ص 247 حديث 4

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 283

المقدسة علي ترتيب آثار الإسلام عليهم في الجملة لمصالح و حكم ملحوظة في نظر الشارع و ان شئت قلت انهم مسلمون في الدنيا في الجملة و كافرون في الآخرة و الالتزام بهذا التفصيل لا يتوجه إليه اشكال بعد وفاء الأدلة به فلاحظ.

و يدل علي كفرهم قوله عليه السلام في الزيارة الجامعة و من جحدكم كافر و يدل عليه أيضا قوله عليه السلام فيها و من وحده قبل عنكم فانه ينتج بعكس النقيض

ان لم يقبل عنكم لم يوحده بل هو مشرك باللّه العظيم.

و يدل بعض النصوص علي كون المخالف ناصبيا لاحظ ما رواه ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ليس الناصب من نصب لنا اهل البيت لانك لا تجد رجلا يقول: انا ابغض محمدا و آل محمد و لكن الناصب من نصب لكم و هو يعلم أنكم تتولونا و أنكم من شيعتنا «1».

الوجه الثالث ما ورد من النص الدال علي جواز الوقيعة في المخالفين و جواز سبهم و الأمر ببهتانهم

لاحظ ما رواه ابن سرحان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله اذا رأيتم أهل الريب و البدع من بعدي فاظهروا البراءة منهم و اكثروا من سبهم و القول فيهم و الوقيعة، و باهتوهم كيلا يطمعوا في الفساد في الإسلام و يحذرهم الناس و لا يتعلمون من بدعهم يكتب اللّه لكم بذلك الحسنات و يرفع لكم به الدرجات في الآخرة «2».

الوجه الرابع: انهم متجاهرون بالفسق و تجوز غيبة المتجاهر

فانه اي فسق اعظم من انكار الولاية و اي عصيان اعظم من حب الخلفاء اضعف الي ذلك ان اعمالهم كلها باطلة بمقتضي النص الخاص لاحظ ما رواه ابن مسلم قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: كل من دان اللّه عز و جل بعبادة يجهد فيها نفسه و لا امام له من اللّه فسعيه غير مقبول و هو ضال متحير و اللّه شاني ء لأعماله (الي أن قال) و ان مات

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس الحديث 3

(2) الوسائل الباب 39 من ابواب الامر و النهي و ما يناسبهما الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 284

علي هذه الحال مات ميتة كفر و نفاق و اعلم يا محمد ان ائمة الجور و أتباعهم لمغرولون عن دين اللّه قد ضلوا و أضلوا فاعمالهم التي يعملونها كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا علي شي ء ذلك هو الضلال البعيد «1»

و عليه يكون المخالف متجاهرا بترك العبادات لكن هذا التقريب انما يتم علي تقدير الالتزام بجواز غيبة المتجاهر حتي في غير ما تجاهر به و نتعرض لهذه الجهة في بعض الفروع الآتية فانتظر.

الوجه الخامس: السيرة العملية من المتشرعة

بما هم كذلك فانهم لا يبالون من غيبة المخالف و سبه و الوقيعة فيه و هذا برهان واضح علي الجواز فلا مجال لما عن الأردبيلي من الأشكال فالمتحصل مما تقدم عدم حرمة غيبة المخالف و لا يخفي انه لا فرق في المدعي بين المقصر منهم و بين قاصرهم اذ ظهر مما ذكرنا ان حرمة الغيبة تختص بالأخ الإيماني و لا ايمان للمخالف فلا فرق بين القاصر و المقصر فلاحظ.

الفرع الرابع هل تختص حرمة الغيبة بمورد يكون المغتاب بالفتح بالغا او لا اختصاص بالبالغ

لا يبعد أن يقال مقتضي اطلاق الآية الشريفة شمولها للمميز فان المميز اذا أقر بما هو معتبر في الأيمان يكون داخلا في عداد المؤمنين و بعبارة واضحة لا اشكال في صحة عبادات الصبي فاذا كانت عباداته التي هي من الفروع صحيحة و مقبولة فبالأولوية اعتقاداته صحيحة مضافا الي أن صحة العبادات تتوقف علي الاعتقاد و الأيمان فلا اشكال في صدق عنوان المؤمن عليه اذا كان واجدا لشرائطه و بعد صدق العنوان عليه لا وجه للالتزام بجواز غيبته مع شمول الإطلاق الكتابي و الخبري اياه فلاحظ و يؤيد المدعي لو لم يدل عليه قوله تعالي وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتٰاميٰ

______________________________

(1) الوسائل الباب 29 من ابواب مقدمة العبادات الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 285

قُلْ إِصْلٰاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَ إِنْ تُخٰالِطُوهُمْ فَإِخْوٰانُكُمْ «1» فانه اطلق علي اليتيم عنوان الأخ

الفرع الخامس: انه ذكر سيدنا الأستاد انه ليس في المسألة ما يعتمد عليه في تعريف الغيبة

و تفسيرها الا بعض الروايات الضعيفة و عليه فكلما شككنا في تحقق موضوع الغيبة للشك في اعتبار قيد في المفهوم أو شرط في تحققه يرجع الي اصالة العدم انتهي «2».

و الظاهر من كلامه ان كل قيد أو شرط شك فيه يدفع باصالة العدم و ما أفاده غير تام فانه ما المراد من الأصل المذكور فان كان المراد من الأصل الاستصحاب فيرد عليه ان اثبات سعة المفهوم باستصحاب عدم اخذ القيد الفلاني في الموضوع له من أظهر انحاء المثبت و ان كان المراد به غير الاستصحاب فالظاهر انه ليس في المقام اصل يقتضي السعة في المفهوم بل الأمر علي العكس كما تقدم منا في المقام الأول و قلنا مقتضي القاعدة الأولية اخذ جميع القيود المحتملة اذ مع عدم أخذ القيود المحتملة لا يحرز الموضوع و مع عدم

احرازه لا مجال للأخذ بالعمومات لعدم جواز الأخذ بالدليل في الشبهة المصداقية بل مقتضي الاستصحاب الجاري في الموضوع احراز عدم كونه من مصاديق العام فانا ذكرنا مرارا انا لا نري مانعا عن جريان الأصل في المفاهيم المجملة فالحق ان الغيبة كما تقدم منا عبارة عن ذكر عيب مستور في مقام الانتقاص و يكون المغتاب بالفتح غائبا و يكون بحيث لو اطلع يتأثر فتحقق الغيبة بحسب المفهوم متقوم بقيود:

الأول: كون المخبر به نقصا في المقول فيه بلا فرق بين كون العيب عيبا دينيا أو دنيويا و بلا فرق بين كونه عيبا في بدنه أو خلقه أو ما يتعلق به.

الثاني: أن يكون في خلف المغتاب بالفتح الثالث: أن يكون المغتاب بالكسر

______________________________

(1) البقرة/ 220

(2) مصباح الفقاهة ج 1 ص 329

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 286

في مقام الانتقاص و الوقيعة في المقول فيه الرابع: أن يتأثر المغتاب بالفتح لو علم به.

الخامس: أن يكون العيب المقول مستورا اي لا يكون من الأمور المكشوفة و أيضا يكون مستورا عند المخاطب و الوجه في الاحتفاظ علي القيود المزبورة التفاسير المذكورة للغيبة من النصوص و من كلمات الفقهاء و من كلمات اللغويين و علي هذا الأساس لو قال و وقع في اخيه المؤمن ما لا واقعية له لا يكون غيبة و لو كشف عما ستره اللّه و لم يكن بداعي الانتقاص لا يكون غيبة و لو كان في حضوره و كشف عن عيوبه لا يكون غيبة و لو قال فيه ما لا يسوؤه لو علم به لا يكون غيبة و مما ذكرنا يظهر النقاش في جملة مما افاده سيدنا الأستاد علي ما في التقرير.

الفرع السادس: انه يشترط في تحقق الحرمة تعيين المغتاب بالفتح

اذ مع التردد لا ينكشف ما

ستره اللّه و ان شئت قلت ان الظاهر من الآية الشريفة اعتبار كون المغتاب بالفتح شخصا معلوما و بعبارة واضحة: مع عدم التميز لا يصدق ان زيدا اغتاب فلانا فانه مع عدم التميز لا يصدق هذا العنوان نعم ربما تحرم الوقيعة و لو مع عدم التميز كما لو قال احد هؤلاء العشرة سارق أو قاتل فان هذه الجملة اهانة بالنسبة الي جميعهم و الإهانة حرام و هذا امر آخر.

الفرع السابع: هل يكون استماع الغيبة حراما أم لا؟

قال سيدنا الأستاد الظاهر انه لا خلاف بين الشيعة و السنة في حرمة استماع الغيبة انتهي و ما يمكن ان يستدل به علي الحرمة بعض النصوص منها ما في كتاب الروضة علي ما في مجموعة الشهيد عن ابي عبد اللّه عليه السلام انه قال: الغيبة كفر و المستمع لها و الراضي بها مشرك قلت: فان قال ما ليس فيه؟ فقال: ذاك بهتان «1».

و منها عن الشيخ ابو الفتوح الرازي في تفسيره عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله انه قال: «السامع للغيبة احد المغتابين 2.

______________________________

(1) (1 و 2) المستدرك الباب 136 من ابواب العشرة الحديث 6 و 7

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 287

و منها ما عن القطب الراوندي في لب اللباب عن النبي صلي اللّه عليه و آله انه قال: من سمع الغيبة و لم يغير كان كمن اغتاب و من رد عن عرض اخيه المؤمن كان له سبعون الف حجاب من النار» «1» و منها ما رواه الحسين بن «2» و هذه النصوص كلها ضعيفة سندا فلا يعتد بها.

الفرع الثامن: هل يجب علي السامع انتصار المغتاب بالفتح أم لا

و تدل علي محبوبية الانتصار جملة من النصوص منها ما رواه الحسين بن سعيد الأهوازي في كتاب المؤمن عن ابي جعفر عليه السلام انه قال من اغتيب عنده اخوه المؤمن فلم ينصره و لم يدفع عنه و هو يقدر علي نصرته و عونه فضحه اللّه عز و جل في الدنيا و الآخرة «3» و منها ما رواه القطب الراوندي في لب اللباب «4».

و منها ما روي عن النبي صلي اللّه عليه و آله قال من اغتيب عنده اخوه المسلم فاستطاع ان ينصره فنصره نصره اللّه في الدنيا و الآخرة «5».

و منها:

ما عن النبي صلي اللّه عليه و آله: من رد عن عرض اخيه المسلم وجبت له الجنة البتة «6».

و منها: ما عن العسكري قال عليه السلام: من حضر مجلسا و قد حضر فيه كلب يفرس عرض اخيه الغائب الي أن قال: ورد عليه و ذب عن عرض اخيه الغائب قيض اللّه الملائكة الي أن قال فأحسن كل واحد بين يدي اللّه محضره «7».

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 8

(2) راجع ص 273

(3) المستدرك الباب 136 من ابواب العشرة الحديث 2

(4) مر آنفا

(5) المستدرك الباب 136 من ابواب العشرة الحديث 9

(6) نفس المصدر الحديث 1

(7) نفس المصدر الحديث 3

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 288

و منها ما عن أبي عبد اللّه عليه السلام «1» و منها: ما عن النبي صلي اللّه عليه و آله من رد عن عرض اخيه كان له حجابا من النار «2».

و منها: ما عن أمير المؤمنين عليه السلام حين نظر الي رجل يغتاب رجلا عند الحسن ابنه فقال يا بني نزه سمعك عن مثل هذا «3».

و منها ما رواه القاسم بن محمد بن جعفر العلوي عن أبيه عن آبائه عن علي عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله للمسلم علي أخيه ثلاثون حقا لا براءة منها الا بالأداء أو العفو الي أن قال و ينصره ظالما و مظلوما فأما نصرته ظالما فيرده عن ظلمه و أما نصرته مظلوما فيعينه علي أخذ حقه «4» و هذه النصوص كلها ضعيفة فلا يعتد بها في مقام الاستدلال لكن الظاهر ان حديث الحسين بن سعيد عن أبي جعفر عليه السلام تام سندا و يدل علي وجوب الانتصار فلاحظ.

الفرع التاسع: هل يجب علي المغتاب بالكسر الاستحلال من المغتاب بالفتح أم لا؟

فانه نقل أن جمعا

من الأصحاب ذهبوا الي وجوب الاستحلال و يمكن الاستدلال علي المدعي بأن المستفاد من جملة من النصوص ان الغيبة لا تغفر حتي، يغفر المغتاب بالفتح منها ما رواه العلوي عن علي عليه السلام الي أن قال ثم قال عليه السلام سمعت رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله يقول: أن أحدكم ليدع من حقوق أخيه شيئا فيطالبه به يوم القيمة فيقضي له و عليه 5 بتقريب ان المستفاد من الحديث ان احدا لو لم يؤد حقا من حقوق أخيه المؤمن يطالب يوم القيامة هذا من ناحية و من ناحية اخري ان من حقوق المؤمن عدم اغتيابه فيجب الاستحلال كي لا يبقي ليوم القيامة و فيه أولا ان الحديث ضعيف سندا و لا يكون قابلا للاستناد إليه، و ثانيا: انه لا

______________________________

(1) لاحظ ص 286

(2) المستدرك الباب 136 من ابواب احكام العشرة الحديث 4

(3) نفس المصدر الحديث 5

(4) (4 و 5) الوسائل الباب 122 من ابواب العشرة الحديث 24

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 289

يستفاد من الحديث وجوب الاستحلال من صاحب الحق نعم يمكن أن يقال ان العقل يحكم بوجوب الاستحلال دفعا للضرر الأخروي اي بعد ما استفيد من الحديث توقف الغفران علي الاستحلال يحكم العقل بلزومه دفعا للضرر المحتمل و منها ما رواه اسباط «1» و الحديث ضعيف سندا و منها ما رواه ابو ذر «2» و الحديث ضعيف سندا.

و منها ما ارسله الراوندي عن النبي صلي اللّه عليه و آله قال عقوبة الغيبة اشد من عقوبة الزنا. قيل: و لم يا رسول اللّه؟ قال: لأن صاحب الزنا يتوب فيغفر اللّه له و لا تغفر الغيبة الا أن يحلله صاحبه «3» و المرسل لا

اعتبار به.

و منها ما عن النبي صلي اللّه عليه و آله اياكم و الغيبة، فان الغيبة أشد من الزنا ان الرجل يزني و يتوب فيتوب اللّه عليه و ان صاحب الغيبة لا يغفر له حتي يغفر له صاحبه «4» و الحديث ضعيف سندا.

و منها ما عن النبي صلي اللّه عليه و آله أيضا من اغتاب مسلما او مسلمة، لم يقبل اللّه تعالي صلاته و لا صيامه اربعين يوما و ليلة الا أن يغفر له صاحبه «5» و الحديث ضعيف سندا فالنتيجة انه لا دليل علي وجوب الاستحلال و يستفاد من حديث مصباح الشريعة قال الصادق عليه السلام الغيبة حرام علي كل مسلم مأثوم صاحبها في كل حال (الي أن قال) فان اغتبت فبلغ المغتاب فاستحل منه فان لم تبلغه و لم تلحقه

______________________________

(1) راجع: ص 273

(2) راجع ص: 268

(3) المستدرك الباب 135 من أبواب العشرة الحديث 3

(4) المستدرك الباب 132 من أبواب العشرة الحديث 21

(5) نفس المصدر الحديث 34

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 290

فاستغفر اللّه له و الغيبة تأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب «1»، التفصيل بين صورة بلوغ المغتاب و اطلاعه علي اغتيابه و عدم بلوغه ففي الصورة الأولي يجب الاستحلال و في الصورة الثانية لا يجب و لكن الحديث ضعيف سندا و منها ما عن النبي صلي اللّه عليه و آله كفارة من اغتبته أن تستغفر له و قوله صلي اللّه عليه و آله من كانت عنده في قبله مظلمة في عرض أو مال فليتحللها منه من قبل أن يأتي يوم ليس هناك دينار و لا درهم يؤخذ من حسناته فان لم تكن له حسنات اخذ من سيئات صاحبه فزيدت علي

سيئاته «2» و الحديث ضعيف سندا.

الفرع العاشر: هل يجب علي المغتاب بالكسر أن يستغفر للمغتاب بالفتح

ربما يقال يستفاد من بعض النصوص وجوب الاستغفار لاحظ ما رواه حفص بن عمير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال سئل النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم ما كفارة الاغتياب قال: تستغفر اللّه لمن اغتبته كلما ذكرته «3» و الحديث ضعيف سندا مضافا الي أنه يستفاد منه وجوب الاستغفار كلما ذكر المغتاب بالكسر المغتاب بالفتح و هذا مقطوع الخلاف.

و لاحظ حديث موسي قال حدثنا أبي عن أبيه عن جده جعفر بن محمد عن أبيه عن جده علي بن الحسين عن أبيه عن علي عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله من ظلم أحدا فعابه، فليستغفر اللّه له كما ذكره فانه كفارة له «4».

و حديث أنس بن مالك قال قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله «كفارة الاغتياب أن تستغفر لمن اغتبته 5 و كلا الحديثين ضعيفان.

______________________________

(1) المستدرك الباب 132 من ابواب العشرة الحديث 19

(2) بحار الانوار ج 75 ص 243

(3) الوسائل الباب 155 من أبواب أحكام العشرة الحديث 1

(4) (4 و 5) المستدرك الباب 135 من العشرة الحديث 1 و 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 291

و لاحظ ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله من ظلم أحدا و فاته فليستغفر اللّه له فانه كفارة له «1» بتقريب ان الغيبة ظلم من المغتاب بالكسر بالنسبة الي المغتاب بالفتح فيجب الاستغفار له.

و فيه ان السند ضعيف فلا يعتد بالرواية فلا دليل علي وجوب الاستغفار.

الفرع الحادي عشر: ان اسباب الغيبة مختلفة

و قد تعرض لها حديث مصباح الشريعة قال الصادق عليه السلام الغيبة حرام علي كل مسلم (الي أن قال) و اصل

الغيبة يتنوع بعشرة انواع: شفاء غيظ و مساعدة قوم و تهمة و تصديق خبر بلا كشفه و سوء ظن و حسد و سخرية و تعجب و تبرم و تزين «2» و الحديث ضعيف كما تقدم.

الفرع الثاني عشر انه هل يجوز اغتياب من يكون راضيا باغتيابه أم لا؟

الظاهر هو الثاني فان مقتضي اطلاق ادلة الحرمة عدم الفرق و كونه راضيا به لا يستلزم عدم تأثره من اغتيابه و بعبارة اخري يمكن أن يتأثر الإنسان من أمر و مع ذلك يأذن به

ثم انه قد ذكرت موارد لجواز الغيبة
اشارة

و لا بدّ من ملاحظة كل واحد منها و النظر في دليل الاستثناء

المورد الأول: المتجاهر بالفسق
اشارة

قال سيدنا الاستاد: المتجاهر بالفسق يجوز اغتيابه بلا خلاف بين الشيعة و السنة و الإنصاف انه لو كان جوازه متفقا عليه بين المسلمين يطمئن الإنسان بالجواز و قد وردت جملة من النصوص في المقام منها ما رواه سماعة «3» و هذه الرواية بمفهومها تدل علي أن من عامل الناس فظلمهم الي آخرها بحيث يكون واضح الظلم و الكذب و متجاهرا بالفسق لا حرمة له و تجوز غيبته هذا من حيث الدلالة و اما من حيث السند فالظاهر تمامية السند و لا اشكال فيه من حيث عثمان الواقفي المستبد بمال أبي الحسن الرضا

______________________________

(1) الوسائل الباب 78 من أبواب جهاد النفس الحديث 5

(2) المستدرك الباب 132 من ابواب العشرة الحديث 19

(3) لاحظ صفحه 272

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 292

عليه السلام فان سيدنا الأستاد اختار ان الرجل ثقة و الشيخ و ابن شهرآشوب وثقاه مضافا الي كونه من اصحاب الإجماع و قد ذكرنا في محله ان كون الرجل من اصحاب الإجماع دليل علي كونه ثقه فان الإجماع المذكور بلحاظ كونه ثقة عند المجمعين الا أن يقال انه لا وجه للتعدي عن مورد الحديث و لا تستفاد منه الكبري الكلية فلا يكون دليلا علي المدعي و يؤيد الجواز بعض النصوص منها ما رواه داود بن سرحان «1» و منها ما رواه عبد الرحمن بن سيابة 2.

و منها ما رواه قطب الراوندي عن النبي صلي اللّه عليه و آله أنه قال: لا غيبة لثلاثة: سلطان جائر و فاسق معلن و صاحب بدعة «3».

و منها ما رواه موسي بن إسماعيل عن أبيه عن أبيه موسي

بن جعفر عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله أربعة ليس غيبتهم غيبة: الفاسق المعلن بفسقه و الإمام الكذاب ان احسنت لم يشكر و ان اسأت لم يغفر و المتفكهون بالأمهات و الخارج من الجماعة الطاعن علي امتي الشاهر عليها سيفه 4.

و منها ما رواه الشيخ المفيد في الاختصاص عن الرضا عليه السلام قال: من القي جلباب الحياء فلا غيبة له «5».

و منها ما عن عوالي اللآلي عن النبي صلي اللّه عليه و آله انه قال: لهند بنت عقبه امرأة ابي سفيان- حين قالت: ان أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني و ولدي ما يكفيني- فقال لها: خذي لك و لولدك ما يكفيك بالمعروف 6.

و منها ما عنه صلي اللّه عليه و آله انه قال لفاطمة بنت قيس حين شاورته في خطابها: اما معاوية فرجل صعلوك لا مال له و اما ابو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه 7.

______________________________

(1) (1 و 2) راجع ص 268

(3) (3 و 4) المستدرك الباب 134 من ابواب العشرة الحديث 1 و 2

(5) (5 و 6 و 7) نفس المصدر الحديث 3 و 4 و 5

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 293

و منها ما عن الاختصاص قال الرضا عليه السلام من ألقي جلباب الحياء فلا غيبة له «1».

و في المقام حديث عن ابي عبد اللّه عليه السلام الي ان قال قال رسول اللّه عليه و آله لا غيبته الا لمن صلي في بيته و رغب عن جماعتنا و من رغب عن جماعة المسلمين وجب علي المسلمين غيبته و سقطت بينهم عدالته و وجب هجرانه و اذا رفع الي امام المسلمين انذره و

حذره فان حضر جماعة المسلمين و الا احرق عليه بيته و من لزم جماعتهم حرمت عليهم غيبته و ثبتت عدالته بينهم «2» و مقتضي اطلاق الحديث جواز الغيبة بمجرد ترك الجماعة و لا يمكن الالتزام به اذ الجماعة لا تكون واجبة مضافا الي ان مقتضي اطلاق الحديث عدم الفرق بين المتجاهر بالترك و عدمه فيشكل العمل به و علي فرض العمل به لا بدّ من اختصاص الحكم بمورده اضف الي ذلك ضعف السند فالمدرك مختص بحديث سماعة الا ان يقال ان حديث سماعة وارد في مورد خاص و هو الذي تصدق عليه العناوين المذكورة في الرواية و اما المتجاهر بالفسق علي نحو الإطلاق فلا يدل الحديث علي جواز غيبته.

و قال سيدنا الأستاد انه يستفاد من هذا الحديث اختصاص حرمة الغيبة بالعادل و لم يلتزم به احد و يرد عليه أن المستفاد من الحديث أن الواجد لهذه الشروط ممن تحرم غيبته لا ان حرمة الغيبة تختص بكون المغتاب بالفتح عادلا و كم فرق بين الأمرين.

و ربما يستدل علي المدعي بما رواه علقمة قال: قال الصادق عليه السلام و قد قلت له: يا ابن رسول اللّه أخبرني عمن تقبل شهادته و من لا تقبل فقال: يا علقمة كل من كان علي فطرة الإسلام جازت شهادته، قال: فقلت له: تقبل شهادة مقترف

______________________________

(1) بحار الانوار ج 75 ص 260 حديث 59

(2) الوسائل الباب 41 من أبواب الشهادات الحديث 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 294

بالذنوب؟ فقال يا علقمة لو لم تقبل شهادة المقترفين للذنوب لما قبلت الا شهادة الأنبياء و الأوصياء عليهم السلام لأنهم المعصومون دون ساير الخلق فمن لم تره بعينك يرتكب ذنبا أو لم يشهد

عليه بذلك شاهدان فهو من أهل العدالة و الستر و شهادته مقبولة و ان كان في نفسه مذنبا و من اغتابه بما فيه فهو خارج من ولاية اللّه داخل في ولاية الشيطان «1» بتقريب أن المستفاد من الحديث اختصاص الغيبة بمن يكون واجدا للشروط المذكورة في الحديث و فيه أولا ان السند ضعيف و ثانيا أن اختصاص حرمة الغيبة بالعادل لا يمكن الالتزام به.

و مما يمكن ان يستدل به علي المدعي ما رواه ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ثلاث من كن فيه اوجبت له أربعا علي الناس من اذا حدثهم لم يكذبهم و اذا وعدهم لم يخلفهم و اذا خالطهم لم يظلمهم وجب أن يظهروا في الناس عدالته و تظهر فيه مروته و أن تحرم عليهم غيبته و أن تجب عليهم أخوته «2» و التقريب، هو التقريب و فيه أن الحديث ضعيف سندا مضافا الي أن اختصاص حرمة الغيبة بالعادل مقطوع الخلاف.

و مما يمكن ان يستدل به علي المدعي ما رواه ابن الجهم عن الصادق جعفر ابن محمد عليهما السلام قال: اذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له و لا غيبة «3» فان الرواية بالصراحة تدل علي عدم حرمة غيبة المتجاهر بالفسق لكن السند ضعيف فلا يعتد بها.

و ربما يستدل علي المدعي بما رواه عبد اللّه بن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتي تقبل شهادته لهم و عليهم

______________________________

(1) الوسائل الباب 41 من ابواب الشهادات الحديث 13

(2) نفس المصدر الحديث 16

(3) الوسائل الباب 154 من ابواب أحكام العشرة الحديث 4

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 295

فقال: أن تعرفوه بالستر و

العفاف و كف البطن و الفرج «1» بتقريب أن الساتر للعيب يحرم تفتيش حاله و أما غيره فلا. و يرد عليه ان التفتيش عنوان مغاير لعنوان الغيبة فلا ترتبط الرواية بالمقام.

و ربما يستدل بما رواه ابن أبي يعفور «2» و يرد عليه أولا أن الرواية ضعيفة كما تقدم فان اصل الحديث و ان كان تاما من حيث السند لكن هذه القطعة قد زيدت عليه برواية الشيخ و السند مخدوش و اشتبه الأمر علي صاحب الحدائق قدس سره حيث عبر عن الحديث بالصحيح و لم يتوجه الي الفرق بين الصدر و الذيل من اعتبار الصدر و عدم اعتبار الذيل و ثانيا: أن المستفاد من الحديث ان جواز الغيبة و عدمه يدوران مدار عدم حضور الجماعة و حضورها و هل يمكن الالتزام به؟ كلّا ثم كلا.

و الذي يمكن أن يستدل به علي المدعي ان الغيبة بما لها المفهوم لا تصدق بالنسبة الي المتجاهر فان الغيبة اظهار ما ستره اللّه و المفروض عدم كون ما تجاهر به مستورا فيكون خارجا تخصصا.

ثم ان البحث في المقام يقع في جهات

الجهة الأولي: أن جواز غيبة المتجاهر هل يتوقف علي كون قصد المغتاب بالكسر و غرضه صحيحا أم لا؟

الظاهر هو الثاني فان مقتضي اطلاق النصوص المشار إليها عدم التقييد كما ان مقتضي الوجه الأخير كذلك اذ قد ظهر مما ذكر انه خارج عن الموضوع تخصصا.

الجهة الثانية: انه هل يختص جواز غيبة المتجاهر بالفسق الذي تجاهر فيه أو يجوز علي الاطلاق

و لو في غير ما تجاهر به مقتضي اطلاق النصوص جواز اغتيابه علي الإطلاق لكن قد عرفت ضعف اسناد النصوص نعم حديث سماعة تام سندا لكن في دلالته علي المدعي علي نحو الإطلاق اشكال قد اشرنا إليه و لكن بالنسبة

______________________________

(1) الوسائل الباب 41 من أبواب الشهادات الحديث 1

(2) راجع ص 293

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 296

الي من ذكر في الحديث يجوز اغتيابه علي الإطلاق بمقتضي مفهوم الشرطية فلاحظ.

الجهة الثالثة: أنه قد ظهر مما ذكرنا ان الميزان في الجواز و عدمه عدم كون العيب في المغتاب بالفتح مستورا

و قلنا مع عدم كونه مستورا لا يكون ذكره مصداقا للغيبة. ان قلت: اذا كان عند قوم متجاهرا و لم يكن كذلك عند آخرين فلا وجه لجواز كشف عيبه عند آخرين اذ فرض كونه مستورا عنهم قلت: علي هذا فلا مصداق للجواز اذ من يكون مطلعا بحاله فلا يصدق العنوان عنده لفرض علمه و عدم كونه مستورا عنه و من لا يكون مطلعا بعيبه يكون عيبه مستورا عنه فلا يجوز كشفه عنده فأين تظهر الثمرة بين المتجاهر و غيره و الحل ان الميزان صدق كون العيب مما ستره اللّه و مع التجاهر يزول هذا العنوان و لا يصدق فلاحظ.

الجهة الرابعة: أنه قد فصل الشيخ قدس سره بين الفسق الذي دون ما تجاهر فيه و غيره

فيجوز غيبة المتجاهر بعصيان بكشف ما دونه و لم يجوز فيما لا يكون كذلك و الظاهر أنه لا وجه لهذا التفصيل اذ علي تقدير العمل بالنصوص الواردة في المقام كقوله عليه السلام «من القي جلباب الحياء فلا غيبة له» يجوز غيبة المتجاهر لعصيان من المعاصي علي نحو العموم و علي تقدير عدم العمل بالنصوص لا تجوز غيبته علي الإطلاق لإطلاق دليل الحرمة نعم في خصوص ما يتجاهر به قلنا لا يصدق العنوان.

المورد الثاني: تظلم المظلوم
اشارة

قال سيدنا الأستاد في هذا المقام: ذكر الشيعة و السنة من مستثنيات حرمة الغيبة تظلم المظلوم و اظهار ما اصابه من الظالم و ان كان متسترا في ظلمه انتهي. و ما يمكن أن يذكر في تقريب الاستدلال علي المدعي وجوه:

الوجه الأول قوله تعالي لٰا يُحِبُّ اللّٰهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلّٰا مَنْ ظُلِمَ

«1»

______________________________

(1) النساء 148

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 297

فانه لو ضرب احد احدا ظلما خفية يجوز للمظلوم المضروب ان ينقل ان فلانا ضربني فان اخباره بضربه من مصاديق الجهر بالسوء من القول لكن يجوز لكونه مظلوما و قد فسر الجهر بالسوء بالشتم لاحظ ما رواه الطبرسي لا يحب اللّه الشتم في الانتصار الا من ظلم فلا بأس له أن ينتصر ممن ظلم مما يجوز الانتصار في الدين قال و هو المروي عن أبي جعفر عليه السلام «1» لكن الحديث ضعيف سندا.

و يؤيد المدعي بعض النصوص منها ما رواه الفضل بن أبي قرة عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه «لٰا يُحِبُّ اللّٰهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلّٰا مَنْ ظُلِمَ» قال من أضاف قوما فأساء ضيافتهم فهو ممن ظلم فلا جناح عليهم فيما قالوا فيه «2».

و منها ما رواه الفضل بن الحسن الطبرسي في قوله: لا يحب اللّه الجهر بالسوء من القول الا من ظلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام ان الضيف ينزل بالرجل فلا يحسن ضيافته فلا جناح عليه أن يذكر سوء ما فعله «3».

و يؤيد المدعي أيضا ما رواه علي بن ابراهيم اي لا يحب اللّه أن يجهر الرجل بالظلم و السوء و لا يظلم الا من ظلم فقد اطلق له أن يعارضه بالظلم «4» و لكن قد تقدم الأشكال في الاستدلال بالآية الشريفة علي حرمة الغيبة فلا مجال

للاستدلال بها علي الاستثناء.

الوجه الثاني قوله تعالي وَ انْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مٰا ظُلِمُوا

«5» و قوله تعالي وَ الَّذِينَ

______________________________

(1) تفسير البرهان ج 1 ص 425 حديث 4

(2) نفس المصدر الحديث 1

(3) الوسائل 154 من أبواب احكام العشرة الحديث 7

(4) تفسير البرهان ج 1 ص 425 حديث 3

(5) الشعراء/ 227

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 298

إِذٰا أَصٰابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ وَ جَزٰاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهٰا فَمَنْ عَفٰا وَ أَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَي اللّٰهِ إِنَّهُ لٰا يُحِبُّ الظّٰالِمِينَ وَ لَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولٰئِكَ مٰا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ «1» بتقريب ان المستفاد من الآيات الشريفة أن الانتقام من الظالم جائز و الغيبة و ذكر عيبه و ظلمه نحو من الانتقام: و يرد عليه أولا ان الآيات الشريفة لا تكون في مقام كيفية الانتقام و انه باي وجه يحصل و ثانيا أنه لا يمكن الأخذ بإطلاقها و الا يلزم جواز ارتكاب جملة من المحرمات و المعاصي الكبيرة في مقام الانتقام و أني لنا بذلك و ثالثا قد عين الانتقام بلزوم كونه بالمثل لاحظ قوله تعالي فَمَنِ اعْتَديٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَديٰ عَلَيْكُمْ «2» و قوله تعالي وَ جَزٰاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهٰا «3».

الوجه الثالث: أن منع المظلوم عن بيان ظلم الظالم حرجي

و دليل نفي الحرج يرفع حرمته. و فيه أن الدليل أخص من المدعي اذ ربما لا يكون حرجا و أما ما في كلام سيدنا الأستاد من أنه خلاف الامتنان بالنسبة الي المغتاب بالفتح و دليل الحرج يستفاد منه كون الرفع امتنانيا، فيرد عليه ما اوردناه عليه مرارا بأن الامتنان علي فرض تسلمه لا بدّ أن يلاحظ بالنسبة الي من يرفع عنه الحكم و الحرج يصير سببا لجواز فعله لا بالنسبة الي غيره فلاحظ.

ثم انه هل يشترط الجواز بكونها عند من يرجي منه ازالة الظلم أم لا؟

و أيضا هل يشترط بكون المغتاب بالكسر في مقام الانتصار و الانتقام أم لا؟ الظاهر انه لا وجه للتقييد اذ لا مقتضي له فلاحظ.

المورد الثالث: نصح المستشير

و الذي يمكن أن يذكر في مقام الاستدلال علي المدعي طوائف من النصوص الطائفة الأولي: ما يدل علي حرمة خيانة المؤمن

______________________________

(1) الشوري/ 39 و 40 و 41

(2) البقرة/ 194

(3) الشوري/ 40

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 299

لأخيه: منها ما رواه أبو المعزي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: المسلم أخو المسلم لا يظلمه و لا يخذله و لا يخونه «1».

و منها ما رواه الحرث بن مغيرة قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام المسلم أخو المسلم هو عينه و مرآته و دليله لا يخونه و لا يخدعه و لا يظلمه و لا يكذبه و لا يغتابه 2.

و منها ما عن النبي صلي اللّه عليه و آله المسلم أخو المسلم لا يخونه و لا يخذله و لا يعيبه و لا يحرمه و لا يغتابه «3».

و منها ما عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «أن المسلم أخو المسلم لا يظلمه و لا يخذله و لا يعيبه و لا يغتابه و لا يحرمه و لا يخونه «4».

و منها ما رواه الشيخ سديد الدين قال: سئل الرضا عليه السلام ما حق المؤمن علي المؤمن فقال: ان من حق المؤمن علي المؤمن المودة له في صدره الي ان قال و لا يظلمه و لا يغشه و لا يخونه و لا يخذله و لا يغتابه 5.

و منها ما عن النبي صلي اللّه عليه و آله عليكم بالتواصل و التباذل و اياكم و التقاطع و التحاسد و التدابر و كونوا عباد اللّه اخوانا فان

المؤمن اخو المؤمن لا يخونه و لا يخذله و لا يحقره و لا يقبل عليه قول مخالف له «6».

فان المستفاد من هذه الروايات حرمة الخيانة. و يرد عليه انه لا اشكال في حرمة خيانة المؤمن ببعض مراتبها و لكن عدم النصح ليس خيانة كما هو ظاهر واضح مضافا الي ان الدليل اخص من المدعي فانه علي فرض تسليم تمامية الاستدلال

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 122 من ابواب احكام العشرة الحديث 2 و 4

(3) المستدرك الباب 105 من أحكام العشرة الحديث 5

(4) (4 و 5) نفس المصدر الحديث 9 و 16

(6) نفس المصدر الحديث 24

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 300

يختص بمورد يكون الطرف مؤمنا فلا يقوم الوجه المذكور لإثبات جواز الغيبة في مقام الاستشارة علي الإطلاق.

الطائفة الثانية: ما يدل علي وجوب نصح المؤمن منها ما رواه عيسي بن أبي منصور عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال يجب للمؤمن علي المؤمن أن يناصحه «1».

و منها ما رواه سماعة قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: أيما مؤمن مشي مع أخيه المؤمن فلم يناصحه فقد خان اللّه و رسوله «2». و منها ما رواه معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عز و جل «قُولُوا لِلنّٰاسِ حُسْناً» قال:

قولوا للناس حسنا و لا تقولوا الا خيرا حتي تعلموا ما هو «3».

و منها ما رواه جابر عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالي «وَ قُولُوا لِلنّٰاسِ حُسْناً» قال: قولوا للناس احسن ما تحبون أن يقال لكم «4».

و منها ما عن فقه الرضا عليه السلام عن العالم عليه السلام انه قال حق المؤمن ان يمحضه النصيحة في المشهد و

المغيب كنصيحته لنفسه «5».

و منها ما رواه الحسين بن سعيد عن أبي عبد اللّه عليه السلام انه قال: ايما مؤمن مشي مع أخيه في حاجة و لم يناصحه فقد خان اللّه و رسوله «6».

فان المستفاد من هذه النصوص وجوب نصح المؤمن ابتداءً و في المعتبر منها كفاية. و يرد عليه أولا انه لا اشكال في عدم وجوب النصح و ثانيا يقع التعارض بين هذه النصوص و ما يدل علي حرمة الغيبة كتابا و سنة بالعموم من وجه و التعارض

______________________________

(1) الوسائل الباب 35 من ابواب فعل المعروف الحديث 1

(2) الوسائل الباب 36 من أبواب فعل المعروف الحديث 6

(3) الوسائل الباب 21 من ابواب فعل المعروف الحديث 2

(4) المستدرك الباب 21 من ابواب فعل المعروف الحديث 3

(5) المستدرك الباب 35 من ابواب فعل المعروف الحديث 1

(6) المستدرك الباب 36 من ابواب فعل المعروف الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 301

بالعموم من وجه مرجعه الي التباين الجزئي فيكون النص في محل التصادق مخالفا للكتاب و المخالف مع الكتاب زخرف و ما خالف قول ربنا لم نقله و علي فرض التنزل عنه تصل النوبة الي المعارضة و التساقط و يبقي اطلاق دليل الحرمة من النصوص مرجعا.

و ببيان واضح يقع التعارض بين النصوص الدالة علي وجوب نصح المؤمن و بين الاطلاق الكتابي و بعد التعارض و التساقط تصل النوبة الي اطلاق النصوص الدالة علي حرمة الغيبة ان قلت: النصوص الدالة علي حرمة الغيبة بنفسها طرف المعارضة فلا وجه لجعلها مرجعا قلت: النصوص الدالة علي الحرمة تعارضها النصوص الدالة علي وجوب النصح و علي مسلكنا الترجيح مع الأحدث.

و يمكن تقريب الاستدلال علي المدعي بوجه آخر بأن نقول النصوص

الدالة علي وجوب النصح ان كانت احدث تسقط عن الاعتبار لمعارضتها للإطلاق الكتابي فتصل النوبة الي العمل بنصوص الحرمة و ان كانت نصوص الحرمة احدث فالعمل بها متعين كما هو ظاهر فلاحظ، و علي فرض التنزل منه أيضا تقع المعارضة بين النصوص فلا بد من الرجوع الي الأخبار العلاجية و تشخيص الحادث عن القديم و الترجيح بالأحدث و لكن لا تصل النوبة الي التقريب المذكور فلا حاجة الي ملاحظة الأحدث.

الطائفة الثالثة: ما يدل علي جواز نصح المستشير منها ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال أتي رجل أمير المؤمنين عليه السلام فقال له جئتك مستشيرا أن الحسن و الحسين و عبد اللّه بن جعفر خطبوا الي فقال أمير المؤمنين عليه السلام المستشار مؤتمن أما الحسن فانه مطلاق للنساء و لكن زوجها الحسين فانه خير لابنتك «1».

______________________________

(1) الوسائل الباب 23 من ابواب أحكام العشرة الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 302

و منها ما رواه عمر بن يزيد عن ابيه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال من استشار أخاه فلم ينصحه محض الرأي سلبه اللّه عز و جل رأيه «1».

و منها ما رواه عبد اللّه بن سليمان النوفلي عن الصادق عليه السلام أنه كتب الي عبد اللّه النجاشي: أخبرني يا عبد اللّه أبي عن آبائه عن علي بن ابي طالب عليهم السلام عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله أنه قال من استشاره أخوه المؤمن فلم يمحضه النصيحة، سلبه اللّه لبه «2».

و منها ما عن فقه الرضا عليه السلام عن العالم عليه السلام أنه قال: حق المؤمن علي المؤمن، أن يمحضه النصيحة في المشهد و المغيب

كنصيحته لنفسه 3.

و لا يبعد أن تكون هذه الروايات كلها ضعيفة سندا مضافا الي ما في هذا الاستدلال من الأشكال الذي ذكرناه في الاستدلال بالطائفة الثانية و في المقام حديث رواه ابن سنان «4» و الظاهر ان سند الحديث تام فربما يستدل به علي المدعي لكن يرد عليه أولا أنه يمكن أن كون الحسن عليه السلام مطلاقا لم يكن أمرا مستورا فيكون مورد الحديث خارجا عن المقام و ثانيا انه كيف يمكن كونه مطلاقا عيبا و نقصا فيه مع انه احد اصحاب الكساء الذين نزلت فيهم آية التطهير و صفوة القول: أن كون الإمام مطلاقا ان كان عيبا فلا بد من رد الحديث اذ كيف يمكن الالتزام بكونه متصفا بالنقص و الحال انه السبط الأكبر و الامام الثاني و من المعصومين روحي و ارواح العالمين لتراب مقدمه الفداء فالنتيجة أن الحديث غير قابل للاستدلال به علي المدعي.

الطائفة الرابعة: ما يدل علي وجوب كشف الكرب عن المؤمن و قضاء حاجته منها ما رواه جابر عن ابي جعفر عليه السلام قال: ان من حق المؤمن علي اخيه

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 2

(2) (2 و 3) المستدرك الباب 22 من أبواب الشرة الحديث 1 و 3

(4) لاحظ ص 301

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 303

المؤمن ان يشبع جوعته و يواري عورته و يفرج عنه كربته و يقضي دينه فاذا مات خلفه في اهله و ولده «1».

و منها ما رواه معلي بن خنيس عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال قلت له ما حق المسلم علي المسلم قال له سبع حقوق واجبات الي ان قال و الحق السابع ان تبر قسمه و تجيب دعوته و تعود مريضه و

تشهد جنازته و اذا علمت ان له حاجة تبادره الي قضائها و لا تلجئه الي ان يسألكها و لكن تبادره مبادرة فاذا فعلت ذلك وصلت ولايتك بولايته و ولايته بولايتك «2».

و منها ما عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: و اللّه ما عبد اللّه بشي ء افضل من اداء حق المؤمن فقال: ان المؤمن افضل حقا من الكعبة «3».

و لا اشكال في ان ارشاده و نصحه في القضايا سيما بعد كونه مستشيرا من اظهر مصاديق قضاء الحاجة و كشف الكرب. و يرد عليه أولا ان قضاء الحاجة و لو بالنسبة الي المؤمن لا يكون واجبا بلا اشكال و لا كلام و الا يلزم كون جميع آحاد الناس فساقا، و ثانيا يرد علي الاستدلال ما ذكرناه في الاستدلال بالطائفة الثانية من المعارضة علي التفصيل الذي ذكرناه. و ثالثا لا ريب في عدم جواز قضاء الحاجة بالمعاصي و المحرمات اضف الي جميع ذلك ان هذه الوجوه علي فرض تماميتها و غمض العين عما يرد عليها تكون اخص من المدعي و لا تشمل الا ما يكون المستشير مؤمنا الا ان يقال مورد الكلام نصح المؤمن اذا استشار فلا مجال للأشكال الأخير فلاحظ.

المورد الرابع: الاستفتاء
اشارة

كما يقول المستفتي ظلمني ابي او اخي فكيف طريقي في الخلاص و استدل علي الجواز في المقام بوجوه:

الوجه الأول: ان الادلة العقلية [و النقلية و ضرورة المذهب قامت علي وجوب تعلم المسائل التي محل الابتلاء]

______________________________

(1) الوسائل الباب 122 من أبواب احكام العشرة الحديث 5

(2) نفس المصدر الحديث 7

(3) المستدرك الباب 105 من أبواب أحكام العشرة الحديث 3

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 304

و النقلية و ضرورة المذهب قامت علي وجوب تعلم المسائل التي محل الابتلاء فلو توقف التعلم علي الغيبة تجوز اذ مقتضي قانون باب التزاحم تقدم اقوي الملاكين و من الظاهر ان أقواهما وجوب التعلم. و يرد عليه أولا ان المفروض في كلمات القوم استفتاء المظلوم و قد مران المظلوم يجوز له ان يغتاب الظالم علي مذهب القوم فلا وجه لعنوانه ثانيا.

و بعبارة اخري: قد تقدم انه يجوز عند القوم للمظلوم ان يغتاب الظالم في ظلمه بلا قيد و ثانيا انما يجب التعلم فيما لا يمكن الاحتياط فيه و اما فيما يمكن الاحتياط فلا يجب التعلم بل يجوز للشخص ان يحتاط و ثالثا ان الاستفتاء لا يتوقف علي ذكر الظالم بل يمكن ان يعنون عند المجتهد انه لو ظلم أحد أمه فما وظيفة الابن و رابعا مجرد ذكر المظلوم الظالم بقوله ظلمني ابي لا يستلزم الغيبة فان الغيبة انما تحقق في مورد يعرف السامع المغتاب بالفتح.

الوجه الثاني: ما رواه ابن سنان

عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: جاء رجل الي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فقال ان امي لا تدفع يد لامس فقال: فاحبسها قال قد فعلت قال: فامنع من يدخل عليها قال: قد فعلت قال: قيدها فانك لا تبرها بشي ء افضل من ان تمنعها من محارم اللّه عز و جل «1».

بتقريب انه اغتاب أمه عند رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و لم يردعه روحي فداه فيجوز الاغتياب في مقام الاستفتاء. و فيه أولا ان الحديث

ضعيف سندا فان اسناد الصدوق الي حسن بن محبوب ضعيف علي ما كتبه الحاجياني في رجاله و ثانيا: ان المذكور في كلام الرجل السائل ان أمه لا تدفع يد لامس فيظهر ان أمه كانت زانية مشهورة بحيث لا تدفع يد أحد ذي حاجة إليها في الأمر الكذائي و مع فرض التنزل يكفي للأشكال احتمال كونها متجاهرة و اصالة عدم كونها متجاهرة كما في كلام الشيخ

______________________________

(1) الوسائل الباب 48 من ابواب حد الزنا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 305

قدس سره مدفوعة بعدم اعتبار المثبت و من الظاهر ان اثبات المستورية باستصحاب عدم التجاهر من اظهر انحاء المثبت فلاحظ، و ثالثا: يشترط في حرمة الاغتياب ان يعرف السامع المغتاب و لم يفرض في الحديث ان النبي صلي اللّه كان يعرف أم الرجل فلا يقوم الحديث مستندا للحكم.

الوجه الثالث: ما عن النبي صلي اللّه عليه و آله

انه قال لهند بنت عتبة- امرأة أبي سفيان- حين قالت: ان أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني و ولدي ما يكفيني فقال لها خذي لك و لو لدك ما يكفيك بالمعروف «1». و فيه ان الحديث ضعيف سندا و ثانيا لا ترتبط الرواية بالاستفتاء بل موردها تظلم المظلوم عن الظالم و قد مر انه بنفسه من موارد الجواز عندهم و تعرضنا لدليل المسألة. و ثالثا انه مر ان غيبة المتجاهر لا تحرم بل لا تكون مصداقا لها و قد نقل ان أبا سفيان كان ضرب المثل في البخل و رابعا ان أبا سفيان كان منافقا كافرا ملعونا و قد مر ان حرمة الاغتياب تختص بكون المغتاب مؤمنا.

ان قلت: انه لم يكن فرق بين المسلمين قبل نصب علي عليه السلام للخلافة و بعبارة اخري وقت نزول الآية الشريفة لم

يكن للشيعي و التشيع موضوع قلت:

أولا ان ولاية علي عليه السلام قد ثبتت من يوم الإنذار و يوم الدار و ثانيا مقتضي الآية الشريفة حرمة اغتياب الأخ و المراد من الأخوة الإيمانية و هل يمكن أن يقال ان أبا سفيان اخ ايماني لأهل الأيمان فانقدح مما ذكرنا عدم قيام دليل تام علي الدعوي المذكورة فلاحظ.

المورد الخامس: ما لو كانت الغيبة لردع المقول فيه عن المنكر
اشارة

و استدل علي المدعي بوجهين:

الوجه الأول: ان الغيبة في مفروض الكلام احسان بالنسبة الي المغتاب

و يوجب خروجه عن الانحراف و الاعوجاج و انقاذه من المهلكة. و فيه

______________________________

(1) المستدرك الباب 134 من ابواب احكام العشرة الحديث 4

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 306

أولا انه ربما لا يرتدع فالدليل اخص من المدعي و ثانيا انه لا دليل علي جواز الإحسان بالمحرم فكيف بوجوبه فانه كيف يمكن أن يلتزم بجواز ارتكاب المحرمات لأجل الإحسان الي الغير.

الوجه الثاني: ان النهي عن المنكر واجب و من طرقه اغتياب الفاعل للمنكر.

و فيه ان دليل وجوب النهي عن المنكر لو اقتضي جوازه او وجوبه بالمحرم يلزم القول بجواز الزنا مع زوجة الزاني اذا كان مؤثرا في ارتداعه و هل يمكن الالتزام به؟ كلا ثم كلا نعم قد ثبت جواز الوقيعة و البهتان بالنسبة الي جملة من المنحرفين بالنصوص الخاصة منها ما رواه ابن سرحان «1» و الرواية في نسخة الوسائل هكذا محمد بن يعقوب عن محمد بن محمد بن الحسين و لكن في الكافي هكذا محمد بن يحيي عن محمد بن الحسين «2» و الرواية علي نسخة الكافي تامة سندا و الحديث لا يرتبط بالمقام هذا كله بحسب الموازين الأولية و اما اذا اقتضي التزاحم ارتكاب بعض المحرمات لدفع بعض المنكرات كما لو توقف دفع القتل عن النفس المحترمة بالدخول في الدار الغصبية يجوز الدخول بلا اشكال و من الظاهر انه لا يرتبط بما نحن فيه فلا تغفل.

المورد السادس: دفع الضرر عن المقول فيه

و ربما يستدل علي المدعي بما روي عنهم عليهم السلام في ذم زرارة منها ما رواه ابو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت: (الذين آمنوا و لم يلبسوا ايمانهم بظلم) قال: اعاذنا اللّه و اياك من ذلك الظلم قلت ما هو قال هو و اللّه ما احدث زرارة و ابو حنيفة و هذا الضرب قال:

قلت: الزنا معه؟ قال: الزنا ذنب «3».

______________________________

(1) راجع ص 283

(2) الاصول من الكافي ج 2 ص 375 حديث: 4

(3) معجم رجال الحديث ج 7 ص 239

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 307

و منها ما رواه ابو بصير أيضا قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: (الذين آمنوا و لم يلبسوا ايمانهم بظلم) قال: اعاذنا اللّه و اياك يا أبا

بصير من ذلك الظلم قال: ذلك ما ذهب فيه زرارة و اصحابه و ابو حنيفة و اصحابه «1».

و منها ما رواه عبد اللّه بن زرارة قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام اقرأ مني علي والدك السلام و قل له: اني انما أعيبك دفاعا مني عنك فان الناس و العدو يسارعون الي كل من قربناه و حمدنا مكانه لإدخال الأذي في من نحبه و نقربه و يرمونه لمحبتنا له و قربه و دنوه منا و يرون ادخال الأذي عليه و قتله و يحمدون كل من عبناه نحن فانما اعيبك لأنك رجل اشتهرت بنا و بميلك إلينا و أنت في ذلك مذموم عند الناس غير محمود الأثر بمودتك لنا و لميلك إلينا فاحببت ان اعيبك ليحمدوا امرك في الدين بعيبك و نقصك و يكون بذلك منا دافع شرهم عنك يقول اللّه عز و جل (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكٰانَتْ لِمَسٰاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهٰا وَ كٰانَ وَرٰاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً) هذا التنزيل من عند اللّه صالحة لا و اللّه ما عابها الا لكي تسلم من الملك و لا تعطب علي يديه، و لقد كانت صالحة ليس للعيب فيها مساغ و الحمد للّه فافهم المثل يرحمك اللّه فانك و اللّه أحب الناس الي و احب اصحاب ابي حيا و ميتا فانك أفضل سفن ذلك البحر القمقام الزاخر، و ان من ورائك ملكا ظلوما غصوبا يرقب عبور كل سفينة صالحة ترد من بحر الهدي ليأخذها غصبا ثم يغصبها و اهلها و رحمة اللّه عليك حيا و رحمته و رضوانه عليك ميتا الخ «2».

اقول أما ما ورد بالنسبة الي زرارة فعلي تقدير تمامية سنده لا يكون

دليلا علي المدعي لأن زرارة كان رجلا خاليا عن العيب فلا يكون ما ورد فيه قابلا لأن يستند إليه في الحكم المذكور و الذي يمكن أن يقال ان كل حكم الزامي لو زاحمه الأقوي منه ملاكا يرجح الأقوي بما يرجحه من باب قانون التزاحم و لكن لا يختص

______________________________

(1) معجم رجال الحديث ج 8 ص 239

(2) نفس المصدر ص 226

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 308

المقام بذلك بل قانون التزاحم يكون جاريا في جميع الأبواب و لا يختص بباب دون باب و ببيان واضح: لو توقف حفظ نفس احد علي اغتيابه يجوز اغتيابه بلا اشكال لأن ملاك حفظ نفسه اقوي بمراتب من ملاك حرمة اغتيابه فلاحظ.

المورد السابع: جرح الشهود
اشارة

قال في الحدائق و منها الجرح للشاهد و الراوي للأخبار، صيانة لحقوق المسلمين، و حفظا للأحكام و السنن الشرعية و من ثم وضع العلماء كتب الجرح و التعديل للرواة و قسموهم الي الثقات و المجروحين و ذكروا الأسباب الموجبة للقدح و الجرح، و كونه كذابا وضاعا للحديث، لكن لا ينبغي أن يذكر الا ما يخل بالشهادة و الرواية و لا يتعرض لشي ء من عيوبه التي لا تعلق لها بذلك وقوفا علي القدر الذي يمكن تخصيص عموم اخبار النهي عن الغيبة به الخ «1».

و الظاهر ان المسألة مورد اتفاقهم و في هذا المورد فروع ثلاثة:

الفرع الأول: يجوز جرح الشاهد الفاسق

و الدليل عليه مضافا الي الاتفاق المذكور صون أموال الناس و اعراضهم و نفوسهم اذ لو لاه لبغي الفساق في الارض و اظهروا فيها الفساد فيدعي الواحد منهم علي غيره حقا ماليا أو عرضيا أو بدنيا أو يدعي زوجية امرأة اجنبية لنفسه أو يدعي نسبا كاذبا ليرث من ميت ثم يقيم علي مدعاه شهودا زورا من الهمج و هذا فساد عظيم و موجب لاختلال النظام الاجتماعي فيجوز جرح الشاهد الفاسق كي لا يؤثر شهادته الباطلة و لا يبقي ريب لمن يراجع باب القضاء و الشهادات في جواز ذلك عند القوم.

الفرع الثاني: جرح رواة الحديث

فانه مضافا الي الاتفاق المذكور تكون السيرة جارية عليه من السلف اضف الي ذلك ان حفظ الأحكام الشرعية و السنن الإلهية امر لازم و ملاكه اقوي من ملاك حرمة الغيبة و يضاف الي ذلك كله ان تحقق عنوان الغيبة يذكر الراوي و جرحه اوّل الكلام فان قوام الغيبة بمعرفة المغتاب بالفتح

______________________________

(1) الحدائق ج 18 ص 165

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 309

و من الظاهر عدم حصول المعرفة بهذا المقدار.

الفرع الثالث: الشهادة علي الفساق الظلمة و العاصين

فانه لا اشكال في جواز الشهادة علي القتل و السرقة و الزنا و اللواط فان المراجع الي ابواب الشهادات و القضاء يتضح له المدعي كمال الوضوح و اللّه العالم بحقائق الأشياء.

المورد الثامن: أن يكون العيب الموجود في المقول فيه ظاهرا واضحا كالعمي

و امثاله فان السيرة جارية علي تعريف الأشخاص باوصافهم الظاهرة فيقال زيد الأعور مثلا و الحق ان هذا لا يكون مصداقا للغيبة فان الغيبة اظهار امر ستره اللّه و أما الأمر الظاهر فهو خارج موضوعا و يدل علي الجواز جملة من النصوص منها ما رواه ابو العباس الفضل قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: احب الناس الي أحياء و امواتا أربعة: بريد بن معاوية العجلي و زرارة و محمد بن مسلم و الأحول، و هم احب الناس الي احياء و امواتا «1».

و منها ما رواه عبد الرحمن بن سيابة قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:

الغيبة ان تقول في اخيك ما ستره اللّه عليه، و أما الأمر الظاهر مثل الحدة و العجلة فلا و البهتان أن تقول فيه ما ليس فيه «2».

و منها ما رواه داود بن سرحان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الغيبة قال هو أن تقول لأخيك في دينه ما لم يفعل و ثبت «تبث» عليه امرا قد ستره اللّه عليه لم يقم عليه فيه حد «3».

و منها ما رواه أبان عن رجل لا نعلمه الا يحي الأزرق قال: قال لي ابو الحسن عليه السلام من ذكر رجلا من خلفه بما هو فيه مما عرفه الناس لم يغتبه، و من

______________________________

(1) الوسائل الباب 11 من ابواب صفات القاضي الحديث 18

(2) الوسائل الباب 154 من ابواب أحكام العشرة الحديث 2

(3) نفس المصدر الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي

المكاسب، ج 1، ص: 310

ذكره من خلفه بما هو فيه مما لا يعرفه الناس اغتابه و من ذكره بما ليس فيه فقد بهته «1».

و منها ما رواه الحسين بن زيد الهاشمي عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال:

جاءت زينب العطارة الحولاء الي نساء النبي صلي اللّه عليه و آله و بناته و كانت تبيع منهن العطر فجاء النبي صلي اللّه عليه و آله و هي عند هن فقال: اذا اتيتنا طابت بيوتنا فقالت بيوتك بريحك اطيب يا رسول اللّه «2».

و لكن جواز ذكر المقول فيه بالعيب الظاهر متوقف علي عدم تعنون ذكره بعنوان حرام كالسخرية و أما لو تعنون باحد العناوين المحرمة فلا يجوز و لذا لو كان ذكره بالعيب الظاهر موجبا لوهنه أو ايذائه أو غير ذلك من العناوين المحرمة لا يكون جائزا اعاذنا اللّه من الزلل.

المورد التاسع: ما لو كان عيب في شخص و لا يكون ظاهرا و لكن يعلمه اثنان

فيجوز ذكره بذلك العيب لكن مثله لا يكون غيبة اذ فرض انه لا يكون مستورا عنهما فلا كشف ستر نعم لو نسي احدهما يمكن أن يقال يحرم علي الذاكر ذكره عند الناسي و اللّه العالم.

المورد العاشر: ما لو ادعي نسبا ليس له

و استدل عليه بأن ملاك حفظ الأنساب اقوي من ملاك حرمة الغيبة و الحق ان يقال: ان الجزم بالمدعي علي نحو الإطلاق مشكل فلا بد من ان يقال اذا عارض ملاك الحرمة لملاك أقوي يقتضي الجواز نلتزم بالجواز بل بالوجوب و الا فلا بد في كل مورد ملاحظة الجهات الراجعة إليه فلاحظ.

المورد الحادي عشر: القدح في مقالة باطلة

بتقريب ان حفظ الحق اهم من حرمة الاغتياب و الذي يختلج بالبال أن يقال اذا توقف القدح علي الاغتياب و لم

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 3

(2) الروضة من الكافي ص 153 حديث 143

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 311

يكن بد منه فلا بد من أن يلاحظ فان كان المقول الباطل راجعا الي اصول الدين أو فروعه فلا اشكال في عدم حرمة الاغتياب باظهار بطلان المقالة بل لا يبعد أن يكون الأبطال واجبا لو استلزم الاغتياب حفظ اصول الدين و فروعه و ان لم يكن كذلك كما لو قال لا فرق بين المريخ و العطارد و مصداق كليهما واحد فلا يجوز اغتياب قائله ورد مقالته لعدم ما يقتضي رفع اليد عن حرمة الاغتياب.

المورد الثاني عشر: ما لو توقف حسم مادة الفساد علي الاغتياب كاغتياب المبدع
اشارة

في الدين الذي يخاف منه أن يضل الناس و يدس في الشريعة المقدسة و يمكن الاستدلال علي المدعي بوجوه:

الوجه الأول: النصوص الدالة علي البراءة منهم

و هتكهم و الوقيعة فيهم لاحظ ما رواه ابن سرحان «1» و مقتضي هذه الرواية ان مجرد احتمال الإضلال يكفي للهتك و الوقيعة و البهتان.

الوجه الثاني: ان دفع الفتنة عن عقائد الناس اهم من ملاك ستر العيب

و الذي يختلج بالبال ان يقال الأمر دائر في المقام و امثاله بين الوجوب و الحرمة و لا مجال للجواز اذ لو لم يكن ملاك الحكم بحد اللزوم لا بدّ من تقديم دليل الحرمة فان ملاك الجواز الذي في قبال الوجوب لا يكافئ ملاك الحرمة فيكون الاغتياب حراما و ان كان بحد اللزوم يكون الاغتياب واجبا.

الوجه الثالث: ما رواه ابو البختري

عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: ثلاثة ليس لهم حرمة: صاحب هوي مبتدع و الإمام الجائر، و الفاسق المعلن بالفسق «2» فان المستفاد من الحديث جواز اغتياب المبدع و انه لا حرمة له و لكن السند مخدوش فيكون مؤيدا.

فرع: هل يحرم كون الإنسان ذا لسانين؟ قد دلت علي حرمته جملة من النصوص

______________________________

(1) راجع ص 283

(2) الوسائل الباب 154 من ابواب احكام العشرة الحديث 5

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 312

منها ما رواه ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: من لقي المسلمين بوجهين و لسانين جاء يوم القيامة و له لسانان من نار «1».

و منها ما رواه الزهري عن أبي جعفر عليه السلام قال بئس العبد عبد يكون ذا وجهين و ذا لسانين يطري أخاه شاهدا و يأكله غائبا ان اعطي حسده و ان ابتلي خذله 2.

و منها ما رواه عبد الرحمن بن حماد رفعه قال قال اللّه تبارك و تعالي لعيسي عليه السلام يا عيسي ليكن لسانك في السر و العلانية لسانا واحدا و كذلك قلبك اني احذرك نفسك و كفي بك خبيرا لا يصلح لسانان في فم واحد و لا سيفان في غمد واحد و لا قلبان في صدر واحد و كذلك الأذهان «3».

و منها ما رواه زيد بن علي عن

آبائه عن علي عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله يجي ء يوم القيمة ذو الوجهين دالعا لسانه في قفاه و آخر من قد أمه يلتهبان نارا حتي يلهبا جسده ثم يقال: هذا الذي كان في الدنيا ذا وجهين و لسانين يعرف بذلك يوم القيامة «4».

و منها ما رواه ابو هريرة قال قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله ان شر الناس يوم القيامة عند اللّه ذو الوجهين 5.

و منها ما رواه عمار قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله من كان له وجهان في الدنيا كان له يوم القيمة لسانان من نار «6».

و منها ما عن عقاب الأعمال عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله انه قال في خطبة له: و من كان ذا وجهين و ذا لسانين كان ذا وجهين و لسانين يوم القيامة من نار 7.

و منها ما رواه عبد اللّه بن ابي يعفور قال: سمعت الصادق جعفر بن محمد

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 143 من ابواب أحكام العشرة الحديث 1 و 2

(3) نفس المصدر الحديث 4

(4) (4 و 5) نفس المصدر الحديث: 5 و 6

(6) (6 و 7) نفس المصدر الحديث 7 و 8

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 313

عليه السلام يقول: من لقي الناس بوجه و عابهم بوجه جاء يوم القيامة و له لسانان من نار «1».

و منها ما رواه حفص بن غياث عن الصادق جعفر بن محمد عن آبائه عن علي عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم من مدح أخاه المؤمن في وجهه و اغتابه من ورائه فقد انقطع ما بينهما من

العصمة 2.

و الظاهر عدم تمامية هذه النصوص من حيث السند فلا بد من اتمام الأمر بالإجماع التعبدي الكاشف ان تم و اللّه العالم و لكن لا يبعد اعتبار الحديث الخامس سندا فلاحظ.

خاتمة في حقوق الإخوان

و قد ورد في بعض النصوص انه ما عبد اللّه بشي ء افضل من حقوق الأخوان لاحظ ما رواه مرازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال ما عبد اللّه بشي ء أفضل من أداء حق المؤمن «3».

و قد وردت جملة من النصوص في بيان الحقوق و تعدادها منها ما رواه المعلي بن خنيس عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: ما حق المسلم علي المسلم؟

قال: له سبع حقوق واجبات ما منهن حق الا و هو عليه واجب ان ضيع منها شيئا خرج من ولاية اللّه و طاعته و لم يكن للّه فيه نصيب قلت له: جعلت فداك: و ما هي؟ قال يا معلي اني عليك شفيق أخاف أن تضيع و لا تحفظ و تعلم و لا تعمل:

قلت لا قوة الا باللّه قال ايسر حق منها أن تحب له ما تحب لنفسك و تكره له ما تكره لنفسك و الحق الثاني: أن تجتنب سخطه و تتبع مرضاته و تطيع أمره، و الحق

______________________________

(1) (1 و 2) نفس المصدر الحديث 9 و 10

(3) الوسائل الباب 122 من أبواب أحكام العشرة الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 314

الثالث أن تعينه بنفسك و مالك و لسانك و يدك و رجلك، و الحق الرابع أن تكون عينه و دليله و مرآته و الحق الخامس أن لا تشبع و يجوع و لا تروي و يظمأ و لا تلبس و يعري و الحق السادس أن يكون لك

خادم و ليس لأخيك خادم فواجب أن تبعث خادمك فتغسل ثيابه و تصنع طعامه و تمهد فراشه و الحق السابع أن تبر قسمه و تجيب دعوته و تعود مريضه و تشهد جنازته، و اذا علمت أن له حاجة تبادره الي قضائها و لا تلجئه الي أن يسألكها و لكن تبادره مبادرة فاذا فعلت ذلك وصلت ولايتك بولايته و ولايته بولايتك «1».

و منها ما رواه جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: أن من حق المؤمن علي أخيه المؤمن أن يشبع جوعته و يواري عورته و يفرج عنه كربته و يقضي دينه فاذا مات خلفه في أهله و ولده «2».

و من الظاهر انه علي فرض تمامية الأخبار الدالة علي الحقوق سندا و لو في الجملة لا تكون الحقوق المذكورة في هذه النصوص من الحقوق الواجبة نعم لا شبهة في استحبابها و أما سقوطها في مقابل عدم وفاء الطرف بها كما ذهب إليه الشيخ فلا دليل عليه.

و ما يدل علي السقوط ضعيف سندا لاحظ ما رواه جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال قام الي أمير المؤمنين عليه السلام رجل بالبصرة قال: أخبرنا عن الأخوان فقال الأخوان صنفان اخوان الثقة و اخوان المكاشرة، فأما اخوان الثقة فهم كالكف و الجناح و الأهل و المال فاذا كنت من أخيك علي ثقة فابذل له مالك و يدك و صاف من صافاه و عاد من عاداه و اكتم سره و أعنه و أظهر منه الحسن، و اعلم ايها السائل أنهم أعز من الكبريت الأحمر و أما أخوان المكاشرة فانك تصيب منهم لذتك فلا تقطعن

______________________________

(1) الوسائل الباب 122 من ابواب احكام العشرة الحديث 7

(2) نفس المصدر الحديث 5

عمدة المطالب في التعليق

علي المكاسب، ج 1، ص: 315

ذلك منهم و لا تطلبن ما وراء ذلك من ضميرهم و ابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه و حلاوة اللسان «1».

و لاحظ ما رواه الوصافي عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال لي أ رأيت من قبلكم اذا كان الرجل ليس عليه رداء و عند بعض اخوانه رداء يطرحه عليه؟

قال: قلت لا قال فاذا كان ليس عنده ازار يوصل إليه بعض اخوانه بفضل ازاره حتي يجد له ازارا؟ قال: قلت: لا قال فضرب بيده علي فخذه ثم قال: ما هؤلاء باخوة «2».

و لاحظ ما روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: اختبروا اخوانكم بخصلتين فان كانتا فيهم و الا فاعزب ثم أعزب ثم اعزب المحافظة علي الصلوات في مواقيتها و البر بالأخوان في العسر و اليسر «3». و هذه الروايات كلها ضعيفة سندا و لكن لا تخلو عن التأييد للمدعي فلاحظ.

«قوله قدس سره: فان اراد من المستور من حيث ذلك المقول و افق الاخبار … »

اذ المستفاد من الأخبار ان الميزان في تحقق الغيبة كون المقول مستورا فان اراد صاحب الصحاح كون المقول مستورا يكون كلامه موافقا مع الأخبار و ان اراد من المستور كون الإنسان الفاسق مستورا في مقابل المتجاهر يمكن كون كلامه موافقا و يمكن كونه مخالفا أما كونه موافقا فقد ظهر وجهه آنفا و أما احتمال كونه مخالفا فلانه يمكن أن يكون المرتكب للذنب مستورا و لكن ذنبه يكون معلوما و منكشفا فيكون التفسير عليه مخالفا مع الميزان الذي يفهم من النصوص فلاحظ.

[المسألة الخامسة عشرة القمار حرام إجماعا]
اشارة

«قوله قدس سره: الخامسة عشرة القمار حرام

______________________________

(1) الوسائل الباب 3 من ابواب أحكام العشرة الحديث 1

(2) الوسائل الباب 14 من ابواب احكام

العشرة الحديث 1

(3) الوسائل الباب 103 من ابواب احكام العشرة الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 316

اجماعا … »

ينبغي أن يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين احدهما في تحقيق موضوع القمار ثانيهما في حكمه بحسب ما يستفاد من الأدلة فنقول أما

المقام الأول [تحقيق موضوع القمار]

فالعنوان الذي ترتب عليه الحكم في الكتاب أو السنة عنوان الميسر و عنوان القمار فلا بد من تحقيق مفاد العنوانين المذكورين قال سيدنا الأستاد: «ان المستفاد من كلمات أهل العرف و اللغة ان القمار و كذلك الميسر موضوع للعب باي شي ء مع الرهان و يعبر عنه في لغة الفارس بكلمة «برد و باخت» و عليه فاللعب بالآلات بدون الرهن خارج عن المطلقات موضوعا و تخصصا الخ «1».

و عن القاموس و لسان العرب «تقمره راهنه فغلبه» و قال في مجمع البحرين «و تقامر و العبوا بالقمار و اللعب بالآلات المعدة له علي اختلاف انواعها نحو الشطرنج و النرد و غير ذلك و اصل القمار الرهن علي اللعب بالشي ء من هذه الأشياء و ربما اطلق علي اللعب بالخاتم و الجوز» و قال في مادة يسر «الميسر القمار» و قال في المنجد في مادة قمر «قمر قمرا راهن و لعب في القمار» و قال أيضا «تقامر القوم راهنوا و لعبوا في القمار» و قال في مادة يسر «الميسر كل قمار».

و قال في الجواهر «بل قيل ان اصل القمار الرهن علي اللعب بشي ء من الآلة كما هو ظاهر القاموس و النهاية أو صريحهما و صريح مجمع البحرين نعم عن ظاهر الصحاح و المصباح المنير و كذلك التكملة و الذيل انه قد يطلق علي اللعب بها بها مطلقا مع الرهن و دونه الخ «2».

و أيضا

عن القاموس «قامره مقامرة و قمارا كنصره و تقمر راهنه فغلبه و هو التقامر» و عن تعريفات الشريف الجرجاني «القمار أن يأخذ من صاحبه شيئا فشيئا في اللعب».

______________________________

(1) مصباح الفقاهة ج 1 ص 372

(2) الجواهر ج 22 ص: 109

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 317

فالمتحصل من الكلمات ان القمار موضوع للعب مع الرهان و علي فرض الشك يكون القدر المعلوم ما ذكر و مع الشك في الصدق لا مجال للأخذ بالدليل لعدم جواز الأخذ بالعموم أو الإطلاق في الشبهة المصداقية علي ما هو المقرر عند القوم فلا بد من التحفظ علي الرهن في صدق المفهوم و هذا بالنسبة الي اللعب بالآلة المعدة للقمار ظاهر و أما اللعب بالآلة غير المعدة مع الرهن فهل يكون معنونا بعنوان القمار أم لا؟ يظهر من كلام مجمع البحرين اختصاص المفهوم بالمورد اللعب بالآلة المعدة مع الرهن و مع الشك لا بدّ من الاقتصار علي ما يحتمل دخله في الصدق.

ان قلت التعريف المذكور في عبارة المجمع يستلزم الدور اذ قد أخذ في تعريف القمار نفس العنوان قلت لا يبعد أن يكون الوجه فيه الفرق بين المعرف بالكسر و المعرف بالفتح بالإجمال و التفصيل فلا دور نعم لو تبادر من اللفظ عند العرف الأعم أو صدق العنوان بلا عناية بحيث علم ان اللفظ موضوع للأعم نلتزم بسعة المفهوم و ببركة الاستصحاب القهقري نحكم بأن اللفظ موضوع للأعم هذا تمام الكلام في المقام الأول.

و أما

المقام الثاني [في حكم القمار]
اشارة

فيقع الكلام فيه في فروع:

الفرع الأول اللعب بالآلات المعدة للقمار مع الرهن من حيث الحكم التكليفي
اشارة

و ما يمكن أن يستدل به علي حرمته وجوه:

الوجه الأول: اجماع علماء الإمامية و اتفاقهم علي حرمته

بل حرمته في الجملة مورد تسالم جميع علماء الإسلام بل يمكن أن يقال ان حرمته في الجملة مورد ضرورة مذهب الإسلام.

الوجه الثاني: قوله تعالي يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ

«1» فانه امر في الآية الشريفة بالاجتناب عن الميسر و الميسر عبارة عن القمار كما تقدم

______________________________

(1) المائدة/ 90

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 318

في المقام الأول فيجب الاجتناب عن الميسر و اللعب به يضاد الاجتناب ان قلت قد فسر الميسر في بعض النصوص بالشطرنج لاحظ ما رواه ابو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام: قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام النرد و الشطرنج هما الميسر «1».

و ما رواه عبد الملك القمي قال: كنت انا و ادريس أخي عند أبي عبد اللّه عليه السلام فقال ادريس: جعلنا فداك ما الميسر؟ فقال أبو عبد اللّه: هي الشطرنج قال: قلت: انهم يقولون: انها النرد قال: و النرد أيضا 2 فدلالة الآية علي الحرمة تختص بخصوص اللعب بالشطرنج قلت أولا ما ذكر من النص ضعيف سندا و ثانيا يعارضه ما رواه أبو الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالي «إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» قال: أما الخمر فكل مسكر من الشراب «الي أن قال» و أما الميسر فالنرد و الشطرنج و كل قمار ميسر و أما الأنصاب فالأوثان التي كانت تعبدها المشركون و أما الأزلام فالأقداح التي كانت تستقسم بها المشركون من العرب في الجاهلية، كل هذا بيعه و شراؤه و الانتفاع بشي ء من هذا حرام من اللّه محرم و هو رجس من عمل الشيطان و قرن اللّه الخمر و الميسر مع الأوثان «3».

لكن حديث أبي الجارود أيضا ضعيف للإرسال فان الرجل من

اصحاب الباقر و لا يمكن أن يروي عنه القمي بلا واسطة نعم يكفي لإثبات المدعي ما رواه معمر بن خالد عن أبي الحسن عليه السلام قال: النرد و الشطرنج و الأربعة عشر بمنزلة واحدة و كل ما قومر عليه فهو ميسر «4»

الفرع الثاني: اللعب بالآلات المعدة للقمار بلا رهن
اشارة

و عن المستند عدم الخلاف في حرمته و يمكن الاستدلال علي حرمته بوجوه

الوجه الأول: اطلاق قوله تعالي إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 104 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 2 و 5

(3) الوسائل الباب 102 من ابواب ما يكتسب به الحديث 12

(4) الوسائل الباب 104 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 319

مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ «1» فان مقتضي اطلاق الميسر حرمة مطلق اللعب بالآلات و فيه انه قد مر ان الميسر فسر بالقمار و أيضا مران صدق القمار علي اللعب بالآلة بلا رهن محل الكلام و الأشكال و مع الشك في الصدق لا مجال للاخذ بالإطلاق كما هو المقرر

الوجه الثاني: ما رواه ابو الجارود

«2» فانه قد صرح في الحديث بان كل قمار ميسر فاللعب و لو مع عدم الرهن حرام و فيه أولا ان السند ضعيف و ثانيا صدق العنوان بلا رهن اوّل الكلام.

الوجه الثالث: ما رواه معمر بن خالد

«3» بتقريب ان المستفاد من الحديث ان كل قمار ميسر و فيه ان القمار اذا كان متقوما بالرهن لا يصدق علي اللعب بلا رهن و لو شك في الصدق لا يجوز الأخذ بالإطلاق فالجزم بالحرمة في مفروض الكلام مشكل و مقتضي الأصل الأولي شرعا و عقلا هو الجواز و مما ذكرنا يظهر الجواب عن الاستدلال بكل حديث يكون مفاده مثل مفاد حديث ابن خالد.

الوجه الرابع: ما رواه عبد اللّه بن علي

عن علي بن موسي عن آبائه عن علي عليهم السلام قال: كل ما إلهي عن ذكر اللّه فهو من الميسر «4» فان مقتضي هذه الرواية ان كل شي ء يلهي عن ذكر اللّه من الميسر فيحرم و من الظاهر ان ما نحن فيه كذلك و يرد عليه أولا ان الحديث ضعيف سندا فلا يعتد به و ثانيا ان الالتزام بظاهره يستلزم الالتزام بحرمة كثير من المباحات و هو كما تري و بعبارة اخري: الالتزام بحرمة مطلق اللهو مخالف لضرورة الدين.

الوجه الخامس ما رواه الفضيل

قال سألت أبا جعفر عليه السلام عن هذه الأشياء

______________________________

(1) المائدة 90

(2) راجع ص 318

(3) راجع ص 318

(4) الوسائل الباب 100 من ابواب ما يكتسب به الحديث 15

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 320

التي يلعب بها الناس: النرد و الشطرنج حتي انتهيت الي السدر، فقال: اذا ميز اللّه الحق من الباطل مع أيهما يكون؟ قال: مع الباطل قال فمالك و للباطل «1» بتقريب ان المستفاد من الحديث حرمة الباطل علي الإطلاق و المقام داخل فيه فيكون حراما و فيه أولا ان الرواية ضعيفة سندا فلا تصل النوبة الي ملاحظة دلالتها و ثانيا ان المراد بالباطل ان كان هو الحرام فدخول المقام فيه اوّل الكلام و ان كان المراد من الباطل ما يكون مقابل الواجب و المستحب يلزم أن يكون جميع الأمور المباحة محرمة و أني لنا بذلك.

الوجه السادس جملة من النصوص

منها ما رواه ابو بصير «2» و منها ما رواه عبد اللّه بن جندب عمن أخبره عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: الشطرنج ميسر و النرد ميسر «3» و منها ما رواه عبد الملك القمي «4».

و منها ما رواه حسين بن زيد عن الصادق عن آبائه عليهم السلام في حديث المناهي قال: نهي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم عن اللعب بالنرد و الشطرنج و الكوبة و العرطبة و هي الطنبور و العود و نهي عن بيع النرد «5».

و منها ما في المقنع قال: اتق النرد فان الصادق عليه السلام نهي عن ذلك 6

و منها ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عليهم السلام قال: النرد و الشطرنج من الميسر 7.

و منها ما رواه حماد

بن عيسي قال دخل رجل من البصريين علي أبي الحسن الأول

______________________________

(1) الوسائل الباب 104 من ابواب ما يكتسب به الحديث 3

(2) راجع ص 318

(3) الوسائل الباب 104 من ابواب ما يكتسب به الحديث 4

(4) راجع ص 318

(5) (5 و 6 و 7) الوسائل الباب 104 من ابواب ما يكتسب الحديث 6 و 7 و 12

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 321

عليه السلام فقال له جعلت فداك أني أقعد مع قوم يلعبون بالشطرنج و لست العب بها، و لكن أنظر فقال ما لك و لمجلس لا ينظر اللّه الي اهله «1».

و منها ما رواه ابن رئاب قال: دخلت علي أبي عبد اللّه عليه السلام فقلت له:

جعلت فداك ما تقول في الشطرنج فقال: المقلب لها كالمقلب لحم الخنزير قال:

فقلت: ما علي من قلب لحم الخنزير قال يغسل يده 2.

و منها ما رواه ابو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: بيع الشطرنج حرام و أكل ثمنه سحت و اتخاذها كفر و اللعب بها شرك و السلام علي اللاهي بها معصية و كبيرة موبقة و الخائض فيها يده كالخائض يده في لحم الخنزير لا صلاة له حتي يغسل يده كما يغسلها من مس لحم الخنزير و الناظر إليها كالناظر في فرج أمه و اللاهي بها و الناظر إليها في حال ما يلهي بها و السلام علي اللاهي بها في حالته تلك في الأثم سواء و من جلس علي اللعب بها فقد تبوء مقعده من النار و كان عيشه ذلك حسرة عليه في القيامة، و اياك و مجالسة اللاهي و المغرور بلعبها فانها من المجالس التي باء أهلها بسخط من اللّه يتوقعونه في كل ساعة فيعمك

معهم «3».

فانها تدل علي حرمة اللعب بالنرد و الشطرنج و مقتضي اطلاقها عدم الفرق بين كون اللعب مع الرهن أو بدونه، و فيه انه علي تقدير تمامية اسنادها أو بعضها يكون الحكم مختصا بمورده و لا مقتضي لاسرائه الي غير ذلك المورد.

الفرع الثالث: اللعب بالآلات غير المعدة للقمار مع الرهن و انه هل يكون حراما؟
ما يمكن أن يستدل به علي الحرمة وجوه
الوجه الأول: الإجماع

و فيه ان الإجماع ان كان منقولا لا يكون حجة و ان كان محصلا يكون محتمل المدرك اذ يحتمل استناد المجمعين الي الوجوه المذكورة في المقام فلا يكون اجماعا تعبديا

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 103 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1 و 3

(3) نفس المصدر الحديث 4

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 322

كاشفا.

الوجه الثاني: صدق القمار عليه

فان القمار فسر باللعب بالآلة مع الرهن و تقييد الآلة بالمعدة للقمار دور. و فيه انه قد سبق منا انه لا دور و قلنا ان الفرق بين المعرف بالفتح و المعرف بالكسر بالإجمال و التفصيل و بعبارة اخري: المركوز في الذهن بحسب التبادر اذا كان اللعب بالآلات المعدة مع الرهن فلا مانع من تعريف القمار و تفصيله بما يكون مركوزا في الذهن و ان شئت قلت: اذا كان التبادر من هذا اللفظ عند العرف اللعب بالآلة المعدة مع الرهن و لم يصدق العنوان علي ما لا يكون كذلك يعلم ان اللفظ خاص بالمقيد بل ذكرنا مرارا ان مقتضي الاستصحاب عدم كون اللفظ موضعا لمورد الشك فبالأستصحاب يحرز عدم صدق العنوان فلا يكون حراما بل مع الشك في الصدق يحكم بالإباحة ببركة اصالة البراءة شرعا و قبح العقاب بلا بيان عقلا.

و قال سيدنا الأستادان لفظ القمار يرادف كلمة (برد و باخت) في لغة الفرس و يرد عليه ان لازمه حرمة مجرد المغالبة علي الإطلاق و لو مع عدم الرهن و هو كما تري مضافا الي أنه مناقض لتصريحه بأن المستفاد من كلمات اهل اللغة كون لفظ القمار موضوعا لأن يلعب بالآلة المعدة للقمار مع الرهن نعم قد ذكرنا سابقا انه لو صح اطلاق القمار بماله من المعني المركوز في

الذهن علي اللعب بالآلة غير المعدة يمكن اثبات سعة المفهوم بالاستصحاب القهقري الذي يعبر عنه باصالة عدم النقل و هذا اصل لفظي عقلائي و مع الأصل المذكور لا تصل النوبة الي استصحاب عدم كون اللفظ موضوعا للأعم فانه مع الأصل اللفظي لا مجال للأصل العملي.

الوجه الثالث: النصوص الدالة علي اختصاص جواز الرهن بموارد خاصة

فيكون غير تلك الموارد حراما بمقتضي مفهوم الحصر منها ما رواه محمد بن علي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 323

بن الحسين قال: قال الصادق عليه السلام ان الملائكة لتنفر عند الرهان و تلعن صاحبه ما خلا الحافر و الخف و الريش و النصل، و قد سابق رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله أسامة بن زيد و أجري الخيل «1».

و منها ما رواه العلاء بن سيابة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول:

لا بأس بشهادة الذي يلعب بالحمام و لا بأس بشهادة المراهن عليه فان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قد أجري الخيل و سابق و كان يقول: ان الملائكة تحضر الرهان في الخف و الحافر و الريش و ما سوي ذلك فهو قمار حرام «2».

و منها ما رواه زيد النرسي في اصله عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول: اياكم و مجالسة اللعان فان الملائكة لتنفر عند اللعان و كذلك تنفر عند الرهان و اياكم و الرهان الا رهان الخف و الحافر و الريش فانه تحضره الملائكة «3»

و منها ما عن دعائم الإسلام عن علي عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله انه رخص في السبق بين الخيل و سابق بينها و جعل في ذلك أواقي من فضة، و قال: «لا سبق الا في ثلاث: في خف أو حافر أو

نصل يعني بالحافر الخيل و الخف الإبل و النصل نصل السهم يعني رمي النبل «4» و هذه النصوص كلها ضعيفة سندا فعلي تقدير دلالتها لا يترتب عليها اثر لعدم قابليتها للاستناد إليها.

الوجه الرابع: ما رواه ياسر الخادم

عن الرضا عليه السلام قال: سألته عن الميسر قال: النعل من كل شي ء قال: و النعل ما يخرج بين المتراهنين من الدراهم «5» و هذه الرواية ضعيفة سندا بالخادم مضافا الي أنه لا يستفاد من الحديث حرمة نفس

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من ابواب السبق و الرماية الحديث 6

(2) الوسائل باب 3 من ابواب السبق و الرماية الحديث 3

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، 4 جلد، كتابفروشي محلاتي، قم - ايران، اول، 1413 ه ق عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب؛ ج 1، ص: 323

(3) المستدرك الباب 3 من ابواب السبق و الرماية الحديث 1

(4) نفس المصدر الحديث 3

(5) الوسائل الباب 104 من أبواب ما يكتسب به الحديث 9

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 324

اللعب بل المستفاد منه ان الرهن حرام.

الوجه الخامس: ما رواه معمر بن خالد

«1» بتقريب ان المستفاد من الحديث ان كل ما قومر عليه فهو مصداق للميسر و المقام كذلك و فيه ان كون اللعب مع الرهن بغير الآلات المعدة مصداق للقمار اوّل الكلام و الأشكال.

الوجه السادس: ما رواه جابر

عن أبي جعفر عليه السلام قال: لما أنزل اللّه علي رسوله صلي اللّه عليه و آله «إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ» قيل يا رسول اللّه ما الميسر؟ فقال كل ما تقومر به حتي الكعاب و الجوز قيل: فما الأنصاب قال ما ذبحوا لآلهتهم. قيل فما الأزلام؟ قال قداحهم التي يستقسمون بها «2» بتقريب ان القمار بكل شي ء حتي بالجوز مصداق للميسر و يكون حراما و فيه ان الحديث ضعيف سندا فلا يعتد به

الوجه السابع ما رواه عبد الحميد

قال بعث ابو الحسن عليه السلام غلاما يشتري له بيضا فأخذ الغلام بيضة أو بيضتين فقامر بها فلما أتي به أكله فقال له مولي له ان فيه من القمار قال فدعا بطشت فتقيأ فقاءه «3».

بتقريب ان المستفاد من الحديث ان اللعب بغير الآلات المعدة مصداق للقمار و فيه ان السند ضعيف فلا يعتد بالرواية مضافا الي النقاش في الدلالة فان مورد الاستدلال ان كان قول المولي للإمام عليه السلام فيه من القمار حيث استعمل لفظ القمار باللعب بغير الآلات فجوابه ان الاستعمال اعم من الحقيقة و ان كان وجه الاستدلال ان الإمام تقيا فلا يدل فعله علي حرمة اللعب بل غايته الدلالة علي حرمة التصرف في المال الذي اخذ بسبب القمار مع ان مجرد اللعب لا يستلزم اخذ شي ء اذ يمكن ان لا يغالب احد الطرفين الأخر فالمتحصل مما ذكرنا عدم الدليل علي

______________________________

(1) لاحظ ص 318

(2) الوسائل الباب 35 من ابواب ما يكتسب به الحديث 4

(3) نفس المصدر الحديث: 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 325

حرمة اللعب بالآلة غير المعدة مع الرهن.

بقي شي ء و هو انه هل يمكن أن يصدر من الإمام عليه السلام المحرم الواقعي في حال كونه جاهلا بالواقع أم لا؟
اشارة

و يقع الكلام في هذه الجهة في موردين

المورد الأول: انه هل يتصور الجهل في الإمام أم لا؟

و يمكن أن يقال بأنه عليه السلام عالم بالفعل بجميع العوالم و بكافة الأمور و لكن لا يكون موظفا أن يعمل علي طبق علمه الواقعي بل وظيفته العمل علي طبق الموازين الظاهرية و ربما يقال ان علمه عليه السلام بالأمور ارادي ففي كل مورد يريد أن يعلم يكون عالما و الا فلا و تفصيل البحث موكول الي مجال آخر.

المورد الثاني انه هل يمكن أن يصدر عنه المحرم الواقعي أو ترك الوظيفة الواقعية

يأن يتوضأ بالمضاف عن جهل و يأتي بالصلاة الفاقدة للطهارة أو يشرب النجس الي غير ذلك من موارد ترك الواجب أو فعل الحرام و الإنصاف انه يشكل الالتزام به مع كونه معصوما طاهرا مطهرا بمقتضي آية التطهير فان ارتكاب المحرم سيما اذا كان الحرام من المعاصي الكبيرة اما ناش من الغفلة و اما ناش من عدم المبالات بالحكم الإلهي و الا يكون مقتضي القاعدة الاحتياط و التورع و هل يمكن أن يتصور ذلك بالنسبة الي مقامه الشامخ؟ كلّا ثم كلا.

و صفوة القول ان جميع ما ينافي العصمة منفي عنه بمقتضي آية التطهير الا ان يقال ان الكلام في الصغري فان المستفاد من الآية الشريفة ان اللّه اذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا ان الذي اذهب عنهم عبارة عن الرجس الذي يعبر عنه في لغة الفرس ب (پليدي) فنقول هل يكون ارتكاب المحرم مع الجهل بالواقع رجسا كي ينافي آية التطهير و لقائل ان يقول ان الفعل المحرم رجس فلا يمكن ان يرتكبه المعصوم عليه السلام و الأولي بل المتعين احالة الأمر الي الواقع و عدم الخوض في هذه المرحلة من البحث اعاذنا اللّه من الزلل.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 326

الفرع الرابع: انه هل يجوز اللعب بالآلة غير المعدة بلا رهن
اشارة

ربما يستدل علي حرمته بوجوه

الوجه الأول الإجماع

و حال الإجماع في مثل المقام ظاهر فان الإجماع المنقول لا يكون حجة و الإجماع المحصل علي فرض تحققه محتمل المدرك فلا اثر للإجماع.

الوجه الثاني: جملة من النصوص

منها ما رواه حفص عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: لا سبق الا في خف او حافر او نصل يعني النضال «1».

و منها ما رواه الوشاء عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول: لا سبق الا في خف او حافر او نصل يعني النضال 2.

و منها ما رواه الحسين بن علوان عن جعفر عن ابيه عليهما السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله لا سبق الا في حافر او نصل او خف «3»، و منها ما عن دعائم الإسلام عن علي عليه السلام «4».

و منها ما عن ابن ابي جمهور في درر اللآلي عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله) انه قال: لا سبق الا في نصل او خف او حافر و روي «سبق» بسكون الباء و فتحها «5».

بتقريب ان لفظ سبق المذكور في النصوص بسكون الباء فالمنهي عنه السبق و الغلبة و فيه أولا ان النصوص المشار إليها ضعيفة سندا الا حديث ابن علوان فان حديثه تام من حيث السند و يكفي للاستدلال ان كان تاما دلالة أيضا و ثانيا ان غاية ما في الباب ان يكون الباء المذكور في الكلمة مرددا بين كونه متحركا او ساكنا

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 3 من ابواب السبق و الرماية الحديث 1 و 2

(3) نفس المصدر الحديث 4

(4) راجع ص 323

(5) المستدرك الباب 3 من ابواب السبق و الرماية الحديث 8

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 327

و مع الترديد و احتمال كلا الطرفين

يكون اللفظ مجملا و مع اجمال اللفظ لا مجال للاستدلال به.

الوجه الثالث: دعوي صدق عنوان القمار علي اللعب و مطلق المغالبة و لو مع عدم الرهن.

و فيه: ان صدق عنوان القمار علي اللعب بالآلة غير المعدة مع الرهن محل الأشكال فكيف بصدقه علي اللعب بدون الرهن.

الوجه الرابع: ما رواه عبد اللّه بن علي

عن علي بن موسي عن آبائه عن علي عليهم السلام قال: كل ما إلهي عن ذكر اللّه فهو من الميسر «1» فان مقتضي هذه الرواية ان كل شي ء إلهي عن ذكر اللّه فهو من الميسر و اللعب و لو مع عدم الرهن يوجب الإلهاء عن ذكر اللّه فهو حرام. و فيه أولا ان السند ضعيف فلا يعتد بالحديث و ثانيا انه إن كان المراد بالإلهاء عن ذكر اللّه كل عمل لا يكون عباديا يلزم أن يكون جميع المباحات و المكروهات من المحرمات و هو كما تري، و ان كان المراد ان كل فعل يوجب الغفلة عن ذكر اللّه بحيث يكون الشاغل به غافلا عن اللّه تبارك و تعالي يلزم حرمة كل عمل مباح اذا اوجب الغفلة عن ذكر اللّه و اني لنا بذلك و مضافا الي ان اللعب علي الإطلاق مما يوجب الإلهاء عن ذكره تعالي اوّل الكلام و الأشكال و بعبارة اخري: لا نري تنافيا بين اللعب و ذكر اللّه تعالي فالدليل اخص من المدعي.

الوجه الخامس: انه قد دل بعض النصوص علي حرمة الشطرنج و النرد

منها ما رواه السكوني عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال نهي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله عن اللعب بالشطرنج و النرد «2».

و منها ما رواه ابو الربيع الشامي عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال سئل عن

______________________________

(1) الوسائل الباب 100 من ابواب ما يكتسب به الحديث 15

(2) الوسائل باب 102 من ابواب ما يكتسب به الحديث 9

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 328

الشطرنج و النرد فقال: لا تقربوهما قلت: فالغناء قال لا خير فيه لا تقربه الحديث «1»:

و منها ما رواه عبد اللّه بن جندب عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: الشطرنج ميسر

و النرد ميسر «2». و منها ما رواه اسماعيل الجعفي عن ابي جعفر عليه السلام قال: الشطرنج و النرد ميسر 3.

و منها: ما رواه زيد الشحام عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال عليه السلام: الرجس من الأوثان الشطرنج «4».

و منها ما ارسله ابن ابي عمير عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال عليه السلام: الرجس من الأوثان هو الشطرنج «5».

و منها ما عنه عليه السلام أيضا انه سئل عن الشطرنج فقال: دع المجوسية لأهلها «6».

و منها: ما رواه ابو الجارود عن ابي جعفر عليه السلام قال عليه السلام و اما الميسر فالنرد و الشطرنج «7».

و مقتضي اطلاقها عدم الفرق بين اشتراط الرهن و عدمه. و فيه انه علي فرض تمامية تلك النصوص سندا و دلالة لا يمكن اثبات المدعي في المقام فانه حكم خاص وارد في اطار مخصوص و لا وجه للتعدي منه الي المقام و نتعرض لحكم الشطرنج إن شاء اللّه تعالي فانتظر.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 10

(2) (2 و 3) نفس المصدر الحديث 14 و 15

(4) نفس المصدر الحديث 1

(5) نفس المصدر الحديث 3

(6) نفس المصدر الحديث: 7

(7) نفس المصدر الحديث: 12

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 329

الوجه السادس: انه يستفاد من بعض النصوص ان اللعب مكروه عند الشارح

لاحظ حديث ابن المختار قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن اللعب بالشطرنج فقال ان المؤمن لمشغول عن اللعب «1».

و حديث زرارة عن ابي عبد اللّه عليه السلام انه سئل عن الشطرنج و عن لعبة شبيب التي يقال لها: لعبة الأمير و عن لعبة الثلث فقال أ رأيتك اذا ميز اللّه الحق و الباطل مع ايهما تكون؟ قال: مع الباطل قال: فلا خير فيه 2.

و فيه انه لا اشكال في عدم حرمة

مطلق اللهو مضافا الي انه ربما يكون في اللعب غرض عقلائي بل ربما يكون مصداقا للعبادة اذا تحقق بغرض إلهي فانقدح مما تقدم عدم قيام دليل علي المدعي مضافا الي انه لا اشكال في جواز اللعب و المغالبة بغير الآلة المعدة بلا رهن بل في الجملة امر متعارف و مستمر بين المتشرعة كالمشاعرة و المسابقة في السباحة و العدو و امثالها و اللّه العالم.

الفرع الخامس: انه هل يحرم اللعب بالشطرنج و لو مع عدم الرهان؟

تدل علي حرمته جملة من النصوص منها ما رواه عبد الأعلي قال سألت جعفر بن محمد عليهما السلام عن قول اللّه عز و جل «فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثٰانِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ» قال: الرجس من الأوثان الشطرنج و قول الزور الغناء قلت قول اللّه عز و جل «وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ» قال منه الغناء «3».

و منها ما رواه هشام عن ابي عبد اللّه عليه السلام في قوله تعالي: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثٰانِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ قال: الرجس من الأوثان الشطرنج و قول الزور الغناء 4.

و منها ما رواه زيد الشحام قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قول اللّه عز و جل

______________________________

(1) (1 و 2) نفس المصدر الحديث 11 و 5

(3) (3 و 4) الوسائل الباب 99 من ابواب ما يكتسب الحديث 20 و 26

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 330

فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثٰانِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ قال الرجس من الأوثان الشطرنج و قول الزور الغناء «1».

و منها مرسلة ابن ابي عمير عن ابي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عز و جل «فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثٰانِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ» قال: الرجس من الأوثان هو الشطرنج و قول الزور الغناء 2.

و

منها ما عن عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: أن للّه عز و جل في كل ليلة من شهر رمضان عتقاء من النار الا من افطر علي مسكر أو مشاحن أو صاحب شاهين قلت: و أي شي ء صاحب الشاهين، قال الشطرنج «3».

و منها ما رواه الحسين بن عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: يغفر اللّه في شهر رمضان الا لثلاثة: صاحب مسكر أو صاحب شاهين أو مشاحن «4».

و منها ما رواه السكوني «5» و منها ما رواه ابو الربيع الشامي «6» و منها ما رواه أبو الجارود عن أبي جعفر عليه السلام «7».

و منها ما عن أبي عبد اللّه عليه السلام «8» و منها ما رواه عبد اللّه بن جندب «9» و منها ما رواه اسماعيل الجعفي «10».

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 102 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1 و 3

(3) نفس المصدر الحديث 4

(4) نفس المصدر الحديث 6

(5) راجع ص 327

(6) راجع ص 327

(7) راجع ص 318

(8) لاحظ ص: 329

(9) لاحظ ص: 328

(10) لاحظ ص: 328

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 331

و منها ما رواه «المصدق» مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام قال: لا تسلموا علي اليهود و لا النصاري و لا علي المجوس و لا علي عبدة الأوثان و لا علي شراب الخمر و لا علي صاحب الشطرنج و النرد «1» و منها ما رواه حماد بن عيسي «2».

و منها ما عن سليمان الجعفري عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: المطلع في الشطرنج كالمطلع في النار «3» و منها ما عن جامع البزنطي عن أبي

بصير «4».

و منها ما رواه معمر بن خلاد عن أبي الحسن عليه السلام قال: النرد و الشطرنج و الأربعة عشر بمنزلة واحدة و كل ما قومر عليه فهو ميسر «5» و منها ما رواه عبد اللّه عند اللّه بن جندب 6 و منها ما عن الحسين بن زيد «7».

و منها ما عن اسماعيل الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام قال. الشطرنج ميسر و النرد ميسر 8 و منها ما عن موسي بن جعفر عن ابيه جعفر بن محمد عليهما السلام 9.

و هذه النصوص و ان كان اكثرها ضعيفة سندا لكن يكفي لاثبات المدعي المعتبر منها مضافا الي أن الظاهر وصولها الي حد التواتر فلا مجال للتأمل و الأشكال في حرمة اللعب به.

الفرع السادس: أنه يحرم الحضور عند من يلعب بالشطرنج

و يحرم الحضور

______________________________

(1) الوسائل الباب 28 من ابواب احكام العشرة الحديث: 7

(2) راجع ص 320

(3) الوسائل الباب 103 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2

(4) لاحظ ص. 321

(5) (5 و 8) الوسائل الباب 104 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1 و 8

(7) (7 و 6 و 9) لاحظ 320

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 332

في مجلس يلعب به لاحظ ما رواه حماد بن عيسي «1» فان مقتضي هذا الحديث حرمة الحضور في مجلس الشطرنج و لكن للمناقشة في الاستدلال علي المدعي بهذا الحديث مجال فمقتضي النظر الدقيق في الحديث عدم دلالته علي حرمة الحضور و اللّه العالم: و لاحظ ما رواه ابو بصير «2» فانه يستفاد من هذه الرواية كما تري حرمة جملة من الأمور المذكورة في الحديث فلاحظ.

الفرع السابع: هل اللعب بالنرد حرام و لو مع عدم الرهن؟

يستفاد من بعض النصوص حرمته لاحظ ما رواه ابن خلاد «3» فانه يستفاد من هذه الرواية أن الشطرنج و النرد و الأربعة عشر بمنزلة واحدة فكما ان الشطرنج حرام و لو مع عدم الرهن كذلك النرد و الأربعة عشر.

و يؤيد المدعي جملة من النصوص منها ما رواه ابو بصير «4» و منها ما رواه الفضيل «5» و منها ما رواه عبد الملك القمي «6» و منها ما رواه حسين بن زيد «7» و منها ما في المقنع «8» و منها ما رواه ابن جعفر «9» و منها ما رواه ابن جندب «10».

الفرع الثامن: أنه اذا جعل الرهن في اللعب بالآلات المعدة فهل يملك الرهن

______________________________

(1) لاحظ ص 320

(2) لاحظ ص 321

(3) لاحظ ص 331

(4) لاحظ ص: 318

(5) لاحظ ص 319

(6) لاحظ 318

(7) لاحظ ص: 320

(8) لاحظ ص: 320

(9) لاحظ ص: 320

(10) لاحظ ص: 328

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 333

و بعبارة اخري: القمار كما أنه حرام تكليفا حرام وضعا أم لا؟ ربما يقال أنه لا تلازم بين الحرمة التكليفية و الفساد الوضعي و يمكن الاستدلال علي الحرمة الوضعية بقوله تعالي لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ «1» فان المستفاد من الآية الشريفة أن أكل المال بكل سبب من الأسباب حرام الا بالتجارة عن تراض و من الواضح ان القمار لا يعد من التجارة مضافا الي حديث زياد بن عيسي قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قوله «قول اللّه خ ل» عز و جل «وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ» فقال كانت قريش يقامر الرجل باهله و ماله فنهاهم اللّه عز و جل عن ذلك «2» فان مقتضي الحديث المذكور أن شأن نزول الآية الشريفة أكل المال بالقمار.

و

يؤيد المدعي حديثان آخر ان أحدهما ما رواه اسباط بن سالم قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام فجاء رجل فقال: أخبرني عن قول اللّه عز و جل «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ» قال: يعني بذلك القمار «3».

و ثانيهما ما رواه محمد بن علي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عز و جل «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ» قال: نهي عن القمار و كانت قريش يقامر الرجل باهله و ماله فنهاهم اللّه عن ذلك 4.

و يؤيد المدعي أيضا ما رواه ياسر الخادم عن الرضا عليه السلام قال سألته عن الميسر قال: التفل من كل شي ء قال: الخبز و التفل ما يخرج بين المتراهنين من الدراهم و غيره «5».

______________________________

(1) النساء/ 29

(2) الوسائل الباب 35 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1

(3) (3 و 4) نفس المصدر الحديث 8 و 9

(5) نفس المصدر الحديث 12

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 334

أضف الي ذلك كله ان حرمة المال المأخوذ من القمار من الواضحات الأولية التي لا مجال للريب فيها.

الفرع التاسع: انه هل يحل الرهن المجعول في اللعب بغير الآلات المعدة

كما لو لعبا بالجوز مع الرهن ما يمكن ان يستدل به علي الفساد وجهان: احدهما ان المستفاد من الآية الشريفة «1» الدالة علي عدم جواز اكل مال الغير يغير التجارة بطلان المعاملة الواقعة بالقمار ان قلت: ان الآية الشريفة تدل علي جواز الأكل بالتجارة و اللعب بغير الآلات المعدة لا يكون مصداقا للقمار كما مر فيدخل تحت عنوان التجارة عن تراض قلت أولا انه يحتمل كون التجارة عبارة عن البيع فغير البيع لا يكون تجارة و ثانيا ان صدق التجارة و لو بمعناها الأعم علي

المراهنة محل الكلام و الأشكال و بعبارة اخري هل يمكن الجزم بصدق عنوان التجارة علي اللعب بالخاتم مثلا.

ثانيهما: ما رواه محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه السلام قال: قضي امير المؤمنين عليه السلام في رجل آكل و أصحاب له شاة فقال: ان أكلتموها فهي لكم و ان لم تأكلوها فعليكم كذا و كذا فقضي فيه أن ذلك باطل لا شي ء في المؤاكلة من الطعام ما قل منه و ما كثر و منع عن أمة فيه «عن الغرامة ظ» «2».

فان المستفاد من الحديث بالفهم العرفي عدم جواز المراهنة في المؤاكلة و فسادها و الحديث باحد سنديه تام الا أن يقال الحكم الوارد فيه يختص بباب المؤاكلة و لا وجه لأسراء الحكم الي جميع موارد المراهنة و اللّه العالم.

«قوله: نعم قد يبعد … »

لم أفهم الفارق بين المقامين فان الانصراف المدعي في غير هذه الرواية اذا

______________________________

(1) لاحظ 333

(2) الوسائل الباب 5 من ابواب الجعالة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 335

كان تاما يكون في هذه الرواية كذلك بلا فرق اذ لا وجه للتفرقة.

«قوله قدس سره: و الاولي الاستدلال … »

يرد عليه أولا ان الحديث المشار إليه ضعيف سندا و ثانيا أن صدق عنوان ما يجي ء منه الفساد محضا علي الآلة المعدة للقمار اوّل الكلام.

«قوله قدس سره: نذر له لا كفارة له … »

اذ الكفارة للنذر الشرعي و لم يتحقق النذر في المقام كما هو المفروض فلا كفارة لحنثه.

«قوله قدس سره: فتأمل»

لعل وجه التأمل أن المؤاكلة مجرد مواضعة بين الطرفين و لا يكون من أقسام اللعب بل لا يكون مصداقا للمسابقة أيضا فلاحظ.

«قوله قدس سره: فتأمل»

لعله ناظر الي أنه لا تنافي بين مغايرة الآلة و نفس

العمل و بين كون الآلة دخيلة في المفهوم و ببيان أوضح أن الشطرنج مثلا مفهوم يغاير مفهوم اللعب به و لكن مع ذلك يمكن أن يكون القمار عبارة عن اللعب بالآلة المعدة مع العوض فلاحظ.

[المسألة السادسة عشرة القيادة حرام]

«قوله قدس سره: السادسة عشرة القيادة حرام … »

قال في مجمع البحرين «القواد بالفتح و التشديد هو الذي يجمع بين الذكر و الأنثي حراما» و تدل جملة من النصوص علي حرمتها منها ما رواه و رام بن أبي فراس في كتابه عن النبي صلي اللّه عليه و آله عن جبرئيل عليه السلام قال: اطلعت في النار فرأيت واديا في جهنم يغلي فقلت: يا مالك لمن هذا؟ فقال لثلاثة المحتكرين

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 336

و المدمنين الخمر و القوادين «1».

و منها ما رواه ابراهيم بن زياد الكرخي قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: لعن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله الواصلة و المستوصلة يعني الزانية و القوادة «2».

و منها ما في عقاب الأعمال عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله في حديث قال:

و من قاد بين امرأة و رجل حراما حرم اللّه عليه الجنة و مأواه جهنم و ساعت مصيرا و لم يزل في سخط اللّه حتي يموت 3.

و منها ما رواه عبد اللّه بن سنان قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام أخبرني عن القواد ما حده؟ قال: لاحد علي القواد أ ليس انما يعطي الأجر علي أن يقود؟ قلت جعلت فداك انما يجمع بين الذكر و الأنثي حراما قال: ذاك المؤلف بين الذكر و الأنثي حراما فقلت: هو ذاك قال: يضرب ثلاثة أرباع حد الزاني خمسة و سبعين سوطا و ينفي من

المصر الذي هو فيه الحديث «4».

و منها مرسلة الصدوق قال و في خبر آخر: لعن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله الواصلة و الموتصلة يعني الزانية و القوادة في هذا الخبر 5.

و منها ما رواه سعد الإسكاف قال سئل أبو جعفر عليه السلام عن القرامل التي تضعها النساء في رءوسهن يصلنه بشعورهن فقال لا بأس علي المرأة بما تزينت به لزوجها، قال: فقلت بلغنا أن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله لعن الواصلة و الموصولة فقال: ليس هنا لك انما لعن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله الواصلة التي تزني في شبابها فلما كبرت قادت النساء الي الرجال فتلك الواصلة و الموصولة «6».

______________________________

(1) الوسائل الباب 27 من ابواب آداب التجارة الحديث 11

(2) (2 و 3) الوسائل الباب 27 من أبواب النكاح المحرم و ما يناسبه الحديث 1 و 2

(4) (4 و 5) الوسائل الباب 5 من ابواب حد السحق و القيادة الحديث 1 و 2

(6) الوسائل الباب 19 من ابواب ما يكتسب به الحديث 3

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 337

قال سيدنا الأستاد في هذا المقام و لا شبهة في حرمتها وضعا و تكليفا بل ذلك من ضروريات الإسلام و هي من الكبائر الموبقة و الجرائم المهلكة).

[المسألة السابعة عشرة القيافة حرام في الجملة]
اشارة

«قوله قدس سره: السابعة عشرة القيافة حرام في الجملة … »

قال الماتن قدس سره و القائف كما عن الصحاح و القاموس و المصباح هو الذي يعرف الآثار الخ و يقع الكلام في المقام في فروع:

الفرع الأول: هل يجوز تعليم علم القيافة أو تعلمه أم لا؟

الظاهر انه لا دليل علي الحرمة هذا من ناحية و من ناحية اخري مقتضي الأصل الأولي شرعا و عقلا هو الجواز.

الفرع الثاني: هل يجوز ترتيب الأثر العملي علي علم القيافة أم لا؟

و بعبارة اخري: هل يجوز للقائف ترتيب الأثر علي علم قيافته الحق انه اذا حصل العلم بأمر له و لو من هذا الطريق لا مانع من ترتيب الأثر كان يقال هذا من فلان فان العلم حجة ذاتي فلا اشكال فيه بل يمكن أن يقال بجواز ترتيب الأثر علي الاطمينان بعد بعد فرض كونه حجة عقلائية.

الفرع الثالث: هل يجوز ترتيب الأثر العملي علي قول القائف أم لا؟

الذي يختلج بالبال أن يقال المقرر عند القوم ان الجاهل وظيفته الرجوع الي العالم فاذا كان القائف لا ينحرف عن الجادة و ما يقول مستند الي المباني الصحيحة يكون حجة لمن راجعه و بعبارة اخري: قول اهل الخبرة حجة للجاهل و علي الجملة:

المقام احد مصاديق هذه الكبري الا أن يقوم دليل علي الخلاف.

و قد ورد في المقام بعض النصوص لاحظ ما رواه زكريا بن يحيي قال سمعت علي بن جعفر يحدث الحسين بن الحسين ابن علي بن الحسين فقال: و اللّه لقد نصر اللّه أبا الحسن الرضا عليه السلام فقال له الحسن اي و اللّه جعلت فداك لقد بغي عليه اخوته فقال علي بن جعفر اي و اللّه و نحن عمومته بغينا عليه فقال له الحسن جعلت فداك كيف صنعتم فاني لم احضركم قال: قال له اخوته و نحن أيضا: ما كان فينا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 338

امام قط حائل اللون فقال لهم الرضا عليه السلام: هو ابني قالوا: فان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قد قضي بالقافة فبيننا و بينك القافة قال: ابعثوا انتم إليهم فأما أنا فلا الخ «1».

و هذه الرواية يستفاد منها اعتبار قول القائف حيث ان الإمام عليه السلام أمر بالعبث الي القافة و الإتيان بهم لكن الحديث ضعيف سندا بزكريا

و لاحظ ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: من تكهن أو تكهن له فقد برئ من دين محمد صلي اللّه عليه و آله قال: قلت فالقيافة «فالقافة خ ل» قال: ما أحب أن تأتيهم، و قيل: ما يقولون شيئا الا كان قريبا مما يقولون فقال: القيافة فضلة من النبوة ذهبت في الناس حين بعث النبي صلي اللّه عليه و آله «2».

و هذه الرواية ضعيفة بالبطائني فلا تصل النوبة الي ملاحظة دلالتها كي يقال انه لا يبعد أن يستفاد منها عدم اعتبار قول القائف و لاحظ ما رواه حسين بن زيد عن الصادق عن آبائه عليهم السلام في حديث المناهي ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله نهي عن اتيان العراف و قال من أتاه و صدقه فقد برئ مما أنزل اللّه عز و جل علي محمد صلي اللّه عليه و آله «3» و الرواية ضعيفة سندا و اما دلالتها علي عدم اعتبار قول القائف تامة ان قلنا بأن العراف هو القائف قال في الوسائل بعد نقل الخبر (أقول فسر بعض اهل اللغة العراف بالكاهن و بعضهم بالمنجم) و علي التفسيرين المذكورين لا تكون الرواية مربوطة بالمقام فلاحظ ان قلت ان النصوص الخاصة الواردة في المقام و ان لم تف بالمقصود و عدم اعتبار قول القائف بلحاظ الخدش في السند أو الدلالة أو كليهما لكن يكفي لعدم اعتبار قول القائف الآيات و الروايات التي تنهي عن العمل بغير العلم و ان الظن لا يغني عن الحق شيئا مضافا الي أن

______________________________

(1) الاصول من الكافي ج 1 ص: 322 حديث: 14

(2) الوسائل الباب 26 من ابواب ما يكتسب به الحديث 2

(3) نفس

المصدر الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 339

مقتضي الاستصحاب عدم النسبة بين فلان و فلان و لا يجوز رفع اليد عن الاستصحاب الا بالأمارة المعتبرة و علم القيافة ليس منها.

قلت: الجواب عن الإيراد المذكور ما ذكرناه من أن مقتضي رجوع الجاهل الي العالم اعتبار قول القائف و بعبارة واضحة: ان مقتضي السيرة العقلائية اعتبار قول اهل الخبرة و ترتيب الأثر بقوله لا يكون عملا بالظن بل عمل بالأمارة و ان شئت قلت: ما الفرق بين المقام و العمل بقول الثقة في الأحكام و أيضا العمل بقوله في الموضوعات فكما ان السيرة الجارية هناك دليل علي الاعتبار هناك كذلك دليل في المقام بلا فرق و الكلام هناك هو الكلام في المقام و ببيان أوضح بعد اعتبار قوله بالسيرة الجارية علي العمل بقول اهل الخبرة لا يبقي مجال لأن يقال العمل بقوله ينافي المنع عن العمل بغير علم و ينافي الاستصحاب فانه بعد اعتباره ببركة السيرة يكون العمل بقوله عملا بالأمارة المعتبرة.

[المسألة الثامنة عشرة الكذب حرام]
اشارة

«قوله قدس سره: الثامنة عشرة الكذب حرام … »

قال في مجمع البحرين «و الكذب هو الأخبار عن الشي ء بخلاف ما هو فيه سواء العمد و الخطاء اذ لا واسطة بين الصدق و الكذب علي المشهور الخ» و قال المجلسي في البحار «و الكذب الأخبار عن الشي ء بخلاف ما هو عليه سواء طابق الاعتقاد أم لا علي المشهور «1».

و يقع الكلام في تحقيق هذه المسألة في فروع:

الفرع الأول: الكذب حرام

و افاد الماتن انه يدل علي حرمته الأدلة الأربعة فنقول: الظاهر ان العقل لا يحكم بقبح الكذب علي الإطلاق مثلا لو قال احد السماء تحتنا و الأرض فوقنا بلا ترتب اي فساد علي اخباره هل يحكم العقل بقبح الأخبار المذكور و امثاله نعم لو ترتب علي الأخبار فساد يمكن أن يقال انه قبيح في نظر العقل و هذا لا يرتبط بالكذب بل الميزان ترتب الفساد بلا فرق بين الكذب و الصدق مضافا الي أنه قد سبق منا انه

______________________________

(1) بحار الانوار ج 72 ص 233

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 340

لا مجال لاستفادة الحكم الشرعي من ناحية حكم العقل.

و أما الإجماع فمن المحتمل ان لم يكن مقطوعا فهو مدركي لا يترتب عليه اثر و أما الكتاب فتدل منه علي حرمة الكذب آيات كثيرة منها قوله تعالي فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزٰادَهُمُ اللّٰهُ مَرَضاً وَ لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ بِمٰا كٰانُوا يَكْذِبُونَ «1».

و تدل علي المدعي جملة كثيرة من النصوص منها ما رواه فضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام قال ان اوّل من يكذب الكذاب اللّه عز و جل ثم الملكان اللذان معه ثم هو يعلم أنه كاذب «2».

و منها ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه

السلام قال: ان اللّه عز و جل جعل للشر أقفالا و جعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب و الكذب شر من الشراب 3

و منها ما رواه ابن فضال رفعه عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله ان لإبليس كحلا و لعوقا و سعوطا، فكحله النعاس و لعوقه الكذب و سعوطه الكبر «4».

و منها ما رواه عبد اللّه بن عجلان قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول ان العبد اذا صدق كان اوّل من يصدقه اللّه و نفسه تعلم انه صادق و اذا كذب كان اوّل من يكذبه اللّه و نفسه تعلم انه كاذب 5.

و منها: ما عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال عليه السلام: ان الكذاب يهلك بالبينات و يهلك اتباعه بالشهوات «6».

و منها: ما عن الرضا عليه السلام قال عليه السلام سئل رسول اللّه صلي اللّه

______________________________

(1) البقرة/ 10

(2) (2 و 3) الوسائل الباب 138 من ابواب أحكام العشرة الحديث 1 و 3

(4) (4 و 5) نفس المصدر الحديث 14 و 15

(6) نفس المصدر الحديث 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 341

عليه و آله يكون المؤمن جبانا؟ قال: نعم قيل: و يكون بخيلا؟ قال: نعم قيل:

و يكون كذابا؟ قال: لا «1» و منها: ما عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال: أربي الربا الكذب «2».

و منها ما رواه الحسن بن محبوب قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام يكون المؤمن بخيلا؟ قال: نعم قال قلت فيكون جبانا قال: نعم قلت فيكون كذابا قال لا و لا جافيا ثم قال جبل المؤمن علي كل طبيعة الا الخيانة و الكذب «3».

و منها ما عن النبي

صلي اللّه عليه و آله و سلم قال: لا يكذب الكاذب الا من مهانة نفسه و اصل السخرية الطمأنينة الي أهل الكذب «4» و منها: ما عن علي عليه السلام قال عليه السلام في خطبة طويلة: ايها الناس ألا فاصدقوا ان اللّه مع الصادقين و جانبوا الكذب فانه جانب للايمان ألا ان الصادق علي شفا منجاة و كرامة ألا ان الكاذب علي شفا ردي و هلكة 5.

و منها ما رواه ابو القاسم الكوفي في كتاب الأخلاق قال رجل لرسول اللّه صلي اللّه عليه و آله يا رسول اللّه دلني علي عمل أتقرب به الي اللّه، فقال: لا تكذب فكان ذلك سببا لاجتنابه كل معصية للّه لأنه لم يقصد وجها من وجوه المعاصي الا وجد فيه كذبا أو ما يدعو الي الكذب فزال عنه ذلك من وجوه المعاصي 6.

أضف الي ذلك قول الماتن الكذب حرام بضرورة العقول و الأديان و قال سيدنا الأستاد في هذا المقام لا شبهة في حرمة الكذب فانه من قبائح الذنوب و فواحش العيوب بل هو مفتاح الشرور و رأس الفجور و من اشد الجرائم و اكبر الكبائر و حرمته

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 11

(2) نفس المصدر الحديث: 12

(3) المستدرك الباب 120 من ابواب احكام العشرة الحديث 5

(4) (4 و 5 و 6) نفس المصدر الحديث 6 و 1 و 8

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 342

من ضروريات مذهب الإسلام بل جميع الأديان الخ فالنتيجة انه لا اشكال و لا كلام في حرمة الكذب في الجملة.

الفرع الثاني: ان الكذب من الكبائر
اشارة

و يمكن الاستدلال علي المدعي بوجوه

الوجه الأول: ما رواه ابن شاذان

عن الرضا عليه السلام في كتابه الي المأمون قال:

الأيمان هو اداء الأمانة و اجتناب جميع الكبائر و هو معرفة بالقلب و اقرار باللسان و عمل بالأركان «الي أن قال في عداد الكبائر» و حبس الحقوق من غير عسر و الكذب و الكبر و الإسراف الخ «1» فانه قد صرح بالكذب في عداد المعاصي الكبيرة و الحديث ضعيف سندا.

الوجه الثاني: ما رواه الأعمش

عن جعفر بن محمد عليهما السلام في حديث شرايع الدين قال و الكبائر محرمة: و هي الشرك باللّه، و قتل النفس التي حرم اللّه و عقوق الوالدين الي أن قال و استعمال التكبر و التجبر، و الكذب و الإسراف و التبذير و الخيانة الخ «2» فانه قد صرح بالكذب في عداد المعاصي الكبيرة و الرواية ضعيفة سندا.

الوجه الثالث: ما رواه ابن مسلم

«3» فانه قد صرح في الرواية بأن الكذب شر من الشراب و حيث ان شرب الشراب من الكبائر فالكذب من الكبائر بالأولوية و قد ناقش سيدنا لأستاد في الاستدلال بالحديث علي المدعي بوجهين احدهما الأشكال في السند من ناحية عثمان ابن عيسي ثانيهما ان الكذب علي الإطلاق لا يكون شرا من الخمر بالضرورة و يرد علي الوجه الأول من الأشكال ان الرجل موثق فلا اشكال في الرواية سندا و يرد علي الوجه الثاني انه بمقدار قيام الضرورة نرفع

______________________________

(1) الوسائل الباب 46 من ابواب جهاد النفس الحديث 33

(2) نفس المصدر الحديث 36

(3) لاحظ ص: 340

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 343

اليد عن الحديث و نأخذ به في الباقي و دعوي الضرورة علي عدم اشدية الكذب من شرب الخمر علي الإطلاق الا في الكذب علي اللّه و علي الرسول عهدته علي مدعيها.

الوجه الرابع: ما عن العسكري عليه السلام

و يدل علي المدعي موردان في الخبر احدهما ما عن العسكري ثانيهما ما عن رسول اللّه فان العسكري عليه السلام قال جعلت الخبائث كلها في بيت و جعل مفتاحها الكذب «1» و قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله المؤمن اذا كذب من غير عذر لعنه سبعون ألف ملك و خرج من قلبه نتن حتي يبلغ العرش و يلعنه حملة العرش و كتب اللّه عليه لتلك الكذبة سبعين زنية أهونها كمن يزني مع أمه «2» و الرواية ضعيفة سندا.

الوجه الخامس ما رواه القطب الراوندي

عن النبي صلي اللّه عليه و آله، قال: «أربي الربا الكذب «3» و السند ضعيف.

الوجه السادس: كثرة روايات الواردة في الباب

الدالة علي مبغوضية الكذب و الآثار المترتبة عليه و شدة التحذير عنه فانها بنفسها تدل علي كونه كبيرة عند اللّه و اللّه العالم بحقائق الأمور.

الوجه السابع قوله تعالي إِنَّمٰا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لٰا يُؤْمِنُونَ بِآيٰاتِ اللّٰهِ وَ أُولٰئِكَ هُمُ الْكٰاذِبُونَ

«4». بتقريب ان اللّه تعالي جعل الكاذب غير مؤمن بآيات اللّه و فيه انه لا يبعد أن تكون الآية اشارة الي الكفار الذين لا يؤمنون بالنبي صلي اللّه عليه و آله فانهم يفترون الكذب فلا ترتبط بالمقام و بعبارة اخري: الموضوع

______________________________

(1) البحار ج 72 ص 263 حديث 48

(2) البحار ج 72 ص 263 حديث 48

(3) المستدرك باب 120 من أبواب احكام العشرة الحديث 12

(4) النحل/ 105

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 344

المأخوذ في الآية الكافر لا أن المؤمن يخرج عن الأيمان بالكذب مضافا الي أن الكذب المذكور في الآية الكذب الخاص و هو الافتراء علي الرسول و لا اشكال في أنه من الكبائر الا أن يقال ان المستفاد من الآية الشريفة ان المفتري خارج عن الأيمان علي الإطلاق لكن يبقي الأشكال الثاني و هو أن الآية الشريفة متعرضة للكذب الخاص لا الكذب علي الإطلاق و اما حديث الراوندي قال النبي صلي اللّه عليه و آله أربي الربا الكذب و قال رجل له صلي اللّه عليه و آله المؤمن يزني؟ قال: قد يكون ذلك. قال: المؤمن يسرق قال صلي اللّه عليه و آله قد يكون ذلك، قال:

يا رسول اللّه المؤمن يكذب؟ قال: لا؟ قال اللّه تعالي: إِنَّمٰا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لٰا يُؤْمِنُونَ «1» فهو مرسل و لا اعتبار بالمرسلات.

و ربما يقال ان الكذب من الكبائر بلا فرق فيه بين كونه ذا مفسدة أم لا؟

و استدل علي المدعي بما رواه أبو ذر عن النبي صلي اللّه عليه و آله في

وصية له قال:

يا أبا ذر من ملك ما بين فخذيه و ما بين لحييه دخل الجنة «الي أن قال» يا أبا ذر ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم ويل له ويل له ويل له يا أبا ذر من صمت نجي فعليك بالصمت و لا تخرجن من فيك كذبة أبدا، قلت: يا رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فما توبة الرجل الذي يكذب متعمدا؟ قال: الاستغفار و صلوات الخمس تغسل ذلك «2».

بتقريب: ان الميزان في كون المعصية كبيرة ورود نص معتبر يدل علي عذاب المرتكب لها و المفروض ان الرواية المشار إليها قد اوعد فيها بالنار من يكذب لإضحاك الناس فان اضحاك الناس لا مفسدة فيه و لكن الرواية ضعيفة سندا مضافا الي أنه لا دليل علي أن الميزان المذكور ميزانا لكون المعصية كبيرة.

______________________________

(1) البحار ج 72 ص 263 حديث 47

(2) الوسائل الباب 140 من أبواب أحكام العشرة الحديث 4

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 345

نعم لا يبعد أن يستفاد من حديث ابن جعفر ان الميزان توعيد اللّه علي العذاب و هو ما رواه عن أخيه موسي بن جعفر عليهما السلام قال: سألته عن الكبائر التي قال اللّه عز و جل: «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبٰائِرَ مٰا تُنْهَوْنَ عَنْهُ» قال التي أوجب اللّه عليها النار «1» هذا من ناحية و من ناحية اخري يستفاد من بعض الآيات ان الكاذب يعذب و هو قوله تعالي وَ لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ بِمٰا كٰانُوا يَكْذِبُونَ «2» فلاحظ.

الفرع الثالث: ان الكذب حرام في الجد و الهزل و لا يختص بالجد

و ذلك لإطلاق ما يدل علي حرمته لاحظ ما رواه أبو بصير قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: ان العبد ليكذب حتي يكتب من الكذابين، فاذا كذب قال اللّه

عز و جل:

كذب و فجر «3» فان مقتضي اطلاق قوله فاذا كذب قال اللّه عز و جل كذب و فجر عدم الفرق بين الجد و الهزل.

و لاحظ ما رواه ابن خلاد عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال سئل رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله يكون المؤمن جبانا؟ قال: نعم. قيل و يكون بخيلا، قال نعم قيل و يكون كذابا قال: لا. 4 و لاحظ ما رواه ابن مسلم «5» و الكلام فيه هو الكلام.

و يؤيد المدعي جملة من النصوص منها مرسلة سيف بن عميرة عن أبي جعفر عليه السلام قال كان علي بن الحسين عليهما السلام يقول لولده: اتقوا الكذب الصغير منه و الكبير في كل جد و هزل، فان الرجل اذا كذب في الصغير اجترأ علي الكبير أ ما علمتم ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال: ما يزال العبد يصدق

______________________________

(1) الوسائل الباب 46 من ابواب جهاد النفس الحديث 21

(2) البقرة/ 10

(3) (3 و 4) الوسائل الباب 138 من ابواب أحكام العشرة الحديث 10 و 11

(5) لاحظ ص: 340

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 346

حتي يكتبه اللّه صديقا، و ما يزال العبد يكذب حتي يكتبه اللّه كذابا «1».

و منها ما رواه الأصبغ بن نباتة قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا يجد عبد طعم الأيمان حتي يترك الكذب هزله وجده 2

و منها ما رواه الحارث الأعور عن علي عليه السلام قال لا يصلح من الكذب جد و لا هزل و لا أن يعد أحدكم صبيه ثم لا يفي له ان الكذب يهدي الي الفجور و الفجور يهدي الي النار و ما يزال احدكم يكذب حتي يقال كذب و

فجر و ما يزال احدكم يكذب حتي لا تبقي موضع ابرة صدق فيسمي عند اللّه كذابا «3» و منها ما عن ابي ذر عن النبي صلي اللّه عليه و آله «4».

نعم ربما لا يصدق عنوان الكذب علي الأخبار بداعي الهزل بيان ذلك ان الجملة الخبرية وضعت للدلالة علي كون المتكلم بها في مقام ابراز الحكاية كما ان صيغة الأمر وضعت للدلالة علي كون المتكلم بها في مقام ابراز اعتبار اللابدية و لكن الدواعي مختلفة فالمتكلم بالجملة الخبرية اذا كان داعيه الحكاية عما في الخارج فان الخبر اذا كان مطابقا مع الواقع يكون صادقا و ان كان الخبر مخالفا مع الواقع يكون كاذبا و أما ان كان داعيه اضحاك السامعين مثلا أو ان كان داعيه الهزل لا يصدق انه كذب و لذا لو قال احد ان فلانا كثير الرماد و كان داعيه الأخبار عن جوده و سخائه فان كان المخبر عنه جوادا يكون المخبر صادقا و ان لم يكن في دار المخبر رماد اصلا نعم ان لم يكن المخبر عنه جوادا يكون المخبر كاذبا و ان كان المخبر عنه كثير الرماد فانقدح مما ذكرنا انه لا بدّ من التفصيل و انه لو أخبر بداعي الهزل لا يكون حراما.

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب الباب 140 من ابواب أحكام العشرة الحديث 1 و 2

(3) نفس المصدر الحديث 3

(4) لاحظ ص: 344

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 347

ثم انه هل يختص الجواز بصورة قيام قرينة علي كونه في مقام الهزل أم لا؟

الظاهر انه لا وجه للاختصاص فان الحكم تابع لواقعه و صفوة القول ان الأخبار عن أمر بداعي الهزل لا يتصف بالكذب لأن قوام الصدق و

الكذب بكون المتكلم قاصدا للحكاية و المفروض ان الهازل اذا كان داعيه الهزل و لا يقصد الحكاية كما هو المفروض لا موضوع لعنوان الكذب.

الفرع الرابع: انه هل تكون المبالغة كذبا أم لا؟

الذي يختلج بالبال أن يقال تارة يبالغ المخبر في اخباره عن أمر لا يكون قابلا للمبالغة كما لو زاره عند قدومه من السفر واحد فيقول زارني اليوم آلاف و اخري يكون قابلا للمبالغة أما في الصورة الأولي فيكون اخبارا كاذبا و حراما بلا اشكال و أما في الصورة الثانية فلا فلو زاره كثير من الأفراد فقال زارني مائة و أراد من عدد المائة الكثير يكون صادقا و ان لم يزره الا تسعون أو زاره مائة و عشرة فهذا هو الميزان الكلي.

الفرع الخامس: انه هل يكون خلف الوعد من الكذب أم لا؟
اشارة

و الكلام في هذا الفرع يقع في مقامين احدهما: من حيث تحقق الكذب و عدمه ثانيهما:

من حيث بيان حكم خلف الوعد جوازا و منعا أما

المقام الأول [في تحقق الكذب و عدمه]

فالوعد علي أقسام:

القسم الأول: ما اذا اخبر احد بعزمه علي أمر كما لو وعده بالضيافة ففي هذه الصورة يكون اخباره عن عزمه من حيث الكذب و الصدق تابعا للواقع فان كان عازما يكون صادقا و ان لم يكن عازما يكون كاذبا.

القسم الثاني أن ينشئ اشتغال ذمته بأمر لآخر و يعتبر فعلا في ذمته كالنذر فكما انه يشتغل ذمته في النذر له تعالي كذلك في المقام يشتغل ذمته للغير و في هذه الصورة لا موضوع للصدق و الكذب كما هو ظاهر فانه لا اخبار كي يكون صادقا أو كاذبا.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 348

القسم الثالث: ان يعد بوقوع امر في الخارج كما لو وعد بالمجي ء بأن يقول أجي ء غدا عندكم فانه اخبار عن وقوع امر في المستقبل و يكون صدقه او كذبه تابعا للواقع فان وقع في ظرفه يكون صادقا و الا يكون كاذبا.

القسم الرابع: ان يلتزم ان يفعل الفعل الفلاني كما لو التزم بأن يكتب المكتوب الفلاني او ان يزور الشخص الفلاني او ان يعطي مقدارا للأمر الكذائي الي غير ذلك و القسم الأخير له صورتان الاولي: ان يلتزم في ضمن عقد او إيقاع الثانية: ان يلتزم ابتداء و الظاهر ان الوعد بما له من المفهوم يصدق علي القسم الرابع و يعبر عنه في لغة الفرس: (قول دادن).

هذا هو المقام الأول اذا عرفت الاقسام المتصورة في المقام الأول يقع الكلام في

المقام الثاني [في بيان حكم خلف الوعد جوازا و منعا]

فنقول: اما القسم الأول و هو الاخبار عن العزم علي امر فلا دليل علي وجوب البقاء عليه و ليس الاخبار عن العزم مصداقا للوعد و اطلاق عنوان الوعد عليه بالمسامحة كما ان القسم الثاني لا مقتضي للإلزام الشرعي فان اشتغال الذمة

للّه تعالي بالنذر موضوع لوجوب الوفاء به بدليله و اما في غيره فلا مقتضي لوجوب الافراغ و لا مقتضي للاشتغال شرعا و أيضا لا مقتضي لوجوب العمل في القسم الثالث اذ لا دليل علي وجوب جعل الخبر مطابقا للواقع، و بعبارة اخري الذي يلزم شرعا ان المكلف لا يكذب و اما جعل الخبر الصادر صادقا و مطابقا مع الواقع فلا دليل عليه كما انه لا يصدق عنوان الوعد علي القسم الثاني و القسم الثالث و أما القسم الرابع فتارة يكون الالتزام بالعمل في ضمن امر آخر بحيث يصدق عليه عنوان الوعد المشروط و اخري يكون وعدا ابتدائيا غير مشروط اما الصورة الاولي فالظاهر انه يكفي للوجوب دليل وجوب العمل بالشرط و ان المؤمنين عند شروطهم و الالتزام بعدم الوجوب يتوقف علي قيام اجماع تعبدي علي عدمه او اثبات تحقق السيرة من المتشرعة علي عدم العمل بالوعد المشروط و هل يمكن اثبات مثله؟.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 349

و اما الصورة الثانية و هي الصورة التي لا يكون الالتزام فيها في ضمن شي ء آخر فيمكن الاستدلال علي وجوب العمل به و حرمة خلفه بجملة من النصوص منها ما رواه هشام قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: عدة المؤمن اخاه نذر لا كفارة له، فمن اخلف فبخلف اللّه بدا و لمقته تعرض و ذلك قوله: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مٰا لٰا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّٰهِ أَنْ تَقُولُوا مٰا لٰا تَفْعَلُونَ «1» فان مقتضي هذه الرواية ان الوعد كالنذر في وجوب الوفاء غير انه لا كفارة له اذا اخلف غاية الامر الميزان المذكور في الرواية لا يشمل جميع اقسامه بل الحكم

مخصوص بعدة المؤمن اخاه.

و منها ما رواه شعيب عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله من كان يؤمن باللّه و اليوم الاخر فليف اذا وعد «2» و هذه الرواية أيضا دالة علي الوجوب و لا يختص بمورد خاص.

و يؤيد المدعي جملة من النصوص منها ما رواه سماعة بن مهران عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: قال: من عامل الناس فلم يظلمهم و حدثهم فلم يكذبهم و وعدهم فلم يخلفهم كان ممن حرمت غيبته و كملت مروته و ظهر عدله و وجبت اخوته «3».

و منها ما رواه الحارث الاعور عن علي عليه السلام «4» و منها ما رواه علي بن عقبة عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: المؤمن اخو المؤمن عينه و دليله لا يخونه و لا يظلمه و لا يغشه و لا يعده عدة فيخلفه «5».

______________________________

(1) الوسائل الباب 109 من ابواب أحكام العشرة الحديث 3

(2) نفس المصدر الحديث 2

(3) الوسائل الباب 152 من ابواب أحكام العشرة الحديث 2

(4) لاحظ ص: 346

(5) الوسائل الباب 122 من ابواب احكام العشرة الحديث 6

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 350

و لكن الظاهر ان الفقهاء لا يلتزمون بحرمة خلف الوعد و لعل المنشأ السيرة الجارية علي عدم النكير علي من يخلف وعده و اللّه العالم.

و ليعلم ان الذي يعد و يلتزم اذا كان حين الوعد لا يقصد القيام بمورد الالتزام يكون كاذبا في قوله حيث يخبر بالتزامه ابتداء او ضمنا فاذا كان غير قاصد للقيام بمورد الالتزام بكون خبره غير مطابق للواقع فلاحظ.

و هل يمكن ان يستفاد وجوب العمل بالوعد من قوله تعالي يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ

تَقُولُونَ مٰا لٰا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّٰهِ أَنْ تَقُولُوا مٰا لٰا تَفْعَلُونَ «1» لا يبعد ان يفهم من الآية ذم الوعد الذي لا يفي الواعد به و يؤكد المدعي و يسدده الحديث الوارد في المقام لاحظ ما رواه هشام «2» فان الامام عليه السلام صرح ان الخلف للوعد مصداق للوعيد المذكور في الآية الشريفة.

و العجب من سيدنا الاستاد حيث صرح بأن الآية اجنبية عن حرمة مخالفة الوعد و الظاهر من الآية ان الاعتراض و الوعيد متوجه الي الذين يأمرون بالمعروف و الحال انهم تاركون له و الذين ينهون عن المنكر و هم يرتكبونه فانه يرد عليه أولا ان ظاهر الآية ليس كما يدعي و ثانيا مع الحديث المشار إليه لا يبقي مجال لما افاده فتحصل مما تقدم ان مقتضي القاعدة الالتزام بوجوب الوفاء بالوعد الا ان يقوم دليل علي عدم الوجوب فيلتزم بالاستحباب لا ان يلتزم بكراهة الخلف كما في عبارة سيدنا الاستاد في المنهاج.

الفرع السادس: أنه هل تكون التورية داخلة في الكذب أم لا؟

فلا بد أولا من بيان مفهوم الصدق و الكذب ثم، بيان مفهوم التورية كي يتضح الحال قال في مجمع البحرين «و الصدق خلاف الكذب و هو مطابقة الخبر لما في النفس اي لما في

______________________________

(1) الصف/ 2 و 3

(2) لاحظ ص: 349

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 351

اللوح المحفوظ كأن يقول زيد في الدار و هو فيها» و الظاهر أن ما أفاده تام فان صدق كل خبر بكونه مطابقا مع الواقع و كذبه بعدمه فان المفاهيم تستفاد من العرف و عن النظام «أن صدق الخبر مطابقته لاعتقاد المخبر و كذبه عدمها و ان كان الاعتقاد خطأ» و استدل بقوله تعالي إِذٰا جٰاءَكَ الْمُنٰافِقُونَ قٰالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللّٰهِ

وَ اللّٰهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَ اللّٰهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنٰافِقِينَ لَكٰاذِبُونَ «1» بتقريب ان اللّه سجل عليهم بأنهم كاذبون لعدم اعتقادهم بالرسالة مع كون الرسالة أمرا واقعيا.

و يمكن أن يجاب عن النظام بوجهين: الوجه الأول: أن المنافقين كاذبون في شهادتهم للرسالة بتقريب أن الشهادة عبارة عن الحضور و حيث ان المنافق لا يعتقد بالرسالة فلا تكون الرسالة موجودة بحسب اعتقاده فلا يكون حاضرة عنده فتكون شهادته شهادة كاذبة و ان شئت قلت: ان المنافق لا يكون صادقا في شهادته و لا يكون شاهدا فيكون كاذبا.

الوجه الثاني: أنه لو اخبر احد بامر مطابق للواقع كما لو قال السماء فوقنا و هو يعتقد خلافه يلزم أن يكون خبره خبرا كاذبا و الحال انه لا اشكال في كونه صادقا.

و عن الجاحظ أن صدق الخبر مطابقته للواقع و الاعتقاد معا و كذبه عدم مطابقته لهما معا و غير ذلك لا صدق و لا كذب و استدل علي مذهبه بقوله تعالي أَفْتَريٰ عَلَي اللّٰهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ «2» بتقريب انه قوبل بين الكذب و الأخبار حال الجنة فتكون بين الصدق و الكذب الواسطة، و يرد عليه أنه لا واسطة بين الصدق و الكذب بالضرورة قال في مجمع البحرين «و الكذب هو الأخبار عن الشي ء بخلاف ما هو فيه سواء العمد و الخطأ اذ لا واسطة بين الصدق و الكذب علي المشهور» و الآية المذكورة لا تدل علي مدعاه بل المستفاد من الآية أن اخبار النبي صلي اللّه عليه

______________________________

(1) المنافقون/ 1

(2) سبأ/ 8

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 352

و آله مردد بين الافتراء الذي يكون كذبا خاصا و بين كونه حال الجنون و الاخبار حال الجنون لا أثر

له.

اذا عرفت ما تقدم نقول أن التورية لا تكون من مصاديق الكذب بل من مصاديق التكلم بما هو خلاف الظاهر و بعبارة أخري الموري يوري مقصده عن السامع فالتورية ما يكون ظاهره مخالفا لقصد المتكلم و بعبارة اخري: التورية انتفاء الكذب موضوعا اذ الكذب باعتبار مخالفة الحكاية للواقع فلا مخالفة في ظاهر الكلام بل المخالفة في عدم تطابق الحكاية مع الواقع و أما التورية فهي عدم تطابق ظهور الكلام مع مراد المتكلم.

ان قلت أن الموري يصدق عليه انه تلفظ بكلام كاذب فهو كاذب قلت يرد عليه أولا النقض بما لو تلفظ و تكلم بكلام كاذب لغير غاية الاخبار بل لغاية أخري فهل يكون مثله كاذبا في قوله و يصير فاسقا؟ كلا.

و ثانيا: نجيب عن الاشكال بالحل و هو أن تحقق عنواني الصدق و الكذب بالنسبة الي المتكلم يتوقف علي قصد الحكاية و الاخبار فعلي هذا تكون التورية مغايرة للكذب موضوعا فجوازها علي طبق القاعدة الاولية اذ لا مقتضي لحرمتها و لذا قيل أنه لا يتحقق عنوان الاضطرار الي الكذب مع امكان التورية فلا يجوز الكذب مع امكان الفرار عنه بالتورية.

و تدل علي جوازها جملة من النصوص منها ما رواه عبد اللّه بن بكير عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يستأذن عليه فيقول للجارية قولي ليس هو هاهنا قال: لا بأس ليس بكذب «1».

و يؤيده خبر الاحتجاج عن الصادق عليه السلام أنه قال: ما فعله كبيرهم و ما

______________________________

(1) الوسائل الباب 141 من أبواب أحكام العشرة الحديث 8

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 353

كذب ابراهيم قيل: و كيف ذلك؟ فقال: انما قال ابراهيم: فاسألوهم ان كانوا ينطقون فان نطقوا فكبيرهم فعل و ان

لم ينطقوا فكبيرهم لم يفعل شيئا فما نطقوا و ما كذب ابراهيم «1».

و منها ما رواه حسن الصيقل قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السلام انا قد روينا عن أبي جعفر عليه السلام في قول يوسف عليه السلام «أينها العير انكم لسارقون» فقال: و اللّه ما سرقوا و ما كذب و قال ابراهيم: بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم ان كانوا ينطقون فقال و اللّه ما فعلوا و ما كذب فقال أبو عبد اللّه عليه السلام ما عندكم فيها يا صيقل؟ قلت: ما عندنا فيها الا التسليم قال، فقال ان اللّه أحب اثنين و أبغض اثنين أحب الخطر فيما بين الصفين و أحب الكذب في الاصلاح و أبغض الخطر في الطرقات و أبغض الكذب في غير الاصلاح ان ابراهيم عليه السلام انما قال «بل فعله كبيرهم هذا» إرادة الاصلاح، و دلالة علي أنهم لا يفعلون، و قال يوسف عليه السلام إرادة الاصلاح «2».

و منها ما رواه أبو بصير عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال: «و لقد قال ابراهيم عليه السلام: اني سقيم و اللّه ما كان سقيما و ما كذب و لقد قال ابراهيم عليه السلام بل فعله كبيرهم و ما فعله كبيرهم و ما كذب و لقد قال يوسف (عليه السلام) أيتها العير انكم لسارقون، و اللّه ما كانوا سرقوا، و ما كذب «3».

فان النصوص المذكورة تدل علي جواز التورية و تدل علي عدم كونها من مصاديق الكذب أضف الي ذلك ما أفاده الطوسي قدس سره في كتاب الخلاف «4».

______________________________

(1) الاحتجاج المطبوع في المطبعة المرتضوية في النجف ص 194

(2) الوسائل الباب الباب 141 من ابواب احكام العشرة الحديث 4

(3) المستدرك الباب 122 من

ابواب احكام العشرة الحديث 6

(4) ج 2 ص: 245 مسألة: 6

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 354

قال قدس سره: «الحيل في الأحكام جائزة و به قال جميع أهل العلم ابو حنيفة و اصحابه و الشافعي و مالك و غيرهم الي أن قال: دليلنا علي جوازها قوله تعالي في قصة ابراهيم قالوا من فعل هذا بآلهتنا يا ابراهيم قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم ان كانوا ينطقون فأضاف كسر الأصنام الي الصنم الأكبر الي أن قال: و قال في قصة أيوب وَ خُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَ لٰا تَحْنَثْ فجعل اللّه لايوب مخرحا مما حلف الي أن قال و روي سويد بن حنظلة قال خرجنا و معنا و ايل بن حجر نريد النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم فأخذه أعداء له و تحرج القوم أن يحلفوا فحلف باللّه أنه أخي فخلي عند العدو فذكرت ذلك للنبي صلي اللّه عليه و آله و سلم فقال: صدقت المسلم أخو المسلم الخ.

و في المقام كلام و هو أنه لا بدّ من حمل قول يوسف حيث قال أيتها العير انكم لسارقون و قول ابراهيم حيث قال اني سقيم و حيث قال بل فعله كبيرهم الخ علي الكذب الجائز للضرورة فان الأقوال المذكورة كاذبة أما قول يوسف انكم لسارقون فكونه كذبا فظاهر اذ انهم لم يسرقوا صواع الملك و اما قول إبراهيم اني سقيم فكونه كذبا فظاهر أيضا و أما قوله بل فعله كبيرهم الخ اما مركب من قضية حملية و هي قوله بل فعله كبيرهم و قضية شرطية و هي قوله فاسألوهم ان كانوا ينطقون و اما يرجع قوله الي قضية شرطية بأن يكون المقدم

في القضية قوله ان كانوا ينطقون و التالي قوله فعله كبيرهم و علي كلا التقديرين يكون كلامه كاذبا أما علي الأول فظاهر و أما علي الثاني فلأن صدق القضية الشرطية بصدق الملازمة و كذبها بعدمها و حيث انه لا ملازمة بين نطقهم و كون كسر الأصنام مستندا الي كبيرهم تكون الشرطية كاذبة فعلي كلا التقديرين يكون ابراهيم كاذبا في كلامه و لكن يجوز للضرورة.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 355

و تصدي سيدنا الأستاد «1» للرد علي نسبة الكذب الي ابراهيم و يوسف و ذكر مقدمة و هي أنه لو تكلم شخص بجمله انشائية كأن قال اكرم زيدا ان جاءك فاما يكون القيد و الشرط راجعا الي أصل الإنشاء و اما يكون راجعا الي متعلق الوجوب و اما يكون راجعا الي الوجوب و لا رابع أما رجوعه الي أصل الإنشاء فغير معقول اذ لا اشكال في تحقق الإنشاء و لا مجال لكونه معلقا علي شي ء و أما رجوعه الي متعلق الوجوب بأن يكون القيد راجعا الي المادة فأمر ممكن ثبوتا و لكن خلاف الظاهر و مقام الاثبات لا يساعده فيتعين الشق الثالث و هو رجوع القيد الي نفس الوجوب و قس علي الانشاء الجملة الشرطية في الاخبار فاذا قال المتكلم اذ اطلعت الشمس فالنهار موجود فاما يكون القيد راجعا الي نفس الاخبار و اما يكون راجعا الي متعلق الخبر و اما يكون راجعا الي الدعوي النفسانية اما ارجاعه الي نفس الاخبار فهو غير معقول و أما رجوعه الي متعلق الخبر فهو و ان كان ممكنا لكن خلاف الظاهر و أما رجوعه الي الدعوي فهو متعين فمع عدم طلوع الشمس فالدعوي غير موجودة.

ففي المقام نقول

قول ابراهيم بل فعله كبيرهم الخ مرجعه الي أن الاصنام ان لم ينطقوا فلا تكون هناك دعوي و بعبارة واضحة: مع عدم النطق كما هو المفروض لا تكون دعوي لابراهيم كي تتصف بالصدق أو الكذب و يؤيد المدعي ما في خبر الاحتجاج حيث قال عليه السلام ما فعله كبيرهم و ما كذب ابراهيم قيل و كيف ذلك فقال انما قال ابراهيم فاسألوهم ان كانوا ينطقون فان نطقوا فكبيرهم فعل و ان لم ينطقوا فلم يفعل كبيرهم شيئا فما نطقوا و ما كذب ابراهيم.

و أما رمي قول ابراهيم «اني سقيم» بالكذب فالمراد من كلامه أنه طالب في دينه و مرتاد و معني المرتاد في اللغة الطلب و الميل أي أني طالب في ديني و مجد

______________________________

(1) مصباح الفقاهة ج 1 ص 402

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 356

لتحصيل الاعتقاد بالمبدإ و المعاد فقد خيل بذلك الي عبدة الاصنام و النجوم أنه مريض لا يقدر علي التكلم فتولوا و اخروا المحاكمة الي وقت آخر و يؤيده قوله عليه السلام في خبر الاحتجاج حيث قال عليه السلام ما كان ابراهيم سقيما و ما كذب و أنما عني سقيما في دينه اي مرتادا.

و أما رمي قول يوسف بالكذب حيث قال انكم لسارقون ففيه أنه يمكن أن يكون المراد سرقتهم يوسف من أبيه لا سرقتهم صواع الملك و يؤيده قوله عليه السلام في خبر الاحتجاج حيث قال عليه السلام أنهم سرقوا يوسف من أبيه فالنتيجة أن ابراهيم و يوسف ما كذبا» انتهي.

أقول ما أفاده بالنسبة الي قول يوسف و قول ابراهيم أني سقيم فأمر قابل و معقول و أما ما أفاده بالنسبة الي قول ابراهيم بل فعله كبيرهم فالظاهر

أنه لا يمكن المساعدة عليه فانا لا نتصور في الاخبار الا نفس الاخبار و متعلق الخبر و أما الزائد عليه فلا نتصور كي يتم هذا البيان مضافا الي أنه مع فرض النطق فالدعوي موجودة و الحال أنها باطلة علي الإطلاق حيث ان المفروض أن ابراهيم بنفسه كسر الاصنام فعلي كلا التقديرين لم يفعل كبيرهم أضف الي ذلك أنه لا اشكال و لا كلام ان الظاهر من كلام ابراهيم بحسب الفهم العرفي أنه اسند الفعل الي كبيرهم علي تقدير النطق و علق فعل كبيرهم علي نطقهم فلا اشكال في أنه أخبر علي نحو التعليق فنسأل أن هذا الاخبار صادق أو كاذب و لا ثالث و حيث انه غير صادق فهو كذب و أما خبر الاحتجاج فيرد عليه أولا أنه ضعيف سندا و ثانيا: علي فرض غمض العين عن سنده و فرض تماميته فيرد علمه الي أهله.

و الذي يهون الخطب أن الكذب الجائز شرعا لا ينافي مقام العصمة فلا يتوجه اشكال في المقام بأن يقال مقام النبوة ينافي مع الكذب فان الأنبياء معصومون فكيف يمكن أن يصدر عنهم خلاف المقرر الشرعي.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 357

ثم انه بعد البناء علي جواز التورية هل يجوز الكذب في مقام الضرورة مع امكان التورية أم لا؟ الظاهر هو الثاني فان التورية مع امكانها تكون مانعة عن صدق عنوان الضرورة فمع امكان التورية لا يجوز الكذب لعدم تحقق موضوع الضرورة و يقع الكلام في هذه الجهة علي نحو التفصيل إن شاء اللّه تعالي عند تعرض المصنف فانتظر.

بقي شي ء: و هو ان ما أفاده سيدنا الاستاد من كون المراد من قول ابراهيم اني سقيم هو الطلب و الميل لا

يساعد كلام اهل اللغة نعم يستفاد المدعي من خبر الاحتجاج لكن الخبر كما اشرنا إليه مرسل لا اعتبار به سندا.

الفرع السابع: جواز الكذب عند الضرورة

قال الشيخ قدس سره «يسوغ الكذب مع الضرورة بالأدلّة الاربعة».

أقول: أما الاجماع فالظاهر انه ليس اجماعا تعبديا كاشفا لاحتمال استناد المجمعين الي الوجوه المذكورة في المقام و أما العقل فقد ذكرنا سابقا أنه ليس للعقل طريق الي درك الاحكام الشرعية و أما الكتاب فقد استدل الشيخ قدس سره علي المدعي بآيتين الاولي: قوله تعالي مَنْ كَفَرَ بِاللّٰهِ مِنْ بَعْدِ إِيمٰانِهِ إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ «1».

و قد وردت في ذيل الآية جملة من الروايات منها ما رواه محمد بن مروان قال قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام ما منع ميثم التمار رحمه اللّه من التقية فو اللّه لقد علم أن هذه الآية نزلت في عمار و اصحابه «إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ» «2».

و منها ما رواه مسعدة بن صدقة قال قيل لأبي عبد اللّه عليه السلام ان الناس يروون أن عليا عليه السلام قال علي منبر الكوفة: أيها الناس انكم ستدعون الي

______________________________

(1) النحل/ 106

(2) تفسير البرهان ج 2 ص: 385 حديث 3

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 358

سبي فسبوني ثم تدعون الي البراءة مني فلا تبرءوا مني. قال ما اكثر ما يكذبون الناس علي علي عليه السلام ثم قال انما قال: انكم ستدعون الي سبي فسبوني ثم تدعون الي البراءة مني و اني لعلي دين محمد صلي اللّه عليه و آله و لم يقل و لا تبرءوا مني فقال له السائل أ رأيت أن اختار القتل دون البراءة قال و اللّه ما ذاك عليه و ما عليه الا

ما مضي عمار بن ياسر حيث اكرهه أهل مكة وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ، فأنزل اللّه عز و جل «إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ» فقال له النبي عندها يا عمار ان عادوا فقد أنزل اللّه عز و جل عذرك «إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ» و امرك أن تعود ان عادوا «1»، الثانية: قوله تعالي لٰا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكٰافِرِينَ أَوْلِيٰاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّٰهِ فِي شَيْ ءٍ إِلّٰا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقٰاةً «2».

و قد ذكر في تفسير البرهان حديثين في ذيل الآية احدهما ما رواه الحسين بن زيد عن جعفر بن محمد عن أبيه عليه السلام قال كان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله يقول لا ايمان لمن لا تقية له و يقول قال اللّه «الا أن تتقوا منهم تقية «3».

و ثانيهما: ما رواه علي بن ابراهيم فان هذه الآية رخصة ظاهرها خلاف باطنها يدان يظاهرها و لا يدان بباطنها الا عند التقية لأن التقية رخصة للمؤمن يدين بدين الكافر و يصلي بصلاته و يصوم بصيامه اذا اتقاه تقية في الظاهر و في الباطن يدين اللّه بخلاف ذلك 4.

و يمكن أن يقال انه لا يستفاد من الآيتين الا جواز الكذب عند الخوف و التقية الخاصة و أما جوازه عند الضرورة علي الإطلاق فلا يستفاد منهما.

و أما السنة فيستفاد من جملة من النصوص جواز الكذب عند الضرورة بل

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 2

(2) آل عمران/ 28

(3) (3 و 4) تفسير البرهان ج 1 ص 275 حديث 1 و 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 359

يستفاد من بعض الروايات الحلف كاذبا لدفع الضرر لاحظ ما رواه اسماعيل بن ابن

سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا عليه السلام في حديث قال: سألته عن رجل أحلفه السلطان بالطلاق أو غير ذلك فحلف قال: لا جناح عليه، و عن رجل يخاف علي ماله من السلطان فيحلف لينجو به منه قال: لا جناح عليه و سألته هل يحلف الرجل علي مال أخيه كما يحلف علي ماله؟ قال: نعم «1».

و ما رواه ابو الصباح قال: و اللّه لقد قال لي جعفر بن محمد عليه السلام أن اللّه علم نبيه التنزيل و التأويل فعلمه رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم عليا قال:

و علمنا و اللّه ثم قال: ما صنعتم من شي ء أو حلفتم عليه من يمين في تقية فأنتم منه في سعة 2.

و ما رواه يونس عن بعض اصحابه عن أحدهما عليهما السلام في رجل حلف تقية فقال ان خفت علي مالك و دمك فاحلف ترده بيمينك فان لم تر أن ذلك يرد شيئا فلا تحلف لهم 3.

و ما رواه زرارة قال قلت لأبي جعفر عليه السلام نمر بالمال علي العشار فيطلبون منا أن نحلف لهم و يخلون سبيلنا و لا يرضون منا الا بذلك قال: فاحلف لهم فهو احل (أحلي) من التمر و الزبد «4».

و مرسلة الفقيه قال و قال أبو عبد اللّه عليه السلام: التقية في كل ضرورة و صاحبها أعلم بها حين تنزل به 5.

و ما رواه الحلبي أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يحلف لصاحب العشور يحرز «يجوز» بذلك ماله، قال نعم «6».

______________________________

(1) (1 و 2 و 3) الوسائل الباب 12 من ابواب الايمان الحديث 1 و 2 و 3

(4) (4 و 5) نفس المصدر الحديث 6 و 7

(6) نفس

المصدر الحديث 8

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 360

و مرسلة الصدوق قال: قال الصادق عليه السلام: اليمين علي وجهين الي أن قال فأما الذي يوجر عليها الرجل اذا حلف كاذبا و لم تلزمه الكفارة فهو أن يحلف الرجل في خلاص امرئ مسلم أو خلاص ماله من متعد يتعدي عليه من لص أو غيره «1».

و ما رواه الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام في كتابه الي المأمون قال: و التقية في دار التقية واجبة و لا حنث علي من حلف تقية يدفع بها ظلما عن نفسه 2.

و ما رواه أبو بكر الحضرمي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام رجل حلف للسلطان بالطلاق و العتاق فقال: اذا خشي سيفه و سطوته فليس عليه شي ء يا أبا بكر ان اللّه عز و جل يعفو و الناس لا يعفون «3».

و ما رواه احمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن عليه السلام في الرجل يستكره علي اليمين فيحلف بالطلاق و العتاق و صدقة ما يملك أ يلزمه ذلك؟ فقال لا قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله وضع عن امتي ما اكرهوا عليه و ما لم يطيقوا و ما أخطئوا 4.

و ما رواه معاذ بياع الأكسية قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام انا نستحلف بالطلاق و العتاق فما تري أحلف لهم؟ فقال أحلف لهم بما أرادوا اذا خفت «5».

و ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: انا نمر علي هؤلاء القوم فيستحلفونا علي أموالنا و قد أدينا زكاتها فقال: يا زرارة اذا خفت فاحلف لهم ما شاءوا قلت: جعلت فداك بالطلاق و العتاق؟ قال: بما شاءوا 6.

______________________________

(1) (1

و 2) نفس المصدر الحديث 9 و 10

(3) (3 و 4) نفس المصدر الحديث 11 و 12

(5) (5 و 6) نفس المصدر الحديث 13 و 14

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 361

و ما عن فقه الرضا قال ابو عبد اللّه عليه السلام التقية في كل ضرورة و صاحبها اعلم بها حين تنزل به «1».

و ما رواه معمر بن يحيي قال قلت لأبي جعفر عليه السلام ان معي بضائع للناس و نحن نمر بها علي هؤلاء العشار فيحلفونا عليها فنحلف لهم فقال: وددت اني اقدر علي ان أجيز أموال المسلمين كلها و أحلف عليها، كلما خاف المؤمن علي نفسه فيه ضرورة فله فيه التقية 2.

و ما رواه اسماعيل الجعفي قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام أمر بالعشار و معي المال فيستحلفوني فان حلفت تركوني و ان لم أحلف فتشوني و ظلموني فقال:

احلف لهم، قلت: ان حلفوني بالطلاق؟ قال: فاحلف لهم، قلت فان المال لا يكون لي قال: تتقي مال أخيك «3».

و ما رواه سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: اذا حلف الرجل تقية لم يضره اذا هو اكره و اضطر إليه، و قال: ليس شي ء مما حرم اللّه الا و قد أحله لمن اضطر إليه 4.

و ما رواه أبو بكر الحضرمي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: نحلف لصاحب العشور نجيز بذلك مالنا؟ قال: نعم الحديث 5 و لا اشكال في أن ما يدل علي جواز الحلف كاذبا يدل علي الجواز بالأولوية اذا لم يكن الكذب مع الحلف.

الفرع الثامن: هل يجوز الكذب عند الضرورة مع امكان التورية أم لا؟

تارة يقع الكلام في هذه المسألة من حيث القاعدة الأولية و اخري من حيث النصوص الواردة في المقام فيقع الكلام في مقامين:

______________________________

(1) (1

و 2) نفس المصدر الحديث 15 و 16

(3) (3 و 4 و 5) نفس المصدر الحديث 17 و 18 و 19

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 362

أما المقام الأول فقد تقدم و اشرنا في بعض الفروع المتقدمة الي أن مقتضي القاعدة الأولية عدم جواز الكذب مع امكان التورية اذ مع امكانها لا يتحقق عنوان الضرورة كي توجب جواز الكذب.

و أما المقام الثاني فلا يبعد أن يقال ان مقتضي بعض النصوص الواردة في المقام جواز الكذب حتي مع امكان التورية فان مقتضي اطلاق بعض هذه الروايات جوازه علي الإطلاق لاحظ ما رواه اسماعيل بن سعد الأشعري «1» فانه لم يقيد الترخيص بعدم امكان التورية فيجوز الكذب علي الإطلاق و مثل هذه الرواية في كونها مطلقة جملة اخري من النصوص الواردة في الباب المشار إليه منها ما رواه ابو الصباح «2» و منها ما رواه زرارة 3 و منها ما رواه الحلبي «4» و منها ما رواه معاذ بياع الأكسية «5» و منها ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام 6 و منها ما رواه معمر بن يحيي «7» و منها ما رواه اسماعيل الجعفي 8 و منها ما رواه سماعة 9.

فان مقتضي اطلاق هذه النصوص جواز الكذب حتي مع امكان التورية لكن لقائل أن يقول ان المستفاد من حديث سماعة «10» تعليق الجواز علي صورة الاضطرار و مع امكان التورية لا يتحقق عنوان الضرورة و بعبارة اخري: هذه الرواية بمفهومها تقيد تلك المطلقات فان مفهوم هذه الرواية أخص بالنسبة الي تلك الإطلاقات و العام يخصص بالأخص منه فلا تصل النوبة الي ما افاده الشيخ قدس سره من ملاحظة النسبة بين تلك الإطلاقات و

ذيل هذه الرواية بأن يقال النسبة بين الأمرين

______________________________

(1) لاحظ ص 359

(2) (2 و 3) لاحظ ص 359

(4) لاحظ ص 359

(5) (5 و 6) لاحظ ص: 361

(7) (7 و 8 و 9) لاحظ ص 361

(10) لاحظ ص 361

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 363

عموم من وجه و بعد التعارض و التساقط تصل النوبة الي الأخذ بإطلاق دليل حرمة الكذب فانه علي ما ذكرناه لا تصل النوبة الي هذا التقريب و علي فرض الإغماض عما ذكرنا لا بدّ من ملاحظة المرجحات و اعمال قانون باب التعادل و الترجيح و لا وجه للتساقط و تفصيل الكلام موكول الي مجال آخر.

و أما استدلال الشيخ علي الحرمة مع امكان التورية بكون قبح الكذب عقليا ففد تقدم انه ليس للعقل سبيل و طريق الي درك الأحكام الشرعية.

الفرع التاسع: لو اكره علي عقد من العقود او ايقاع او كلام موضوع لأثر شرعي
اشارة

فعقد المكره بالفتح مع امكان التورية فهل يكون لغوا أم لا؟ ربما يقال:

انه لغو و لو مع امكان التورية و قيل في تقريبه وجوه

الوجه الأول: الإجماع.

و فيه انه اجماع مدركي و لا اقل من احتماله فلا يكون حجة

الوجه الثاني: ما أفاده الشيخ قدس سره

و هو صدق عنوان الإكراه و لو مع امكان الفرار عن مورده بالتورية. و فيه انه لا بدّ من صدق ان ما ارتكبه مكره عليه و لا اشكال في عدم صدق وقوع الفعل مكرها عليه مع امكان الفرار مثلا لو اكره علي شرب الخمر و أمكن للمكره بالفتح أن يشرب الماء بدلا عن الخمر و لا يفهم المكره بالكسر فهل يجوز له أن يشرب الخمر؟ كلا.

الوجه الثالث: ما افاده سيدنا الاستاد

و هو ان صحة كل عقد تتوقف علي امرين احدهما: القدرة المعتبرة في جميع العقود ثانيهما: صدور العقد عن الرضا و طيب النفس و مع انتفاء احد الأمرين لا يصح العقد فعلي هذا لو اكره علي بيع داره فباعها بلا طيب النفس يكون العقد فاسدا و ان كانت التورية ممكنة له.

و فيه انه ان فرض التمكن من التورية و الفرار عن المكره بالكسر كيف لا يكون العقد صحيحا و بعبارة واضحة: مع امكان التورية لا يصدق الإكراه و مع عدم الإكراه يكون صدور العقد بالاختيار و الرضا و لا يعتبر في صحة العقد ازيد من هذا المقدار

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 364

فالنتيجة ان الحق صحة العقد مع امكان التورية و الفرار عن الجائر.

ان قلت: لا اشكال في تحقق الإكراه بالنسبة الي مقام الأثبات و الإبراز و كل عقد مركب من الاعتبار النفساني و ابراز ذلك الاعتبار بمبرز من لفظ أو غيره و من ناحية اخري الإكراه رافع للأثر الشرعي فلا اثر للأبراز الإكراهي فلا يتم العقد قلت: اذا فرض امكان التورية كما هو المفروض يمكن للمكره بالفتح أن لا يقصد البيع فاذا قصد و ابرزه بالمبرز يصح العقد لتمامية اركانه و ان شئت قلت: الإكراه علي

الجامع بين فردين من الإبراز احدهما وجود الكاشف و عدم المنكشف ثانيهما الكاشف مع وجود المنكشف و مع فرض الأمر كذلك لا يكون اختيار المكره بالفتح أحد الفردين بالخصوص ناشئا عن الإكراه و مع عدم الإكراه يتم الأمر فلاحظ.

الفرع العاشر: يجوز الكذب في اصلاح ذات البين

و استدل سيدنا الأستاد علي المدعي بقوله تعالي إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ «1» بتقريب ان مقتضي اطلاق الآية محبوبية الإصلاح و لو بالكذب و مقتضي اطلاق دليل حرمة الكذب حرمته و لو في الإصلاح فيقع التعارض بين الدليلين بالعموم من وجه و في مورد التعارض يتساقطان فتصل النوبة الي الأخذ بالبراءة.

و يرد عليه أولا ان التعارض بالعموم من وجه تعارض تباني غاية الأمر تباين جزئي و من ناحية اخري مقتضي جملة من النصوص عدم اعتبار الخبر المخالف مع الكتاب و مع عدم اعتبار الخبر لا يبقي مجال للتقريب المذكور. و ثانيا:

مقتضي هذا البيان جواز كل محرم من المحرمات اذا كان مصداقا للإصلاح مثلا اذا كان النظر الي الأجنبية مصداقا للإصلاح يكون جائزا بالتقريب المذكور و قس عليه بقية المحرمات و هل يمكن الالتزام به؟ و هل يلتزم به سيدنا الأستاد؟ و الذي

______________________________

(1) الحجرات/ 10

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 365

يختلج بالبال أن يقال ان العرف لا يري تعارضا بين الآية و ادلة المحرمات بل المستفاد من الآية محبوبية الإصلاح بالطريق الشرعي و العرف ببابك.

و يمكن الاستدلال علي المدعي اي علي جواز الكذب في مقام الإصلاح بجملة من النصوص منها ما رواه انس بن محمد عن ابيه عن جعفر بن محمد عن آبائه في وصية النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم لعلي عليه السلام قال: يا علي ان اللّه احب الكذب

في الصلاح و أبغض الصدق في الفساد «الي أن قال» يا علي ثلاث يحسن فيهن الكذب: المكيدة في الحرب و عدتك زوجتك و الإصلاح بين الناس «1».

و منها ما رواه المحاربي عن جعفر بن محمد عن آبائه عن النبي صلي اللّه عليه و آله قال: ثلاثة يحسن فيهن الكذب المكيدة في الحرب وعدتك زوجتك و الإصلاح بين الناس و ثلاثة يقبح فيهن الصدق: النميمة و اخبارك الرجل عن أهله بما يكرهه و تكذيبك الرجل عن الخبر «2».

و منها ما رواه معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: المصلح ليس بكذاب 3 و منها ما رواه الحسن الصيقل «4».

و منها ما عن عيسي بن حسان قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: كل كذب مسئول عنه صاحبه يوما الا كذبا في ثلاثة: رجل كائد في حربه فهو موضوع عنه، أو رجل أصلح بين اثنين يلقي هذا بغير ما يلقي به هذا يريد بذلك الإصلاح ما بينهما، أو رجل، وعد أهله شيئا و هو لا يريد أن يتم لهم «5».

و منها مرسلة أبي يحيي الواسطي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: الكلام

______________________________

(1) الوسائل الباب 141 من ابواب العشرة الحديث 1

(2) (2 و 3) نفس المصدر الحديث 2 و 3

(4) لاحظ ص: 353

(5) الوسائل الباب 141 من ابواب العشرة الحديث 5

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 366

ثلاثة صدق و كذب و اصلاح بين الناس قال: قيل له: جعلت فداك ما الإصلاح بين الناس؟ قال تسمع من الرجل كلاما يبلغه فتخبث نفسه فتقول: سمعت من فلان قال فيك من الخير كذا و كذا خلاف ما سمعت منه «1».

و منها ما رواه عطا

عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله لا كذب علي مصلح ثم تلا «أيتها العير انكم لسارقون» ثم قال: و اللّه ما سرقوا و ما كذب ثم تلا «بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم ان كانوا ينطقون» ثم قال: و اللّه ما فعلوه و ما كذب «2».

و منها ما رواه معاوية بن حكيم عن ابيه عن جده عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث انه قال له: ابلغ أصحابي كذا و كذا و ابلغهم كذا و كذا قال قلت:

فاني لا احفظ هذا فأقول ما حفظت و لم أحفظ احسن ما يحضرني؟ قال: نعم المصلح ليس بكذاب 3.

و منها ما رواه الصدوق بسنده عن الرضا عليه السلام قال: ان الرجل ليصدق علي اخيه فيناله عنت من صدقه فيكون كذابا عند اللّه و ان الرجل ليكذب علي اخيه يريد به نفعه فيكون عند اللّه صادقا 4. و لا اشكال في استفادة المدعي من النصوص المذكورة لكن الأشكال كله في اسنادها فعليه لا يمكن الجزم بالمدعي نعم الحديث السادس من الباب له سند اخر و ذلك السند تام و هو ما رواه علي ابراهيم عن ابيه عن عبد اللّه بن المغيرة عن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: المصلح ليس بكذاب «5» فلا اشكال في الحكم لتمامية المستند و اللّه العالم.

ثم ان الشيخ قدس سره أفاد بأنه يستحب تحمل الضرر المالي الذي لا يجحف

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 6

(2) (2 و 3 و 4) نفس المصدر الحديث 7 و 9 و 10

(5) الوسائل الباب 2 من ابواب الصلح الحديث 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص:

367

و يدل عليه ما عن امير المؤمنين عليه السلام انه قال علامة الأيمان ان تؤثر الصدق حيث يضرك علي الكذب حيث ينفعك، و أن لا يكون في حديثك فضل عن علمك و ان تتقي اللّه في حديث غيرك «1».

و الذي يختلج بالبال أن يقال انه لا دليل علي الاستحباب المذكور فان قلنا بأن مقتضي دليل لا ضرر ارتفاع حرمة الكذب مع الضرر المالي كما هو المشهور عند القوم حيث يقولون بأن قاعدة لا ضرر ناظرة الي ادلة الأحكام و رافعة اياها مع تحقق الضرر فاذا تحقق موضوع الضرر يجوز الكذب و الالتزام باستحباب الضرر المالي يتوقف علي الدليل هذا بحسب القاعدة و أما الحديث الذي اشار إليه فهو ضعيف سندا. و صفوة القول انه لا دليل علي الاستحباب بل الأمر دائر بين الوجوب و الإباحة فلاحظ مضافا الي أن المستفاد من الحديث ان المؤمن يختار الصدق المضر علي الكذب النافع و لا يستفاد منه استحباب تقديم الصدق بل المستفاد منه وجوب اختيار الصدق المضر علي الكذب النافع فلاحظ.

الفرع الحادي عشر: انه هل يجوز الكذب في الوعد مع اهله أم لا؟

تارة نقول بأن الوعد عبارة عن الالتزام بأمر و اخري نقول ان الوعد اخبار عن امر موعود به في المستقبل و علي كلا التقديرين يكون داخلا في الأخبار و علي طبق القاعدة الأولية يحرم اذا كان كذبا لكن قد دلت جملة من النصوص علي جواز الكذب في الوعد مع الزوجة أو مع الأهل منها ما في وصية النبي صلي اللّه عليه و آله لعلي عليه السلام «2» و منها ما رواه عيسي بن حسان «3» و منها ما رواه المحاربي عن جعفر بن محمد «4».

______________________________

(1) الوسائل الباب 141 من ابواب أحكام العشرة الحديث 11

(2) لاحظ ص: 365

(3)

لاحظ ص 365

(4) لاحظ ص: 365

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 368

و منها ما عن الجعفريات باسناده عن علي بن ابي طالب عليه السلام قال قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: لا يصلح الكذب الا في ثلاثة مواطن: كذب الرجل لامرأته و كذب الرجل يمشي بين الرجلين ليصلح بينهما، و كذب الإمام عدوه فانما الحرب خدعة «1».

و منها أيضا ما عن الجعفريات عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: كل كذب مسئول عنه يوما ما، الا كذب في ثلاثة: رجل كائد في حربه فهو موضوع عنه، و رجل أصلح بين اثنين يلقي هذا بغير ما يلقي به هذا يريد صلح ما بينهما، و رجل وعد أهله شيئا و لا يريد أن يتم لهم عليه، يريد بذلك دفعها 2.

و هذه النصوص كلها ضعيفة نعم لو قلنا أن الوعد ليس من مقولة الأخبار بل من مقولة الإنشاء لا يتصف بالصدق و الكذب.

الفرع الثاني عشر: ان الشيخ قدس سره أفاد أن الأقوال الصادرة عن الأئمة عليهم السلام

في مقام التقية في بيان الأحكام كقوله عليه السلام فيما روي عن زرارة في الخمر يصيب ثوب الرجل أنهما قالا: لا بأس بأن تصلي فيه، انما حرم شربها «3» و ان كان ممكنا أن يحمل علي الكذب الجائز لكن الأليق بمقامهم أن يحمل كلامهم علي خلاف الظاهر و عدم الالتزام بصدور الكذب عنهم و يؤيد المدعي ما صدر عنهم في موارد خلاف الظاهر لاحظ ما رواه الساباطي قال: كنا جلوسا عند أبي عبد اللّه عليه السلام بمني فقال له رجل ما تقول في النوافل؟ قال فريضة قال ففزعنا و فزع الرجل فقال أبو عبد اللّه عليه السلام انما أعني صلاة الليل علي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله ان اللّه

يقول: و من الليل فتهجد به نافلة لك «4».

______________________________

(1) (1 و 2) المستدرك الباب 122 من أبواب أحكام العشرة الحديث 1 و 4

(3) الوسائل الباب 38 من ابواب النجاسات الحديث 2

(4) الوسائل الباب 16 من ابواب اعداد الفرائض و نوافلها الحديث 6

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 369

و الحق أن يقال علي تقدير جواز الكذب لجهة من الجهات يجوز و لا ينافي مقام العصمة فان المعصوم من لا يرتكب خلاف الوظيفة المقررة ثم أفاد الشيخ بأنه لو دار الأمر بين التقية و إرادة الاستحباب يتعين الثاني كما لو أمر بالوضوء عقيب ما لا يكون ناقضا في الشريعة كمس الفرج مثلا فيدور الأمر بين حمل الأمر بالوضوء بداعي التقية و إرادة الوضوء استحبابا يتعين أن يحمل الأمر فيه علي الاستحباب و الذي يختلج بالبال أن يقال تارة يكون الكلام ظاهرا في الحكم الوضعي كما لو ورد عنهم عليهم السلام ان الرعاف ناقض للوضوء فانه يحمل علي التقية و أما لو دار الأمر بين التقية و الاستحباب كما لو ورد عنهم الأمر بالوضوء عقيب الوذي مثلا فدار الأمر بين كون الأمر المذكور ارشادا الي انتقاض الوضوء بالمذي تقية و بين كون الأمر بالوضوء مولويا استحبابيا يلزم أن يحمل علي الثاني فان الظاهر من الأمر المولوية و حمله علي الإرشاد يحتاج الي القرينة و اللّه العالم.

«قوله قدس سره: و يستفاد منه ان عظم الكذب … »

الإنصاف انه لا يستفاد من الخبر المذكور كون الكذب علي قسمين معصية كبيرة و معصية صغيرة و علي فرض دلالة الخبر عليه لا يستفاد منه المدعي فان المدعي كون الكذب من المعاصي الكبيرة و المستفاد من الخبر علي فرض التسليم كون

الكذب علي نحوين هما الصغير و الكبير مضافا الي أن الخبر ضعيف بالإسال.

«قوله قدس سره: بل الظاهر عدم كونه كذبا حقيقيا»

قد تقدم تفصيل الكلام في بيان حقيقة الوعد فراجع ما ذكرناه هناك.

«قوله قدس سره: و ندب غير النادب»

الظاهر ان المراد من النادب المندوب و يمكن أن يكون الاشتباه من الناسخ.

«قوله: فتأمل»

لعلة اشارة الي ما ذكرنا و يمكن أن يكون الي وجه آخر و اللّه العالم و الأمر

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 370

سهل.

[المسألة التاسعة عشرة الكهانة حرام]
اشارة

«قوله قدس سره: الكهانة حرام … »

يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين احدهما: في بيان موضوع الكهانة ثانيهما في بيان حكمها أما

المقام الأول [في بيان موضوع الكهانة]

فقال في مجمع البحرين «الكاهن هو الذي يتعاطي الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان و يدعي معرفة الأسرار» الي أن قال «فمنهم من كان يزعم أن له تابعا من الجن يلقي إليه الأخبار و منهم من كان يزعم انه يعرف الأمور بمقدمات اسباب يستدل بها علي مواقعها من كلام من يسأله أو فعله أو حاله و هذا يخصونه باسم العراف كالذي يدعي معرفة الشي ء المسروق و مكان الضالة و نحوهما كذا قاله في النهاية الخ».

و أما المقام

المقام الثاني [في بيان حكمها]
اشارة

فيقع الكلام فيه من جهات

الجهة الأولي في جواز تعلم علم الكهانة و تعليمها بحسب القاعدة الأولية و عدمهما

و مقتضي القاعدة الأولية جواز هما الا أن يدل دليل معتبر علي الحرمة.

الجهة الثانية: في جواز اخبار الكاهن بالأمور المجهولة و عدمه

مقتضي القاعدة الأولية انه يجوز مع القطع أو حصول الوثوق و الاطمينان و الا فلا.

الجهة الثالثة: في رجوع الغير إليه و ترتيب الأثر علي قوله

مقتضي القاعدة الأولية أن يقال انه ان حصل للغير من قوله القطع أو الوثوق بمقالته يجوز ترتيب الأثر علي قوله و أما مع عدم حصولهما فما دام لا يكون فيه محذور شرعي بمقتضي الأدلة الشرعية يجوز و الا فلا هذا فيما لا يكون اخبار الكاهن مستندا الي مقدمات اجتهادية و أما معه فيدخل تحت عنوان العالم و الخبير فيجوز الرجوع إليه للجاهل بمقتضي جواز رجوع الجاهل الي العالم ما دام لم يقم دليل شرعي علي المنع.

الجهة الرابعة: في النصوص الواردة في المقام

و لا بدّ من ملاحظة تلك النصوص سندا و دلالة فنقول منها ما رواه في الإحتجاج أن بعض الزنادقة اجتمع

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 371

بأبي عبد اللّه الصادق عليه السلام فسأله عن مسائل كثيرة منها قوله من أين اصل الكهانة و من أين يخبر الناس بما يحدث قال عليه السلام: ان الكهانة كانت في الجاهلية في كل حين فترة من الرسل كان الكاهن بمنزلة الحاكم يحتكمون إليه فيما يشتبه عليهم من الأمور بينهم فيخبرهم عن اشياء تحدث و ذلك من وجوه شتي فراسة العين و ذكاء القلب و وسوسة النفس و فتنة الروح مع قذف في قلبه لأن ما يحدث في الأرض من الحوادث الظاهرة و ذلك يعلمه الشيطان و يؤديه الي الكاهن و يخبره بما يحدث في المنازل و الأطراف و أما أخبار السماء فان الشياطين كانت تقعد مقاعد استراق السمع اذ ذاك و هي لا تحجب و لا ترجم بالنجوم و انما منعت من استراق السمع لئلا يقع في الأرض سبب تشاكل الوحي من خبر السماء فيلبس علي أهل الأرض ما جاءهم عن اللّه لإثبات الحجة و نفي الشبهة و كان الشيطان يسترق الكلمة

الواحدة من خبر السماء بما يحدث من اللّه في خلقه فيختطفها ثم يحبط بها الي الأرض فيقذفها الي الكاهن فاذا قد زاد كلمات من عنده فيخلط الحق بالباطل فما أصاب الكاهن من خبر مما كان يخبر به فهو ما أداه إليه الشيطان مما سمعه و ما أخطأ فيه فهو من باطل ما زاد فيه و منذ منعت الشياطين عن استراق السمع انقطعت الكهانة الخ «1» و هذه الرواية مرسلة لا اعتبار بها.

و منها ما رواه حسين بن زيد عن الصادق عن آبائه عليهم السلام في حديث المناهي أن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله نهي عن اتيان العراف و قال: من اتاه و صدقه فقد برئ مما انزل اللّه عز و جل علي محمد صلي اللّه عليه و آله «2» و هذه الرواية ضعيفة بشعيب.

و منها ما رواه ابو بصير عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال من تكهن او تكهن

______________________________

(1) كتاب الاحتجاج المطبوع في المطبعة المرتضوية سنة 1350 ص 185

(2) الوسائل الباب 26 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 372

له فقد يرئ من دين محمد صلي اللّه عليه و آله قال: قلت فالقيافة «فالقافة» قال: ما احب ان تأتيهم و قيل ما يقولون شيئا الا كان قريبا مما يقولون فقال: القيافة فضلة من النبوة ذهبت في الناس حين بعث النبي صلي اللّه عليه و آله «1» و الرواية ضعيفة بالبطائني.

و منها ما رواه ابو سعيد عن ابي عبد اللّه الصادق عليه السلام قال: أربعة لا يدخلون الجنة: الكاهن و المنافق، و مدمن الخمر و القتات و هو النمام «2» و السند ضعيف.

و منها ما يدل

علي حرمة اجر الكاهن لاحظ ما رواه السكوني عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: السحت ثمن الميتة و ثمن الكلب و ثمن الخمر و مهر البغي و الرشوة في الحكم و اجر الكاهن «3».

و ما رواه محمد بن علي بن الحسين قال: قال عليه السلام أجر الزانية سحت و ثمن الكلب الذي ليس بكلب الصيد سحت و ثمن الخمر سحت و أجر الكاهن سحت و ثمن الميتة سحت، فاما الرشا في الحكم فهو الكفر باللّه العظيم «4».

و ما رواه حماد بن عمرو و انس بن محمد عن ابيه جميعا عن جعفر بن محمد عن آبائه في وصية النبي صلي اللّه عليه و آله لعلي عليه السلام قال: يا علي من السحت ثمن الميتة و ثمن الكلب و ثمن الخمر و مهر الزانية و الرشوة في الحكم، و أجر الكاهن 5 و هذه الطائفة من النصوص اسنادها ضعيفة نعم حديث السكوني و ان كان ضعيفا بالسند الذي فيه النوفلي و لكن لا يبعد أن يكون تاما بسنده الأخر الذي ليس فيه النوفلي فلاحظ و لكنها غير مربوطة بالمقام.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 2

(2) الوسائل الباب 164 من ابواب احكام العشرة الحديث 11

(3) الوسائل الباب 5 من أبواب ما يكتسب به الحديث 5

(4) (4 و 5) نفس المصدر الحديث 8 و 9

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 373

و منها ما رواه الهيثم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام ان عندنا بالجزيرة رجلا ربما أخبر من يأتيه يسأله عن الشي ء يسرق أو شبه ذلك فنسأله فقال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم من مشي الي ساحر أو كاهن أو كذاب يصدقه

بما يقول فقد كفر بما انزل اللّه من كتاب «1» و هذه الرواية علي تقدير عدم النقاش فيها من ناحية ابن ادريس تامة و مقتضاها حرمة تصديق الكاهن و أما حكم نفس الكهانة و تعلمها و تعليمها فلا يستفاد من الحديث و اللّه العالم.

و منها ما رواه الكابلي قال: سمعت زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام يقول: الذنوب التي تغير النعم البغي علي الناس (الي أن قال) و الذنوب التي يظلم الهواء السحر و الكهانة و الأيمان بالنجوم «2» فان المستفاد من الحديث كون الكهانة من الذنوب التي تظلم الهواء و الحديث ضعيف سندا.

[المسألة العشرون اللهو حرام]
اشارة

«قوله قدس سره: العشرون اللهو حرام … »

قال الراغب في المفردات «اللهو ما يشغل الإنسان عما يعنيه و يهمه يقال لهوت بكذا و لهيت عن كذا اشتغلت عنه» الخ و قال في المنجد «اللهو ما لهوت به و شغلك من هوي و طرب و نحوهما الشي ء الذي يتلذذ به الإنسان فيلهيه» و عن مقاييس اللغة لابن فارس «اللهو كل شي ء شغلك عن شي ء» و عن تاج العروس «اللهو هو اللعب و العبث لأمر غير معلوم الفائدة» و عن روح المعاني للآلوسي «اللعب ما لا ثمرة فيه و اللهو تشاغل الإنسان بما لا يعنيه» الي غيرها من كلماتهم و لا اشكال و لا كلام في حرمة اللهو في الجملة فان الاشتغال بالملاهي و المعازف لا شبهة في حرمته.

______________________________

(1) الوسائل الباب 26 من أبواب ما يكتسب به الحديث 3

(2) الوسائل الباب 41 من أبواب الامر و النهي و ما يناسبهما الحديث 8

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 374

قال سيدنا الأستاد في هذا المقام «بل حرمة هذا القسم من ضروريات الدين

بحيث يعد منكرها خارجا عن زمرة المسلمين و انما الكلام في حرمة اللهو علي وجه الإطلاق الخ» «1».

و علي الجملة لا اشكال في حرمته في الجملة و الكلام و الأشكال في حرمته علي نحو الإطلاق و ما يمكن أن يذكر في تقريب حرمة اللهو مطلقا وجوه:

الوجه الأول النصوص الدالة علي ان الصلاة لا تقصر في السفر الذي يكون للصيد اللهوي

بتقريب ان الصلاة لا تقصير في سفر المعصية و حيث ان الصيد اللهوي محرم فالسفر لأجله يكون سفر المعصية و من تلك الأخبار ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال سألته عمن يخرج عن اهله بالصقورة و البزاة و الكلاب يتنزه الليلة و الليلتين و الثلاثة هل يقصر من صلاته أم لا يقصر؟ قال انما خرج في لهو لا يقصر، «2» و فيه انها لا دلالة في هذه الطائفة من النصوص علي المدعي اذ لا تلازم بين تمامية الصلاة في السفر و كون السفر سفر المعصية بل يمكن ان يكون المقرر الشرعي علي ما هو المعلوم عند الشارع من الملاك وجوب التمام في السفر الذي يكون لأجل الصيد اللهوي.

و يؤيد المدعي بل يدل عليه انه اذا كان السفر لأجل امور لهوية غير الصيد تقصر الصلاة علي مقتضي اطلاق دليل قصرها في السفر اللهم الا ان يقال ان مقتضي قوله عليه السلام انما خرج في لهو لا يقصر عدم التقصير اذا كان السفر لهويا فان العلة تعمم الحكم كما تخصصه و تفصيل الكلام من هذه الجهة موكول الي مجال آخر فلاحظ.

الوجه الثاني: ما رواه الأعمش

عن جعفر بن محمد عليهما السلام في

______________________________

(1) مصباح الفقاهة ج 1 ص: 422

(2) الوسائل الباب 9 من ابواب صلاة المسافر الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 375

حديث شرايع الدين قال: و الكبائر محرمة و هي الشرك باللّه و قتل النفس التي حرم اللّه الي أن قال و الملاهي التي تصد عن ذكر اللّه عز و جل مكروهة كالغناء و ضرب الأوتار و الإصرار علي صغائر الذنوب «1» بتقريب انه عد في الخبر الاشتغال بالملاهي من الكبائر و الملاهي جمع الملهي

مصدرا أو الملهي وصفا لا الملهاة آلة لأنه لا يناسب التمثيل بالغناء. و فيه أولا ان الحديث ضعيف سندا و ثانيا ان الموضوع المحرم في الرواية قيد بكونه صادا عن ذكر اللّه لا مطلق اللهو.

و مثل حديث الأعمش من حيث المفاد ما رواه في كتاب عيون أخبار الرضا باسانيده عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام في كتابه الي المأمون قال:

الأيمان هو أداء الأمانة و اجتناب جميع الكبائر و هو معرفة بالقلب و اقرار باللسان و عمل بالأركان الي أن قال و المحاربة لأولياء اللّه و الاشتغال بالملاهي و الإصرار علي الذنوب «2» و الحديث ضعيف سندا فلا يعتد به.

الوجه الثالث النصوص الدالة علي حرمة استعمال آلات اللهو

منها ما رواه اسحاق بن الجرير قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: ان شيطانا يقال له القفندر اذا ضرب في منزل الرجل اربعين صاحبا بالبربط و دخل الرجال وضع ذلك الشيطان كل عضو منه علي مثله من صاحب البيت ثم نفخ فيه نفخة فلا يغار بعدها حتي توتي نساؤه فلا يغار «3».

و منها ما رواه سماعة قال: قال ابو عبد اللّه عليه السلام لما مات آدم شمت به ابليس و قابيل فاجتمعا في الأرض فجعل ابليس و قابيل المعازف و الملاهي شماتة بآدم عليه السلام فكل ما كان في الأرض من هذا الضرب الذي يتلذد به الناس فانما هو من ذلك 4.

______________________________

(1) الوسائل الباب 46 من ابواب جهاد النفس الحديث 36

(2) نفس المصدر الحديث 33

(3) (3 و 4) الوسائل الباب 100 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1 و 5

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 376

و منها ما رواه انس بن محمد عن أبيه عن جعفر بن محمد عن آبائه

عليهم السلام في وصية النبي صلي اللّه عليه و آله لعلي عليه السلام قال: يا علي ثلاثة يقسين القلب: استماع اللهو و طلب الصيد و اتيان باب السلطان «1».

و منها ما في المقنع قال: و اجتنب الملاهي و اللعب بالخواتيم و الأربعة عشر و كل قمار فان الصادقين عليهم السلام نهوا عن ذلك 2.

و منها: ما عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال عليه السلام: ضرب العيدان ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الخضرة «3».

و منها: ما عن علي بن الحسين عليهما السلام قال: لا يقدس اللّه امة فيها بربط يقعقع و ناية «فاية» تفجع «4».

و منها: ما عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال: انهاكم عن الزفن و المزمار و عن الكوبات و الكبرات «5».

و منها: ما عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال من أنعم اللّه عليه بنعمة فجاء عند تلك النعمة بمزمار فقد كفرها «6».

و منها: ما عن الرضا عليه السلام في حديث الشامي انه سئل امير المؤمنين عليه السلام عن معني هدير الحمام الراعية «الراعبية» قال: تدعو علي اهل المعازف و المزامير و العيدان «7».

و منها: ما عن أبي عبد اللّه عليه السلام انه سئل عن السفلة قال: من يشرب

______________________________

(1) (1 و 2) نفس المصدر الحديث 8 و 9

(3) نفس المصدر الحديث: 3

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، 4 جلد، كتابفروشي محلاتي، قم - ايران، اول، 1413 ه ق عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب؛ ج 1، ص: 376

(4) نفس المصدر الحديث 4

(5) نفس المصدر الحديث: 6

(6) نفس المصدر الحديث: 7

(7) نفس المصدر الحديث: 10

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 377

الخمر و يضرب

بالطنبور «1».

و منها ما عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث قال يا نوف؟ اياك أن تكون عشارا أو شاعرا أو شرطيا أو عريفا أو صاحب عرطبة و هي الطنبور أو صاحب كوبة و هو الطبل فان نبي اللّه خرج ذات ليلة فنظر الي السماء فقال: أما انها الساعة التي لا ترد فيها دعوة الي أن قال أو صاحب عرطبة أو صاحب كوبة «2».

و منها: ما عن بعضهم عليهم السلام: قال: لا تدخل الملائكة بيتا فيه خمر أو دف أو طنبور أو نرد و لا تستجاب دعائهم و ترفع عنهم البركة «3» و منها ما عن عبد اللّه بن علي «4».

بتقريب ان المستفاد من هذه النصوص ان النهي بلحاظ كون استعمالها داخلا في اللهو. و فيه انه بعد فرض تمامية اسنادها لا وجه لما ذكر فان المستفاد من تلك النصوص ان المحرم استعمال الآلات المعدة للهو كالعود و نحوه فلا تغفل.

الوجه الرابع: ما دل علي حرمة اللهو علي نحو الإطلاق

و هو ما رواه عبد اللّه بن علي بن موسي عن آبائه عن علي عليه السلام قال: كل ما ألهي عن ذكر اللّه فهو من الميسر «5» فان المستفاد من هذا الحديث حرمة مطلق اللهو و ان اللهو بما هو داخل في الميسر و فيه أولا ان الحديث ضعيف سندا و ثانيا ان مفاده مقطوع الخلاف و خلاف الضرورة.

و أما حديث محمد بن أبي عباد و كان مستهترا بالسماع و يشرب النبيذ قال:

سألت الرضا عليه السلام عن السماع فقال: لأهل الحجاز «العراق خ ل» فيه رأي

______________________________

(1) نفس الحديث: 11

(2) نفس المصدر الحديث: 12

(3) نفس المصدر الحديث: 13

(4) سيأتي

(5) نفس المصدر الحديث 15

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 378

و هو في حيز الباطل

و اللهو، أ ما سمعت اللّه عز و جل يقول: و اذا مروا باللغو مروا كراما «1»، فهو ضعيف سندا مضافا الي أنه لا يستفاد منه كون اللهو و الباطل حراما علي وجه الإطلاق بل المستفاد من الحديث ان الغناء داخل تحت عنوان اللهو و الباطل.

و أما حديث عبد الأعلي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الغناء و قلت:

انهم يزعمون أن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله رخص في أن يقال: جئناكم جئناكم حيونا حيونا نحيكم فقال: كذبوا ان اللّه عز و جل يقول. وَ مٰا خَلَقْنَا السَّمٰاءَ وَ الْأَرْضَ وَ مٰا بَيْنَهُمٰا لٰاعِبِينَ لَوْ أَرَدْنٰا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْنٰاهُ مِنْ لَدُنّٰا إِنْ كُنّٰا فٰاعِلِينَ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَي الْبٰاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذٰا هُوَ زٰاهِقٌ وَ لَكُمُ الْوَيْلُ مِمّٰا تَصِفُونَ ثم قال:

ويل لفلان مما يصف رجل لم يحضر المجلس «2»، فضعيف سندا مضافا الي أن المستفاد من الحديث كون اللهو مطلقا مبغوضا عند اللّه و هل يمكن الالتزام به؟

فلا بد من التخصيص أو التقييد.

و اما مرفوعة ابن المغيرة قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله (في حديث) كل لهو المؤمن باطل الا في ثلاث في تأديبه الفرس و رميه عن قوسه و ملاعبته امرأته فانهن حق «3» فلا اعتبار بها سندا و لا يمكن الالتزام بمتنها فلاحظ.

الوجه الخامس: حديث تحف العقول

و قد ذكر فيه ان ما يكون منه و فيه الفساد محضا و لا يكون منه و لا فيه شي ء من وجوه الصلاح فحرام تعليمه و تعلمه و العمل به «4» و فيه أولا ان الحديث ضعيف سندا فلا يعتد به و ثانيا كون كل لهو

______________________________

(1) الوسائل الباب 99 من ابواب ما يكتسب به

الحديث 19

(2) نفس المصدر الحديث 15

(3) الوسائل الباب 1 من أبواب السبق و الرماية الحديث 5

(4) الوسائل الباب 2 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 379

فيه الفساد المحرم اوّل الكلام و الأشكال فانقدح مما تقدم عدم دليل علي حرمة اللهو علي نحو الإطلاق.

و أما اللعب فلا دليل علي حرمته علي نحو العموم كما انه لا وجه للحكم بالكراهة و ربما يستدل علي حرمته بورود الآيات و الروايات في ذمه و قبحه فاذا ثبت القبح و الذم تثبت الحرمة و فيه ان مجرد الذم لا يستلزم الحرمة مضافا الي أن قوله تعالي وَ مٰا هٰذِهِ الْحَيٰاةُ الدُّنْيٰا إِلّٰا لَهْوٌ وَ لَعِبٌ «1» و نحوه يدل علي أن الحياة الدنيوية لهو و لعب فيلزم أن يكون جمع الأمور محرمة.

و أما اللغو فهو أيضا كذلك و اما حديث أبي خالد قال سمعت زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام يقول الي أن قال و الذنوب التي تهتك العصم شرب الخمر و اللعب بالقمار و تعاطي ما يضحك الناس من اللغو و المزاح و ذكر عيوب الناس الخ «2»، الدال علي حرمته فهو ضعيف سندا فلا يعتد به مضافا الي أن حرمة اللغو مطلقا خلاف الضرورة أضف الي ذلك ان مفاد الحديث ليس حرمة اللغو مطلقا بل قسم خاص منه فلاحظ.

و أما حديث أبي ذر عن النبي صلي اللّه عليه و آله في وصية له قال يا أبا ذر ان الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان اللّه عز و جل فيكتب بها رضوانه يوم القيامة و ان الرجل ليتكلم بالكلمة في المجلس ليضحكهم بها فيهوي في جهنم ما بين السماء و الأرض

«3» فمضافا الي كونه ضعيف السند لا يدل علي حرمة اللغو بل يدل علي حرمته لبعض الكلمات المضحكة و لا اشكال في حرمة بعض الكلمات كما لو هتك في كلامه مؤمنا مثلا.

______________________________

(1) العنكبوت/ 64

(2) الوسائل الباب 41 من أبواب الامر و النهي و ما يناسبهما الحديث 8

(3) الوسائل الباب 140 من أبواب احكام العشرة الحديث 4

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 380

«قوله: كان الاقوي تحريمه»

لا وجه للالتزام بالحرمة و لا دليل عليها فلاحظ.

«قوله قدس سره و اعلم ان هنا عنوانين آخرين»

لا يبعد أن يكون لفظ آخرين زائدا اذ عنوان اللهو و اللعب تقدم في كلامه و لعل المراد من العنوانين عنوان اللعب و اللغو و الأمر سهل.

«قوله فالاقوي الكراهة»

الظاهر انه لا وجه لها و اللّه العالم.

«قوله: فالاقوي فيها الكراهة»

الكلام فيه هو الكلام.

[المسألة الحادية و العشرون مدح من لا يستحق المدح او يستحق الذم]
اشارة

«قوله: قدس سره: الحادية و العشرون مدح من لا يستحق … »

استدل الشيخ قدس سره علي الحرمة بوجوه:

الوجه الأول حكم العقل بقبحه فيكون حراما بمقتضي قانون التلازم بين العقل و الشرع

. و فيه انا قد ذكرنا مرارا انه لا سبيل للعقل في الأحكام الشرعية و قانون التلازم المدعي لا دليل عليه بل الدليل علي خلافه لاحظ الباب السادس و السابع من ابواب صفات القاضي في الوسائل فان المستفاد من النصوص المذكورة وجوب الرجوع في استفادة الحكم الشرعي من الأئمة عليهم السلام الي ما ورد عنهم و لو كان حكم العقل كافيا كان اللازم الإشارة إليه و صفوة القول ان العقل متبع في باب الإطاعة و العصيان و أما في مرحلة ثبوت الأحكام فلا طريق للعقل إليه.

الوجه الثاني قوله تعالي وَ لٰا تَرْكَنُوا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 381

إِلَي الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّٰارُ «1» و المستفاد من الآية الشريفة عدم الميل أو الاعتماد الي الظالم و بين العنوانين عموم من وجه فلا وجه للاستدلال علي المدعي و بعبارة واضحة: ان مدح من لا يستحق المدح لا يلازم الركون و الاعتماد.

الوجه الثالث: ما عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله

قال: في جملة كلام له و من عظم صاحب دنيا و احبه لطمع دنياه سخط اللّه عليه و كانا في درجة مع قارون في التابوت الأسفل من النار «2».

و الرواية ضعيفة سندا مضافا الي أن ما بين العنوانين عموم من وجه فلاحظ.

الوجه الرابع: ما في حديث المناهي

عن الصادق جعفر بن محمد عن ابيه عن آبائه عليهم السلام عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله في حديث المناهي انه نهي عن المدح و قال: احثوا في وجوه المداحين التراب «3» و السند ضعيف مضافا الي أن مفاد الحديث اخص من المدعي فلا يكون قابلا للاستدلال به علي المدعي فان المداح أخص من المادح.

اذا عرفت ما تقدم نقول: تارة يكون مدح من لا يستحق بالأخبار و اخري بالإنشاء و ثالثة بالتورية أما الصورة الأولي فتكون حراما لحرمة الكذب الا عند الضرورة فانه قد تقدم في بحث الكذب جوازه عند الضرورة بل ربما يجب و قد وردت عدة نصوص في حكم من يكرم اتقاء شره منها ما رواه السكوني عن الصادق عن آبائه عليهم السلام عن النبي صلي اللّه عليه و آله انه قال: الا ان شرار امتي الذين يكرمون مخافة شرهم، الا و من أكرمه الناس اتقاء شره فليس مني «4».

و منها ما رواه السكوني أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه

______________________________

(1) الهود/ 113

(2) الوسائل الباب 42 من أبواب ما يكتسب به الحديث 14

(3) الوسائل الباب 43 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

(4) البحار ج 75 ص 279 حديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 382

صلي اللّه عليه و آله شر الناس عند اللّه يوم القيامة الذين يكرمون اتقاء شرهم «1».

و منها ما

رواه جابر بن عبد اللّه قال قال رسول اللّه صلي اللّه و آله شر الناس يوم القيامة الذين يكرمون اتقاء شرهم 2.

و منها ما عن الاختصاص قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله خير الناس من انتفع به الناس و شر الناس من تأذي به الناس و شر من ذلك من اكرمه الناس اتقاء شره و شر من ذلك من باع دينه بدنيا غيره «3».

و منها ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: بينا رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله ذات يوم عند عائشة فاستأذن عليه رجل فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله بئس أخو العشيرة و قامت عائشة فدخلت البيت و أذن له رسول اللّه فدخل فاقبل رسول اللّه عليه حتي اذا فرغ من حديثه خرج فقالت له عائشة يا رسول اللّه بينا أنت تذكره اذا قبلت عليه بوجهك و بشرك، فقال لها رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله ان من أشر عباد اللّه من يكره مجالسته لفحشه «4».

و منها ما رواه ابو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ان النبي صلي اللّه عليه و آله بينما هو ذات يوم عند عائشة اذ استأذن عليه رجل فقال رسول اللّه: بئس اخو العشيرة فقامت عائشة فدخلت البيت فاذن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله للرجل فلما دخل أقبل عليه رسول اللّه بوجهه و بشره إليه يحدثه حتي اذا فرغ و خرج من عنده، قالت عائشة: يا رسول اللّه بينما أنت تذكر هذا الرجل بما ذكرته به اذ أقبلت عليه بوجهك و بشرك؟ فقال: رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله عند ذلك:

ان من شرار عباد اللّه من تكره مجالسته لفحشه 5.

______________________________

(1) (1 و 2) البحار ج 75 ص 283 حديث 10 و 12

(3) البحار ج 75 ص 281 حديث 7

(4) (4 و 5) البحار ج 75 ص 281 حديث 8 و 9

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 383

و أما الصورة الثانية فلا اشكال فيها الا أن يعرض عنوان ثانوي يقتضي حرمته و أما الصورة الثالثة فأيضا لا اشكال فيها فالميزان في التحريم و عدمه صدق عنوان الكذب فانه حرام.

[المسألة الثانية و العشرون معونة الظالمين في ظلمهم]
اشارة

«قوله قدس سره: الثانية و العشرون معونة الظالمين في ظلمهم … »

في هذه المسألة فروع:

الفرع الأول: انه يحرم معونة الظلمة في ظلمهم
اشارة

و ما يمكن أن يذكر في تقريب المدعي وجوه:

الوجه الأول: العقل

بدعوي ان العقل يحكم بقبحها فتحرم شرعا بقانون الملازمة و قد تقدم الأشكال في هذا الاستدلال و قلنا انه ليس للعقل سبيل الي الوصول الي الأحكام الشرعية: نعم لا اشكال في أن العقلاء لهم أحكام في الأمور الجارية فيما بينهم و أما الحكم الشرعي فلا يمكن ان يستفاد من العقل.

الوجه الثاني: الإجماع

و لا اشكال في ان الإجماع المذكور مع الوجوه المذكورة في المقام و احتمال استناد المجمعين إليها ان لم يقطع به لا يكون اجماعا تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم عليه السلام.

الوجه الثالث: قوله تعالي وَ لٰا تَرْكَنُوا إِلَي الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّٰارُ

«1» بتقريب ان الركون عبارة عن الميل إليهم فيدل علي حرمة اعانتهم بالاولوية، و فيه ان الركون إليهم اما عبارة عن الميل و اما عبارة عن الاستناد إليهم كما يظهر من اللغة و علي كلا التقديرين لا يتم التقريب اما علي الأول فالمراد من الميل ان كان ميلا نفسانيا فلا يكون قابلا للنهي عنه فانه امر غير اختياري و ان كان المراد الميل الخارجي و المصاحبة معهم فلا يكون النهي عنه نهيا عن اعانتهم بالأولوية اذ المصاحبة معهم و مخالطتهم اعظم من اعانتهم و ان شئت قلت: معاونتهم لا تكون

______________________________

(1) هود/ 113

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 384

ملازمة للميل إليهم بل يمكن ان تكون ناشئة من داع آخر، و ان كان المراد من الركون الاستناد إليهم و الاعتماد عليهم فأيضا يكون اعظم من اعانتهم بل معاونتهم لا تكون استنادا إليهم فلا مجال لدعوي الأولوية علي كلا التقديرين كما قلنا.

الوجه الرابع: قوله تعالي وَ لٰا تَعٰاوَنُوا عَلَي الْإِثْمِ وَ الْعُدْوٰانِ

«1» بدعوي ان المستفاد من الآية حرمة الإعانة علي الأثم. و فيه انا قد ذكرنا في بعض المباحث المتقدمة ان المستفاد من الآية حرمة التعاون لا حرمة الإعانة.

الوجه الخامس: النصوص الواردة في هذا الباب

منها ما رواه ابو حمزة عن علي بن الحسين عليهما السلام في حديث قال. اياكم و صحبة العاصين و معونة الظالمين «2» فانه يستفاد من الحديث المذكور حرمة اعانة الظالم في ظلمه و سند الرواية تام.

الفرع الثاني: يحرم معونة الظالم في كل محرم و لو لم يكن ظلما

و يمكن الاستدلال بحديث أبي حمزة فان مقتضي اطلاقه أن معونة الظالم فيما يصدر عنه حراما حرام فالإعانة علي الأثم حرام في الجملة بمقتضي اطلاق النص فلا ينافي المناقشة في دلالة الآية الشريفة علي حرمة الإعانة علي الاطلاق و صفوة القول:

مع صدق عنوان معونة الظالم في الحرام يمكن الالتزام بالحرمة بمقتضي النص.

الفرع الثالث: انه هل تجوز اعانة الظلمة في الأمور المباحة اذا لم يعد من اعوان الظلمة أم لا؟

مقتضي اطلاق حديث أبي حمزة الحرمة فان قوله عليه السلام «و معونة الظالمين» بإطلاقه يقتضي الحرمة و لو كانت الإعانة في الأمر المباح و مما يدل علي المدعي ما رواه يونس بن يعقوب قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام لا تعنهم علي بناء مسجد «3» فان المستفاد من الحديث حرمة اعانتهم حتي في بناء المساجد

______________________________

(1) المائدة/ 2

(2) الوسائل الباب 42 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

(3) نفس المصدر الحديث 8

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 385

فكيف ببقية الأفعال لكن الإنصاف ان الالتزام بالإطلاق مشكل و العجب من سيدنا الأستاد حيث يدعي ان المستفاد من حديث أبي حمزة حرمة الاعانة في ظلمهم و مع ذلك ذهب الي حرمة اعانتهم في غير الظلم من المحرمات مع انه لا يلتزم بحرمة الإعانة علي الأثم فان كان الإطلاق عنده تاما فلا وجه لاختصاص الحرمة بخصوص ظلمهم و ان لم يكن تاما فلا وجه للحكم بالحرمة فيما يكون اعانة علي المحرم غير الظلم فلاحظ.

الفرع الرابع: أنه يحرم أن يكون الشخص علي نحو يعد من اعوان الظلمة

و يمكن الاستدلال بحديث أبي حمزة فان المنهي عنه في الرواية عنوان الإعانة و كون الشخص معدودا من أعوان الظلمة و انصاره من اظهر انواع الإعانة فيحرم و يمكن الاستدلال علي المدعي بجملة من النصوص منها ما رواه طلحة بن زيد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: العامل بالظلم و المعين له و الراضي به شركاء ثلاثتهم «1» و منها ما رواه محمد بن عذافر عن ابيه قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام يا عذافر نبئت أنك تعامل أبا أيوب و الربيع فما حالك اذا نودي بك في أعوان الظلمة؟ قال فوجم أبي فقال له ابو عبد اللّه عليه

السلام لما رأي ما اصابه، أي عذافر انما خوفتك بما خوفني اللّه عز و جل به، قال محمد: فقدم أبي فما زال مغموما مكروبا حتي مات 2 و منها ما رواه أبو بصير قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن أعمالهم فقال لي: يا أبا محمد لا و لا مدة قلم ان أحدهم «كم خ ل» لا يصيب من دنياهم شيئا الا اصابوا من دينه مثله او حتي يصيبوا من دينه مثله «3».

و منها ما رواه ابن ابي يعفور قال كنت عند ابي عبد اللّه عليه السلام اذ دخل «فدخل» عليه رجل من اصحابنا فقال له جعلت فداك «اصلحك اللّه خ ل» انه ربما اصاب

______________________________

(1) (1 و 2) نفس المصدر الحديث 2 و 3

(3) نفس المصدر الحديث 5

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 386

الرجل منا الضيق او الشدة فيدعي الي البناء يبنيه او النهر يكريه او المسناة يصلحها فما تقول في ذلك؟ فقال ابو عبد اللّه عليه السلام ما احب اني عقدت لهم عقدة او وكيت لهم وكاء، و ان لي ما بين لابتيها لا و لا مدة بقلم ان اعوان الظلمة يوم القيمة في سرادق من نار حتي يحكم اللّه بين العباد «1» و منها ما رواه يونس بن يعقوب «2».

و منها ما رواه ابن صبيح الكاهلي عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: من سود اسمه في ديوان ولد سابع حشره اللّه يوم القيمة خنزيرا «3».

و منها ما رواه الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه عليهم السلام عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله في حديث المناهي قال: الا و من علق سوطا بين يدي سلطان جعل اللّه ذلك

السوط يوم القيامة ثعبانا من النار طوله سبعون ذراعا يسلطه اللّه عليه في نار جهنم و بئس المصير 4.

و منها ما رواه السكوني عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله اذا كان يوم القيامة نادي مناد اين اعوان الظلمة و من لاق لهم دواتا او ربط كيسا او مدلهم مدة قلم فاحشروهم معهم 5.

و منها ما بهذا الأسناد قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله ما اقترب عبد من سلطان جائر الا تباعد من اللّه، و لاكثر ماله الا اشتد حسابه، و لاكثر تبعه الا كثرت شياطينه «6».

و منها ما عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله اياكم و ابواب السلطان و حواشيها فان اقربكم من ابواب السلطان و حواشيها ابعدكم من اللّه عز و جل، و من آثر السلطان علي اللّه اذهب اللّه عنه الورع و جعله حيرانا 7.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 6

(2) لاحظ 384

(3) (3 و 4 و 5) الوسائل الباب 42 من ابواب ما يكتسب به الحديث 9 و 10 و 11

(6) (6 و 7) نفس المصدر الحديث 12 و 13

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 387

و منها ما رواه ورام بن ابي فراس قال: قال عليه السلام من مشي الي ظالم ليعينه و هو يعلم انه ظالم فقد خرج من الإسلام «1».

و منها ما رواه أيضا قال: و قال عليه السلام اذا كان يوم القيامة نادي مناد اين الظلمة و اعوان الظلمة و اشباه الظلمة، حتي من بري لهم قلما و لاق لهم دواة قال فيجتمعون في تابوت من حديد ثم يرمي بهم في جهنم 2

فانه لا شبهة في انه يستفاد من هذه الروايات حرمة كون الشخص من اعوان الظلمة.

ثم انه ما المراد بالظالم؟ الظاهر ان مقتضي اطلاق جملة من نصوص الباب عدم اختصاص الحكم بالحكومات غير الشرعية التي عنوانها عنوان الخلافة و الولاية كحكومة منصور الدوانيقي لعنه اللّه او يزيد بن معاوية الملعون و شمول الحكم لمطلق الحكومات الضالة غير المشروعة بل يشمل الدليل كل من يكون معنونا بعنوان الظلم و لو كان فردا خارجيا.

[المسألة الثالثة و العشرون النجش حرام]
اشارة

«قوله قدس سره: الثالثة و العشرون النجش … »

قال سيدنا الأستاد الظاهر انه لا خلاف بين الشيعة و السنة في حرمة النجش في الجملة و قد فسروه بوجهين كما يظهر من اهل اللغة: الاول ان يزيد الرجل في البيع ثمن السلعة و هو لا يريد شرائها و لكن يسمعها غيره فيزيد بزيادته و هذا هو المروي عن الأكثر.

الثاني: أن تمدح سلعة غيره و تروجها ليبيعها أو تذمها لئلا تنفق عنه الخ» و ما يمكن أن يذكر في تقريب الاستدلال علي الحرمة وجوه:

الوجه الأول النصوص الواردة في المقام

منها ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله الواشمة و المتوشمة و الناجش و المنجوش

______________________________

(1) (1 و 2) نفس المصدر الحديث 15 و 16

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 388

ملعونون علي لسان محمد صلي اللّه عليه و آله و سلم «1» و الحديث ضعيف بمحمد بن سنان.

و منها ما رواه قاسم بن سلام باسناد متصل الي النبي صلي اللّه عليه و آله أنه قال: لا تناجشوا و لا تدابروا معناه أن يزيد الرجل في ثمن السلعة و هو لا يريد شراءها ليسمعه غيره فيزيد بزيادته و الناجش خائن و التدابر الهجران «2» و السند ضعيف.

و منها ما ارسل عن النبي صلي اللّه عليه و آله أنه قال لا يبيع أحدكم علي بيع بعض و لا يخطب علي خطبته و عنه صلي اللّه عليه و آله أنه نهي عن النجش «3» و لا اعتبار بالمرسل.

الوجه الثاني: الاجماع

و فيه انه مع احتمال استناد المجمعين الي الوجوه المذكورة في المقام لا يكون اجماعا تعبديا كاشفا.

الوجه الثالث: انه مصداق للغش و الغش حرام

، و فيه انه علي تقدير صدقه تكون حرمته بعنوان الغش لا بعنوان النجش مضافا الي أن تحقق الغش يتوقف علي تأثير كلام الناجش في السامع و اقدامه علي المعاملة و الا فلا موضوع للغش كما هو ظاهر.

الوجه الرابع: أنه موجب لإضراره

و فيه أولا ان الدليل اخص من المدعي اذ يمكن أن لا يتضرر السامع بالمعاملة اذا فرض عدم كون المبيع اقل قيمة من الثمن المدفوع و ثانيا ان المقدم بالمعاملة يتضرر باختياره و بإرادته و أما التلبيس فان كان عبارة عن الغش فقد مر الكلام فيه و ان كان عنوانا آخر فأي دليل علي حرمته.

______________________________

(1) الوسائل الباب 49 من أبواب آداب التجارة الحديث 2

(2) نفس المصدر الحديث 4

(3) المستدرك الباب 37 من أبواب آداب التجارة الحديث 4

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 389

[المسألة الرابعة و العشرون النميمة محرمة بالأدلة الأربعة]

«قوله قدس سره: الرابعة و العشرون النميمة محرمة بالأدلّة الاربعة … »

ينبغي ان يقع الكلام في تفسير النميمة ثم في بيان حكمها فنقول قال في مجمع البحرين «يقال: نم الحديث ينمه من بابي ضرب و قتل سعي به ليوقع فتنة او وحشة» و قال الراغب في مادة نمم «النميمة الوشاية» و في مادة وشي «و الواشي يكني به عن النمام».

و اما حكمها فأفاد المصنف انها حرام بالأدلة الأربعة اقول: اما العقل فتقدم الأشكال في الاستدلال به علي الحكم الشرعي علي التفصيل و اما الإجماع فلا يمكن تحصيل اجماع تعبدي كاشف عن راي المعصوم مع الوجوه المذكورة في المقام.

و اما الكتاب فربما يستدل بقوله تعالي وَ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّٰهِ مِنْ بَعْدِ مِيثٰاقِهِ وَ يَقْطَعُونَ مٰا أَمَرَ اللّٰهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولٰئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدّٰارِ «1» بتقريب ان النمام قاطع لما امر اللّه صلته و انه مفسد في الأرض و يرد عليه انه لم يأمر اللّه بالصلة بين الناس كي يكون النميمة قطعا لما امر بصلته مضافا الي ان الظاهر من الآية ان الَّذِينَ

يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّٰهِ. وَ يَقْطَعُونَ مٰا أَمَرَ اللّٰهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ من حيث المجموع لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدّٰارِ الا ان يقال ان النمام جامع للجهات الثلاث و اما الاستدلال علي المدعي بذيل الآية اي قوله تعالي وَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فالحق ان النمام يصدق عليه عنوان المفسد و لكن الظاهر كما ذكرنا ان اللعن و سوء الدار لمن يجمع بين الجهات الثلاث فالنتيجة ان الآية الشريفة لا تدل علي المدعي.

و ربما يستدل علي المدعي بقوله تعالي وَ الْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ «2» بتقريب ان

______________________________

(1) الرعد/ 25

(2) البقرة/ 191

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 390

المستفاد من الآية ان الفتنة اعظم و اكبر من القتل فتحرم بلا اشكال، و فيه ان الظاهر من الآية ان المراد بالفتنة في الآية الشريفة الشرك و الدليل عليه قوله تعالي بعد هذه الجملة و قٰاتِلُوهُمْ حَتّٰي لٰا تَكُونَ فِتْنَةٌ* «1» اي قاتلوا المشركين و اقتلوهم حتي تطهر الأرض من وجود المشرك باللّه فلا ترتبط الآية بما نحن فيه مضافا الي انه لا اشكال في ان الفتنة علي نحو الإطلاق لا تكون اعظم من القتل و لا يمكن الالتزام به و بما ذكرنا حول الآية يظهر تقريب الاستدلال علي المدعي بقوله تعالي وَ الْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ 2 و الجواب عنه بل الأمر في هذه الآية الشريفة اظهر فان المستفاد من الآية الشريفة ان القتال في الشهر الحرام كبير و لكن الفتنة اي الكفر اعظم و أكبر عند اللّه من القتل فلا ترتبط الآية بالمقام.

و لتوضيح المدعي لاحظ ما رواه القمي انه كان سبب نزولها انه لما هاجر رسول اللّه صلي اللّه عليه و

آله الي المدينة بعث السرايا الي الطرقات التي تدخل مكة يتعرض لعير قريش حتي بعث عبد اللّه بن جحش في نفر من أصحابه الي النخلة و هي بستان بني عامر ليأخذوا عير قريش أقبلت من الطائف، عليها الزبيب و الأدم و الطعام فوافوها و قد نزلت العير و فيهم عمرو بن عبد اللّه الحضرمي و كان حليفا لعتبة بن ربيعة فلما نظر الحضرمي الي عبد اللّه بن جحش و اصحابه فزعوا و تهيئوا للحرب و قالوا هؤلاء اصحاب محمد و امر عبد اللّه بن جحش اصحابه أن ينزلوا و يحلقوا رءوسهم فنزلوا و حلقوا رءوسهم، فقال ابن الحضرمي هؤلاء قوم عباد ليس علينا منهم فلما اطمأنوا و وضعوا السلاح حمل عليهم عبد اللّه بن جحش فقتل ابن الحضرمي و قتل اصحابه و أخذوا العير بما فيها و ساقوها الي المدينة فكان ذلك اوّل يوم من رجب من أشهر الحرم فعزلوا العير و ما كان عليها و لم ينالوا منها شيئا فكتب قريش الي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله انك استحللت

______________________________

(1) (1 و 2) البقرة 193/ و 217

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 391

الشهر الحرام و سفكت فيه الدم و أخذت المال و كثر القول في هذا و جاء أصحاب رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فقالوا يا رسول اللّه أ يحل القتل في الشهر الحرام؟

فأنزل اللّه: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرٰامِ قِتٰالٍ فِيهِ قُلْ قِتٰالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَ صَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ وَ كُفْرٌ بِهِ وَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ وَ إِخْرٰاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللّٰهِ وَ الْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ، قال القتال في الشهر الحرام عظيم و لكن الذي فعلت بك

قريش يا محمد من الصد عن المسجد الحرام و الكفر باللّه و اخراجك منه اكبر عند اللّه و الْفِتْنَةُ يعني الكفر باللّه اكبر من القتل ثم انزلت عليه «الشَّهْرُ الْحَرٰامُ بِالشَّهْرِ الْحَرٰامِ وَ الْحُرُمٰاتُ قِصٰاصٌ فَمَنِ اعْتَديٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَديٰ عَلَيْكُمْ» و في نهج البيان عن أبي جعفر عليه السلام الفتنة هنا الشرك «1».

و بتقريب آخر نقول الظاهر من قوله تعالي وَ الْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ان الفتنة اكبر من القتال الواقع في الشهر الحرام و ان أبيت عن جميع ما ذكرنا نقول هل يمكن الالتزام بأن الفتنة علي الإطلاق أعظم من القتل؟ كلا.

و أما السنة فيمكن الاستدلال بجملة من النصوص منها ما رواه عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال النبي صلي اللّه عليه و آله الا أنبئكم بشراركم؟ قالوا بلي يا رسول اللّه قال: المشّاءون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الباغون للبراء المعايب «2».

و منها ما رواه محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: الجنة محرمة علي القتاتين المشائين بالنميمة 3.

و منها ما في عقاب الأعمال عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله انه قال في خطبة له: و من مشي في نميمة بين اثنين سلط اللّه عليه في قبره نارا تحرقه الي يوم القيامة

______________________________

(1) تفسير البرهان ج 1 ص 210 حديث 1

(2) (2 و 3) الوسائل الباب 164 من ابواب احكام العشرة الحديث 1 و 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 392

و اذا خرج من قبره سلط اللّه عليه تنينا اسود ينهش لحمه حتي يدخل النار «1».

و منها ما رواه محمد بن الحسن باسناده عن أبي ذر عن النبي صلي

اللّه عليه و آله في وصية له قال: يا أبا ذر لا يدخل الجنة القتات قلت: يا رسول اللّه ما القتات قال: النمام يا أبا ذر صاحب النميمة لا يستريح من عذاب اللّه في الآخرة «2».

و منها ما عن أمير المؤمنين عليه السلام قال عليه السلام: شراركم المشّاءون بالنميمة المفرقون بين الاحبة المبتغون للبراء المعايب «3».

و منها ما عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله في حديث قال: ان الأبعد كان يأكل لحوم الناس بالغيبة و يمشي بالنميمة «4».

و منها: ما عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال عليه السلام: لا يدخل الجنة سفاك الدم و لا مد من الخمر و لا مشاء بنميمة «5».

و منها ما عن علي عليه السلام قال عليه السلام: يحرم الجنة علي ثلاثة: علي المنان و علي القتات و علي مدمن الخمر «6».

و منها: ما عن أبي الحسن موسي عليه السلام قال: حرمت الجنة علي ثلاثة:

النمام و مدمن الخمر و الديوث «7».

و منها ما عن الصادق عليه السلام في حديث فان النمام شاهد زور و شريك ابليس في الاغراء بين الناس الخ «8».

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 6

(2) نفس المصدر الحديث 4

(3) نفس المصدر الحديث: 3

(4) نفس المصدر الحديث: 5

(5) نفس المصدر الحديث: 7

(6) نفس المصدر الحديث: 8

(7) نفس المصدر الحديث: 9

(8) نفس المصدر الحديث: 10

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 393

و منها: ما عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال عليه السلام: أربعة لا يدخلون الجنة:

الكاهن و المنافق و مدمن الخمر و القتات و هو النمام «1». و منها ما عن الصادق عليه السلام قال: بينما موسي يناجي ربه اذ رأي رجلا تحت ظل عرش اللّه فقال:

يا

رب من هذا الذي قد اظله عرشك؟ قال: هذا كان بارا بوالديه و لم يمش بالنميمة «2». و منها ما عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ان اللّه أوحي الي موسي ان بعض اصحابك ينم عليك فاحذره قال: يا رب لا أعرفه فاخبرني به حتي أعرفه فقال: يا موسي عبت عليه النميمة و تكلفني أن اكون نماما «3» و منها ما عن النبي صلي اللّه عليه و آله قال: لا يدخل الجنة قتات «4».

لكن يشكل الاستدلال بهذه النصوص علي المدعي فان جملة منها رتب الحكم فيها علي عنوان النمام و هي صيغة مبالغة و لا يصدق عنوان المبالغ علي مجرد من قام به الحدث فلا يدل علي حرمة مطلق النميمة و أما جملة اخري منها فهي ضعيفة و في المقام طائفة اخري من النصوص منها ما رواه حسن بن زيد عن جعفر بن محمد عن ابيه عن جده عن علي بن ابي طالب عليهم السلام قال: سمعت رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله يقول: المؤمن عز كريم، و المنافق خب لئيم و خير المؤمنين من كان مألفة للمؤمنين و لا خير فيمن لا يألف و لا يؤلف قال: و سمعت رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله يقول: شرار الناس من يبغض المؤمنين و تبغضه قلوبهم، المشّاءون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الباغون للناس العيب اولئك لا ينظر اللّه إليهم و لا يزكيهم يوم القيمة ثم تلا عليه السلام هو الذي أيدك بنصره و بالمؤمنين

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 11

(2) نفس المصدر الحديث 12

(3) نفس المصدر الحديث: 13

(4) نفس المصدر الحديث 14

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 394

و الف بين قلوبهم «1».

و منها

ما رواه المحاربي عن جعفر بن محمد عن آبائه عن النبي صلي اللّه عليه و آله قال ثلاثة يحسن فيهن الكذب المكيدة في الحرب وعدتك زوجتك و الإصلاح بين الناس و ثلاثة يقبح فيهن الصدق النميمة و اخبارك الرجل عن أهله بما يكرهه و تكذيبك الرجل عن الخبر «2».

و منها ما رواه حسين بن زيد عن الصادق عن آبائه عليهم السلام في حديث المناهي ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله نهي عن الغيبة و الاستماع إليها و نهي عن النميمة و الاستماع إليها و قال: لا يدخل الجنة قتات يعني نماما «3».

و منها ما رواه الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه عليهم السلام عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله في حديث المناهي قال: و من اصطنع الي اخيه معروفا فامتن به أحبط اللّه عمله و ثبت وزره و لم يشكر له سعيه ثم قال عليه السلام يقول اللّه عز و جل حرمت الجنة علي المنان و البخيل و القتات و هو النمام «4».

و منها ما في عقاب الأعمال عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله انه قال في خطبة له: و من اصطنع الي أخيه معروفا فمن به عليه حبط عمله و خاب سعيه، ثم قال الا و ان اللّه عز و جل حرم علي المنان و المختال و القتات و مدمن الخمر و الخريص و الجعظري و العتل و الزنيم الجنة 5.

و منها ما رواه عبد اللّه بن سنان عن رجل عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: لا يدخل الجنة سافك للدم و لا شارب الخمر و لا مشاء بنميم «6» و هذه النصوص كلها

______________________________

(1) الوسائل الباب

7 من ابواب احكام العشرة الحديث 8

(2) الوسائل الباب 141 من أبواب احكام العشرة الحديث 2

(3) الوسائل الباب 152 من أبواب احكام العشرة الحديث 13

(4) (4 و 5) الوسائل الباب 37 من ابواب الصدقة الحديث 5 و 6

(6) الوسائل الباب 1 من أبواب القصاص في النقس الحديث 9

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 395

ضعيفة سندا.

و أما حديث الاحتجاج «ان من اكبر السحر النميمة يفرق بما بين المحتابين و يجلب العداوة علي المتصافيين و يسفك بها الدماء و يهدم بها الدور و يكشف بها الستور و النمام شر من وطئ الأرض بقدمه «1» فهو ضعيف سند الإرسال.

و أفاد المصنف قدس سره انه مع كراهة المقول عنه لإظهار القول عند المقول فيه يدل علي حرمته جميع ما يدل علي حرمة الغيبة. و فيه ان النسبة بين الغيبة و النميمة عموم من وجه فعند اجتماع العنوانين يترتب علي كل واحد حكمه و علي فرض الافتراق يترتب حكم كل واحد عليه لتحقق موضوعه في الخارج فانقدح بما ذكرنا عدم قيام دليل معتبر علي حرمتها علي الإطلاق و لكن مع ذلك كله لا يمكن الالتزام بعدم حرمتها قال سيدنا الأستاد لا خلاف بين المسلمين في حرمتها بل هي من ضروريات الإسلام و هي من الكبائر المهلكة الخ و اللّه العالم بحقائق الامور و نستجير به من الزلة.

[المسألة الخامسة و العشرون النوح بالباطل]
اشارة

«قوله قدس سره: الخامسة و العشرون النوح بالباطل … »

يقع الكلام في هذه المسألة في مقامات

المقام الأول في حكم النياحة بمقتضي القاعدة الأولية

و مقتضي القاعدة الأولية النياحة اذا لم تكن معنونة بعنوان محرم كالكذب مثلا تكون جائزة تكليفا كما تصح المعاملة الواقعة عليها وضعا و قد دل بعض النصوص علي جواز النياحة لاحظ ما رواه يونس عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال لي أبي يا جعفر اوقف لي من مالي كذا و كذا لنوادب تندبني عشر سنين بمني ايام مني «2».

______________________________

(1) الاحتجاج للطبرسي المطبوع في النجف في المطبعة المرتضوية ص 185

(2) الوسائل الباب 17 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 396

و لاحظ ما رواه ابو حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال: مات الوليد بن المغيرة فقالت أم سلمة للنبي صلي اللّه عليه و آله ان آل المغيرة قد أقاموا مناحة فأذهب إليهم فاذن لها فلبست ثيابها و تهيأت و كانت من حسنها كانها جان، و كانت اذا قامت فأرخت شعرها جلل جسدها و عقدت بطرفيه خلخالها فندبت ابن عمها بين يدي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فقالت:

انعي الوليد بن الوليد أبا الوليد فتي العشيرة

حامي الحقيقة ماجد يسموا الي طلب الوتيرة

قد كان غيثا في السنين و جعفرا غدقا و ميرة

فما عاب رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله ذلك و لا قال شيئا «1».

المقام الثاني في بيان حكم النياحة تكليفا بمقتضي النص

و قد وردت جملة من النصوص في المقام منها ما رواه الزعفراني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

من انعم اللّه عليه بنعمة فجاء عند تلك النعمة بمزمار فقد كفرها و من أصيب بمصيبة فجاء عند تلك المصيبة بنائحة فقد كفرها «2» و الحديث ضعيف بسلمة.

و منها ما روته خديجة بنت عمر بن علي بن الحسين عليه السلام في حديث قال:

سمعت عمي محمد بن علي عليه السلام يقول: انما تحتاج المرأة الي النوح لتسيل دمعتها و لا ينبغي لها أن تقول هجرا فاذا جاء الليل فلا تؤذي الملائكة بالنوح 3 و الحديث ضعيف بالإسال.

و منها ما رواه حسين بن زيد عن جعفر بن محمد عن آبائه عن النبي صلي اللّه عليه و آله في حديث المناهي أنه نهي عن الرنة عند المصيبة و نهي عن النياحة و الاستماع إليها و نهي عن تصفيق الوجه 4. و الحديث ضعيف.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 2

(2) (2 و 3 و 4) نفس المصدر الحديث 5 و 6 و 11

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 397

و منها ما رواه حسين بن زيد أيضا عن جعفر بن محمد عن آبائه عن علي عليه السلام قال: قال رسول اللّه عليه و آله أربعة لا تزال في أمتي الي يوم القيمة:

الفخر بالاحساب و الطعن في الانساب و الاستسقاء بالنجوم و النياحة، و ان النائحة اذا لم تتب قبل موتها تقوم يوم القيامة و عليها سربال من قطران و درع من حرب «1».

و الحديث ضعيف.

و منها ما رواه ابن جعفر عن اخيه موسي بن جعفر عليهما السلام قال: سألته عن النوح علي الميت أ يصلح قال يكره 2 و الكراهة اعم من الحرمة.

و منها ما رواه علي بن جعفر أيضا عن اخيه موسي بن جعفر عليهما السلام قال سألته عن النوح فكرهه «3» و الحديث ضعيف.

المقام الثالث: في بيان حلية اجر النائحة بمقتضي النص

فنقول يستفاد من حديث أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام لا بأس بأجر النائحة التي تنوح علي الميت «4»، جواز أجرها علي نحو الإطلاق لكن لا بدّ من تقييدها بما رواه حنان بن

سدير قال: كانت امرأة معنا في الحي و لها جارية نائحة فجاءت الي أبي فقالت: يا عم انت تعلم ان معيشتي من اللّه ثم من هذه الجارية، فاحب ان تسأل أبا عبد اللّه عن ذلك فان كان حلالا و الا بعتها و اكلت من ثمنها حتي يأتي اللّه بالفرج فقال لها أبي: و اللّه اني لأعظم أبا عبد اللّه عليه السلام أن أسأله عن هذه المسألة قال: فلما قدمنا عليه أخبرته أنا بذلك فقال أبو عبد اللّه عليه السلام تشارط فقلت:

و اللّه ما أدري تشارط أم لا؟ فقال: قل لها لا تشارط و تقبل ما اعطيت 5.

فان مقتضي الحديث التفصيل بين ان تشارط و تعين و عدم المشارطة بعدم

______________________________

(1) (1 و 2) نفس المصدر الحديث 12 و 13

(3) نفس المصدر الحديث 14

(4) (4 و 5) نفس المصدر الحديث 7 و 3

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 398

الجواز في الصورة الأولي و الجواز في الصورة الثانية فلاحظ.

[المسألة السادسة و العشرون الولاية من قبل الجائر]
اشارة

«قوله قدس سره: السادسة و العشرون الولاية من قبل الجائر … »

في هذه المسألة فروع:

الفرع الأول: انه هل يجوز الولاية من قبل الجائر أم لا؟

قال سيدنا الأستاد في هذا المقام الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب في حرمة الولاية من قبل الجائر في الجملة الخ. و تدل علي حرمته ما تقدم من النصوص الدالة علي حرمة كون الإنسان من اعوان الظلمة لاحظ ما رواه الكاهلي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال من سود اسمه في ديوان ولد سابع حشره اللّه يوم القيمة خنزيرا «1».

و لاحظ حديث تحف العقول و اما وجه الحرام من الولاية فولاية الوالي الجائر و ولاية ولاته فالعمل لهم و الكسب معهم بجهة الولاية لهم حرام محرم معذب فاعل ذلك علي قليل من فعله أو كثير لأن كل شي ء من جهة المئونة له معصية كبيرة من الكبائر و ذلك أن في ولاية الوالي الجائر دروس الحق كله فلذلك حرم العمل معهم و معونتهم و الكسب معهم الا بجهة الضرورة نظير الضرورة الي الدم و الميتة «2».

و لاحظ ما رواه ابو حمزة عن علي بن الحسين عليهما السلام في حديث قال:

اياكم و صحبة العاصين و معونة الظالمين «3» و غيرها من النصوص الواردة في الباب المشار إليه.

و لاحظ ما رواه محمد بن مسلم قال كنا عند أبي جعفر عليه السلام علي باب

______________________________

(1) الوسائل الباب 42 من ابواب ما يكتسب به الحديث 9

(2) الوسائل باب 2 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1

(3) الوسائل باب 42 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 399

داره بالمدينة فنظر الي الناس يمرون افواجا فقال لبعض من عنده: حدث بالمدينة امر؟ فقال: أصلحك اللّه «جعلت فداك» ولي المدينة وال

فغدا الناس «إليه» يهنئونه، فقال: ان الرجل ليغدي عليه بالأمر يهني به و انه لباب من أبواب النار «1» و علي الجملة لا اشكال في حرمة الولاية من قبل الجائر و مقتضي اطلاق النصوص عدم الفرق بين تصديه للعمل المحرم و عدمه فان ارتكابه الحرام حرام آخر و يوجب تشديد عقوبته.

الفرع الثاني انه تجوز الولاية من قبل الظالم اذا قام الوالي بمصالح العباد
اشارة

و الذي يمكن أن يذكر في تقريب الاستدلال علي المدعي وجوه:

الوجه الأول: عدم الخلاف

كما في عبارة الشيخ قدس سره. و فيه ان غايته تحقق الإجماع و لا يمكن تحصيل الإجماع التعبدي الكاشف في المقام مع الوجوه المذكورة.

الوجه الثاني: ان المقام يدخل في باب التزاحم

و مقتضي ذلك ترجيح الملاك الأقوي. و فيه ان الميزان في ذلك الباب أقوائية احد الملاكين علي الأخر و مجرد تعنون الوالي بالقيام بالمصالح لا يفيد ما دام لا يصل الأمر الي الوجوب و اللزوم و بعبارة اخري الملاك الاستحبابي لا يقاوم ملاك الحرمة و لا يمكن رفع اليد عن دليل الحرمة بعروض عنوان مستحب علي الفعل.

رالوجه الثالث: قوله تعالي قٰالَ اجْعَلْنِي عَليٰ خَزٰائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ

«2» فان مثل يوسف لا يسأل الأمر الحرام فتجوز الولاية. و فيه ان يوسف عليه السلام من الأنبياء العظام عليهم السلام و هو الوالي و هو الذي بيده الأمر شرعا فلا يمكن الاستدلال بعمله.

الوجه الرابع: جملة من النصوص

منها ما رواه ابن يقطين قال: قال لي

______________________________

(1) الوسائل باب 45 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2

(2) يوسف/ 55

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 400

أبو الحسن موسي بن جعفر عليه السلام ان للّه تبارك و تعالي مع السلطان أولياء يدفع بهم عن أوليائه «1».

و منها ما رواه زيد الشحام قال: سمعت الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام يقول: من تولي أمرا من أمور الناس فعدل و فتح بابه و رفع ستره و نظر في امور الناس كان حقا علي اللّه عز و جل أن يؤمن روعته يوم القيمة و يدخله الجنة 2 و الحديث ضعيف بالخشاب فانه لم يوثق الي غيرهما من من النصوص الواردة في الباب المشار إليه.

و منها ما رواه ابن ادريس نقلا من كتاب مسائل الرجال عن أبي الحسن علي بن محمد عليهما السلام ان محمد بن علي بن عيسي كتب إليه يسأله عن العمل لبني العباس و أخذ ما يتمكن من أموالهم هل فيه رخصة فقال: ما

كان المدخل فيه بالجبر و القهر فاللّه قابل العذر و ما خلا ذلك فمكروه، و لا محاله قليله خير من كثيره و ما يكفر به ما يلزمه فيه من يرزقه بسبب و علي يديه ما يسرك فينا و في موالينا قال فكتبت إليه في جواب ذلك أعلمه ان مذهبي في الدخول في أمرهم وجود السبيل الي ادخال المكروه علي عدوه و انبساط اليد في التشفي منهم بشي ء أتقرب به إليهم فاجاب: من فعل ذلك فليس مدخله في العمل حراما بل أجرا و ثوابا «3».

و الظاهر ان هذا الوجه لا بأس به فان النصوص الدالة علي الجواز مشتملة علي ما يكون معتبرا من حيث السند فلاحظ و لكن الإنصاف ان الجزم بالجواز مشكل فان المستفاد من حديث ابن يقطين المتقدم ذكره ان مع السلطان اولياء للّه لكن باي وجه صاروا اولياء للّه فمن الممكن ان جماعة من اولياء اللّه لهم روابط حسنة مع السلطان يشفعون لأولياء اللّه و أنهم باذن خاص من الإمام عليه السلام يكونون

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 46 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1 و 7

(3) الوسائل الباب 45 من ابواب ما يكتسب به الحديث 9

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 401

مع السلطان كابن يقطين.

و بعبارة واضحة: لا يستفاد من الحديث جواز الولاية من قبل الجائر و كونه معينا له فالمرجع دليل حرمة الإعانة و مبغوضية كون الشخص معينا للظالم نعم لا اشكال في استفادة المحبوبية من حديث ابن ادريس لكن الأشكال في السند و علي فرض الإغماض عن السند يمكن القول باستحباب الدخول في أمرهم و اعانتهم بشرط أن يكون الداعي للدخول جلب النفع الي الشيعة و دفع

الضرر عنهم فالولاية في هذه الصورة مستحبة و في غير هذه الصورة المذكورة تكون محرمة نعم لو وقع التزاحم بين عنوان الإعانة و واجب لا بدّ من اعمال قانون التزاحم و اللّه العالم.

الفرع الثالث: انه يجوز الولاية من قبل الجائر مع الإكراه
اشارة

و يدل علي جوازه قوله تعالي مَنْ كَفَرَ بِاللّٰهِ مِنْ بَعْدِ إِيمٰانِهِ إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ «1» و قوله تعالي لٰا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكٰافِرِينَ أَوْلِيٰاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّٰهِ فِي شَيْ ءٍ إِلّٰا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقٰاةً «2».

و أيضا يدل علي المدعي ما رواه البزنطي عن أبي الحسن عليه السلام في الرجل يستكره علي اليمين فيحلف بالطلاق و العتاق و صدقة ما يملك أ يلزمه ذلك؟

فقال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله وضع عن امتي ما اكرهوا عليه و ما لم يطيقوا و ما أخطئوا «3».

و لاحظ ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: التقية في كل ضرورة

______________________________

(1) النحل/ 106

(2) آل عمران/ 28

(3) الوسائل الباب 12 من ابواب الايمان الحديث 12

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 402

و صاحبها أعلم بها حين تنزل به «1».

و ما رواه محمد بن مسلم و زرارة قالوا سمعنا أبا جعفر عليه السلام يقول:

التقية في كل شي ء يضطر إليه ابن آدم فقد احله اللّه له 2.

و ما رواه عمرو بن مروان قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله رفعت عن أمتي اربع خصال: ما اضطروا إليه، و ما نسوا، و ما أكرهوا عليه، و ما لم يطيقوا و ذلك في كتاب اللّه قوله: رَبَّنٰا لٰا تُؤٰاخِذْنٰا إِنْ نَسِينٰا أَوْ أَخْطَأْنٰا رَبَّنٰا وَ لٰا تَحْمِلْ عَلَيْنٰا

إِصْراً كَمٰا حَمَلْتَهُ عَلَي الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنٰا رَبَّنٰا وَ لٰا تُحَمِّلْنٰا مٰا لٰا طٰاقَةَ لَنٰا بِهِ و قول اللّه: إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ «3» الي غيرها من النصوص الواردة في الباب المشار إليه.

فان المستفاد من الكتاب و السنة ان الإكراه يوجب رفع الحرمة مما اكره عليه و منه المقام و أفاد الشيخ قدس سره انه يتحقق موضوع الإكراه بصدق الضرر و كون تحمله شاقا علي المكره بالفتح. و يمكن أن يرد عليه بأن القيد المذكور خلاف اطلاق الأدلة اذ لو فرض ان شخصا كان متحملا للضرر و لم يكن شاقا عليه كما لو كان قسي القلب و لا يتأثر من ضرب ولده فهل يمكن أن يقال بعدم تحقق الإكراه الا أن يقال انه مع عدم المشقة و الحرج لا يصدق عنوان الإكراه و بعبارة اخري: الإكراه يصدق فيما يخاف المكره بالفتح من وقوعه و أما مع عدم خوفه فلا يتحقق و لا يصدق عنوان الإكراه فلاحظ.

و قد تعرض الشيخ قدس سره لأمور
الأمر الأول: ان الإكراه كما يقتضي رفع الحرمة عن اعانة الظالم و الولاية من قبله

كذلك يرفع الحرمة عما يلزمها من

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 25 من ابواب الامر و النهي و ما يناسبهما الحديث 1 و 2

(3) نفس المصدر الحديث 10

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 403

ارتكاب بقية المحرمات ما عدا اراقة الدم فان دليل الاكراه كما يقتضي رفع الحرمة عن الولاية من قبل الجائر كذلك يقتضي رفع الحرمة عن بقية المحرمات انما الكلام في أنه هل يجوز الإضرار بالغير بالإكراه اذا كان دون اراقة الدم فان اراقة الدم لا يجوز للنص الخاص لاحظ ما رواه ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: انما جعلت التقية ليحقن بها الدم فاذا بلغ الدم فليس تقية «1».

و ما

رواه ابو حمزة الثمالي قال: قال ابو عبد اللّه عليه السلام لم تبق الأرض الا و فيها منا عالم يعرف الحق من الباطل و قال: انما جعلت التقية ليحقن بها الدم فاذا بلغت التقية الدم فلا تقية «2».

فيجوز الإضرار بالغير كائنا ما كان لأجل الاكراه و ان كان الضرر المتوعد عليه اقل من الإضرار بالغير و أفاد الشيخ قدس سره انه هل يلاحظ ان ايهما اقل ضررا وجهان فيمكن أن يقال ان مقتضي اطلاق حديث الرفع جواز الإضرار بالغير و ان الضرورات تبيح المحظورات و من ناحية اخري المستفاد من حديث الرفع تشريعه لدفع الضرر فلا يجوز دفع الضرر بالأضرار بالغير و لو كان أدون فكيف بما اذا يكون اكثر. و ان شئت قلت: ان حديث الرفع للامتنان علي جنس الأمة فكيف يجوز الإضرار بالغير و لا حسن في الامتنان علي بعضهم بالأضرار بالغير بل يجب تحمل الضرر و لا يجوز الإضرار بالغير لكن الأقوي جواز الإضرار بالغير لدفع الضرر عن النفس في مورد الإكراه و استدل عليه بوجوه:

الوجه الأول اطلاق حديث الرفع فانه بإطلاقه يشمل المقام. الوجه الثاني قاعدة نفي الحرج فان الزام الغير تحمل الضرر و ترك ما اكره عليه حرجي يرفعه حديث رفع الحرج.

______________________________

(1) الاصول من الكافي ج 2 ص 220 حديث 16 من باب التقية

(2) الوسائل الباب 31 من ابواب الامر و النهي و ما يناسبهما الحديث 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 404

الوجه الثالث: حديث تشريع التقية و جوازها ما دام لم تصل الي حد قتل النفس فان مقتضاه جواز الإضرار بالغير الا الضرر الخاص و هو اراقة الدم.

ان قلت: كيف يجوز دفع الضرر بالضرر و الحال ان

تشريع حديث الرفع لدفع الضرر قلت تارة بتوجه الضرر الي الشخص فلا يجوز رفعه بالأضرار بالغير لعدم الدليل عليه و اخري يتوجه الضرر الي الغير بالإكراه عليه فلا يجب رفعه عن الغير بتحمل الضرر و ايراده علي النفس و ببيان واضح: تارة يتوجه الضرر ابتداء الي الشخص بالإكراه فلا يجوز للمكره بالفتح رفعه بالأضرار بالغير و اخري يتوجه الضرر الي الغير بالإكراه ابتداءً فلا يجب دفعه عنه بايراد الضرر علي النفس.

ان قلت: كما انه يجوز الإضرار بالغير اذا وقع مورد الإكراه لحديث رفع الإكراه كذلك يجوز الإضرار بالغير اذا وقع الإكراه علي الشخص ابتداءً و لكن يمكنه رفعه بالأضرار بالغير لحديث رفع الاضطرار فانه لا اشكال في أن الاضطرار رافع للتكليف كما لو اضطر الي شرب الخمر فيجوز الإضرار بالغير بلحاظ الاضطرار.

قلت: فرق بين المقامين فان الإكراه اذا توجه الي الغير يكون الإضرار مستندا الي المكره بالكسر و المكره بالفتح واسطة و يكون الاستناد إليه ضعيفا نعم يجوز للمكره بالفتح أن يرفع الضرر عن الغير و يورد الضرر علي نفسه لكن لا يجب عليه و لا قبح في رفع الحرمة عن المكره بالفتح في هذه الصورة.

و أما لو كان الضرر متوجها ابتداءً الي الشخص لا يجوز دفعه بالأضرار بالغير بحديث رفع الاضطرار لان رفع الاضطرار امتناني و تجويز الإضرار بالغير خلاف الامتنان مضافا الي الفرق بين الموردين بتحقق الحرج في احدهما و عدم تحققه في الأخر فانه لو توجه الإكراه الي الغير يكون دفعه عن الغير و ايقاع الضرر علي النفس حرجا و دليل الحرج يرفع وجوبه و أما لو توجه الضرر الي الشخص ابتداءً و امكن دفعه بايراد الضرر علي الغير لا يكون تحمل

الضرر حرجيا فلا مقتضي لرفع الحرمة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 405

عن الإضرار بالغير.

و أفاد سيدنا الأستاد بأن الكلام يقع في ثلاث نواحي الناحية الأولي: ان يتوجه الضرر الي الشخص و أمكن دفعه بالأضرار بالغير و الحق انه لا يجوز و لا يشمله دليل نفي الاكراه و الضرر لأن تلك الادلة امتنانية بالنسبة الي جنس الامة و جواز الاضرار بالغير لدفع الضرر عن النفس خلاف الامتنان بالنسبة الي الغير مضافا الي ان نسبة دليل نفي الضرر متساوية فكل منهما يمكنه الأخذ بدليل نفي الضرر و دفعه عن نفسه بالغير فيقع التعارض و يتساقطان بالمعارضة و يكون المرجع دليل حرمة التصرف في مال الغير.

الناحية الثانية: أن يتوجه الضرر الي الغير علي عكس الصورة السابقة و قد ظهر حكم ذلك من الناحية الأولي كما هو واضح و لا يبعد أن يكون تقريب الاستدلال ان ترك دفع الضرر عن الغير ضرري بالنسبة الي الغير فلا يجوز الترك.

و جوابه ان الزام الشخص بدفع الضرر عن الغير خلاف الامتنان مضافا الي ان ترك دفع الضرر ضرري بالنسبة الي الغير و دفع الضرر عن الغير ضرري بالنسبة الي الدافع و لا ترجيح لأحد الطرفين علي الأخر.

الناحية الثالثة: ان يتوجه الضرر ابتداءً الي الغير و الي المكره علي تقدير المخالفة اي مخالفة الجائر و كان الضرر المتوعد عليه أمرا مباحا في نفسه كما لو اكره الجائر بنهب أموال الغير و الا ينهب امواله و في هذه الصورة لا يجوز للمكره بالفتح نهب اموال الغير بل يجب عليه ترك النهب اذ دفع اموال نفسه الي الجائر أمر جائز فلا يجوز ارتكاب المحرم لأجل ترك المباح و بعبارة واضحة: نهب اموال الغير

حرام فلا يجوز للمكره بالفتح ارتكاب المحرم و الاستدلال بقاعدة رفع الإكراه و رفع الحرج علي جواز النهب قد ظهر جوابه مما مر اي كون الرفع امتنانيا و لا يشمل المقام و أما أخبار التقية فان المستفاد منها انها شرعت لحفظ

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 406

بعض الجهات المهمة و ليس المستفاد منها انها شرعت لارتكاب كل محرم الا قتل النفس كي يقال ان مقتضي جواز التقية جواز نهب مال الغير او هتك عرضه عند الإكراه هذا ما افاده سيدنا الأستاد في المقام.

اذا عرفت ما ذكرنا من كلام الشيخ و ما أفاده سيدنا الأستاد نقول: قد ذكرنا في بحث قاعدة لا ضرر ان المستفاد من روايات تلك القاعدة حرمة الإضرار كما عليه شيخ الشريعة قدس سره لا ما ذهب إليه المشهور من ان مفادها نفي الأحكام الضررية في الشريعة المقدسة و عليه لا موضوع للبحث حول تلك القاعدة في المقام و أما علي تقدير الإغماض عن ذلك و الالتزام بما ذهب إليه المشهور فلا بأس بالتمسك بتلك القاعدة لرفع الحرمة عن التصرف في مال الغير اذا كانت الحرمة موجبة للضرر كما لو توقف دفع الضرر عن النفس علي الإضرار بالغير.

و ما في كلام الشيخ قدس سره و سيدنا الأستاد من أنه خلاف الامتنان علي جنس الأمة مدفوع بأنا لا نفهم المراد من الجملة المذكورة فان المستفاد من تلك القاعدة ان جعل القاعدة في كل مورد امتناني بالنسبة الي من تكون مجعولة له فان كان المراد من جنس الأمة ان جعلها امتناني بالنسبة الي كل واحد منهم فغير سديد فان انطباق القاعدة في كل مورد ليس امتنانيا لكل واحد من الأمة بل امتناني بالنسبة

الي من تنطبق عليه القاعدة فهذا الأشكال غير وارد نعم الاستدلال بالقاعدة يشكل من ناحية اخري و هو ان عدم جواز التصرف في مال الغير ضرري و أيضا جواز التصرف في مال الغير ضرري غاية الأمر عدم الجواز ضرري بالنسبة الي المتصرف و الجواز ضرري بالنسبة الي ذلك الغير و حيث انه لا يعقل الجمع بين الأمرين و من ناحية اخري لا وجه لترجيح احد الطرفين علي الاخر تسقط القاعدة بالمعارضة و تصل النوبة الي حرمه التصرف في مال الغير بلا أذنه و رضاه.

هذا بالنسبة الي قاعدة لا ضرر فعلي هذا لو توجه ضرر الي الشخص و أمكن

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 407

دفعه بالأضرار بالغير لا يمكن الأخذ بالقاعدة لجواز الإضرار بالغير و بعد فرض عدم امكان الأخذ بقاعدة لا ضرر هل يمكن الأخذ بقاعدة رفع الاضطرار اذا صدق انه مضطر إليه؟ ربما يقال كما في كلام الشيخ قدس سره أنه خلاف الامتنان علي جنس الأمة و الجواب عن هذه الشبهة قد ظهر مما ذكرنا آنفا فمقتضي اطلاق الحديث انه لا مانع عن الأخذ بها و لو فرض ان الغير أيضا مضطر الي الإضرار الي من فرض اضطراره نلتزم بشمول القاعدة اياه أيضا و لا يتوجه اشكال فان دليل رفع الاضطرار يشمل كليهما فكل من الطرفين له ان يتصرف في مال الأخر لأجل الاضطرار و تشملهما القاعدة فمقتضي الصناعة هو الجواز بمقتضي قاعدة نفي الاضطرار الا ان يقوم اجماع تعبدي علي عدم الجواز.

و اما ما افاده الشيخ قدس سره بأنه لا حرج في عدم التصرف في مال الغير لو لم يكن مكرها عليه فيرد عليه أولا انه يكفي صدق الاضطرار فيؤخذ بدليل

رفعه و ثانيا لا اشكال في تحقق الحرج في بعض الموارد مثلا لو وقع الشخص مورد هجوم عدو او حيوان مفترس و امكنه الالتجاء الي ملك الغير كدخول داره او بقائه ليصون نفسه يكون ترك التصرف حرجيا او لو جاع و لم يجد ما يسد جوعه إلا خبز جاره و امكنه ان يأكله يكون ترك الأكل حرجيا فما افاده من عدم الحرج في الترك ليس تاما فلاحظ هذا كله فيما يتوجه الضرر الي الشخص ابتداءً و امكنه دفعه بالأضرار بالغير.

و اما اذا توجه الضرر الي الغير ابتداءً و امكن للمكلف دفع الضرر عنه فهل يجب الدفع عليه أم لا؟ الظاهر هو الثاني فان الزام الشخص دفع الضرر عن الغير بتوجيهه الي نفسه ضرري نعم لو امكن دفع الضرر عن الغير بلا تحمل ضرر و بلا تحمل حرج فيمكن ان بقال يجب الدفع لان جواز السكوت و عدم الدفع ضرر ينفي بقاعدة نفي الضرر علي مسلك المشهور لا علي مسلكنا فلاحظ لكن دليل نفي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 408

الضرر يشكل شموله للحلية فان الضرر المرفوع الضرر المتوجه من قبل الشارع و اما الحلية فليس فيها الزام من قبل الشارع فلا مجال لرفعها بالضرر.

و اما لو توجه الضرر الي الغير ابتداءً ثم الي المكلف في صورة عدم قيامه بالاضرار بالغير كما لو اكرهه المكره علي نهب مال الغير و الا ينهب ماله فما هي الوظيفة؟ الظاهر ان حديث رفع الاكراه يقتضي جواز نهب مال الغير و الا يراد بأنه خلاف الامتنان قد ظهر الجواب عنه كما ان مقتضي حديث جعل التقية و انها شرعت لحقن الدماء الجواز.

لاحظ ما رواه محمد بن مسلم عن ابي

جعفر عليه السلام قال: انما جعل التقية ليحقن بها الدم فاذا بلغ الدم فليس تقية «1» و ما رواه ابو حمزة الثمالي قال: قال ابو عبد اللّه عليه السلام لم تبق الارض الا و فيها منا عالم يعرف الحق من الباطل و قال انما جعلت التقية ليحقن بها الدم فاذا بلغت التقية الدم فلا تقية 2.

فان المستفاد من هذين الحديثين الشريفين جواز كل فعل الا اراقة الدم و القتل و هذا العرف ببابك لكن الانصاف ان التأمل في الحديث يقتضي ان يقال انما جعلت التقية لاجل حقن الدم فلو كانت النفس في معرض الهلاك تجب التقية و اما اذا بلغت الدم لا يجوز الاقدام بإراقة دم الغير لاجل التقية، و صفوة القول ان الغاية لجعل التقية حفظ نفس المتقي لكن لا يجوز له ان يجعل الغير فداء لنفسه فلا يستفاد من الحديث جواز الاقدام بارتكاب كل محرم لاجل التقية فلاحظ.

نعم لا اشكال في جواز التقية في كل شي ء فانه يستفاد من النصوص الكثيرة الواردة في المقام جوازها و من تلك النصوص ما رواه زرارة عن ابي جعفر عليه السلام قال: التقية في كل ضرورة و صاحبها اعلم بها حين تنزل به «3» فانه يستفاد

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 31 من ابواب الامر و النهي و ما يناسبهما الحديث 1 و 2

(3) الوسائل الباب 25 من أبواب الامر و النهي و ما يناسبهما الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 409

من الحديث جواز التقية في كل ضرورة.

و منها ما رواه هشام و غيره عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عز و جل أُولٰئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمٰا صَبَرُوا؟ قال: بِمٰا

صَبَرُوا علي التقية وَ يَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ قال: الحسنة التقية و السيئة الاذاعة «1».

و منها ما رواه الاعجمي قال: قال لي ابو عبد اللّه عليه السلام يا با عمر ان تسعة اعشار الدين في التقية و لا دين لمن لا تقية له الحديث 2.

و يستفاد المدعي بالاولوية من النصوص الواردة في جواز سب مولي الموحدين تقية فانه لو جاز سبه جاز غيره من المحرمات بالأولوية بل يستفاد المدعي مما ورد في قضية عمار بل يستفاد المدعي أيضا من الكتاب فان المستفاد منه جواز التقية علي الإطلاق و الأظهر من الكل ما رواه زرارة قال: قلت له: في مسح الخفين تقية؟ فقال: ثلاثة لا اتقي فيهن أحدا: شرب المسكر و مسح الخفين و متعة الحج قال زرارة: و لم يقل الواجب عليكم أن لا تتقوا فيهن أحدا. «3» فان المستفاد من الحديث بوضوح جواز التقية في كل شي ء.

و لاحظ ما رواه الأعجمي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث انه قال: لا دين لمن لا تقية له، و التقية في كل شي ء الا في النبيذ و المسح علي الخفين «4».

فان المستفاد من الحديث ان التقية جائزة في كل شي ء الا في الأمور المذكورة لكن هذه الرواية ضعيفة سندا فان الأعجمي لم يوثق و علي الجملة لا مجال لأن يقال يستفاد من حديثي ابن مسلم و الثمالي بمقتضي الحصر المستفاد من كلمة «انما» ان التقية لأجل حقن الدم فقط و بعبارة واضحة: التقية منحصرة في مورد حفظ اراقة

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 24 من ابواب الامر و النهي و ما يناسبهما الحديث 1 و 2

(3) الوسائل الباب 25 من أبواب الامر و النهي و ما

يناسبهما الحديث 5

(4) نفس المصدر الحديث 3

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 410

الدم فنقيد النصوص الدالة علي الجواز فلا تجوز التقية الا في هذا المورد فانه كيف يمكن الالتزام به و الحال ان المستفاد من حديث الأعجمي انه لا تقية في الأمور الثلاثة و هل يمكن الالتزام بوجوب عدم التقية في الأمور المذكورة و لو مع انتهاء الأمر الي قتل النفس؟ و أيضا كيف يمكن الالتزام بأن الامام عليه السلام لا يتقي في الأمور المذكورة و يسلم نفسه و يعرضها للقتل فيفهم ان التقية مشروعة لكل ضرورة اضف الي ذلك ما ورد من جواز اليمين كاذبا لحفظ مال نفسه او مال اخيه لاحظ ما رواه اسماعيل ابن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا عليه السلام في حديث قال: سألته عن رجل احلفه السلطان بالطلاق أو غير ذلك فحلف قال:

لا جناح عليه و عن رجل يخاف علي ماله من السلطان فيحلف لينجو به منه قال:

لا جناح عليه، و سألته هل يحلف الرجل علي مال أخيه كما يحلف علي ماله؟

قال نعم «1».

و مرسلة يونس عن أحدهما عليهما السلام في رجل حلف تقية فقال: ان خفت علي مالك و دمك فاحلف ترده بيمينك فان لم تر أن ذلك يرد شينا فلا تحلف لهم 2

الي غيرهما من النصوص الواردة في الباب المشار إليه.

و يضاف الي ذلك كله ان انحصار جواز التقية بخصوص حفظ النفس مقطوع الفساد و لقائل أن يقول يقع التعارض بين هذه الطائفة و تلك الطائفة فان مقتضي هذه الطائفة مشروعية التقية علي الإطلاق و مقتضي تلك الطائفة اختصاص التقية بمورد خاص فما الحيلة؟ اقول حيث ان الحديثين كليهما مرويان عن الباقرين فلا يشخص الأحدث

كي يرجح فيتساقطان بالتعارض فتصل النوبة الي الأخذ بمطلقات التقية.

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 12 من ابواب الايمان الحديث 1 و 3

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 411

و لكن هذا الجواب غير تام لأن مطلقات التقية بنفسها طرف للمعارضة و يمكن أن يقال أن انحصار التقية بمورد حقن الدم مقطوع الخلاف فلا يكون مفهوم الحصر حجة فالمرجع عمومات و مطلقات التقية بالإضافة الي ما ورد من الجواز في موارد عديدة من جواز سب المولي و حكاية عمار المذكورة في القرآن فلا اشكال في المسألة فاغتنم.

[الثاني أن الإكراه يتحقق بالتوعد]
اشارة

«قوله قدس سره: الثاني ان الاكراه يتحقق بالتوعد … »

الكلام في المقام يقع في جهات

الجهة الأولي في تفسير الاكراه

و الظاهر ان الاكراه بماله من المفهوم لا يتحقق الا مع كون المتوعد به مكروها للمكره بالفتح و ضررا بالنسبة إليه بحيث يصدق انه يخاف من وقوعه كما لو أوعده الجائر علي نهب ماله أو ضربه أو شتمه أو هتكه أو غير ما ذكر مما يضر بالمكره بالفتح و لا يشترط فيه أن يكون المتوعد به فعلا محرما بل يمكن أن يكون مباحا كما لو أوعد الزوج زوجته بطلاقها مثلا بل يمكن ان يكون أمرا مستحبا كما لو أو عده بمفارقته و الهجرة الي الأعتاب المقدسة و عدم رجوعه عنها و هل يتحقق بالتوعد بفعل الواجب فيما يكون مضرا بالمكره بالفتح؟

الظاهر انه يصدق و الجامع بين الأفراد ما يكون مضرا به و مكروها بحيث يصدق انه يخاف من وقوعه و الظاهر انه لا يشترط في صدق عنوان الإكراه وقوع الضرر ممن يكون راجعا إليه بل المقوم لصدق العنوان خوف الوقوع و التألم منه و ان كان مورده اجنبيا عنه كما لو كان مورده مؤمنا بل و لو كان كافرا بل و لو كان حيوانا و أما اذا لم يتألم من وقوعه و لا يخاف من تحققه فلا يصدق عنوان الإكراه مثلا لو كان الشخص لا يتأثر من الفضيحة فأوعده الجائر بهلاكته و سبه و شتمه و اهانته لا يصدق

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 412

الاكراه لأنه لا يخاف كما هو المفروض.

و هل يشترط في صدق الإكراه ان يكون المكره عليه مكروها و مبغوضا للمكره بالفتح أم لا يشترط فيه ذلك؟ الظاهر هو الثاني فان الميزان في صدقه أن

يكون ارتكابه لأجل الخوف من وقوع ما توعد به به و لذا لو كان المكلف مشتاقا الي بعض المحرمات الإلهية و لكن لا يرتكبه خوفا من اللّه تعالي لكن الجائر اكرهه علي ارتكابه يصدق انه مكره عليه فالميزان في صدق العنوان ان المكلف لا يرتكبه من قبل نفسه و بإرادته و لو من باب كونه منهيا عنه شرعا.

الجهة الثانية: ان دفع الضرر عن المؤمنين بنفسه هل يكون موجبا لجواز الولاية عن الجائر أم لا؟

و قد تقدم تحقيق هذه الجهة قريبا و قلنا الأدلة غير وافية باثبات المدعي فلا بد من العمل علي طبق القواعد الأولية نعم علي تقدير تمامية سند ما رواه ابن ادريس يمكن القول بجواز قبول الولاية لإعانة المؤمنين لاحظ ما رواه محمد بن ادريس في آخر السرائر نقلا عن كتاب مسائل الرجال عن أبي الحسن علي بن محمد عليهما السلام ان محمد بن علي بن عيسي كتب إليه يسأله عن العمل لبني العباس و أخذ ما يتمكن من أموالهم هل فيه رخصة؟

فقال: ما كان المدخل فيه بالجبر و القهر فاللّه قابل العذر، و ما خلا ذلك فمكروه و لا محاله قليله خير من كثيره و ما يكفر به ما يلزمه فيه من يرزقه يسبب و علي يديه ما يسرك فينا و في موالينا قال: فكتبت إليه في جواب ذلك اعلمه ان مذهبي في الدخول في أمرهم وجود السبيل الي ادخال المكروه علي عدوه و انبساط اليد في التشفي منهم بشي ء اتقرب به إليهم فاجاب من فعل ذلك فليس مدخله في العمل حراما بل أجرا و ثوابا «1».

______________________________

(1) الوسائل الباب 45 من أبواب ما يكتسب به الحديث 9

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 413

و الرواية التي ذكرها الشيخ الطبرسي عن امير المؤمنين عليه السلام في في

احتجاجه علي بعض اليونان قال: و آمرك أن تصون دينك و علمنا الذي أودعناك فلا تبد علومنا لمن يقابلها بالعناد و لا تفش سرنا الي من يشنع علينا و آمرك ان تستعمل التقية في دينك الي أن قال و ان اظهارك براءتك منا عند تقيتك لا يقدح فينا و لا ينقصنا و لئن تبرأ منا ساعة بلسانك و أنت موال لنا بجنانك لتبقي علي نفسك روحها التي بها قوامها و مالها الذي به قيامها و جاهها الذي به تمسكها و تصون من عرف بذلك اولياءنا و اخواننا فان ذلك أفضل من أن تتعرض للهلاك و تنقطع به عن عمل في الدين و صلاح اخوانك المؤمنين «1»، كبقية الروايات التي يمكن الاستدلال بها علي المدعي ضعيفة نعم مقتضي وجوب حفظ نفس المؤمن وجوب التصدي لحفظها من الهلاك و عند المزاحمة لا بدّ من ترجيح الأهم ملاكا و لذا لو دار الأمر بين حفظ المعصوم و حفظ فرد سوقي لا اشكال في وجوب تقديم حفظ المعصوم و لعل امره بالتأمل اشارة الي ما ذكر و صفوة القول انه مع الإكراه يصير كل محرم حلالا و أما مع عدم الإكراه فيجب حفظ نفس المؤمن و أما حفظ العرض أو المال فاثبات وجوبه مشكل.

الجهة الثالثة: انه مع جواز الإتلاف هل يتحقق الضمان أم لا؟

الحق هو التفصيل بأن يقال ان كان المدرك للجواز حديث رفع الإكراه فمقتضي القاعدة عدم الضمان فان مقتضي اطلاق قوله عليه السلام رفع ما استكرهوا عليه عدم الضمان و بعبارة اخري: الإكراه يقتضي رفع الحكم بلا فرق بين التكليفي و الوضعي و أما ان كان المدرك وجوب الإتلاف لأجل حفظ ما هو الأهم فمقتضي القاعدة ثبوت الضمان اذ لا تنافي بين الوجوب التكليفي و ثبوت

الضمان أو فقل:

______________________________

(1) الوسائل الباب 29 من أبواب الامر و النهي و ما يناسبهما الحديث 11

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 414

لا تنافي بين رفع الحرمة التكليفية و بقاء الحكم الوضعي اي يجوز التصرف بل يجب لكن مع الضمان فلاحظ.

الجهة الرابعة: انه لو اكره الجائر شخصا علي معصية و علي تقدير الترك لا يتوجه ضرر الي المكره

بالفتح بل يكره الظالم شخصا آخر علي المعصية كما لو اكره الجائر شخصا علي شرب الخمر و أوعده بأنه لو لم يشرب يكره غيره علي شربه أو علي عصيان آخر ففي هذه الصورة لا وجه للجواز بالنسبة الي من اوعد أو لا اذ لا يصدق الإكراه بالنسبة إليه الا في صورة وجوب المنع عن عصيان الأخر ففي هذه الصورة يقع المقام في بحث التزاحم و يلزم اعمال قواعد ذلك الباب و في المقام عنوانان الاكراه و دفع الضرر و يترتب علي كل واحد من العنوانين فروع لا بدّ من رعاية الموازين و استخراجها عنها فلاحظ.

[الثالث انه قد ذكر بعض مشايخنا المعاصرين]

«قوله قدس سره: الثالث انه قد ذكر بعض مشايخنا المعاصرين … »

لا اشكال في اعتبار عدم امكان التفصي عن ارتكاب الحرام في صدق الإكراه و ببيان واضح: لا اشكال في عدم صدق الإكراه مع امكان الفرار بلا ضرر و لا حرج مثلا لو اكرهه الجائر علي شرب الخمر و أمكن للمكره بالفتح أن يشرب الماء بدل الخمر بلا توجه محذور لا يجوز أن يشرب الخمر و لا فرق فيما ذكرنا بين موارد الإكراه فان حكم الأمثال واحد و الميزان فارد فان الأحكام المترتبة علي الإكراه تتوقف علي تحققه و لا يتحقق الا مع عدم امكان التفصي.

[الرابع ان قبول الولاية مع الضرر المالي]

«قوله قدس سره: الرابع ان قبول الولاية مع الضرر المالي … »

الميزان في الجواز و عدمه صدق الإكراه او عنوان التقية أو الحرج أو الضرورة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 415

فان المستفاد من الأدلة ان تحقق احد هذه العناوين يوجب رفع الأحكام المترتبة علي مواردها بلا فرق بين المحرمات نعم قد استفيد من النص الخاص استثناء اراقة الدم و يتعرض الشيخ له عن قريب و لا فرق في الضرر المالي بين اليسير منه و الكثير و انما اللازم عنوان الإكراه أو عروض عنوان آخر من العناوين و العجب من سيدنا الأستاد حيث افاد علي ما في التقرير ان ادلة الإكراه لا تشمل المقام و لم نفهم انه بأي وجه لا تشمل و علي الجملة مقتضي رفع الإكراه جواز ارتكاب كل محرم الا القتل نعم ربما يدور الأمر بين ارتكاب الجامع بين الحلال و الحرام او يدور الأمر بين ارتكاب الأشد و الا ضعف فلا بد من رعاية المورد مثلا لو اكرهه الجائر علي شرب الخمر و الا

يكرهه علي الجلوس ساعة في المكان الفلاني الذي لا يضربه، لا اشكال في عدم جواز شرب الخمر و يجب أن يختار الجلوس و أيضا لو اكرهه علي النظر الي الأجنبية و الا يكرهه علي اللواط يجب أن يختار النظر الي الأجنبية الي غير ذلك من الموارد.

[الخامس: لا يباح بالاكراه قتل المؤمن]
اشارة

«قوله الخامس: لا يباح بالاكراه قتل المؤمن … »

في هذا الأمر فروع:

الفرع الأول: انه هل تجوز اراقة دم المؤمن بالإكراه عليها أم لا؟

تارة يبحث فيها من حيث القاعدة الأولية و اخري يبحث من حيث النص الخاص أما من حيث القاعدة فمقتضي اطلاق حديث الرفع هو الجواز كما صرح به الشيخ قدس سره و أما من حيث النص الخاص فلا يجوز لاحظ ما رواه محمد بن مسلم «1» و ما رواه أبو حمزة الثمالي 2.

و أفاد سيدنا الأستاد بأن المقام يدخل في باب التزاحم قال: و لو اكرهه علي القتل فان كان ما يوعد به دون القتل فلا ريب في عدم جواز القتل و أما اذا كان

______________________________

(1) (1 و 2) لاحظ ص: 408

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 416

القتل كما لو قال اقتل فلانا و الا قتلتك يجوز القتل للتخيير فان اراقة الدم محرمة كما ان قتل النفس حرام و لا وجه لترجيح احد الطرفين علي الاخر «1».

و يرد عليه انه يجوز قتل الغير مع الإكراه للإطلاق كما مر هذا مع قطع النظر عن النص و أما بلحاظ النص فلا يجوز و لو انجر الأمر الي هلاك نفسه لإطلاق دليل المنع و علي الجملة لا تصل النوبة الي ملاحظة قواعد باب التزاحم و صفوة القول انه لا يجوز قتل المؤمن بالإكراه و التقية و مقتضي اطلاق دليل المتع عدم الفرق بين افراد المؤمن من حيث العلم و الجهل و الصغر و الكبر الي غير ذلك من الجهات.

ان قلت لا بدّ من الفرق بين مورد الإكراه و التقية فان مقتضي النص عدم الجواز عند التقية و أما مع الإكراه فيجوز علي طبق القاعدة لإطلاق دليل رفع الإكراه فلا بد من التفصيل قلت: أولا التقية مفهوم

عام يشمل جميع موارد اذن الشارع في الوقاية فلا يختص الحكم بالتقية عن العامة فتأمل و ثانيا انه يفهم عرفا من النص الخاص في المقام انه لا تجوز اراقة الدم بلا فرق بين الموارد فلاحظ.

الفرع الثاني: انه هل يفرق في الحكم بعدم الجواز بين الموارد

بأن يقال انه تارة يكون فرد مهدور الدم بالنسبة الي كل واحد من المكلفين و يجوز قتله لكل احد و اخري يكون مهدور الدم بشرط صدور الاذن من الحاكم الشرعي و ثالثة يكون مهدور الدم لطائفة خاصة دون غيرهم أما القسم الأول فلا اشكال في جواز قتله و لو مع عدم عروض التقية فكيف بصورة تحقق التقية و أما القسم الثاني فالظاهر عدم الجواز الا مع الأذن من الحاكم فان مقتضي اطلاق دليل الحرمة عدم الجواز الا في الصورة الخاصة و أما القسم الثالث فعدم الجواز فيه اظهر و اوضح اذا لمفروض انه مهدور الدم لطائفة خاصة.

الفرع الثالث: هل تجوز اراقة دم المخالف بالتقية أم لا؟

لا يبعد ان يقال

______________________________

(1) مباني تكلمة المنهاج ج ج 2 ص: 13

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 417

ان المستفاد من النص ان جعل التقية لأجل حفظ اراقة دم المؤمن فانه الظاهر من النص بحسب الفهم العرفي فلا يشمل المخالف و من ناحية اخري ان مقتضي القاعدة الأولية جواز كل محرم عند التقية و الاضطرار و الإكراه.

و لكن الانصاف ان الجزم بهذه المقالة مشكل فان التقية مفهوم عام و الحكم مجعول بالنسبة الي كل أحد بلا فرق بين المؤمن و المخالف.

و العجب من سيدنا الأستاد انه كيف جوز قتل المخالف بالتقية و الحال ان الجواز خلاف الامتنان بالنسبة الي المقتول الا أن يقال ان الحكم المذكور لا دليل علي كونه امتنانيا و لكن سيدنا الأستاد يصرح بكون حكم التقية امتنانيا فلاحظ و مما ذكرنا في المخالف يظهر الحكم بالنسبة الي الذمي الذي يكون محقون الدم.

الفرع الرابع: انه هل المراد بالدم خصوص القتل او الأعم منه و من قطع الأعضاء و الجرح

الظاهر بحسب الفهم العرفي هو الأول فيجوز القطع او الجرح بعروض التقية و الإكراه لعموم الجواز و اختصاص دليل المنع بالقتل.

[المسألة السابعة و العشرون هجاء المؤمن حرام بالأدلة الأربعة]
اشارة

«قوله قدس سره: السابعة و العشرون هجاء المؤمن حرام بالأدلّة الاربعة … »

يقع الكلام في هذه المسألة أولا في تحقيق معني الهجاء و ثانيا في حكمه فيقع البحث في مقامين أما

المقام الأول [في تحقيق معني الهجاء]

فقال في مجمع البحرين «الهجاء خلاف المدح و هجي القوم ذكر معايبهم الخ» و الذي يتبادر من اللفظ عند العرف ذم الغير و الوقيعة فيه و تنقيصه بذكر معايبه و احتمال اختصاص الهجو بما يكون بالشعر مردود بصحة الحمل و لو لم يكن بالشعر مضافا الي أن الظاهر ان مقتضي دليل الحرمة عدم الفرق بين أن يكون بالشعر و ما لا يكون كذلك ان قلت: ما الفرق

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 418

بين السب و الهجاء؟ قلت: السب قد فسر في مجمع البحرين بالشتم و فسر الشتم فيه بالوصف الموجب للنقص و الأزراء فيمكن أن يقال ان السب اعم من الهجو فان الهجو قد فسر بذكر العيب و ان قلنا ان الهجو ينحصر بما يكون بالشعر فكونه اخص من السب اظهر.

و يظهر من سيدنا الأستاد ان الهجو عبارة عن السب حيث قال علي ما في التقرير: «الهجو في اللغة عد معايب الشخص و الوقيعة فيه و شتمه» و من ناحية اخري السب فسر بالشتم و الإنصاف ان مقتضي التبادر ان الشتم و السب لا ينطبقان علي الهجو و ان شئت قلت: ان المتبادر من السب و الشتم الإذلال و التحقير و التقريع لا الذم المقابل للمدح.

و أما

المقام الثاني [في حكمه]

فقد أفاد الشيخ قدس سره انه يحرم بالأدلة الأربعة فنقول:

أما العقل فقد مر كرارا انه لا مجال لاستفادة الحكم الشرعي منه و أما الإجماع فعلي تقدير تحققه و تحصيله لا يكون تعبديا كاشفا لأحتمال استناد المجمعين الي الوجوه المذكورة في المقام و أما الكتاب فنقول، تارة يكون الهجو بالجملة الإنشائية و اخري بالجملة الخبرية أما علي الأول فيدل علي حرمته قوله تعالي وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ

«1» و اما علي الثاني فأيضا يدل علي حرمته قوله تعالي الدال علي حرمة الهمز و اللمز مضافا الي أنه يدل علي حرمته ما يدل علي حرمة الغيبة من الكتاب فانه يصدق عليه عنوان الغيبة في هذه الصورة مع اجتماع شرائط صدق العنوان المذكور.

و أما السنة فيدل علي حرمته ما يدل علي حرمة اهانة المؤمن منها ما رواه ابان بن تغلب عن ابي جعفر عليه السلام قال: لما اسري بالنبي صلي اللّه عليه و آله

______________________________

(1) الهمزة/ 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 419

قال يا رب ما حال المؤمن عندك؟ قال يا محمد من اهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة و انا اسرع شي ء الي نصرة اوليائي «1».

و منها ما رواه ابراهيم بن عمر اليماني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ما من مؤمن يخذل أخاه و هو يقدر علي نصرته الا خذله اللّه في الدنيا و الآخرة «2».

و منها مرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: من استذل مؤمنا و احتقره لقلة ذات يده و لفقره شهره اللّه يوم القيامة علي رءوس الخلائق «3».

و منها ما رواه معلي بن خنيس عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال اللّه عز و جل اني لحرب لمن استذل عبدي المؤمن و اني اسرع الي نصرة اوليائي «4».

و منها ما رواه ابو هارون عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال لنفر عنده و انا حاضر: ما لكم تستخفون بنا قال: فقام إليه رجل من خراسان فقال معاذ لوجه اللّه أن نستخف بك أو بشي ء من امرك فقال بلي انك احد من استخف

بي فقال معاذ لوجه اللّه ان استخف بك فقال له: ويحك أ لم تسمع فلانا و نحن بقرب الجحفة و هو يقول لك: احملني قدر ميل فقد و اللّه عييت، و اللّه ما رفعت به رأسا لقد استخففت به و من استخف بمؤمن فبنا استخف، و ضيع حرمة اللّه عز و جل «5». و منها غيرها مما ورد في الابواب المشار إليها.

و علي الجملة لا اشكال في حرمة الهجو لحرمة اهانة المؤمن و اذلاله فان انطبق عليه عنوان آخر من الغيبة أو البهتان أو النميمة أو غيرها من العناوين المحرمة

______________________________

(1) الوسائل الباب 146 من ابواب أحكام العشرة الحديث 1

(2) نفس المصدر الحديث 9

(3) الوسائل الباب 147 من ابواب احكام العشرة الحديث 4

(4) نفس المصدر الحديث 8

(5) الوسائل الباب 148 من ابواب أحكام العشرة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 420

تصير حرمته اشد كما هو ظاهر.

ثم انه لا فرق في الحرمة بين كون المهجو عادلا و كونه فاسقا و الخبر الذي اشار إليه الشيخ قدس سره علي فرض وجوده و تماميته سندا لا بدّ من حمله علي وجه لا ينافي ما ذكر فانه لا شبهة في عدم جواز اهانة الفاسق بما هو كذلك و الا كانت غيبة عامة الفساق بذكر معاصيهم جائزة و هو كما تري نعم يجوز هجو المخالف فانه لا حرمة له و قد دلت جملة من النصوص علي كونه كافرا، و قد تقدم الاشارة الي ذلك.

ثم انه هل يجوز بهت المخالف أم لا؟ مقتضي جملة من النصوص جواز بهت المبدع لاحظ ما رواه ابن سرحان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله اذا رأيتم

أهل الريب و البدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم و أكثروا من سبهم و القول فيهم و الوقيعة و باهتوهم كيلا يطمعوا في الفساد في الإسلام و يحذرهم الناس و لا يتعلمون من بدعهم يكتب اللّه لكم بذلك الحسنات و يرفع لكم به الدرجات في الآخرة «1».

و مقتضي الإطلاق جوازه حتي لو كان علي نحو الأخبار ان قلت: النسبة بين الكذب و البهتان عموم من وجه و يجتمعان في البهتان اذا كان علي نحو الأخبار فيقع التعارض بين دليلي حرمة الكذب و جواز البهتان المذكور قلت: لا يبعد أن لا يري العرف تعارضا بين الدليلين فان بهتان المبدع عنوان ثانوي و العناوين الثانوية تقدم علي العناوين الأولية عرفا فلاحظ.

و أما حديث أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال قلت: ان بعض أصحابنا يفترون و يقذفون من خالفهم فقال لي: الكف عنهم أجمل، ثم قال: و اللّه

______________________________

(1) الوسائل الباب 39 من أبواب الامر و النهي و ما يناسبهما الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 421

يا أبا حمزة ان الناس كلهم اولاد بغايا ما خلا شيعتنا، قلت: كيف لي بالمخرج من هذا، فقال لي: يا أبا حمزة كتاب اللّه المنزل يدل عليه أن اللّه تبارك و تعالي جعل لنا اهل البيت سهاما ثلاثة في جميع الفي ء ثم قال عز و جل: و اعلموا أنما غنمتم من شي ء فان للّه خمسه و للرسول و لذي القربي و اليتامي و المساكين و ابن السبيل فتحن أصحاب الخمس و الفي ء و قد حرمناه علي جميع الناس ما خلا شيعتنا و اللّه يا أبا حمزة ما من أرض تفتح و لا خمس يخمس فيضرب علي شي ء منه

الا كان حراما علي من يصيبه فرجا كان أو مالا الخ «1» فهو ضعيف سندا.

[المسألة الثامنة و العشرون الهجر و هو الفحش من القول و ما استقبح التصريح به منه]

«قوله قدس سره: الثامنة و العشرون الهجر و هو الفحش من القول و ما استقبح التصريح به منه … »

يظهر من اللغة ان الفحش عبارة عن ذكر ما يكون ذكره قبيحا و قد عقد صاحب الوسائل قدس سره بابا «2» تحت عنوان تحريم الفحش و لا مجال لإثبات حرمة الفحش بالنصوص الواردة في الباب المذكور فان اكثرها ضعيف سندا فلا تصل النوبة الي ملاحظة دلالته و أما ما كان معتبرا سندا فلا يدل علي المدعي فان الحديث الأول من الباب لا يدل علي الحرمة بل يدل علي أن الفحاش علامة شرك الشيطان مضافا الي أن المذكور في الرواية عنوان الفحاش بصيغة المبالغة و أما الخبر الخامس من الباب فيدل علي ان الفحش مذموم و أما الخبر الثامن من الباب فيدل علي كون بعض اقسام الفاحش من اشر الناس و لا يكون الخاص دليلا علي العام نعم لا يبعد أن يستفاد من حديث أبي عبيدة عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: الحياء من الأيمان،

______________________________

(1) الروضة من الكافي الحديث 431 ص 285

(2) الباب 71 من الوسائل من أبواب جهاد النفس

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 422

و الأيمان في الجنة و البذاء من الجفاء و الجفاء في النار «1»، حرمة الفحش فانه قد فسر بالبذاء و قد صرح في الرواية بأن البذاء من الجفاء و الجفاء في النار و لكن هل يمكن الالتزام بحرمة مطلق ذكر ما يكون ذكره قبيحا؟

«قوله قدس سره: هذا آخر ما تيسر تحريره من المكاسب المحرمة … »

اي يكون مذكورا في النوع الرابع و هو ما

يكون متعلق الاكتساب عملا محرما شرعا كالقمار و الكذب و غيرهما من المذكورات في النوع الرابع من كلامه.

[الخامس مما يحرم التكسب به ما يجب علي الإنسان فعله عينا أو كفاية تعبدا أو توصلا]
[أخذ الأجرة علي الواجب]
اشارة

«قوله قدس سره: الخامس مما يحرم التكسب به ما يجب علي الانسان فعله عينا أو كفاية تعبدا أو توصلا … »

يظهر من كلام الماتن ان محل البحث الواجب الذي يعود نفعه الي المستأجر كالواجب الكفائي فانه لو أتي به واحد من آحاد المكلفين يسقط عن الآخرين و أما الواجب الذي لا ينتفع به المستأجر فلا كلام فيه و لا اشكال في بطلان الإجارة علي ذلك الواجب فمثل صلاة الظهر الواجبة علي احد لا تجوز الإجارة عليها لعدم انتفاع أحد بفعل الواجب علي الأخر.

و قال سيدنا الاستاد «2» في هذا المقام ما مضمون كلامه ان الكلام في هذا البحث ان الوجوب و العبادية هل ينافيان صحة الإجارة أم لا؟ بعد قطع النظر عن الجهات الأخر المعتبرة في باب الإجارة.

______________________________

(1) الوسائل الباب 72 من أبواب جهاد النفس الحديث 5

(2) مصباح ج 1 ص 461

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 423

اذا عرفت ما تقدم فاعلم ان الأنسب أن نلاحظ جميع الوجوه الممكنة لأن تكون وجها و مستندا للمنع كي نري صحة تلك الوجوه المذكورة في مقام الاستدلال علي المدعي و عدمها و علي فرض تمامية الاستدلال نري مقدار قيامه و وفائه في مقام الاستدلال فنقول ما يمكن أن يذكر في المقام او ذكر وجوه:

الوجه الأول ان تعلق الوجوب بفعل يستلزم الإتيان به مجانا و بلا عوض

و عليه لا تجوز الإجارة عليه. و يرد عليه ان الدعوي المذكورة بلا دليل فانه اي منافاة بين كون الشي ء واجبا و بين وقوع الإجارة عليه حتي في الواجب العيني التعبدي كالصلوات اليومية فانه اي منافاة بين الأمرين الا أن يقوم دليل معتبر علي المدعي ففي كل مورد ثبت المنع بالدليل المعتبر نلتزم به و الا فلا.

الوجه الثاني: الإجماع

. و فيه ان الإجماع المنقول لا يكون حجة و أما المحصل منه فعلي فرض حصوله فهو محتمل المدرك و بعبارة اخري: كيف يمكن تحصيل اجماع تعبدي كاشف عن رأي المعصوم عليه السلام مع وجود الوجوه المذكورة في المقام فهذا الوجه كسابقه في عدم الاعتبار.

الوجه الثالث: ان المنفعة في الإجارة لا بدّ من رجوعها الي المستأجر

و بعبارة اخري: مقتضي الإجارة التبادل في المنفعة و مال الإجارة اي تدخل المنفعة في المكان الذي كان مكانا لمال الإجارة و عليه تكون الإجارة علي الأفعال الواجبة باطلة لعدم تحقق الشرط المذكور فيها. و فيه ان مقتضي الاجارة في اجارة الافعال صيرورة الفعل الذي يكون مورد الإجارة ملكا للمستأجر و أما اشتراط المذكور في تقريب الاستدلال فلا دليل عليه.

الوجه الرابع: ان المنفعة اذا لم تكن راجعة الي المستأجر كما في اجارة الغير علي واجبه تكون الإجارة سفهية فتكون باطلة

. و فيه: أولا انه يمكن أن تكون في الإجارة المذكورة جهة عقلائية و بعبارة اخري: يمكن أن يكون الداعي للإجارة في نظر المستأجر غرض عقلائي بل يمكن أن ينتفع المستأجر بهذه الإجارة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 424

نفعا اعتباريا او ماديا فان أولاده و أحفاده اذا كانوا مقيدين بالصلاة و الصوم يعظم ابو هم في الأنظار فلا تكون المعاملة سفهائية و ثانيا ان الدليل قائم علي بطلان معاملة السفيه لا علي بطلان المعاملة السفهائية و كم فرق بين المقامين.

الوجه الخامس: ان مقتضي قوله تعالي لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ

«1» عدم جواز أكل المال في مقابل الباطل فلو لم ترجع المنفعة الي المستأجر يكون الأكل أكلا بالباطل. و فيه أولا ان الجار الواقع في الآية الشريفة للسببية لا للمقابلة و ثانيا ربما ينتفع المستأجر بالإجارة المذكورة.

الوجه السادس: ان الفعل الواجب علي المكلف مملوك للّه تعالي و المملوك لا تصح اجارته

. و فيه انه ما المراد من الملك فان المملوكية الحقيقية و الملكية الواقعية التي يعبر عنها بالإضافة الإشراقية، موجودة في جميع الأفعال و الأمور و لا تختص بمورد دون آخر و ان كان المراد الملكية الاعتبارية فلا دليل علي كون الفعل الواجب مملوكا له تعالي بالملك الاعتباري.

الوجه السابع: ان تعلق الوجوب بفعل يقتضي سلب قدرة المكلف

و يشترط في صحة الإجارة كون الأجير قادرا علي الفعل الذي يكون مورد الإجارة. و يرد عليه أولا النقض بصحة اشتراط الواجب علي المكلف كما لو شرط علي المشتري في ضمن عقد البيع أن يصلي صلاته فانه لا اشكال في جواز الاشتراط المذكور و الحال ان القدرة علي المشروط معتبرة في الشرط و ثانيا نجيب بالحل و هو ان المانع عن الصحة تعلق الحرمة فان الفعل اذا كان محرما يمكن أن يقال كما يقولون بعدم صحة وقوع الإجارة عليه لعدم امكان الوفاء بعقد الإجارة شرعا و أما وجوب الفعل فلا يكون مانعا عن الصحة و صفوة القول: ان المعتبر في الإجارة الواقعة علي الفعل أن يكون الفعل الذي يكون مورد الإجارة مقدورا للأجير و من الظاهر

______________________________

(1) النساء/ 29

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 425

ان الوجوب لا يوجب سلب قدرة المكلف كما هو ظاهر.

الوجه الثامن: ان الوجوب يوجب سقوط مالية فعل الأجير

و لذا يجوز بل يجب اجباره علي العمل الواجب و مع عدم المالية لا تصح الإجارة. و فيه أولا انه لا دليل علي اشتراط الإجارة بكون العمل الذي يكون مورد الإجارة ذا مالية اذ غاية ما يترتب علي عدم المالية أن تكون المعاملة سفهية و قد تقدم انه لا دليل علي اشتراط الإجارة بكونها عقلائية و ثانيا ان جواز الاجبار لا يقتضي عدم مالية الفعل اذ الوجوب الشرعي يقتضي اجباره شرعا من باب الأمر بالمعروف و جواز الإجارة يقتضي اجباره علي الفعل من باب احقاق الحق و أخذ ما هو المطلوب في عهدته و لا تنافي بين الأمرين فلاحظ.

الوجه التاسع: ان العبادة متقومة بقصد القربة و عقد الإجارة يوجب انقلاب قصد القربة

اذ الأجير يقصد بفعله أخذ الأجرة فتكون العبادة فاسدة لعدم الإتيان بها بقصد القربة. و فيه انه لا منافاة بين الأمرين فان الأجير يتملك الأجرة بنفس الإجارة و لا يتوقف التملك علي العمل الخارجي و أما تسلم الأجرة فيمكن للأجير في بعض الموارد بلا تحقق العمل خارجا كما لو اشتراط علي المستأجر تسليم الأجرة قبل العمل كما انه يمكنه دائما بالفعل الخالي عن قصد القربة لأن المستأجر لا يحيط بما في نفس الأجير من القصد و أما حق المطالبة شرعا فهو متفرع علي الإتيان بالعمل قربة الي اللّه فلا تنافي بين الأمرين.

ان قلت: ان العبادة في جميع حلقاتها لا بدّ أن تنتهي الي اللّه فالداعي غير القربي يوجب فساد العبادة. قلت: انه ليس الأمر كذلك و كون الفعل لأجل اللّه في جميع حلقاته و مراتبه منحصر في عدة من الخواص و هم النبي صلي اللّه عليه و آله و اهل بيته عليهم صلوات اللّه و أما في غيرهم فلا فان الداعي للعبادة في العبادات اما الاحتراز

عن العقاب و اما جلب الثواب و اما دفع الإضرار الدنيوية

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 426

و اما جلب المنافع المادية و هذا امر واضح لدي الكل.

ان قلت: ان دليل صحة الإجارة الامر بالوفاء الوارد في قوله تعالي أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «1» و الوفاء عبارة عن الإتمام فالوفاء انما يحصل باتيان الفعل و العمل بقصد الانتهاء و الإتمام و الوفاء و من ناحية اخري لا بدّ في العبادة أن يؤتي بها بقصد القربة فالقصدان متنافيان و مع فرض التنافي لا يبقي دليل لصحة الإجارة و هو المدعي قلت: أولا ان دليل وجوب الوفاء لا يكون دليلا للصحة بل هو دليل اللزوم لأن الوفاء كما ذكر في الاستدلال عبارة عن الإتمام و اتمام العقد عدم فسخه و الفسخ لا يكون حراما تكليفا بلا كلام فيكون حراما وضعا فيكون مرجع وجوب الوفاء بالعقد كونه لازما و من الظاهر ان اللزوم مترتب علي الصحة فلا بد من اثبات صحة العقد بدليل آخر غير وجوب الوفاء. و ثانيا ان مقتضي الوفاء و الإتمام الإتيان بمورد العقد باي وجه كان نعم لو كان مقتضي الوفاء الإتيان بالعمل بهذا الداعي ليس الا لكان الاستدلال تاما لكن لا دليل علي هذا المدعي بل الدليل علي خلافه.

ان قلت ان الأمر العبادي المتعلق بالعمل عبادي و قربي علي الفرض و الأمر الإجاري توصلي و لا يعقل أن يكون الواجب الواحد واجبا تعبديا و توصليا لأوله الي اجتماع الضدين قلت: الأمر الإجاري الناشي عن وجوب تسليم مورد الإجارة تابع لمتعلقه في التعبدية و التوصلية و يدل علي المدعي صحة تعلق النذر و العهد و اليمين و الشرط و امثالها الي الأمور العبادية و الحال

ان هذه الأوامر كلها توصلية و الحل ما ذكرنا فان التقريب المذكور جار في جميع هذه الموارد فلاحظ.

«قوله قدس سره: كأن دليله الاجماع … »

قد ظهر بما ذكرنا انه لا مجال لإتمام الكلام بالإجماع.

______________________________

(1) المائدة/ 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 427

«قوله قدس سره: فمثل فعل الشخص صلاة الظهر عن نفسه … »

الظاهر انه لا دليل علي البطلان حتي في مثل اجارة المكلف نفسه لفعل صلاة الظهر عن نفسه فانه اي دليل يكون مانعا عن صحة الإجارة.

«قوله قدس سره: فهذا المعني ينافي وجوب اتيان العبادة … »

الحق انه لا تنافي بين الأمرين فان المستأجر يستحق العمل القربي في ذمة الأجير فلا منافاة بين القصدين بل بينهما كمال الملائكة.

«قوله: و اما تأتي القربة في العبادات المستأجرة … »

غرض الماتن من هذه العبارة دفع نقض عن نفسه و هو انه لا اشكال و لا خلاف في جواز النيابة في الأمور العبادية عن الغير فعلي فرض التنافي بين قصد القربة و اخذ الأجرة لا تجوز اجارة الغير للنيابة عن الغير في الصلاة و الصوم و الحج فأجاب الشيخ قدس سره بأن للنائب عن الغير في العبادات فعلين: احدهما فعل قلبي ثانيهما فعل خارجي و أما النيابة فهي الفعل القلبي و يستحب للمكلف أن يجعل و يعتبر نفسه نائبا عن الغير و بالإجارة تصير النيابة المستحبة واجبة. و ليس الوجوب المذكور وجوبا تعبديا كي يشكل بالتنافي و أما العمل الخارجي فهو امر عبادي و يشترط فيه قصد القربة فما وقع في مقابل الإجارة و الأجرة هو جعل النفس نائبا و أما العبادة فلا تقع في مقابل الأجرة كي يتوجه الأشكال.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص:

428

و أورد عليه سيدنا الاستاد بأن لازم هذا التقريب استحقاق الاجرة بمجرد جعل النفس نائبا و عدم التوقف علي العمل الخارجي و فساده واضح ظاهر. و يمكن أن يجاب عن الاشكال المذكور ان الجعل المقارن مع العمل مورد الاجارة فلا اثر للنيابة الخالية عن العمل و يمكن أن يقال في مقام رد الماتن انه فرضنا جعل النائب نفسه نائبا عن المنوب عنه لكن نسأل ان النائب حين العمل هل يأتي بالعمل بعنوان النيابة عن الغير أو يأتي بعنوان نفسه أولا هذا و لا ذاك؟

أما الثالث فغير معقول فان الاهمال غير معقول في الواقع و أما الثاني فتكون النيابة لغوا اذ المفروض ان النائب قصد وقوع الفعل عن نفسه فان جعل النفس نائبا لا يوجب الانقلاب واقعا كما هو ظاهر و أما علي الاول فيعود اشكال التنافي المذكور في كلام الشيخ قدس سره مضافا الي أن المستفاد من ادلة استحباب النيابة اتيان العمل عن الغير لاحظ النصوص الدالة علي المطلوب منها ما رواه محمد بن مروان قال: قال ابو عبد اللّه عليه السلام ما يمنع الرجل منكم أن يبر والديه حيين و ميتين يصلي عنهما و يتصدق عنهما و يحج عنهما و يصوم عنهما فيكون الذي صنع لهما و له مثل ذلك فيزيده اللّه عز و جل ببره وصلته خيرا كثيرا «1».

و منها ما رواه علي بن أبي حمزة قال: قلت لأبي ابراهيم عليه السلام أحج و أصلي و أتصدق عن الأحياء و الأموات من قرابتي و أصحابي؟ قال: نعم تصدق عنه وصل عنه و لك أجر بصلتك اياه «2» الي غيرهما من النصوص المذكورة في الباب المشار إليه.

فان المستفاد من النصوص المذكورة بالفهم العرفي جعل

نفس العبادة عن الغير و اتيانها بعنوان المنوب عنه و قد تقدم عدم التنافي بين الأمرين و هذا هو العمدة

______________________________

(1) الوسائل الباب 12 من ابواب قضاء الصلوات الحديث 1

(2) نفس المصدر الحديث 9

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 429

في دفع الأشكال عن جميع الموارد فلاحظ.

«قوله قدس سره: و ما كان من قبيل الاجارة غير قابل لذلك … »

بل ذكرنا انه قابل و قلنا ان اللازم في مورد الاجارة أن يأتي المكلف بما تعلق به الاجارة و من الظاهر ان الاجارة لو وقعت علي العبادة يمكن للمكلف أن يأتي بها مع قصد القربة.

«قوله قدس سره: فان قلت يمكن ان تكون غاية الفعل التقرب … »

و الحاصل انه ربما يقال بأنه لا تنافي بين الأمرين فانه يقصد الاخلاص و الداعي علي الاخلاص الحصول علي الفوائد الدنيوية فاجاب بأنه فرق بين الامور المطلوبة من اللّه و بين ما يراد من المخلوق فان الطلب منه تعالي يؤكد الإخلاص. و يرد عليه انه لا فرق بين الموردين و لذا لو صلي أحد للدخول في الجنة أو لعدم دخول النار تكون صلاته باطلة و صفوة القول ان الغرض من الفعل ان كان مضرا بالإخلاص فيضربه علي الاطلاق و الا فلا مضافا الي أن لازم كلامه عدم الأشكال فيما يكون غرضه اخذ الأجرة لإدارة امور من تجب ادارته شرعا كالزوجة مثلا فلا يكون قصد أخذ الأجرة مضرا علي نحو الاطلاق.

«قوله قدس سره: في الجملة … »

يمكن أن يكون ناظرا الي أنه لو وجب علي المكلف واجب تعبدي كفائي كالتخيير بين القصر و الإتمام في موارد التخيير فآجر المكلف نفسه للإتيان بالتمام مثلا لا يشمله دليل المنع لعدم وجوبه شرعا فيجوز

وقوع الإجارة عليه.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 430

«قوله قدس سره: أقواهما ان التنافي بين … »

قد تقدم منا عدم التنافي بين الامرين.

«قوله: ثم ان صلح ذلك الفعل … »

بأن يستأجر الغير لدفن ميت و ان الدفن الصادر عن الأجير يوجب سقوط التكليف عن الأجير و المستأجر اذ المفروض انه واجب كفائي.

«قوله: او اسقاطه به … »

كما لو استأجر ولي الميت شخصا لأن يصلي علي الميت فان صلاة الأجير توجب الأسقاط عن المستأجر الولي للميت.

«قوله: او عنده … »

يمكن أن يكون المراد انه يسقط عند المستأجر باجتهاده أو تقليده و هذا خلاف ظاهر العبارة فان الظاهر من العبارة ان الشيخ قدس سره في مقام بيان ثلاثة اقسام:

بأنه قد يحصل الامتثال و ربما يسقط به و ثالثة يسقط عنده و يمكن أن يكون المراد من العبارة ان صلاحية الفعل الصادر من الاجير و المستأجر معا بطور الكفاية كدفن الميت المسلم فدفنه الأجير بعنوان امتثال الأمر المتوجه الي المكلفين بالدفن فانه يتحقق الامتثال و يستحق الأجرة لعدم كون وجوب الدفن تعبديا، و أما اسقاطه به فبأن يقصد بالدفن الوفاء بعقد الإجارة فانه يسقط الوجوبان وجوب الدفن و وجوب الوفاء و أما كونه صالحا لان يسقط وجوب الدفن عنده فبأن يقصد بالدفن النيابة عن المستأجر فانه يسقط وجوب الدفن عند دفنه نيابة.

و لكن يمكن أن يرد علي البيان المذكور أولا: بأن الأمر بالدفن يسقط بالنيابة كما يسقط بالأصالة فلا وجه للترديد و التشقيق فان مقتضي اطلاق الدليل تحقق الامتثال باي وجه كان و ثانيا: ما الدليل علي مشروعية النيابة فان النيابة أمر علي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 431

خلاف القاعدة الأولية و تحتاج الي

الدليل و مع عدمه لا تكون مشروعة.

و يمكن أن يفسر عبارة المتن هكذا بأن نقول: لو قلنا بعدم منافاة قصد القربة مع الإجارة يتحقق الامتثال باتيان المأمور به بداعي الأمر المتوجه إليه و أما السقوط به ففي مورد انتفاء الموضوع كما لو استأجره لأزالة النجاسة عن المسجد فاز إلها عنه فانه يسقط الوجوب بانتفاء الموضوع و أما السقوط عنده فالمراد ان الواجب يسقط بخروج الوقت و انقضاء زمان الواجب فالنتيجة انه تارة يحصل الامتثال و اخري يسقط الأمر بانتفاء الموضوع و ثالثة يسقط بخروج الوقت و بعبارة واضحة سقوط الأمر تارة بالامتثال و اخري بانتفاء الموضوع و ثالثة بانقضاء الوقت.

و لكن يرد عليه انه لو لم يكن فعل الأجير مؤثرا في سقوط الأمر يكون معناه عدم صحة الإجارة لأول الأمر الي عدم قدرة الأجير علي الاتيان بما تعلق به الإجارة مضافا الي أن هذا التفسير مناف مع عبارة الشيخ حيث قال و ان لم يصلح استحق الأجرة و بقي الواجب في ذمته فيعلم انه مع الصلاح لا يبقي الواجب في الذمة بل يسقط بفعل الأجير.

و قال السيد اليزدي في حاشيته علي المكاسب أما الامتثال فكما اذا استاجره لدفن الميت عن نفسه فدفنه كذلك و أما الأسقاط به اي بالفعل فكما اذا استاجره للدفن نيابة عنه فانه لو اتي به عنه يسقط عنه الوجوب بسبب هذا الفعل و أما السقوط عنده فلم أفهم المراد منه. و يرد عليه ما أوردناه قريبا و قلنا لا دليل علي النيابة و اللّه العالم.

«قوله: و ان لم يصلح استحق الاجرة … »

اذا قلنا بعدم الصلاح يكون لازمه بطلان عقد الإجارة اذ مع عدم الصلاح لا يكون الأجير قادرا علي الإتيان

بمورد الإجارة و مع عدم القدرة لا تكون الإجارة صحيحة فلاحظ.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 432

«قوله: قدس سره: لان أخذ الاجرة عليه مع كونه واجبا مقهورا من قبل الشارع علي فعله اكل للمال بالباطل … »

قد ظهر مما تقدم عدم تمامية البيان المذكور فان وجوب الفعل لا يوجب كونه مملوكا له تعالي و امكان اجباره عليه لا يقتضي اسقاط احترامه و عدم جواز اخذ الأجرة عليه و أما كونه سفهيا فيرد عليه أولا انه يمكن تصور غرض عقلائي فيه فلا يكون سفهيا و ثانيا قد ذكرنا عدم دليل علي بطلان العقد السفهائي.

«قوله قدس سره: و مما يشهد بما ذكرنا انه لو فرض ان المولي امر بعض عبيده … »

هذه الدعوي بلا دليل و مصادرة بالمطلوب اذ لا اشكال في أنه يصدق ان الأجير جعل فعله الواجب عليه في مقابل الأجرة التي يأخذها من المستأجر.

«قوله قدس سره: لا من باب المعاوضة … »

افاد السيد في الحاشية: ان الظاهر من النص و الفتوي ان الأخذ بعنوان العوض و لا يبعد أن يكون الظاهر من حديث هشام قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عمن تولي مال اليتيم ماله أن يأكل منه؟ فقال ينظر الي ما كان غيره يقوم به من الأجر لهم فليأكل بقدر ذلك «1»، كون الأخذ بعنوان العوض و علي كل حال الأمر سهل.

«قوله قدس: و منه يظهر عدم جواز أخذ الاجرة علي المندوب اذا كان عبادة … »

______________________________

(1) الوسائل الباب 72 من أبواب ما يكتسب به الحديث 5

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 433

و قد تقدم انه لا تنافي بين العبادية و أخذ الأجرة فلا فرق بين الواجب و

المستحب من هذه الجهة.

«قوله قدس سره: علي أحد فرديه … »

بتقريب ان أحد فرديه لا يكون واجبا عليه بالخصوص فلا مانع عن أخذ الأجرة. و فيه انه قد ظهر مما تقدم ان صفة الوجوب لا تنافي أخذ الأجرة فلا وجه للتفصيل.

«قوله: و ان قلنا بان اتحاد وجود القدر المشترك مع الخصوصية مانع … »

و هذا التقريب تام فالأشكال متوجه و لكن الكلام في أصل الأشكال و قد مر عدم تماميته فلاحظ.

«قوله قدس سره: نعم تجوز النيابة»

قد تقدم الأشكال في النيابة.

«قوله فافهم»

يمكن أن يكون اشارة الي عدم خروجه عن محل الكلام لأن المفروض ان العمل واجب علي الأجير كما يكون واجبا علي المستأجر. لكن يرد عليه انه لو قلنا بجواز النيابة و قطعنا النظر عما ذكرنا في النيابة لا وجه للأشكال لأنه يأخذ الأجرة علي جعل نفسه نائبا فالأجرة في قبال الأمر غير العبادي.

«قوله قدس سره: ثم انه قد يفهم … »

لا محصل تحت هذا الكلام فانه لا دليل علي هذه الدعوي فلا يكون مانع عن جواز أخذ الأجرة و صفوة القول ان المانع عن أخذ الأجرة أن يفهم من الشرع

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 434

تعلق الوجوب بالعمل المجاني و بلا عوض و اما ان لم يفهم من الشرع كون العمل مجانيا فلا مانع من الأخذ و مجرد كونه من حقوق الناس لا يستلزم اشتراط كونه بلا عوض.

«قوله قدس سره: ثم ان هنا اشكالا مشهورا … »

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، 4 جلد، كتابفروشي محلاتي، قم - ايران، اول، 1413 ه ق عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب؛ ج 1، ص: 434

لا وجه لهذا الأشكال اذ قد مر ان

الوجوب المتعلق بفعل لا ينافي أخذ الأجرة عليه كما انه قد مر انه لا يكون مصداقا للباطل و أيضا قد مر الجواب عن كل أمر يكون قابلا لأن يذكر في مقام المنع فلا مجال للأشكال كي يحتاج الي الجواب عنه.

«قوله قدس سره: و الا جاز للطبيب … »

يشكل ما أفاده بأن المقام من موارد الأمور الحسبية فلا بد من تصدي من له الولاية و السلطنة الطبيب اوّل الكلام و الأشكال الا مع عدم امكان الوصول الي الحاكم أو العادل في فرض عدم وجود الحاكم.

«قوله فافهم»

يمكن أن يكون اشارة الي ان الآية ظاهرة في الإرضاع الاختياري المنصرف عن ارضاع اللبأ الواجب عليها.

«قوله قدس سره: لا يتصف بالاستحباب الا مع الاخلاص الّذي ينافيه … »

قد تقدم عدم التنافي بين اخذ الأجرة و الإخلاص فيجوز اخذ الأجرة علي العبادة المستحبة كما يجوز أخذها علي العبادة الواجبة.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 435

«قوله قدس سره: بل متي جعل نفسه بمنزلة الغير … »

الشيخ قدس سره حيث يري التنافي بين اخذ الأجرة في النيابة و قصد القربة و من ناحية اخري لا اشكال في جواز استيجار الغير للنيابة في العبادات من الصلاة و الصوم و الحج تصدي لرفع الأشكال و دفع التنافي و اجيب عن اشكال التنافي بأجوبة:

الجواب الأول ما افاده الشيخ قدس سره في المقام و حاصل ما افاده ان للنائب عن الغير فعلين فعل قلبي اي جعل نفسه نائبا عن الغير و فعل خارجي اي نفس العبادة و بعبارة واضحة: ان لكل من الأمرين ماهية و وجود و لا يرتبط احدهما بالآخر فما قوبل بالأجرة اي النيابة لا يشترط فيه قصد القربة و ما يشترط فيه

قصد الإخلاص لا يقابل بالأجرة فلا يتوجه الأشكال.

و أورد عليه السيد في الحاشية و كذلك سيدنا الأستاد بأن الإجارة اذا كانت واقعة في قبال النيابة يلزم استحقاق الأجرة بمجرد قصد النيابة و جعل نفسه نائبا و هل يمكن الالتزام به؟

و ربما يذب الإيراد المذكور بأنه يمكن أن تقع الاجرة في مقابل النيابة التي تكون مقارنة مع الفعل الخارجي و لكن لا يتم الأمر اذ الإجارة اما تقع في قبال الفعل الخارجي و العبادة باي قسم نقول و نتصور و اما لا مدخل للفعل الخارجي في مورد الإجارة فعلي الأول يعود محذور التنافي المتوهم في المقام و علي الثاني لا يمكن الالتزام به كما في كلام السيد اليزدي و سيدنا الاستاد.

الجواب الثاني: ما عن الشيخ قدس سره أيضا في رسالة القضاء و هو ان النية مشتملة علي قيود منها كونه خالصا له تعالي و منها كونه اداء أو قضاء عن نفسه

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 436

أو عن الغير بالأجرة أو بغير الأجرة و لا يرتبط كل واحد منها بالآخر و الأجرة واقعة في قبال قصد النيابة الذي لا يعتبر فيه الإخلاص و قيد الاخلاص غير مقابل بالأجرة بل هو قيد للفعل المستأجر عليه. و يرد عليه ان المفروض ان الأجرة واقعة في مقابل العمل القربي فيعود المحذور المتوهم مضافا الي ما عن المحقق الأصفهاني و هو ان الفعل القلبي و الخارجي و ان كانا متغايرين وجودا لكن المفروض ان الفعل القلبي بما له من الغاية مؤثرة في الفعل الخارجي فيعود المحذور.

الجواب الثالث: ان النيابة امر جائز و راجح شرعا و ربما تجب بالإجارة و قد ذكرنا انه لا تنافي و لا تضاد بين

قصد القربة و أخذ الأجرة و لعمري هذا واضح ظاهر و لقد أجاد السيد في حاشيته حيث قال «لقد أسفر الصبح».

«قوله قدس سره: فان قلت الموجود في الخارج … »

فان الإيراد عبارة عن أن الواقع في الخارج شي ء واحد فاذا قلنا بعدم جواز تعلق الإجارة بما يعتبر فيه قصد القربة لا مجال لاتمام الأمر فأجاب الشيخ عن الإيراد بأن الإجارة لا تجوز أن تقع علي ما يعتبر فيه قصد القربة و ان كان متعلقها متحدا مع ما لا يعتبر فيه قصد القربة و لكن لو انعكس الأمر بأن تعلق عقد الإجارة بما لا يعتبر فيه قصد القربة لا يتوجه اشكال و ان كان ما تعلق به العقد متحدا مع ما يعتبر فيه قصد القربة و المقام من قبيل الثاني فلا مجال للأشكال و أراد قدس سره بقوله: فالصلاة الموجودة في الخارج الخ ان ما تعلق به العقد في المقام عنوان النيابة و المفروض عدم اعتبار قصد القربة فيها.

و يرد عليه انه لو فرض الاتحاد الوجودي كما هو المفروض يعود محذور التنافي فلاحظ و لقائل أن يقول لو فرض تمامية التنافي المتوهم في المقام امكن اتمام الأمر بنحو آخر و هو الإتيان بالعبادة نيابة مع الغفلة عن كونه اجيرا بأن

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 437

يعتقد وجوب النيابة عليه شرعا فلو أمكن في مورد ايجاد الاعتقاد المذكور مع الغفلة عن وقوع الإجارة لا يبقي اشكال و لكن يتوقف ذلك علي المقدمة المذكورة.

«قوله قدس سره: و بهذا الاعتبار ينقسم في حقه الي المباح و الراجح و المرجوح»

أما المباح فكما لو ناب عن الميت في الصلاة بدون قصد القربة فان مثل هذه النيابة مباح و أما

الراجح فكما لو ناب مع قصد القربة و اما المرجوح فكما لو ناب عن غيره في الصلاة في الحمام أو في المغصوب فانه مرجوح فلاحظ.

«قوله قدس سره: ما ورد … »

لاحظ ما رواه ابن سنان قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام اذ دخل عليه رجل فاعطاه ثلاثين دينارا يحج بها عن اسماعيل، و لم يترك شيئا من العمرة الي الحج الا اشتراط عليه، حتي اشتراط عليه أن يسعي في وادي محسر، ثم قال: يا هذا اذا أنت فعلت هذا كان لاسماعيل حجة بما أنفق من ماله و كانت لك تسع بما أتعبت من بدنك «1».

«قوله قدس سره: لان استحقاق الحمل … »

الظاهر انه لا فرق بينهما و انه يجوز الاحتساب لنفسه في كلتا الصورتين فان المستأجر يطلب الحمل او الإطافة و كل من الأمرين لا ينافي القصد لنفسه فان شأن الأجير في الصورتين شأن الدابة و يحصل الغرض علي كل تقدير و كون الحركات الخاصة مملوكة للغير لا يكون مانعا عن صحة الطواف عن نفسه اذ المفروض ان الأجير يأتي بما عليه من العمل المستأجر عليه.

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من ابواب النيابة في الحج الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 438

و ان شئت قلت: مقتضي اطلاق دليل الطواف جواز الإتيان به بهذا النحو في مفروض الكلام مضافا الي النص الدال علي المقصود لاحظ ما رواه التميمي عن ابيه قال حججت بامر أتي و كانت قد اقعدت بضع عشرة سنة، قال فلما كان في الليل وضعتها في شق محمل و حملتها انا بجانب المحمل و الخادم بالجانب الأخر قال: فطفت بها طواف الفريضة و بين الصفا و المروة و اعتددت به

انا لنفسي ثم لقيت أبا عبد اللّه عليه السلام فوصفت له ما صنعته، فقال: قد أجز أعنك «1» و مثله غيره الوارد في الباب المشار إليه فلاحظ.

نعم لو كان اجيرا للنيابة عن الغير لا يجوز له أن يقصد الطواف عن نفسه أيضا فان التداخل يحتاج الي الدليل و بعبارة واضحة: يجب عليه امران: احدهما بالاستقلال ثانيهما بالنيابة و تحقق الأمرين معا بفعل واحد يحتاج الي الدليل.

«قوله: انه لا يجوز اخذ الاجرة علي اذان … »

قد ظهر مما تقدم ان أخذ الأجرة علي العبادة امر جائز فعلي طبق القاعدة الاولية لا يكون مانع و أما بلحاظ النص الخاص فقد وردت في المقام جملة من النصوص منها ما رواه السكوني عن جعفر عن ابيه عن علي عليه السلام قال آخر ما فارقت عليه حبيب قلبي أن قال: يا علي اذا صليت فصل صلاة أضعف من خلفك، و لا تتخذن مؤذنا يأخذ علي أذانه أجرا «2» و الحديث ضعيف سندا.

و منها ما رواه الصدوق مرسلا قال: اتي رجل أمير المؤمنين عليه السلام فقال:

يا امير المؤمنين و اللّه اني لأحبك فقال له: و لكني أبغضك، قال: و لم؟ قال لأنك تبغي في الأذان كسبا و تأخذ علي تعليم القرآن أجرا 3 و المرسل لا اعتبار به.

و منها ما رواه حمران عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال عليه السلام في هذه الرواية

______________________________

(1) الوسائل الباب 50 من أبواب الطواف الحديث 1

(2) (2 و 3) الوسائل الباب 38 من ابواب الاذان و الاقامة الحديث 1 و 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 439

و رأيت الأذان بالأجر و الصلاة بالأجر «1» و حمران الواقع في السند لم يوثق مضافا الي

أنه لا يستفاد من الحديث بطلان الإجارة بل المستفاد منها كون اخذ الأجرة في مقابل ما ذكر مرجوحا فلاحظ.

[الأجرة علي تحمل الشهادة]
اشارة

«قوله قدس سره: تحمل الشهادة بناء علي وجوبه … »

يقع الكلام تارة في وجوب الشهادة أو تحملها و اخري في جواز اخذ الأجرة علي تقدير الوجوب فيقع الكلام في مقامين أما

المقام الأول [في وجوب الشهادة أو تحملها]

فالمستفاد من الكتاب وجوب التحمل و وجوب الأداء لاحظ قوله تعالي وَ لٰا يَأْبَ الشُّهَدٰاءُ إِذٰا مٰا دُعُوا «2» و قوله تعالي وَ لٰا تَكْتُمُوا الشَّهٰادَةَ وَ مَنْ يَكْتُمْهٰا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ 3.

و تدل علي المدعي أيضا جملة من النصوص الواردة في المقام منها ما رواه هشام عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عز و جل: «وَ لٰا يَأْبَ الشُّهَدٰاءُ» قال:

قبل الشهادة و قوله: «و من يكتمها فانه آثم قبله» قال: بعد الشهادة «4» و غيره مما ورد في الباب المشار إليه. فالنتيجة. ان تحمل الشهادة و كذا ادائها واجب و أما

المقام الثاني [في جواز أخذ الأجرة عليها]

فقد تقدم انه لا تنافي بين الوجوب و لو كان عينيا و أخذ الأجرة.

«قوله قدس سره: كون التحمل و الاداء حقا … »

اثبات هذه الدعوي مشكل مضافا الي أنا قد ذكرنا مرارا أن الجار في الآية ليس للمقابلة بل للسببية فعلي هذا لا مجال للاستدلال علي المدعي بما أفاده الشيخ قدس سره من أنه أكل للمال بالباطل فلاحظ.

______________________________

(1) الوسائل الباب 41 من أبواب الامر و النهي و ما يناسبهما الحديث 6

(2) (2 و 3) البقرة/ 282 و 283

(4) الوسائل الباب 1 من أبواب الشهادات الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 440

«قوله قدس سره: فالطاهر عدم وجوبه …

»

يمكن أن يكون وجه عدم الوجوب قاعدة نفي الضرر. و يرد عليه ان هذا التقريب انما يتم علي مسلك المشهور في مفاد القاعدة و أما علي مسلك شيخ الشريعة الذي اخترناه فلا يتم الاستدلال بالقاعدة كما هو ظاهر و يمكن أن يكون الوجه فيه انصراف دليل الوجوب عن صورة توقف الأداء أو التحمل علي البذل و دعوي الانصراف عهدتها علي مدعيها و عليه يجب الا أن يقوم اجماع تعبدي كاشف علي عدم الوجوب.

«قوله قدس سره: لكونه فقيرا … »

قال السيد قدس سره في حاشيته انه مع كونه فقيرا يجوز له أخذ الأجرة اذ يجب عليه تحصيل النفقة لعياله. و يرد عليه انه ان كان المستفاد من الدليل عدم جواز اخذ الأجرة فلا فرق بين كونه فقيرا و بين كونه غنيا و ان لم يكن المستفاد من الدليل عدم الجواز فأيضا لا فرق بين الصورتين الا أن يقال مع كونه فقيرا لا يجب عليه التصدي للامور المذكورة و مع عدم الوجوب لا موضوع للبحث فيجوز أن يأخذ الأجرة. و كيف كان فلا اشكال في أن ولي المسلمين لو رأي المصلحة في الإعطاء من بيت المال يجوز له و لكن يمكن أن لا يكون الأخذ جائزا لمن يقيم بالأمر لعدم احتياجه الي المال المأخوذ فلاحظ.

و صفوة القول: ان الارتزاق من بيت المال و جوازه منوط بنظر ولي الأمر لكن الاخذ لو لم يكن محتاجا و كان واجبا عليه القيام بالأمر يشكل جواز اخذه و أما الأجر فعدم جواز اخذه متوقف علي قيام الدليل علي عدم الجواز كما قام الدليل علي عدم جواز الأخذ للقضاء لاحظ ما رواه عمار بن مروان قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام

كل شي ء غل من الإمام فهو سحت، و السحت انواع كثيرة، منها ما

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 441

اصيب من اعمال الولاة الظلمة و منها اجور القضاء و اجور الفواجر و ثمن الخمر و النبيذ المسكر و الربا بعد البينة فاما الرشا يا عمار في الأحكام فان ذلك الكفر باللّه العظيم و برسوله صلي اللّه عليه و آله «1».

[خاتمة تشتمل علي مسائل]
[الأولي صرح جماعة بحرمة بيع المصحف]
اشارة

«قوله قدس سره: الاولي صرح جماعة كما في ية و ئر و كره و س و مع صد بحرمة بيع المصحف … »

يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين

المقام الأول في حكم بيع المصحف وضعا

المقام الثاني في حكم بيعه تكليفا أما المقام الأول فنقول: مقتضي القاعدة الأولية جوازه وضعا فان رفع اليد عن اطلاق دليل الصحة يحتاج الي الدليل و لا يستفاد الحرمة الوضعية من نصوص الباب فانه قد ثبت في الأصول كون النهي ظاهرا في الحرمة التكليفية و رفع اليد عن الظهور المذكور لا وجه له و ما اشتهر فيما بين القوم من أن النهي في باب المعاملات ظاهر في الحرمة الوضعية لا دليل عليه نعم لو علم من الخارج في مورد ان العقد الفلاني لا يحرم تكليفا لا بدّ من حمل النهي علي الحرمة الوضعية و الا فلا و لذا نري انهم لا يحملون النهي عن بيع وقت النداء علي الحرمة الوضعية بل يبقون النهي بحاله و يحملونه علي التكليفية مضافا الي التعارض الواقع بين نصوص الباب و نشير إليها و الي تعارضها عن قريب إن شاء اللّه تعالي.

و أما

المقام الثاني [في حكم بيعه تكليفا]
اشارة

فمقتضي القاعدة الأولية هو الجواز كما هو ظاهر و اما بالنظر الي النص الخاص فقد وردت طائفتان من الروايات الطائفة الأولي: ما يدل علي الحرمة منها ما رواه ابن سيابة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال سمعته يقول:

______________________________

(1) الوسائل الباب 5 من ابواب ما يكتسب به الحديث 12

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 442

ان المصاحف لن تشتري فاذا اشتريت فقل: انما أشتري منك الورق و ما فيه من الأديم «آدم» و حليته و ما فيه من عمل يدك بكذا و كذا «1» و هذه الرواية ضعيفة سندا.

و منها ما رواه سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن بيع المصاحف و شرائها فقال: لا تشتر كتاب اللّه و لكن اشتر الحديد و

الورق و الدفتين و قل:

أشتري منك هذا بكذا و كذا 2.

و هذه الرواية تامة سندا و الأشكال في الرواية من جهة كون عثمان بن عيسي في السند في غير محله اذ قد صرح الشيخ قدس سره بوثاقته قال سيدنا الأستاد: «و ذكر الشيخ في كتاب العدة عمل الطائفة برواياته لأجل كونه موثوقا به و متحرجا عن الذب «3» فلا اشكال في السند من هذه الناحية.

و منها ما رواه عثمان بن عيسي قال: سألته عن بيع المصاحف و شرائها فقال:

لا تشتر كلام اللّه و لكن اشتر الحديد و الجلود و الدفتر و قل: أشتري هذا منك بكذا و كذا «4» و الرواية تامة سندا و دلالة.

و منها ما رواه عبد اللّه بن سليمان قال: سألته عن شراء المصاحف فقال: اذا اردت أن تشتري فقل أشتري منك ورقه و أديمه و عمل يدك بكذا و كذا «5» و هذه الرواية ضعيفة سندا.

و منها ما رواه المدائني عن أبي عبد اللّه عليه السلام في بيع المصاحف قال:

لا تبع الكتاب و لا تشتره و بع الورق و الأديم «6» و هذه الرواية ضعيفة سندا.

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 31 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1 و 2

(3) معجم رجال الحديث ج 11 ص 120

(4) الوسائل الباب 31 من أبواب ما يكتسب به الحديث 3

(5) نفس المصدر الحديث 6

(6) نفس المصدر الحديث 7

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 443

و منها ما رواه سماعة قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: لا تبيعوا المصاحف فان بيعها حرام قلت: فما تقول في شرائها؟ قال: اشتر منه الدفتين و الحديد و الغلاف و اياك ان تشتري منه الورق

و فيه القرآن مكتوب فيكون عليك حراما و علي من باعه حراما «1» و هذه الرواية ضعيفة سندا و في المعتبر من هذا الطائفة كفاية لاثبات الحرمة.

الطائفة الثانية: ما يدل علي الجواز لاحظ ما رواه روح بن عبد الرحيم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن شراء المصاحف و بيعها فقال: انما كان يوضع الورق عند المنبر، و كان ما بين المنبر و الحائط قدر ما تمر الشاة او رجل منحرف قال: فكان الرجل يأتي فيكتب من ذلك. ثم انهم اشتروا بعد، قلت فما تري في ذلك؟ فقال لي: أشتري احب الي من أن أبيعه، قلت: فما تري ان أعطي علي كتابته أجرا؟ قال: لا بأس، و لكن هكذا كانوا يصنعون «2».

و لاحظ ما رواه ابو بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن بيع المصاحف و شرائها، فقال: انما كان يوضع عند القامة و المنبر قال: كان بين الحائط و المنبر قيد ممر شاة و رجل و هو منحرف فكان الرجل يأتي فيكتب البقرة و يجي ء آخر فيكتب السورة كذلك كانوا، ثم انهم اشتروا بعد ذلك فقلت فما تري في ذلك؟

فقال أشتريه احب الي من أن ابيعه «3».

و لاحظ ما رواه روح بن عبد الرحيم عن أبي عبد اللّه عليه السلام مثله و زاد فيه قال قلت: ما تري أن اعطي علي كتابته أجرا، قال لا بأس، و لكن هكذا كانوا يصنعون «4».

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 11

(2) نفس المصدر الحديث 4

(3) نفس المصدر الحديث 8

(4) نفس المصدر الحديث 9

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 444

فيقع التعارض بين الطرفين و حمل اخبار المنع علي الكراهة كما في كلام سيدنا الأستاد

لا وجه له فانه لا شاهد لدعواه و قوله عليه السلام «اشتري احب الي من أن ابيع» لا يدل علي كراهة البيع بل يدل علي أن الاشتراء احب إليه فلا بد من العلاج و حيث ان المرجح منحصر في الأحدثية و الأحدث غير معلوم يلزم التساقط فتصل النوبة الي الأدلة الأولية و مقتضاها الجواز اضف الي ذلك أنه لا اشكال و لا كلام في جواز البيع وضعا و تكليفا فلاحظ.

لكن لقائل أن يقول ان حديث المنع أحدث فان عثمان بن عيسي لا يروي عن أبي جعفر و لا عن أبي عبد اللّه و انما يروي عن أبي الحسن الأول و عن الرضا و أبي جعفر الثاني و علي كل تقدير يكون حديثه أحدث من بقية الروايات فانها مروية عن الصادق عليه السلام فلا بد من الأخذ بحديث عثمان لكونه أحدث الا ان يقال حديث عثمان مضمر و لم يعلم منه انه لا يضمر عن غير المعصوم عليه السلام مضافا الي أن جواز بيع المصحف من الواضحات التي لا يعتريه الشك و السيرة جارية عليه فلا مجال للوسوسة و اللّه العالم.

«قوله قدس سره: بقي الكلام في المراد من حرمة …

الماتن في مقام أنه كيف يمكن الجمع بين النهي عن بيع القرآن من ناحية و تملك القرآن و وقوع النقل و الانتقال عليه من ناحية اخري فيقول النقوش الموجودة في الأوراق اما لا تعد من الأعيان الخارجية و أما تعد أما علي الأول فلا مجال للنهي عن البيع اذ من الظاهر ان البيع يقع علي الأعيان لا علي الأعراض و الصفات و أما علي الثاني فاما يقع جزء من الثمن في قبال النقش الذي فرض كونه عينا

او لا يقع أما علي القول بوقوعه فهو ممنوع شرعا علي الفرض و أما علي القول بعدم الوقوع

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 445

فان بقي في ملك مالكه و بايعه يلزم الاشتراك و هو خلاف الاتفاق و ان انتقل الي المشتري تبعا فهو خلاف مقصود المتبايعين اذ المفروض انهما لم يقصدا كذلك.

و بعبارة واضحة: انهما لم يقصدا دخول النقوش تبعا مضافا الي أنه تكليف صوري اي النهي تعلق بجعل البيع في مقام الأثبات و ايقاعه علي النقش و الخط و ببيان آخر: ان الشارع لم ينه عن النقل و الانتقال اذ احكام الملك لا تعطل و يمكن القول بدخول النفش في الملك عرفا لا شرعا و ختم كلامه بقوله فتأمل. و يمكن أن يكون الوجه في الأمر بالتأمل ان الالتزام بالتفكيك بين الشرع و العرف لا يدفع الأشكال المذكور فلا مناص الا من الالتزام بالتكليف الصوري لا الواقعي فانه لم يكلف الشارع و لم ينه عن نقل النقش علي الإطلاق.

اذا عرفت ما تقدم نقول: لا اشكال في ان البيع يقع علي الصور النوعية و القرآن اي الأوراق المنقوشة بالكلمات القرآنية صورة نوعية في قبال بقية الصور النوعية فالنهي عن بيع القرآن نهي عن بيع هذه الصورة النوعية لكن يستفاد من النصوص الواردة في المقام كحديثي سماعة و ابن عيسي جواز ايقاع البيع علي الحديد و الدفتين و الورق و الدفتر و يفهم العرف من النص ان النقوش تدخل في ملك المشتري بالتبع و أفاد سيدنا الأستاد علي ما في التقرير انه يتصور البيع بأن يقع علي الجلد و الغلاف و الحديد و الحلية لكن يشترط المشتري علي البائع أن يملكه الأوراق المكتوبة. و

ما أفاده غريب اذ قد صرح في النص بوقوع البيع علي الورق فلا مجال لما أفاده.

«قوله: و لاجل ما ذكرنا التجأ … »

لا فرق بين الحرمة و الكراهة من حيث الأشكال المذكور غايته انه علي القول بالكراهة لو خالف النهي لم يعص و يكون العقد صحيحا و أما من حيث توجه الأشكال فلا فرق بين الحرمة و الكراهة فلاحظ و الذي يهون الخطب انا قلنا ان السيرة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 446

جارية علي الجواز و ان كان بعض نصوص المنع معتبرا سندا.

[بيع المصحف من الكافر و تملك الكفار للمصاحف]
اشارة

«قوله ثم ان المشهور بين العلامة ره و من تأخر عنه عدم جواز بيع المصحف من الكافر … »

الكلام في بيع المصحف من الكافر يقع في مقامين احدهما في حكمه التكليفي ثانيهما في حكمه الوضعي فنقول: أما

[المقام الأول [في حكمه التكليفي]
اشارة

فمقتضي الأصل الأولي هو الجواز و يتوقف القول بالحرمة علي قيام دليل عليه و لا يخفي ان عقد هذه المسألة بعد عدم القول بحرمة البيع من المسلم و الا فلا يبقي مجال لهذا البحث فانه علي القول بالحرمة هناك تثبت الحرمة في المقام بالأولوية القطعية و ما يمكن أن يذكر للمنع و الحرمة وجوه:

الوجه الأول: ان بيع المصحف من الكافر يوجب هتك كتاب اللّه و هو حرام بلا اشكال.

و فيه ان بين الأمرين عموما من وجه اذ ربما يكون الكافر المشتري للقرآن شخصا مؤدبا و يحترم كتاب اللّه فلا يلزم الهتك و ربما يهتك الكتاب و العياذ باللّه بلا تحقق الشراء من قبل الكافر فهذا الوجه ليس تحته شي ء.

الوجه الثاني انه يلزم تنجس المصحف و تنجيس المصحف حرام.

و فيه أولا انه يمكن أن يفرض ان لا يتنجس المصحف في يد الكافر و ثانيا جواز البيع تكليفا لا يستلزم تسليم المصحف خارجا الي الكافر و ثالثا النهي عن التنجيس متوجه الي الكافر بناء علي كونه مكلفا بالفروع و لا يرتبط بالبايع المسلم ان قلت: بيعه منه اعانة للإثم قلت:

لا دليل علي حرمة الإعانة و انما الدليل قائم علي حرمة التعاون فلاحظ.

الوجه الثالث: ان حرمة بيعه مشهورة فيما بين القوم.

و فيه ان الشهرة الفتوائية لا تكون حجة فالنتيجة جواز بيعه منه تكليفا.

و أما

المقام الثاني [في بيان حكمه الوضعي]

فما يمكن ان يكون سندا للمنع وجهان: احدهما: ان

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 447

الكافر لا يملك المسلم فلا يملك المصحف بالأولوية. و فيه أولا لا دليل علي المدعي المذكور بل الدليل علي خلافه اذا لأصحاب قائلون علي ما نسب إليهم بأن الكافر اذا اشتري احد عموديه المسلم ينعتق عليه و من الظاهر ان تحقق الانعتاق يتوقف علي تحقق الملك و أيضا قائلون بأن الكافر يجبر علي بيع عبده المسلم و الحال انه لا بيع الا في ملك مضافا الي ان الماتن ينقل عن المبسوط في باب الغنائم ان ما يوجد في دار الحرب من المصاحف و الكتب التي ليست بكتب الزندقة و الكفر داخل في الغنائم و يجوز بيعها و هذا يدل علي أن الكافر يملك المصحف و الا كان المصحف الموجود في دار الحرب من مجهول المالك. و ثانيا القياس مع الفارق فان كون المسلم رقا و عبد للكافر يوجب مهانة له و أما كون المصحف ملكا للكافر فلا يوجب مهانة له كما هو ظاهر مضافا الي أن ملاكات الأحكام غير معلومة عندنا.

ثانيهما: قوله عليه السلام: الإسلام يعلو و لا يعلي عليه «1» بتقريب ان كون الكافر مالكا للقرآن يوجب علوه علي الإسلام و فيه أولا ان الحديث ضعيف و لا جابر له و ثانيا انه لا يبعد أن يكون المراد من الجملة المذكورة ان الإسلام ببراهينه و ادلته الشافية يعلو علي كل دين و يغلب و لا يغلب عليه دين من الأديان و بعبارة اخري:

الإسلام دين فائق علي جميع الأديان فلا يرتبط بالمقام فالنتيجة جواز بيعه

وضعا كما يكون جائزا تكليفا فلاحظ.

«قوله قدس سره: و الظاهر ان ابعاض المصحف … »

بعد الالتزام بجواز بيع المصحف لا مجال لهذا البحث كما هو ظاهر. و أما اذا قلنا بالحرمة فالظاهر عدم الفرق بين المصحف و أبعاضه لوحدة الملاك و الدليل

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب موانع الارث الحديث 11

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 448

فلاحظ.

«قوله قدس سره: لعدم تحقق الاهانة … »

قد تقدم ان بين عنوان الإهانة و عنوان البيع من الكافر عموما من وجه فلا مجال للاستدلال علي المدعي بهذا الوجه.

«قوله قدس سره: وجوه»

الوجه الأول عدم الجواز علي الإطلاق لما تقدم من كونه اهانة و من تعريض كلام اللّه لان يتنجس.

الوجه الثاني: التفصيل بين الملحد و غيره لتحقق الإهانة في الصورة الأولي دون الثانية.

الوجه الثالث: الالتزام بالجواز علي الإطلاق لما تقدم من ان النسبة بين العنوانين عموم من وجه و كون المكلف بعدم التنجيس المشتري الكافر و الظاهر ان الصحيح الوجه الأخير فلاحظ.

«قوله قدس سره: وجهان»

اذا كان المدرك لعدم الجواز تحقق الإهانة فترتب الحرمة يدار مدارها فلا يبقي مجال لأن يقال ان وجه الجواز ان الأحاديث النبوية لا تصل في العظمة الي عظمة القرآن و الذي يهون الخطب انا ذكرنا انه لا وجه للمنع في نفس المصحف فكيف بالأحاديث.

«قوله قدس سره الا ان يقال ان المكتوب فيها غير مملوك … »

ما افاده غريب فان قوام عنوان الدرهم بالمكتوب فيه و بعبارة اخري: الدرهم

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 449

المقيد بهذا القيد صورة نوعية في قبال بقية الصور و البيع يقع علي الصورة الكذائية فكيف لا يكون المكتوب مملوكا و هذا مثل أن يقال ان الهيئة القائمة بالكوز أو

بالكأس أو بغير هما لا تكون مملوكة لعدم وقوع الثمن في قبالها لكن الذي يرفع الأشكال انه لا دليل علي الحرمة في الملحق به فكيف بالملحق اذ قد ذكرنا ان السيرة جارية علي الجواز و علي فرض الالتزام بحديث عثمان بن عيسي و القول بالحرمة في المصحف لا وجه لإلحاق غيره به.

«قوله قدس سره: الا ان يقال ان مناط الحرمة … »

قد ظهر مما تقدم منا ان شيئا من المذكورات لا يكون وجها للمنع فلاحظ.

[الثانية جوائز السلطان و عماله]
اشارة

«قوله قدس سره: الثانية جوائز السلطان و عماله بل مطلق المال المأخوذ منهم مجانا او عوضا لا يخلو عن احوال … »

الصور المتصور في المقام كما في المتن أربعة

الصورة الأولي: أن لا يعلم بكون الحرام في أمواله

أفاد الماتن قدس سره لا اشكال في جواز الأخذ للأصل و الإجماع و الاخبار أما الاخبار فنتعرض لها إن شاء اللّه تعالي و أما الاجماع فلاحتمال كونه مستندا الي الاخبار و قاعدة اليد فلا يكون تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم عليه السلام فلا يكون حجة و أما الاصل فان كان المراد منه قاعدة اليد اي مقتضي القاعدة فلا اشكال اذ لا ريب في تمامية قاعدة اليد و أما ان كان المراد من الاصل اصل الصحة بتقريب انه يحمل فعل المسلم علي الصحة و حيث ان الجائر من المسلمين يحمل فعله علي الصحة فيرد عليه ان المسلم عندهم حمل العقود و الايقاعات الصادرة عن اهلها علي الصحة إذا شك في فسادها مثلا اذا باع زيد داره من بكر

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 450

و شك في صحة بيعه و بطلانه يحمل عقد البيع علي الصحيح و أما مع عدم احراز الاهلية كما لو باع أحد الدار الفلانية و لا ندري انه مالكها أم لا؟ و لم يكن دليل علي مالكيته لا مجال للحمل علي الصحة فالاصل بهذا المعني غير تام.

و ان كان المراد من الأصل اصالة الإباحة فيشكل اذ لو كان المال ملكا لمالك آخر غير الجائر و احتمل بقائه في ملكه و عدم انتقاله الي الجائر يكون مقتضي الاستصحاب بقائه في ملك المالك الذي وصل منه الي يد الجائر و ان شئت قلت:

لا مجال لجريان الأصل الحكمي اي اصالة الحل مع جريان الأصل الموضوعي

اي الاستصحاب فان الأصل السببي حاكم علي الأصل المسببي و مقدم عليه فلو قطع النظر عن قاعدة اليد يشكل الأخذ بقاعدة الحل فلاحظ.

و اما الأخبار فقد وردت جملة من النصوص في المقام و يمكن الاستدلال بها علي المدعي منها ما رواه ابو ولاد قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام ما تري في رجل يلي اعمال السلطان ليس له مكسب الا من اعمالهم و انا امر به فانزل عليه فيضيفني و يحسن الي و ربما أمر لي بالدرهم و الكسوة و قد ضاق صدري من ذلك فقال لي: كل و خذ منه فلك المهنّأ «الحظ» و عليه الوزر «1».

و منها ما رواه ابو المعزي قال: سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السلام و انا عنده فقال:

أصلحك اللّه امر بالعامل فيجيزني بالدرهم آخذها؟ قال: نعم قلت: و احج بها قال: نعم 2.

و منها ما رواه محمد بن هشام أو غيره قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام امر بالعامل فيصلني بالصلة أقبلها؟ قال نعم قلت: و احج منها قال: نعم و حج منها «3».

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 51 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1 و 2

(3) نفس المصدر الحديث 3

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 451

و منها ما رواه يحيي بن أبي العلاء عن أبي عبد اللّه عليه السلام عن ابيه ان الحسن و الحسين عليهما السلام كانا يقبلان جوائز معاوية «1».

و منها ما رواه محمد بن مسلم و زرارة قالا: سمعناه يقول: جوائز العمال ليس بها بأس 2.

و منها ما رواه ابو بكر الحضرمي قال دخلت علي أبي عبد اللّه عليه السلام و عنده اسماعيل ابنه فقال ما يمنع ابن

أبي السماك «السمال الشمال» ان يخرج شباب الشيعة فيكفونه ما يكفيه الناس و يعطيهم ما يعطي الناس؟ ثم قال لي لم تركت عطاءك قال: مخافة علي ديني، قال: ما منع ابن أبي السمال «السماك الشمال» ان يبعث أليك بعطائك؟ أ ما علم ان لك في بيت المال نصيبا «3».

و منها ما رواه يونس بن يعقوب عن عمر اخي عذافر قال: دفع الي انسان ستّمائة درهم أو سبعمائة درهم لأبي عبد اللّه عليه السلام فكانت في جوالقي، فلما انتهيت الي الحفيرة شق جوالقي و ذهب بجميع ما فيه و رافقت عامل المدينة بها فقال: انت الذي شق جوالقك فذهب بمتاعك؟ فقلت: نعم قال: اذا قدمنا المدينة فائتنا حتي نعوضك. قال: فلما انتهيت الي المدينة دخلت علي أبي عبد اللّه عليه السلام فقال: يا عمر شقت زاملتك و ذهب بمتاعك؟ فقلت: نعم فقال: ما أعطاك خير مما اخذ منك الي أن قال: فائت عامل المدينة فتنجز منه ما وعدك، فانما هو شي ء دعاك اللّه إليه لم تطلبه منه 4.

و منها ما رواه محمد بن قيس قال: دخلت علي أبي عبد اللّه عليه السلام فذكرت له بعض حالي فقال: يا جارية هاتي ذلك الكيس هذه أربعمائة دينار وصلني بها أبو جعفر فخذها و تفرح بها 5 و منها ما رواه الفضل بن الربيع عن أبي الحسن

______________________________

(1) (1 و 2) نفس المصدر الحديث 4 و 5

(3) (3 و 4 و 5) نفس المصدر الحديث 6 و 8 و 9

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 452

موسي بن جعفر عليه السلام في حديث ان الرشيد بعث إليه بخلع و حملان و مال، فقال: لا حاجة لي بالخلع و الحملان

و المال اذا كان فيه حقوق الأمة فقلت: ناشدتك باللّه أن لا ترده فيغتاظ قال: اعمل به ما أحببت «1». الي غيرها من الروايات الواردة في الباب المشار إليه و في الباب 52 و 53 من أبواب ما يكتسب به من الوسائل.

فان المستفاد من هذه النصوص جواز الاخذ من الظالم.

و بعبارة واضحة: انه لا اشكال في أنه لو فرض عدم العلم بكون الحرام في يده يستفاد الجواز و لا ينافي أن يستفاد من بعض هذه النصوص اكثر من هذا المقدار و قد أفاد الماتن بأنه ربما يوهم بعض الاخبار اشتراط الجواز بكون الجائر واجدا للمال الحلال فمع عدم احراز الشرط لا يجوز لاحظ ما رواه محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري: أنه كتب الي صاحب الزمان عليه السلام يسأله عن الرجل من وكلاء الوقف مستحل لما في يده لا يرع عن أخذ ماله، ربما نزلت في قريته و هو فيها، أو أدخل منزله و قد حضر طعامه فيدعوني إليه، فان لم آكل طعامه عاداني عليه، فهل يجوز لي ان آكل من طعامه، و اتصدق بصدقة و كم مقدار الصدقة؟ و ان أهدي هذا الوكيل هدية الي رجل آخر فيدعوني الي أن انال منها و أنا أعلم أن الوكيل لا يتورع عن أخذ ما في يده، فهل علي فيه شي ء أن أنا نلت منها؟

الجواب: ان كان لهذا الرجل مال أو معاش غير ما في يده فكل طعامه و أقبل بره، و الا فلا. «2».

و يرد عليه: أن الحديث مرسل و المرسل لا اعتبار به و للرواية سند آخر و ذلك السند لا اعتبار به أيضا. مضافا الي انه قد فرض في الرواية انه في يده

و تحت سلطنته اموال الحرام و في المقام قد فرض عدم العلم بوجود الحرام تحت يده فالصورة

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 10

(2) الوسائل الباب 51 من ابواب ما يكتسب به الحديث 15

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 453

المفروضة لا اشكال فيها.

الصورة الثانية: أن يعلم الاخذ باشتمال اموال الظالم علي الحرام و لكن لا يعلم بأن المأخوذ من الظالم مشتملا علي الحرام
[الحالة الأولي أن تكون الشبهة غير محصورة]
اشارة

و قد فصل الشيخ قدس سره و قال:

تارة يكون العلم الاجمالي منجزا و تكون الاطراف محل الابتلاء، و اخري: لا يكون كذلك اما علي الاول، فلا يجوز الأخذ اذ فرض تنجز العلم الاجمالي و اما علي الثاني فلا مانع من الأخذ، و يمكن ان يقال بجواز الاخذ في هذه الصورة بلا فرق بين القول يكون العلم منجزا و بين عدم القول به و ذلك لأن غير المأخوذ يحرم التصرف فيه قطعا اما لكونه غصبا في يده و اما لعدم اذنه في التصرف فيه فجريان قاعدة اليد المقتضية لكون ما فيها مملوكا لذي اليد بلا مانع فلاحظ.

«قوله قدس سره: ثم انه قد صرح جماعة بكراهة الاخذ»

ما يمكن ان يستدل به علي الكراهة وجوه:
الوجه الأول: انه يمكن ان يكون المأخوذ من الجائر حراما واقعا و لكن قام الدليل علي جوازه ظاهرا

فيكون الأخذ مكروها.

و فيه: ان احتمال الحرمة موجود حتي فيما يؤخذ من اورع الناس و هل يمكن الالتزام بعموم الكراهة في كل مورد مضافا الي انه اي دليل دل علي الكراهة حتي فيما يؤخذ من الجائر و بعبارة اخري: مقتضي التقريب المذكور حسن الاحتياط في عدم الأخذ و الكف عنه لا كراهة الاخذ.

الوجه الثاني: النصوص الدالة علي حسن الاحتياط

«1» منها: ما رواه هشام قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام ما حق اللّه علي خلقه قال: ان يقولوا ما يعلمون و يكفوا

______________________________

(1) الوسائل الباب 12 من ابواب صفات القاضي.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 454

عما لا يعلمون فاذا فعلوا ذلك فقد ادوا الي اللّه حقه «1» و يرد عليه: ان لازمه الالتزام بالكراهة في كل ما يؤخذ من كل احد اذ يحتمل اشتماله علي الحرام و هل يمكن الالتزام بالكراهة علي نحو العموم و الاطلاق مضافا الي انه ما الوجه في الالتزام بالكراهة فان المستفاد من النصوص المشار إليها حسن الاحتياط او وجوبه لا كراهة الارتكاب.

الوجه الثالث: ان اخذ المال منهم يوجب محبتهم

فان القلوب مجبولة علي حب من احسن إليها و قد ورد النهي في جملة من النصوص عن مصاحبة الظالمين و محبتهم لاحظ ما رواه مهران بن محمد بن ابي نصر «ابي بصير» عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول ما من جبار الا و معه مؤمن يدفع اللّه عز و جل به عن المؤمنين و هو اقلهم حظا في الآخرة يعني اقل المؤمنين حظا بصحبة الجبار «2».

و فيه: ان بين العنوانين عموما من وجه اذ ربما يحبهم مع عدم اخذ شي ء منهم و ربما ببغضهم مع الأخذ منهم كما لو اعطوه اقل من حقه هذا أولا و ثانيا: ان ملاك الأحكام غير معلوم.

و ثالثا: انه لا وجه للالتزام بالكراهة اذ المستفاد من بعض هذه النصوص الحرمة لاحظ ما عن ابي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عز و جل وَ لٰا تَرْكَنُوا إِلَي الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّٰارُ قال هو الرجل يأتي السلطان فيحب بقاءه الي أن يدخل يده الي كيسه فيعطيه «3»

الوجه الرابع: ما عن موسي بن جعفر عليهما السلام من اظهار كراهته اخذ جائزة الرشيد،

و هو ما رواه عبد اللّه بن الفضل عن ابيه في حديث أن الرشيد أمر باحضار موسي بن جعفر عليهما السلام يوما فاكرمه و أتي بها بحقة الغالية، ففتحها بيده فغلفه بيده، ثم أمر ان يحمل بين يديه خلع و بدرتان دنانير فقال موسي بن جعفر

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 4

(2) الوسائل الباب 44 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 4

(3) نفس المصدر الحديث: 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 455

عليهما السلام: و اللّه لو لا اني اري من ازوجه بها من عزاب بني ابي طالب لئلا ينقطع نسله ما قبلتها ابدا «1» و فيه: ان الحديث ضعيف سندا،

مضافا الي ان كراهته من الأخذ لا تدل علي كون الأخذ مكروها فان الدنيا و ما فيها للامام عليه السلام و الرشيد الملعون غاصب للمنصب و مع ذلك يريد ان يمن علي الامام عليه السلام باحسانه فكراهة الامام عليه السلام عن الأخذ امر طبيعي و لكن لا تكون دليلا علي المدعي فلاحظ.

«قوله قدس سره: و في الصحيح … »

لاحظ ما رواه ابو بصير، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن اعمالهم فقال لي: يا أبا محمد لا و لا مدة قلم ان احدهم «احدكم» لا يصيب من دنياهم شيئا الا اصابوا من دينه مثله او حتي يصيبوا من دينه مثله «2».

[ثم إنهم ذكروا ارتفاع الكراهة بأمور]
اشارة

«قوله قدس سره: ثم انهم ذكروا ارتفاع الكراهة بامور … »

و قد ذكر قدس سره امورا لارتفاع الكراهة المذكورة في المقام:

الأمر الأول: اخبار ذي اليد بكون المال المأخوذ منه من الحلال

و أنه من امواله الشخصية و نقل عليه عدم الخلاف و يرد عليه انه علي القول بالكراهة لا دليل علي ارتفاعها باخبار الجائر و ان شئت قلت: ان عدم الخلاف لا يكون قابلا لأن يستند إليه فلا مدرك للحكم كما نقل عن صاحب المناهل بأنه لم يجد له دليلا.

ان قلت: يمكن ان يكون المستند اعتبار قول ذي اليد بالنسبة الي ما في يده.

قلت: اخباره بلا لحاظ كونه ذا اليد لا اثر له و مع لحاظه يكفي للحكم بالحلية كونه ذا اليد، و بعبارة اخري: اليد أمارة الملك و تصرف ذي اليد فيما في يده

______________________________

(1) الوسائل الباب 51 من ابواب ما يكتسب به الحديث 11

(2) الوسائل الباب 42 من ابواب ما يكتسب به الحديث 5

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 456

نافذ شرعا و عرفا و لكن مع ذلك احتمال الحرمة موجود فاذا كان مدرك الكراهة احتمال الحرمة كان اللازم الالتزام بها حتي مع اخباره بالحلية و عدم كون المأخوذ منه غصبا.

ان قلت: ان الكراهة تدور مدار الظن بالحرمة و الظن يرتفع باخباره بالحلية.

قلت: ربما لا يظن بالحرمة و لو مع عدم اخباره بالحلية و ربما يظن بها و لو مع اخباره مضافا الي أن الظن لا يغني عن الحق شيئا اضف الي ذلك انه اي دليل دل علي الكراهة مع الظن بالحرمة فلاحظ و لعل امره بالتأمل اشارة الي ما ذكرنا.

الأمر الثاني: اخراج الخمس منه
اشارة

و ما يمكن ان يستدل به علي كون التخميس رافعا للكراهة وجوه:

الوجه الأول: ان اخراج الخمس من المال الذي اختلط بالحرام القطعي يوجب حليته و تزكيته

ففي مورد الاحتمال يوجب الحلية بالاولوية.

و فيه: ان المال المختلط باخراج الخمس منه يطهر و يحل بحكم الشارع الذي بيده اختيار كل الامور.

و بعبارة اخري: في المال المختلط بالحرام اختلط الحلال القطعي بالحرام كذلك و يطهر باخراج الخمس بحكم الشارع و اما في المقام فجميع المال فيه احتمال الحرمة فلا وجه للالتزام بالحلية باخراج الخمس منه بل اخراج الخمس تشريع محرم اذ لم يدل عليه دليل مضافا الي ان مقتضي القياس ايجاب الخمس لا استحبابه او حليته فان الاخراج هناك واجب لا مستحب.

الوجه الثاني: انه يكفي للحكم باستحباب الخمس فتوي النهاية و السرائر به لقاعدة التسامح في أدلة السنن

و فيه أولا: قد ثبت في محله ان قاعدة التسامح لا تقتضي الاستحباب.

و ثانيا: فرضنا تمامية الاستدلال و ان اخراج الخمس مستحب لكن أي دليل

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 457

دل علي ان استحباب اخراج الخمس و اخراجه يوجب ارتفاع الكراهة.

الوجه الثالث: ما رواه عمار

، عن أبي عبد اللّه عليه السلام سئل عن اعمال السلطان يخرج فيه الرجل قال: لا الا أن لا يقدر علي شي ء يأكل و لا يشرب و لا يقدر علي حيلة، فان فعل فصار في يده شي ء فليبعث بخمسه الي اهل البيت «1».

بتقريب ان المستفاد من الخبر تعلق الخمس بما يأخذه من الجائر بعنوان العوض فان الظاهر يقتضي عدم الفرق بين كون المأخوذ من الجائر بعنوان العوض و كونه بعنوان الجائزة و مثل هذه الرواية في كونه دليلا علي المدعي النصوص الواردة في الجائزة و الهدية منها: ما رواه علي بن مهزيار قال: كتب إليه ابو جعفر عليه السلام- و قرأت أنا كتابه إليه في طريق مكة قال: ان الذي أوجبت في سنتي هذه و هذه سنة عشرين و مائتين، فقط لمعني من المعاني، اكره تفسير المعني كله خوفا من الانتشار، و سأفسر لك بعضه ان شاء اللّه، ان موالي أسأل اللّه صلاحهم او بعضهم قصروا فيما يجب عليهم، فعلمت ذلك فأحببت ان أطهرهم و ازكيهم بما فعلت من امر الخمس في عامي هذا، قال اللّه تعالي: (خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلٰاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَ اللّٰهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللّٰهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبٰادِهِ وَ يَأْخُذُ الصَّدَقٰاتِ وَ أَنَّ اللّٰهَ هُوَ التَّوّٰابُ الرَّحِيمُ وَ قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَي اللّٰهُ عَمَلَكُمْ وَ

رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ سَتُرَدُّونَ إِليٰ عٰالِمِ الْغَيْبِ وَ الشَّهٰادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمٰا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).

و لم اوجب ذلك عليهم في كل عام، و لا اوجب عليهم الا الزكاة التي فرضها اللّه عليهم، و انما أوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه في الذهب و الفضة التي قد حال عليهما الحول، و لم اوجب ذلك عليهم في متاع و لا آنية و لا دواب و لا خدم و لا ربح ربحه في تجارة و لا ضيعة الا في ضيعة سأفسر لك امرها، تخفيفا مني عن

______________________________

(1) الوسائل الباب 48 من أبواب ما يكتسب به الحديث 3.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 458

موالي، و منا مني عليهم لما يغتال السلطان من أموالهم و لما ينوبهم في ذاتهم، فأما الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام، قال اللّه تعالي (وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبيٰ وَ الْيَتٰاميٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّٰهِ وَ مٰا أَنْزَلْنٰا عَليٰ عَبْدِنٰا يَوْمَ الْفُرْقٰانِ يَوْمَ الْتَقَي الْجَمْعٰانِ وَ اللّٰهُ عَليٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ).

فالغنائم و الفوائد يرحمك اللّه فهي الغنيمة يغنمها المرء و الفائدة يفيدها، و الجائزة من الانسان للانسان التي لها خطر، و الميراث الذي لا يحتسب من غير اب و لا ابن، و مثل عدو يصطلم فيؤخذ ماله، و مثل مال يؤخذ و لا يعرف له صاحب و ما صار الي موالي من اموال الخرمية الفسقة، فقد علمت ان اموالا عظاما صارت الي قوم من موالي، فمن كان عنده شي ء من ذلك فليوصله الي وكيلي، و من كان نائيا بعيد الشقة فليتعمد لإيصاله و لو بعد حين، فان نية

المؤمن خير من عمله، فأما الذي أوجب من الضياع و الغلات في كل عام فهو نصف السدس ممن كانت ضيعته تقوم بمئونته، و من كانت ضيعته لا تقوم بمئونته فليس عليه نصف سدس و لا غير ذلك «1».

و منها: ما رواه احمد بن محمد بن عيسي عن يزيد «ابي يزيد» قال: كتبت:

جعلت لك الفداء، تعلمني ما الفائدة و ما حدها؟ رأيك ابقاك اللّه ان تمن علي ببيان ذلك لكي لا اكون مقيما علي حرام لا صلاة لي و لا صوم، فكتب: الفائدة مما يفيد أليك في تجارة من ربحها، و حرث بعد الغرام، أو جائزة 2.

و منها: ما رواه ابو بصير، عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال كتبت إليه في الرجل يهدي إليه مولاه و المنقطع إليه هدية تبلغ ألفي درهم أو أقل أو أكثر، هل عليه فيها الخمس؟ فكتب عليه السلام: الخمس في ذلك، و عن الرجل يكون في داره

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث 5 و 7

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 459

البستان فيه الفاكهة يأكله العيال انما يبيع منه الشي ء بمائة درهم او خمسين درهما، هل عليه الخمس؟ فكتب: أما ما أكل فلا، و اما البيع فنعم، هو كسائر الضياع «1».

فان مقتضي هذه النصوص وجوب الخمس في الجائزة لكن المشهور أعرضوا عنها فترفع اليد عن الوجوب و نلتزم بالاستحباب و فيه: انا قد ذكرنا مرارا ان اعراض المشهور لا يسقط الحديث المعتبر عن اعتباره كما ان عملهم بالخبر الضعيف لا يوجب اعتباره فعليه لا بدّ من الالتزام بالوجوب و لا وجه لرفع اليد عن الالتزام به مضافا الي أن استحباب الخمس

لا يقتضي رفع الكراهة الناشية عن احتمال الحرمة.

اضف الي ذلك كله: ان المستفاد من النصوص المشار إليها وجوب الخمس في المال المأخوذ بعنوان انه من أرباح المكاسب لا من حيث انه موضوع له.

الأمر الثالث: أن يصرف فيما يصرف فيه مجهول المالك

و الدليل عليه ما روي عن الكاظم عليه السلام «2» بتقريب ان المستفاد من الحديث ان الامام عليه السلام يعتذر عن الاخذ بصرفه في عزاب بني ابي طالب.

و فيه: ان السند ضعيف فلا يكون الحديث قابلا للاستناد إليه مضافا أنه قد مرّ ان المأخوذ حق الامام عليه السلام و الرشيد و امثاله عليهم لعائن اللّه و الملائكة و الناس اجمعين غاصبون لحقوق آل محمد عليهم السلام فلا يكون من موارد البحث الذي نحن فيه و اللّه العالم.

«قوله قدس سره: مع كون الشبهة غير محصورة … »

الميزان في تنجز العلم الاجمالي أن يكون التكليف المقطوع بالاجمال

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 10

(2) تقدم في ص 454

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 460

متوجها الي المكلف بلا فرق بين كون الشبهة محصورة و عدمه فلو علم بنجاسة اناء في جملة آلاف اناء و كان توجه التكليف بالاجتناب عن الاناء النجس الي المكلف صحيحا يكون العلم الاجمالي منجزا و الا فلا و هذا هو الميزان الكلي.

[الحالة الثانية إن كانت الشبهة محصورة]
اشارة

«قوله قدس سره: و ان كانت الشبهة محصورة بحيث تقتضي قاعدة الاحتياط الاجتناب عن الجميع … »

يقع الكلام في الفرض المذكور تارة من حيث القاعدة الاولية و اخري من حيث النصوص الخاصة فيقع البحث في مقامين:

أما

المقام الأول: [في مقتضي القاعدة الأولية]
اشارة

فمقتضي تنجز العلم الاجمالي المقرر عند القوم الاجتناب عن جميع الاطراف نعم قد ذكرنا هناك انه يمكن الالتزام بجواز جريان الاصل في بعض الاطراف و اشرنا الي ما قلنا هناك في كتابنا «1» مباني منهاج الصالحين و لكن علي مسلك القوم يجب الاجتناب عن جميع الأطراف و بعبارة اخري يكون منجزا بالنسبة الي تمام الاطراف.

و ربما يستدل بجملة من الوجوه علي الانحلال في المقام

الوجه الأول: قاعدة اليد

و فيه: ان قاعدة اليد انما تؤثر فيما يجوز التصرف في بعض الاطراف فان العلم الاجمالي كما ذكرنا سابقا ينحل الي أن المكلف يعلم بحرمة التصرف في غير المال المجاز اما لكونه غصبا و اما لكونه غير المأذون فيه فيحرم التصرف فيه علي كلا التقديرين و الأخذ بقاعدة اليد فيما يجيز بلا مانع لعدم المعارض و أما مع إباحة الكل فلا أثر للقاعدة لسقوطها عن الاعتبار بالمعارضة و بعبارة واضحة اذا أجاز التصرف في مقدار معين خارجي يعلم المجاز له بحرمة التصرف في غير المجاز اما لكونه غصبا و اما غير مجاز فيجوز التصرف في ذلك المقدار المعين.

______________________________

(1) مباني منهاج الصالحين ج 1 ص 235

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 461

الوجه الثاني: ما رواه منصور ابن حازم

، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

قلت: عشرة كانوا جلوسا وسطهم كيس فيه ألف درهم، فسأل بعضهم بعضا أ لكم هذا الكيس؟ فقالوا كلهم: لا، و قال واحد منهم: هو لي، فلمن هو؟ قال:

للذي ادعاه «1».

بتقريب: ان المستفاد من الحديث ان من ادعي شيئا و لم يعارضه احد يحكم بكونه ملكا له. و فيه أولا: ان الحديث ضعيف سندا و غير قابل للاستناد إليه و ثانيا:

انه يمكن أن يفرض عدم دعوي الجائر ملكية كل ما في يده فلا مجال للأخذ بالحديث و ثالثا: المفروض في المقام العلم بكون بعض ما في يده مال الغير و يكون غصبا و لم يفرض الغصب في مورد الرواية فلا يرتبط الحديث بما نحن فيه.

الوجه الثالث: حمل فعل المسلم علي الصحة

فان مقتضي الاصل المذكور ان يكون ما في يده ملكا له و يرد عليه أولا: انا نعلم بأن ما في يده مشتمل علي الحرام فلا مجال للاصل مع العلم كما هو ظاهر.

و ثانيا: انه ما المراد من الأصل فانه ان كان المراد منه أن لا يحمل فعله علي الفساد كما لو تردد كلامه بين السلام و السب يحمل علي الصحة و يقال الأصل عدم السباب فانه بهذا المعني تام لكن لا يترتب عليه الاثر فلا يجب الجواب و بعبارة اخري: الأصل المذكور مفاد قوله تعالي «قُولُوا لِلنّٰاسِ حُسْناً» «2» و أما ان كان المراد من الأصل اصالة الصحة الجارية في العقود و الايقاعات فهو في مورد يتحقق عقد و نعلم بالعلم الوجد اني أو التعبدي ان العاقد له أن يعقد العقد الكذائي و نشك في أنه أوقعه صحيحا أم باطلا نحمل عمله علي الصحيح و بهذا المعني لا يجري في المقام لأنه ليس الشك

في الصحة و الفساد بهذا المعني فالأصل الجاري

______________________________

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب كيفية الحكم و احكام الدعاوي

(2) البقرة/ 83

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 462

لا يترتب عليه الاثر و بالمعني الذي يترتب عليه الاثر لا يجري في المقام فلاحظ.

و أما

المقام الثاني [في النصوص الخاصة]

، فيمكن الاستدلال علي المدعي بطوائف من الروايات:

الطائفة الاولي: ما ورد في الربا الدال علي وجوب رد الزائد الي مالكه اذا كان معلوما و حليته اذا كان مجهولا لاحظ ما رواه الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: أتي رجل أبي عليه السلام فقال: اني ورثت مالا و قد علمت أن صاحبه الذي ورثته منه قد كان يربي، و قد عرف أن فيه ربا و استيقن ذلك و ليس يطيب لي حلاله لحال علمي فيه و قد سألت فقهاء أهل العراق و أهل الحجاز فقالوا: لا يحل أكله، فقال أبو جعفر عليه السلام: ان كنت تعلم بأن فيه مالا معروفا ربا و تعرف أهله فخذ رأس مالك ورد ما سوي ذلك، و ان كان مختلطا فكله هنيئا، فان المال مالك، و اجتنب ما كان يصنع صاحبه. فان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم قد وضع ما مضي من الربا و حرم عليهم ما بقي، فمن جهل وسع له جهله حتي يعرفه فاذا عرف تحريمه حرم عليه و وجب «وجبت» عليه فيه العقوبة اذا ركبه كما يجب علي من يأكل الربا «1».

و لاحظ ما رواه ابو المعزي قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: كل ربا اكله الناس بجهالة ثم تابوا فانه يقبل منهم اذا عرف منهم التوبة و قال: لو ان رجلا ورث من ابيه مالا و قد

عرف ان في ذلك المال ربا و لكن قد اختلط في التجارة بغير حلال كان حلالا طيبا فليأكله، و ان عرف منه شيئا انه ربا فليأخذ رأس ماله و ليرد الربا و ايما رجل أفاد مالا كثيرا قد اكثر فيه من الربا فجهل ذلك ثم عرفه بعد فأراد أن ينزعه فما مضي فله و يدعه فيما يستأنف «2».

فانه ربما يستدل بهذه الطائفة علي حلية التصرف في ما في يد الجائر و لو مع

______________________________

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب الربا الحديث 3

(2) نفس المصدر الحديث: 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 463

العلم بكونه شاملا للحرام و الاستدلال بها علي المدعي في غير محله فانه حكم خاص وارد في مورد مخصوص فان الامر بيد الشارع الاقدس.

و بعبارة واضحة: يحرم التصرف في مال الغير بدون اذنه و هذا حكم شرعي مستفاد من دليله و لكن الشارع الأقدس قد أجاز التصرف في ملك الغير و لو مع عدم اذنه كالاكل في المجاعة و تملك اللقطة بعد التعريف المقرر و التوسط في الارض المغصوبة لانقاذ الغريق و اطفاء الحريق و امثالها و اللّه العالم بحقائق الاشياء.

الطائفة الثانية: النصوص الدالة علي حلية الاشياء ما دام لم تثبت حرمتها.

منها: ما رواه عبد اللّه بن سليمان قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الجبن فقال لي: لقد سألتني عن طعام يعجبني ثم أعطي الغلام درهما فقال: يا غلام ابتع لنا جبنا، ثم دعا بالغداء فتغدينا معه فأتي بالجبن فأكل و أكلنا فلما فرغنا من الغذاء قلت: ما تقول: في الجبن؟ قال: أو لم ترني آكله قلت: بلي و لكني أحب أن أسمعه منك فقال: سأخبرك عن الجبن و غيره، كل ما

كان فيه حلال و حرام فهو لك حلال حتي تعرف الحرام بعينه فتدعه «1».

و منها: ما رواه أيضا عبد اللّه بن سليمان عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الجبن قال: كل شي ء لك حلال حتي يجيئك شاهدان يشهدان ان فيه ميتة «2».

و منها: ما رواه عبد اللّه بن سنان قال: سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الجبن فقال: ان أكله ليعجبني ثم دعا به فأكله «3».

و منها: ما رواه بكر بن حبيب قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن الجبن و انه توضع فيه الا نفحة من الميتة قال: لا تصلح، ثم أرسل بدرهم فقال: اشتر

______________________________

(1) الوسائل الباب 61 من ابواب الاطعمة المباحة الحديث 1

(2) عين المصدر الحديث: 2

(3) عين المصدر الحديث 3

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 464

من رجل مسلم و لا تسأله عن شي ء «1».

و منها: ما رواه ابو الجاورد قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الجبن فقلت له: أخبرني من رأي انه يجعل فيه الميتة، فقال: أ من أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرم في جميع الأرضين؟ اذا علمت أنه ميتة فلا تأكله و ان لم تعلم فاشتر و بع و كل، و اللّه اني لأعترض السوق فأشتري بها اللحم و السمن و الجبن، و اللّه ما أظن كلهم يسمون هذه البربر و هذه السودان «2».

و منها: ما رواه عمر بن أبي شبيل قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الجبن قال: كان أبي ذكر له منه شي ء فكرهه ثم أكله فاذا اشتريته فاقطع و اذكر اسم اللّه عليه و كل «3».

و منها: ما رواه معاوية بن عمار عن رجل من أصحابنا قال:

كنت عند أبي جعفر عليه السلام فسأله رجل عن الجبن فقال ابو جعفر عليه السلام انه لطعام يعجبني و سأخبرك عن الجبن و غيره، كل شي ء فيه الحلال و الحرام فهو لك حلال حتي تعرف الحرام فتدعه بعينه «4».

و منها: ما رواه حماد بن عيسي قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: كان أبي يبعث بالدراهم الي السوق فيشتري بها جبنا و يسمي و يأكل و لا يسأل عنه «5».

و منها: ما رواه الكناسي قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن السمن و الجبن اجده في ارض المشركين بالروم أ نأكله؟ فقال: أ ما علمت انه قد خلطه الحرام

______________________________

(1) عين المصدر الحديث: 4

(2) عين المصدر الحديث 5

(3) عين المصدر الحديث 6

(4) عين المصدر الحديث: 7

(5) نفس المصدر الحديث: 8

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 465

فلا تأكله و أما ما لم تعلم فكله حتي تعلم انه حرام «1» و منها غيره الوارد في الباب المشار إليه و غيره من الابواب.

بتقريب: ان المستفاد من هذه الاخبار جواز كل ما يشك في حرمته و لو كان من اطراف العلم الاجمالي فالنتيجة جواز الأخذ و لو كانت الشبهة محصورة و كان المأخوذ من اطراف العلم الاجمالي.

و يرد عليه: انه لا يمكن الالتزام بما ذكر بل لا بدّ من رفع اليد عن اطلاق تلك الروايات و حملها علي غير موارد العلم الاجمالي و الا يلزم الترخيص في المعصية القطعية لأن ترجيح بعض الاطراف علي الاخر بلا مرجح و عنوان احدهما ليس له مصداق الا الافراد الخارجية و الفرد المردد لا واقع له هذا علي ما هو المشهور بين القوم و لكن ذكرنا في محله ان تخصيص الحرمة

ببعض الاطراف و الترخيص في الباقي قابل و يمكن اثباته بالدليل بالتقريب الذي ذكرناه هناك و القول بالجواز من بعض الاساطين يؤيد ما قلناه و التزمنا به.

و حيث ان الموضوع له اهمية خاصة يناسب أن نذكر ما بيناه هناك: فنقول:

التخيير له اقسام: القسم الأول: التخيير الشرعي الجاري في المسألة الاصولية كالتخيير الجاري في الاخبار المتعارضة و هو الذي التزم به جملة من الاصوليين و التخيير بهذا المعني و ان كان قابلا في المقام لكن لا دليل عليه.

القسم الثاني: التخيير في الحكم الفرعي و مثله لا يمكن في المقام لأوله الي الترخيص في المعصية.

القسم الثالث: التخيير بحكم العقل في موارد التزاحم و هذا أيضا لا مجال له في المقام فانه انما يجري فيما لا يمكن للمكلف امتثال كلا التكليفين كمثال الغريقين

______________________________

(1) الوسائل الباب 64 من ابواب الاطعمة المحرمة الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 466

و العقل يحكم بالتخيير بين الامرين.

القسم الرابع: التخيير العقلي بانضمام الحكم الشرعي كما لو ورد دليل دل علي وجوب اكرام كل عالم ثم علمنا بعدم وجوب اكرام زيد و بكر العالمين معا بأن دار الامر بين عدم وجوب الاكرام رأسا و بين وجوب اكرام واحد منهما دون الاخر فلا بد من الالتزام بوجوب اكرام واحد منها فان عموم العام محكم و انما نرفع اليد عنه بمقدار قام الدليل علي العدم و هو الواحد من العالمين و في موارد العلم الاجمالي الامر كذلك فانه لا مجال للأخذ بالدليل أي دليل الأصل لاستلزامه الأذن في المعصية و لكن لا مانع من الأخذ به علي نحو التخيير فانه لا محذور فيه كما هو ظاهر و عن المحقق النائيني ان التقابل بين الإطلاق

و التقييد بالعدم و الملكة فاذا استحال الإطلاق استحال التقييد.

و يرد عليه: ان الإهمال غير معقول في الواقع فلا بد اما من الإطلاق أو التقييد و التقابل بالعدم و الملكة لا يقتضي ما ذكره فان التقابل بين العلم و الجهل بالعدم و الملكة و العلم بكنه وجوده تعالي محال و الجهل به واجب و جهله بالعباد محال و الحال ان علمه بهم واجب فالنتيجة انه يمكن أن يكون الإطلاق محالا و التقييد جائزا فعلي هذا الأساس نقول دليل الإباحة لا يمكن أن يشمل جميع الأطراف لعدم امكانه عقلا و شموله لأحد الطرفين معينا بلا دليل لكن شموله لبعض الاطراف علي التخيير لا مانع منه و حيث ان المحذور في الترخيص في الجميع نرفع اليد عنه و نلتزم بالتخيير و لا يجوز رفع اليد عن اطلاق الدليل أو عمومه الا بمقدار دلالة الدليل علي التخصيص.

و تصدي سيدنا الاستاد للجواب عن التقريب المذكور بوجوه:

الوجه الأول: ان المحذور لو كان الترخيص في الجميع يرتفع بهذا التقريب لكن المحذور في الجميع في الترخيص و هذا المانع موجود اذ لو ترك المكلف

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 467

جميع الأطراف يلزم أن يكون المولي مرخصا في ارتكاب الجميع و هذا غير ممكن.

و يرد عليه: أولا: النقض بباب المتزاحمين فانه لو فرض غريقان و المكلف لا يقدر الا علي انقاذ واحد منهما فلا اشكال في أنه يجب عليه انقاذ كل واحد منهما علي تقدير ترك انقاذ الاخر ففي الفرض المذكور لو ترك انقاذ كليهما يتحقق شرط وجوب انقاذ كل واحد منهما و الحال انه لا يمكن ايجاب انقاذ كليهما.

و ثانيا: نجيب بالحل و هو ان القضية الشرطية لا تنقلب الي

المطلقة، نعم يلزم الجمع في الترخيص و هذا لا محذور فيه بل المحذور الترخيص في الجمع و الوجه فيما ذكرنا ان الحكم الشرعي من باب الاعتبار و الاعتبار خفيف المئونة و ان شئت قلت: المحذور في الجمع بين الحكم الواقعي و الظاهري اما من ناحية المبدأ، و اما من ناحية المنتهي.

أما من ناحية المبدأ فلا محذور فيه كما قلنا، و أما من ناحية المنتهي فلا يكون المكلف مخيرا في مقام العمل لان المكلف اذا ارتكب احد الاطراف لا يكون مخيرا في ارتكاب الاخر لعدم حصول شرطه و مع عدم ارتكاب شي ء من الطرفين لم يجمع بين المنع و الترخيص فلا اشكال لا من ناحية المبدأ و لا من ناحية المنتهي.

الوجه الثاني: ان حرمة الفرد المعلوم بالاجمال مطلقة كما ان حلية الفرد الاخر كذلك فكيف يمكن جعل الترخيص الظاهري، و الحال ان احتمال التطابق بين الحكم الظاهري و الواقعي شرط في صحة جعل الحكم الظاهري.

و يرد عليه: ان هذه الدعوي بلا دليل فان اللازم في صحة جعل الحكم الظاهري احتمال السنخية بين الواقع و الظاهر و السنخية بينهما محتمل فلا محذور من هذه الناحية أيضا.

الوجه الثالث: ان لازم هذا القول شمول دليل الأصل لجميع الاطراف من اوّل الامر فيما كان بين الأطراف تضاد بحيث لا يمكن الجمع و في المقام لا يمكن.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 468

و فيه: ان الميزان عدم شمول الدليل لجميع المصاديق غاية الامر في بقية الموارد يمكن الشمول و بدليل خارجي نرفع اليد و في المقام الاطلاق و الشمول غير معقول و الجامع عدم شمول دليل العام جميع الاطراف اما بالتقييد العقلي و اما بالتقييد المولوي فلا فرق بين

المقام و بقية الموارد، فتحصل انه لا مانع من الالتزام بشمول دليل الأصل لبعض اطراف العلم الاجمالي بشرط الاجتناب عن الطرف الاخر كي لا يلزم المخالفة القطعية.

الطائفة الثالثة: ما يدل بإطلاقه علي جواز اخذ جائزة الظالم و غيرها و لو كان المأخوذ من اطراف العلم الاجمالي و المناسب ان يلاحظ كل واحد من هذه النصوص فنقول من تلك النصوص ما رواه ابو ولاد قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ما تري في رجل يلي أعمال السلطان ليس له مكسب الا من أعمالهم و أنا أمر به فأنزل عليه فيضيفني و يحسن الي، و ربما أمر لي بالدرهم و الكسوة و قد ضاق صدري من ذلك، فقال لي: كل و خذ منه، فلك المهنّأ «الحظ» و عليه الوزر «1».

و الذي يستفاد من هذه الرواية انه يجوز اخذ الجائزة من عامل السلطان الجائر و فسقه بدخوله في اعوان الظالم لا يقتضي حرمة اخذ الجائزة منه و بعبارة اخري لا تنافي بين كون العامل عاصيا و كون المال حراما له و بين جواز الاخذ للضيف بحكم الشارع الاقدس و لا يستفاد من الحديث جواز اخذ الاموال المسروقة و المغصوبة.

و منها: ما رواه ابو المعزي قال: سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السلام و أنا عنده فقال: أصلحك اللّه أمر بالعامل فيجيزني بالدرهم آخذها؟ قال: نعم، قلت:

و أحج بها؟ قال: نعم «2». و الكلام فيه هو الكلام.

______________________________

(1) الوسائل الباب 51 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

(2) عين المصدر الحديث 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 469

و منها: ما رواه محمد بن هشام أو غيره قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:

امر بالعامل فيصلني بالصلة أقبلها؟

قال: نعم، قلت: و أحج منها؟ قال: نعم و حج منها «1». و الحديث ضعيف سندا فلا تصل النوبة الي ملاحظة مدلوله.

و منها: ما رواه يحيي بن أبي العلاء عن أبي عبد اللّه عليه السلام عن أبيه، ان الحسن و الحسين عليهما السلام كانا يقبلان جوائز معاوية «2» و لا يستفاد من الحديث أزيد من جواز اخذ جائزة الظالم مضافا الي كون السند ضعيفا.

و منها: ما رواه محمد بن مسلم و زرارة قالا: سمعناه يقول: جوائز العمال ليس بها بأس «3». و السند ضعيف.

و منها ما رواه ابو بكر الحضرمي قال: دخلت علي أبي عبد اللّه عليه السلام و عنده اسماعيل ابنه، فقال: ما يمنع ابن أبي السمال «السماك خ ل. الشمال» أن يخرج شباب الشيعة فيكفونه ما يكفيه الناس و يعطيهم ما يعطي الناس؟ ثم قال لي: لم تركت عطاءك؟ قال: مخافة علي ديني، قال: ما منع ابن ابي السمال «السماك خ ل» «الشمال» أن يبعث أليك بعطائك! أما علم ان لك في بيت المال نصيبا «4». و الحديث ضعيف سندا فلا يعتد به.

و منها: ما رواه داود بن رزين قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام: اني اخالط السلطان فتكون عندي الجارية فيأخذونها، أو الدابة الفارهة فيبعثون فيأخذونها، ثم يقع لهم عندي المال، فلي أن آخذه؟ قال: خذ مثل ذلك و لا تزد عليه. «5»

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 3

(2) عين المصدر الحديث 4

(3) عين المصدر الحديث 5

(4) عين المصدر الحديث 6

(5) نفس المصدر الحديث: 7

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 470

و المستفاد من الحديث جواز التقاص بالمقدار المعين لا أزيد و لا يرتبط بالمدعي.

و منها ما رواه يونس بن يعقوب، عن عمر

أخي عذافر قال: دفع الي انسان ستّمائة درهم أو سبعمائة درهم لأبي عبد اللّه عليه السلام، فكانت في جوالقي، فلما انتهيت الي الحفيرة شق جوالقي و ذهب بجميع ما فيه. و رافقت عامل المدينة بها فقال: أنت الذي شق جوالقك فذهب بمتاعك؟ فقلت: نعم، قال: اذا قد منا المدينة فائتنا حتي نعوضك قال: فلما انتهيت الي المدينة دخلت علي أبي عبد اللّه عليه السلام فقال: يا عمر شقت زاملتك و ذهب بمتاعك؟ فقلت: نعم، فقال: ما أعطاك خير مما اخذ منك «الي أن قال» فائت عامل المدينة فتنجز منه ما وعدك، فانما هو شي ء دعاك اللّه إليه لم تطلبه منه. «1» و الحديث ضعيف سندا.

و منها: ما رواه محمد بن قيس بن رمانة قال: دخلت علي أبي عبد اللّه عليه السلام فذكرت له بعض حالي، فقال: يا جارية هاتي ذلك الكيس، هذه أربعمائة دينار و صلني بها أبو جعفر فخذها و تفرح بها الحديث. «2» و الحديث ضعيف سندا.

و منها: ما رواه الفضل بن الربيع، عن أبي الحسن موسي بن جعفر عليهما السلام في حديث ان الرشيد بعث إليه بخلع و حملان و مال، فقال: لا حاجة لي بالخلع و الحملان و المال اذا كان فيه حقوق الامة، فقلت: ناشدتك باللّه ان لا ترده فيغتاظ، قال: اعمل به ما أحببت. «3» و الحديث ضعيف سندا.

و منها: ما رواه الفضل أيضا: في حديث ان الرشيد أمر باحضار موسي بن جعفر عليهما السلام يوما فأكرمه و أتي بها بحقة الغالية، ففتحها بيده فغلفه بيده، ثم أمر أن يحمل بين يديه خلع و بدرتان دنانير، فقال موسي بن جعفر عليهما

______________________________

(1) عين المصدر الحديث: 8

(2) نفس المصدر الحديث 9

(3)

عين المصدر الحديث 10

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 471

السلام: و اللّه لو لا اني اري من أزوجه بها من عزاب بين ابي طالب لئلا ينقطع نسله ما قبلتها ابدا. «1» و السند ضعيف.

و منها: ما رواه سفيان بن نزار في حديث ان المأمون حكي عن الرشيد ان موسي بن جعفر عليهما السلام دخل عليه يوما فاكرمه، ثم ذكر انه ارسل إليه مأتي دينار. «2» و السند ضعيف.

و منها ما رواه حسين بن علوان، عن جعفر بن محمد، عن ابيه عليهما السلام ان الحسن و الحسين عليهما السلام كانا يغمزان معاوية و يقعان فيه و يقبلان جوائزه «3» و لا دلالة في الحديث علي المدعي فلاحظ.

و منها: ما ارسله الطبرسي عن الحسين عليه السلام انه كتب كتابا الي معاوية و ذكر الكتاب و فيه تقريع عظيم و توبيخ بليغ، فما كتب إليه معاوية بشي ء يسوؤه و كان يبعث إليه في كل سنة ألف ألف درهم سوي عروض و هدايا من كل ضرب. «4»

و المرسل لا اعتبار به.

و منها: ما رواه الحميري انه كتب الي صاحب الزمان عليه السلام يسأله عن الرجل من وكلاء الوقف مستحل لما في يده لا يرع عن أخذ ماله، ربما نزلت في قريته و هو فيها، أو أدخل منزله و قد حضر طعامه فيدعوني إليه، فان لم آكل طعامه عاداني عليه، فهل يجوز لي أن آكل من طعامه، و اتصدق بصدقة و كم مقدار الصدقة؟ و ان أهدي هذا الوكيل هدية الي رجل آخر فيدعوني الي أن أنال منها و أنا أعلم ان الوكيل لا يتورع عن أخذ ما في يده، فهل علي فيه شي ء

______________________________

(1) عين المصدر الحديث 11

(2)

نفس المصدر الحديث 12

(3) عين المصدر الحديث: 13

(4) عين المصدر الحديث: 14

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 472

ان أنا نلت منها؟ الجواب: ان كان لهذا الرجل مال أو معاش غير ما في يده فكل طعامه و اقبل بره، و الا فلا. «1» و السند لا اعتبار به. و منها: ما رواه محمد بن عيسي عن ابيه، عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا بأس بجوائز السلطان. «2»

و لا يستفاد من الحديث إلا جواز اخذ الجائزة من الظالم مضافا الي ان السند ضعيف فان محمد بن عيسي الذي في السند لم يوثق.

و منها: ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج قال: قال لي ابو الحسن موسي عليه السلام: ما لك لا تدخل مع علي في شراء الطعام اني اظنك ضيقا، قال: قلت:

نعم فان شئت وسعت علي، قال: اشتره. «3».

و لا يستفاد من الحديث الا جواز اشتراء الطعام من الظالم، الا أن يقال ان الحديث بإطلاقه يدل علي جواز شراء الطعام منه و لو مع العلم الاجمالي يكون بعض الاطراف حراما و كون جميع الاطراف محلا للابتلاء.

و منها: ما رواه زرارة قال: اشتري ضريس بن عبد الملك و اخوه من هبيرة أرزا بثلاثمائة الف، قال: فقلت له: ويلك أو ويحك انظر الي خمس هذا المال، فابعث به إليه، و احتبس الباقي فأبي علي، قال: فأدي المال و قدم هؤلاء، فذهب امر بني أمية قال فقلت ذلك لابي عبد اللّه عليه السلام، فقال مبادرا للجواب:

هو له هو له، فقلت له انه قد اداها فعض علي اصبعه «4». و الحديث لا يرتبط بالمقام فان الحديث دال علي عدم وجوب تسليم ثمن ما اشتراه الي الظالم و القضية شخصية

و الوجه في قول الامام عليه السلام غير معلوم.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 15

(2) عين المصدر الحديث 16

(3) الوسائل الباب 52 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

(4) نفس المصدر الحديث 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 473

و منها: ما ارسله محمد بن أبي حمزة، عن رجل قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: أشتري الطعام فيجيئني من يتظلم و يقول: ظلمني، فقال: اشتره «1».

و المرسل لا اعتبار به.

و منها: ما رواه معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: أشتري من العامل الشي ء و انا اعلم انه يظلم؟ فقال: أشتر منه «2» و يستفاد من هذه الرواية جواز الاشتراء من الظالم حتي مع مع العلم بكونه ظالما و غاصبا لأموال الناس.

و منها: ما رواه ابو عبيدة، عن ابي جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل منا يشتري من السلطان من ابل الصدقة و غنم الصدقة و هو يعلم انهم يأخذون منهم أكثر من الحق الذي يجب عليهم: قال: فقال: ما الابل الا مثل الحنطة و الشعير و غير ذلك لا بأس به حتي تعرف الحرام بعينه، قيل له: فما تري في مصدق يجيئنا فيأخذ منا صدقات أغنامنا فنقول: بعناها فيبيعناها، فما تقول في شرائها منه؟ فقال: ان كان قد أخذها و عزلها فلا بأس، قيل له: فما تري في الحنطة و الشعير يجيئنا القاسم فيقسم لنا حظنا، و يأخذ حظه فيعز له بكيل فما تري في شراء ذلك الطعام منه؟ فقال: ان كان قبضه بكيل و أنتم حضور ذلك فلا بأس بشرائه منه من غير كيل «3».

و المستفاد من الحديث جواز الاشتراء مع العلم التفصيلي بكون المأخوذ محرما و يؤيده الحديث

السادس من الباب، و لكن غاية ما في الباب جواز الاشتراء من الظالم و لو مع العلم الاجمالي بحرمة بعض الاطراف و حيث انه حكم علي خلاف القاعدة الاولية يقتصر فيه بالمقدار المستفاد من الدليل و لا مجال للتعدي

______________________________

(1) عين المصدر الحديث 3

(2) عين المصدر الحديث 4

(3) نفس المصدر الحديث: 5

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 474

عن مورده، فالمتحصل انه لا دليل علي المدعي نعم علي القول بعدم تنجز العلم الاجمالي الا بالنسبة الي بعض الاطراف لا مقتضي الا للتحرز في الجملة فلاحظ.

و لقائل أن يقول: ان الحديث لا يرتبط بالمقام اذ المفروض ان مورد الاذن الصدقة المشتراة من الجائر فلم يفرض كون جميع الاطراف محل الابتلاء و العلم بحرمة بعض الاطراف اجمالا و مما ذكرنا يظهر الجواب عن الاستدلال علي المدعي بحديث اسحاق بن عمار و نحوه قال سألته عن الرجل يشتري من العامل و هو يظلم، قال: يشتري منه ما لم يعلم انه ظلم فيه أحدا. «1»

«قوله قدس سره: و قد تقرر حكومة قاعدة الاحتياط علي ذلك … »

هذا علي خلاف مسلكه و مسلك القوم اذ قد تقرر في محله ان البراءة مقدمة علي الاحتياط، الا أن يقال انه قدس سره ناظر الي صورة العلم الاجمالي المنجز فانه في هذه الصورة لا مجال للبراءة كما هو المقرر عندهم و عليه فلا يرد عليه ما أورده سيدنا الاستاد- علي ما في التقرير- من ايراد العجب و انه قد شيد المباني الاصولية فكيف حكم بحكومة قاعدة الاحتياط علي دليل البراءة فايراده غير وارد علي الشيخ.

نعم يرد عليه ان التعبير بالحكومة علي خلاف الاصطلاح فان الحكومة عبارة عن التصرف في موضوع دليل آخر أو

في محموله، الا أن يقال ان كل دليل مقدم علي الدليل الاخر يكون المقدم حاكما علي ما قدم عليه.

«قوله قدس سره: عدم وجوب الاحتياط مطلقا … »

بأن لا يفرق بين عدم كون جميع الاطراف محل الابتلاء و بين كون جميع

______________________________

(1) الوسائل الباب 53 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 475

الاطراف محل الابتلاء

«قوله قدس سره … و علي اي تقدير فهو علي طرف النقيض … »

توضيح المدعي: انه قد مر انه لا بدّ من الاجتناب عن اطراف الشبهة المحصورة فعدم الوجوب مناقض له، و أيضا قد مر ان خروج الجائزة من باب التخصيص فالالتزام بالتخصص مناقض له فعلي كلا التقديرين يكون علي طرف النقيض فلاحظ.

«قوله قدس سره: فالحكم بالحل ليس الا من حيث احتمال … »

ما افاده خلاف الظاهر من الرواية اذ قد فرض في الحديث انه ليس له مكسب الا من اعمالهم، فالمستفاد من الحديث ان المال الذي يأخذ من السلطان يجوز لك أخذه اذا أعطاه العامل للسلطان و أما له فحرام و لا تناقض بين الامرين اذ اختيار الأمور كلها بيد الشارع الاقدس، لكن لا يستفاد المدعي من الرواية اذ لم يفرض في الحديث ان التصرف في بعض الأطراف العلم الإجمالي جائز حتي مع كونه منجزا للأطراف.

«قوله قدس سره. لم ينهض للحكومة علي قاعدة الاحتياط … »

لا أدري ما الوجه في عدم النهوض، فان الدليل لو كان تاما سندا و دلالة لا يكون وجه لعدم النهوض و يستفاد من بعض النصوص جواز شراء الخيانة و السرقة لاحظ ما رواه أبو بصير قال: سألت احدهما عليهما السلام عن شراء الخيانة و السرقة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب،

ج 1، ص: 476

قال: لا الا أن يكون قد اختلط معه غيره فأما السرقة بعينها فلا، الا أن يكون من متاع السلطان فلا بأس بذلك «1».

فان المستفاد من هذه الرواية جواز شراء مال السرقة و الخيانة مع الاختلاط بغيره، بل يجوز عين السرقة اذا كان من السلطان لكن هل يمكن الالتزام بمفاد هذا الخبر و نحوه و اللّه العالم.

«قوله قدس سره: و اما الصورة الثالثة فهو ان يعلم تفصيلا حرمة ما يأخذه»

هذه هي الصورة الثالثة من الصور المتصورة في المقام و هي اربع صور و

الصورة الثالثة ما علم تفصيلا بكون المال غصبا و حراما،
اشارة

و قد تعرض الشيخ قدس سره لفروع متعددة في المقام و ينبغي أن يذكر كل واحد من هذه الفروع و نتكلم حوله:

فنقول

الفرع الأول: ان الآخذ ان كان عالما بكون المال غصبا يكون أخذه حرام تكليفا

لأنه تصرف في مال الغير بدون اذنه و يكون اخذه موجبا للضمان لقاعدة اليد الجارية عليها السيرة العقلائية الممضاة عند الشارع الاقدس فان ندم و تاب فهل ترتفع ضمانه و تصير يده يد امانة؟ الظاهر انه ليس بناء الاصحاب علي ارتفاع الضمان بل يكون باقيا و بعبارة اخري: وضع اليد علي مال الغير بلا رضاه اذا لم يكن باذن من الشارع يوجب الضمان و لا يرتفع الا بما تقرر في الشرع و بعبارة واضحة: ان اليد اذا كانت عدوانية توجب الضمان فاذا صارت امانية بقاء لا يقتضي عدم الضمان اذ المفروض ان اليد اذا كانت امانية لا تقتضي الضمان لا انها

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من ابواب عقد البيع و شروطه الحديث 4

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 477

تقتضي عدم الضمان و من ناحية اخري اليد العدوانية تقتضي الضمان و ما لا اقتضاء فيه لا يزاحم المقتضي.

و لا يخفي انا لا نلتزم ببقاء الضمان بالاستصحاب كي يقال ان الاستصحاب في الحكم الكلي معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد بل انما نقول به لقاعدة اليد المقتضية للضمان و لكن مع ذلك لو عمل بالوظيفة الشرعية بقاء بأن فحص عن المالك مثلا و لم يجده ثم تصدق بالمال علي طبق الموازين الشرعية ثم وجد المالك فهل يكون ضامنا له أم لا؟ الظاهر هو الثاني فان التصدق بالمال علي طبق الميزان الشرعي نحو من الايصال الي المالك أو فقل ان التمليك التصدقي اتلاف حكمي للمال باذن الشارع الأقدس و هو الولي علي الاطلاق علي جميع الاموال

و جميع الناس و جميع العالم، هذا علي تقدير اخذ المال بعنوان التملك و أما ان كان الأخذ بعنوان ايصاله الي مالكه و العمل بما هو المقرر في الشرع الأقدس و الحفظ لمالكه يجوز اخذه بهذه النية و ذلك لوجوه:

الاول: انه احسان و «مٰا عَلَي الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَ اللّٰهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» «1».

الثاني: انه علم من النصوص الواردة في اللقطة و مجهول المالك و الوديعة و العارية ان الشارع الاقدس اذن في التصرف في مال الغير بعنوان الحفظ و ايصاله الشرعي و قد علم من الدليل الشرعي انه ليس علي الامين الا اليمين و ان الشارع الاقدس راض به.

الثالث: ان الظاهر بناء الاصحاب عليه.

الرابع: السيرة العقلائية الممضاة عن قبل الشارع الأقدس و لو كانت مردوعة لشاع و ذاع.

الخامس: انه من الأمور الحسبية التي تكون مرغوبة فيها في الشرع.

______________________________

(1) التوبة/ 91

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 478

السادس: ما رواه ابو بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم: سباب المؤمن فسوق، و قتاله كفر، و أكل لحمه معصية، و حرمة ماله كحرمة دمه «1» فان المستفاد من الحديث ان مال المؤمن محترم كدمه فكما يجوز حفظ دمه كذلك يجوز حفظ ماله و صفوة القول: انه تارة يعلم الاخذ بعدم كون المالك راضيا بالأخذ مع كونه بالغا عاقلا و اخري يعلم بكونه راضيا و ثالثة يشك.

اما في الصورة الاولي، فلا اشكال في عدم جواز الأخذ لأنه عدوان و يكون من مصاديق التعدي فلا يجوز و أما الصورة الثانية فيجوز بلا كلام و لا اشكال و أما الصورة الثالثة فيكون جائزا بالتقاريب المتقدمة.

ان قلت: قد استفيد من

بعض النصوص انه لا يجوز التصرف في مال الغير بدون اذنه لاحظ ما رواه سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال: من كانت عنده أمانته فليؤدها الي من ائتمنه عليها، فانه لا يحل دم امرئ مسلم و لا ماله الا بطيبة نفس منه «2».

و ما عن صاحب الزمان عجل اللّه تعالي فرجه فلا يحل لاحد أن يتصرف في مال غيره بغير اذنه «3».

قلت: لا بدّ من رفع اليد عن الحديثين أما علي تقدير كون المالك صبيا أو مجنونا فلا اثر لرضاه و عدمه و أما مع كونه بالغا عاقلا فربما يقال بأن الحفظ للمالك ليس تصرفا في المال و الانصاف ان الاذعان به مشكل لكن نقول نخصص الدليل المذكور بالوجوه التي ذكرنا فلا مانع من التصرف المذكور.

______________________________

(1) الوسائل الباب الباب 158 من ابواب احكام العشرة الحديث 3

(2) الوسائل الباب 3 من ابواب مكان المصلي الحديث 1

(3) الاحتجاج للطبرسي ص 268

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 479

الفرع الثاني: انه لو كان عالما بالحرمة و لكن اضطر الي الاخذ

كما لو كان مصداقا للتقية من الظالم و في هذه الصورة لو أخذه بعنوان التملك يكون حراما و موجبا للضمان أيضا، بعين التقريب المتقدم و كون أخذه اجباريا و تقية لا يوجب الحلية و عدم الضمان لأن التقية تتأدي بأن ينوي الإيصال الي المالك فعليه لو أخذه بعنوان الحفظ و الإيصال يكون جائزا و الا فلا.

الفرع الثالث: انه لو كان جاهلا بالحرمة و كونه غصبا ثم علم فلا اشكال في عدم حرمة الأخذ

و لكن مقتضي قاعدة اليد الضمان فان عدم الضمان حكم ظاهري متقوم بالشك و أما بحسب الحكم الواقعي فهو ضامن فلا مجال لأن يقال انه ما دام الجهل موجودا لم يكن ضامنا و بعد زوال الجهل يستصحب عدم الضمان اذ قد ظهر بما قلناه ان الضمان متحقق من أول الأمر غاية الأمر لا يعلم الاخذ بكونه ضامنا و لا يخفي انه بعد زوال الجهل و حصول العلم بكون المال حراما لا يحتاج في بقاء الضمان الي استصحابه كي يقال ان الاستصحاب الجاري في الحكم الكلي دائما معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد بل مقتضي قاعدة اليد بقاء الضمان الي أن يحصل سبب ارتفاعه.

الفرع الرابع: انه لو استودعه الغاصب مالا مغصوبا لا يرده إليه مع الامكان

و لو أخذه قهرا ففي الضمان نظر و يظهر من كلام الشهيد في المسالك ان المالك له أن يرجع الي ايهما شاء و يمكن أن يقال ان مقتضي حديث الرفع عدم الضمان الا أن يقال المفروض في المقام تحقق الضمان بالأخذ و بعبارة اخري: وضع يده علي المال عدواني و موجب للضمان و لا مقتضي لارتفاعه، نعم لو كان وضعه عليه بالإكراه و نحوه امكن أن نقول بعدم كونه موجبا للضمان فلاحظ.

الفرع الخامس: انه يجب ايصال المال الي مالكه
اشارة

و في المقام تارة يكون المالك معلوما و اخري يكون مجهولا، أما علي تقدير كونه معلوما فالامر ظاهر

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 480

فان مقتضي الآية الشريفة (إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمٰانٰاتِ إِليٰ أَهْلِهٰا) «1» وجوب رد الأمانة الي اهلها، و يدل علي المقصود بعض النصوص: لاحظ ما رواه ابن أبي العلاء، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ان اللّه عز و جل لم يبعث نبيا الا بصدق الحديث و أداء الأمانة الي البر و الفاجر «2» و لا فرق بين كون العلم بكون المال غصبيا قبل الغصب أو بعده.

ثم انه وقع الكلام في انه بما ذا يتحقق الرد و لا يبعد أن يستفاد من دليل وجوب الرد وجوب الإقباض و عدم كفاية مجرد التخلية، نعم لو كان حرجيا يسقط الوجوب لما تقرر عندهم من حكومة قاعدة لا حرج علي ادلة الأحكام و تقدمها عليها و أيضا علي مسلك القوم في مفاد قاعدة لا ضرر لو كان الإقباض مستلزما للضرر يسقط وجوبه الا ان يقال انه يقع التعارض بين ضرر المالك و ضرر الدافع فان التسليم و الايصال ضرري علي الفرض و أيضا المفروض ان عدم وصول العين الي

مالكها ضرر بالنسبة إليه فوجوب الإيصال ضرري بالنسبة الي الدافع و جواز عدم الإيصال ضرر بالنسبة الي المالك و بعد التعارض تصل النوبة الي الأخذ بدليل وجوب رد المال الي مالكه، و أما ما أفاده الشيخ قدس سره من أن المستفاد من دليل الرد بيان حرمة الحبس فلا يجب الإقباض فلا يمكن مساعدته فان المستفاد من الدليل وجوب الإيصال و بالملازمة يفهم ان الحبس لا يجوز الا أن يقال: ان قاعدة لا ضرر لا تشمل موارد الترخيص و الجواز.

ثم انه هل تجب الفورية بأن يرده إليه فورا أم لا تجب الفورية؟ افاد الماتن قدس سره انه لا خلاف في كون وجوب الرد فوريا، و يمكن أن يقال: التناسب بين الحكم و الموضوع يقتضي الفورية بل يمكن أن يستدل عليها بأن المفروض ان رد

______________________________

(1) النساء 58

(2) الاصول من الكافي ج 2 ص 104 الحديث: 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 481

الامانة واجب فسأل انه هل يجب ردها في اوّل ازمنة الامكان أم لا يجب؟ فعلي الاول يثبت المدعي، و علي الثاني نقول كيف لا يجب و الحال انه لا يرضي المالك ببقاء المال عنده و معه كيف يجوز التأخير في الايصال و اذا لم نلتزم بالفورية يلزم جواز التأخير اياما بل اسابيع بل الشهور اذ فرض انه واجب موسع و هل يمكن الالتزام به؟

ثم انه علي القول بالوجوب الفوري فهل تسقط الفورية باعلام صاحبه به كما اختاره شيخنا الاعظم الظاهر انه لا وجه له اذ علي القول بها فما الوجه في سقوط الوجوب بالاعلام و الحال انه قدس سره لم يذكر دليلا لما افاده و اللّه العالم.

ان قلت: ان الرد و الايصال اذا كان

مستلزما للتصرف في المال فان نقله الي المالك و ايصاله إليه تصرف فيه و لا يجوز التصرف في المال الا باذن صاحبه.

قلت: لو قلنا بأن المستفاد من الدليل وجوب الايصال فلا مجال لهذا التقريب، نعم اذا احرز عدم رضاه بالنقل و لم يكن الحفظ حرجا لمن يكون عنده يمكن ان يقال بحرمة النقل و أما ان كان المالك مجهولا فيقع الكلام فيه من جهات:

الجهة الأولي: هل يجوز التصدق به قبل الفحص أم لا
اشارة

و تتصور في المقام صور:

الصورة الاولي: مورد العلم بأنه لو فحص يصل الي المالك و يجده

و في هذه الصورة يجب الفحص فان الآية الشريعة «إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمٰانٰاتِ إِليٰ أَهْلِهٰا» «1» تدل علي وجوب رد الامانات الي اهلها علي الاطلاق و العموم فان الجمع المحلي يدل بالعموم الوضعي علي المدعي و يستفاد من بعض النصوص جواز التصدق بمجهول المالك و لو مع امكان الوصول إليه و من تلك الطائفة ما رواه

______________________________

(1) النساء/ 58

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 482

علي بن أبي حمزة البطائني قال: كان لي صديق من كتاب بني امية فقال لي: استأذن لي علي أبي عبد اللّه عليه السلام فاستأذنت له «عليه» فاذن له، فلما أن دخل سلم و جلس، ثم قال: جعلت فداك اني كنت في ديوان هؤلاء القوم فأصبت من دنياهم مالا كثيرا، و أغمضت في مطالبه، فقال ابو عبد اللّه عليه السلام: لو لا ان بني امية وجدوا لهم من يكتب و يجبي لهم الفي ء و يقاتل عنهم و يشهد جماعتهم لما سلبونا حقنا، و لو تركهم الناس و ما في أيديهم ما وجدوا شيئا الا ما وقع في أيديهم قال: فقال الفتي:

جعلت فداك فهل لي مخرج منه؟ قال: ان قلت لك تفعل؟ قال: أفعل، قال له:

فاخرج من جميع ما كسبت «اكتسبت» في ديوانهم فمن عرفت منهم رددت عليه ماله، و من لم تعرف تصدقت به، و أنا أضمن لك علي اللّه عز و جل الجنة، فأطرق الفتي طويلا ثم قال له: لقد فعلت جعلت فداك، قال ابن أبي حمزة: فرجع الفتي معنا الي الكوفة فما ترك شيئا علي وجه الأرض الا خرج منه حتي ثيابه التي كانت علي بدنه قال: فقسمت له قسمة و اشترينا

له ثيابا و بعثنا إليه بنفقة، قال: فما أتي عليه الا أشهر قلائل حتي مرض، فكنا نعوده، قال: فدخلت يوما و هو في السوق قال: ففتح عينيه ثم قال: يا علي و في لي و اللّه صاحبك قال: ثم مات فتولينا أمره فخرجت حتي دخلت علي أبي عبد اللّه عليه السلام فلما نظر الي قال: لي يا علي و فينا و اللّه لصاحبك، قال: فقلت صدقت جعلت فداك و اللّه هكذا و اللّه قال لي عند موته «1». و هذه الرواية ضعيفة سندا فلا تصل النوبة الي ملاحظة مدلولها.

و منها ما رواه علي بن ميمون الصائغ قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عما يكنس من التراب فأبيعه فما أصنع به؟ قال: تصدق به فاما لك و اما لأهله قال:

قلت: فان فيه ذهبا و فضة و حديدا فبأي شي ء ابيعه؟ قال: بعه بطعام، قلت: فان

______________________________

(1) الوسائل الباب 47 من ابواب ما يكتسب به

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 483

كان لي قرابة محتاج أعطيه منه؟ قال: نعم «1» و الرواية ضعيفة سندا فلا يعتد بها.

و منها: ما رواه أبو علي بن راشد قال: سألت أبا لحسن عليه السلام قلت:

جعلت فداك اشتريت ارضا الي جنب ضيعتي بألفي درهم، فلما وفيت المال خبرت ان الارض وقف، فقال: لا يجوز شراء الوقف و لا تدخل الغلة في مالك و ادفعها الي من وقفت عليه، قلت: لا أعرف لها ربا، قال: تصدق بغلتها «2» و السند ضعيف فلا يعتد بالحديث.

و منها: ما رواه محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل ترك غلاما له في كرم له يبيعه عنبا أو عصيرا، فانطلق الغلام فعصر خمرا

ثم باعه، قال: لا يصلح ثمنه، ثم قال: ان رجلا من ثقيف أهدي الي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله راويتين من خمر، فأمر بهما رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فاهريقتا، و قال: ان الذي حرم شربها حرم ثمنها، ثم قال أبو عبد اللّه عليه السلام. ان افضل خصال هذه التي باعها الغلام أن يتصدق بثمنها «3».

و مثله في الدلالة حديث أبي أيوب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجل أمر غلامه أن يبيع كرمه عصيرا، فباعه خمرا، ثم أتاه بثمنه، فقال: ان أحب الأشياء الي أن يتصدق بثمنه «4».

و هذه الرواية اي حديث ابن مسلم لا بأس بسندها ظاهرا، فلا بد من ملاحظة النسبة بين هذه الرواية و الآية المباركة و النسبة بينهما عموم من وجه فان ما به الافتراق من ناحية الحديث صورة عدم امكان ايصال المال الي مالكه فان الآية لا تشمله اذ

______________________________

(1) الوسائل الباب 16 من ابواب الصرف الحديث 1

(2) الوسائل الباب 17 من ابواب عقد البيع و شروطه الحديث 1

(3) الوسائل الباب 55 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

(4) عين المصدر الحديث 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 484

التكليف بالاداء مشروط بالقدرة و ما به الافتراق من ناحية الآية الشريفة صورة معرفة المالك و امكان ايصال المال إليه و ما به الاجتماع صورة عدم معرفة المالك و امكان ايصال المال إليه فان مقتضي عموم الآية وجوب التأدية و مقتضي اطلاق الحديث عدم وجوبها فيقع التعارض بين الجانبين و حيث ان عموم الآية وضعي يقدم علي عموم الحديث حيث ان عمومه اطلاقي و العموم الوضعي يقدم علي العموم الاطلاقي علي ما هو المقرر.

و يمكن

تقديم العموم الكتابي علي الاطلاق الروائي بأنه قد دلت جملة من النصوص علي ان ما خالف الكتاب لا اعتبار به:

منها: ما رواه حسين بن أبي العلاء أنه حضر ابن أبي يعفور في هذا المجلس قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن اختلاف الحديث يرويه من نثق به، و منهم من لا نثق به، قال: اذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهدا من كتاب اللّه أو من قول رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله، و الا فالذي جاءكم به أولي به «1».

و منها: ما رواه هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: خطب النبي صلي اللّه عليه و آله بمني فقال: أيها الناس ما جاءكم عني يوافق كتاب اللّه فأنا قلته، و ما جاءكم يخالف كتاب اللّه فلم أقله «2».

و منها: ما رواه أيوب بن الحر قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: كل شي ء مردود الي الكتاب و السنة و كل حديث لا يوافق كتاب اللّه فهو زخرف «3».

و منها: ما رواه أيوب بن راشد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: ما لم

______________________________

(1) الوسائل الباب 9 من ابواب صفات القاضي الحديث 11

(2) نفس المصدر الحديث 15

(3) نفس المصدر الحديث 14

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 485

يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف «1».

و منها: ما رواه السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: ان علي كل حق حقيقة و علي كل صواب نور، فما وافق كتاب اللّه فخذوه، و ما خالف كتاب اللّه فدعوه «2».

لكن الأشكال في اسناد الأحاديث المذكورة و لا يبعد أن يكون الحديث الحادي عشر

تاما سندا اذ البرقي ينقل الرواية عن علي بن حكم فالحديث المخالف مع الكتاب لاعتبار به.

و يستفاد من بعض النصوص وجوب رد مجهول المالك إليه اذا كان ممكنا.

لاحظ ما رواه حفص بن غياث قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل من المسلمين أودعه رجل من اللصوص دراهم أو متاعا و اللص مسلم هل يرد عليه؟

فقال: لا يرده فان أمكنه أن يرده علي أصحابه فعل، و الا كان في يده بمنزلة اللقطة يصيبها فيعرفها حولا، فان أصاب صاحبها ردها عليه و الا تصدق بها، فان جاء طالبها بعد ذلك خيره بين الأجر و الغرم فان اختار الأجر فله الأجر و ان اختار الغرم غرم له و كان الأجر له «3». و الحديث ضعيف سندا.

و من تلك الطائفة ما رواه هشام بن سالم قال: سأل خطاب الأعور أبا ابراهيم عليه السلام و أنا جالس فقال: انه كان عند أبي أجير يعمل عنده بالاجرة ففقدناه و بقي من أجره شي ء و لا يعرف له وارث قال: فاطلبوه، قال: قد طلبناه فلم نجده، قال: فقال: مساكين- و حرك يده- قال: فأعاد عليه قال: اطلب و اجهد فان قدرت عليه و الا فهو كسبيل مالك حتي يجي ء له طالب، فان حدث بك حدث فأوص به

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 12

(2) نفس المصدر الحديث 10

(3) الوسائل الباب 18 من ابواب اللقطة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 486

ان جاء لها طالب ان يدفع إليه «1» و السند ضعيف.

و منها ما رواه معاوية بن وهب، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل كان له علي رجل حق، ففقده و لا يدري أين يطلبه و لا يدري أحي هو أم

ميت و لا يعرف له وارثا و لا نسبا و لا ولدا، قال: اطلب قال: فان ذلك قد طال فأتصدق به؟ قال: اطلبه «2».

و الظاهر ان السند مخدوش فان للرواية سندين احدهما فيه العبيدي و الثاني فيه ابن عون و لم يذكره الأردبيلي في جامع الرواة في باب الكني و اللّه العالم و لكن للحديث سند ثالث لا بأس به «3».

و منها: ما رواه اسحاق بن عمار قال: سألته عن رجل كان له ولد فغاب بعض ولده فلم يدر أين هو و مات الرجل فكيف يصنع بميراث الغائب من ابيه؟ قال:

يعزل حتي يجي ء، قلت: فقد الرجل فلم يجي ء، قال: ان كان ورثة الرجل ملاء بماله اقتسموه بينهم فان هو جاء ردوه عليه «4».

و هذه الرواية موردها معلوم المالك لكن لا يعلم اين هو و انه حي أو ميت و ما نحن فيه مورده مجهول المالك.

و منها: ما رواه علي بن مهزيار قال: سألت أبا جعفر الثاني عليه السلام عن دار كانت لامرأة و كان لها ابن و ابنة فغاب الابن بالبحر و ماتت المرأة فادعت ابنتها ان أمها كانت صيرت هذه الدار لها و باعت اشقاصا منها و بقيت في الدار قطعة الي جنب دار رجل من أصحابنا و هو يكره أن يشتريها لغيبة الابن و ما يتخوف أن لا يحل شراؤها و ليس يعرف للابن خبر، فقال لي: و منذ كم غاب؟ قلت: منذ

______________________________

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب ميراث الخنثي الحديث 1

(2) عين المصدر الحديث 2

(3) الوسائل الباب 22 من ابواب الدين الفرض الحديث 2

(4) الوسائل باب 6 من ابواب ميراث الخنثي الحديث 6

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 487

سنين كثيرة

قال: ينتظر به غيبة عشر سنين ثم يشتري، فقلت: اذا انتظر به غيبة عشر سنين يحل شراؤها؟ قال نعم «1».

و الكلام فيه هو الكلام فان الرواية فان الرواية موردها معلوم المالك و كلامنا في مجهول المالك.

و منها: ما رواه إسحاق بن عمار، عن أبي الحسن الاول عليه السلام قال:

سألته عن رجل كان له ولد فغاب بعض ولده فلم يدر أين هو و مات الرجل فأي شي ء يصنع بميراث الرجل الغائب من ابيه؟ قال: يعزل حتي يجي ء قلت: فعلي ماله زكاة؟ قال: لا حتي يجي ء قلت: فاذا جاء يزكيه؟ قال: حتي يحول عليه الحول في يده فقلت: فقد الرجل فلم يجي ء، قال: ان كان ورثة الرجل ملاء بماله اقتسموه بينهم، فاذا هو جاء ردوه عليه «2» و الكلام فيه هو الكلام.

و منها: ما رواه سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: المفقود يحبس ماله علي الورثة قدر ما يطلب في الارض أربع سنين، فان لم يقدر عليه قسم ماله بين الورثة، فان كان له ولد حبس المال و أنفق علي ولده تلك الاربع سنين «3» و الكلام فيه هو الكلام.

و منها: ما رواه يونس بن عبد الرحمن قال: سئل أبو الحسن الرضا عليه السلام و أنا حاضر، الي أن قال: فقال: رفيق كان لنا بمكة فرحل منها الي منزله و رحلنا الي منازلنا، فلما أن صرنا في الطريق أصبنا بعض متاعه معنا فأي شي ء نصنع به؟

قال: تحملونه حتي تحملوه الي الكوفة قال: لسنا نعرفه و لا نعرف بلده و لا نعرف كيف نصنع؟ قال: اذا كان كذا فبعه و تصدق بثمنه، قال له: علي من جعلت فداك؟

______________________________

(1) عين المصدر الحديث 7

(2) نفس المصدر الحديث 8

(3)

عين المصدر الحديث 9

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 488

قال: علي أهل الولاية «1».

و هذه الرواية ضعيفة سندا فالنتيجة انه مع امكان الوصول الي المالك يجب الفحص للوصول إليه و هذا هو المورد الأول من الموارد الثلاثة.

الصورة الثانية: صورة العلم بأنه لا يجده و لا يمكنه الوصول إليه فقد وقع الكلام في حكمه
اشارة

و قد ذكرت في بيان حكمه وجوه:

الوجه الأول ان حكمه الدفع الي الامام و انه مالكه

و الدليل عليه ما رواه داود بن أبي يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رجل: اني قد اصبت مالا و اني قد خفت فيه علي نفسي و لو أصبت صاحبه دفعته إليه و تخلصت منه، قال: فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام: و اللّه أن لو أصبته كنت تدفعه إليه؟ قال: اي و اللّه قال:

فأنا و اللّه ماله صاحب غيري قال: فاستحلفه أن يدفعه الي من يأمره قال: فحلف فقال: فاذهب فاقسمه في اخوانك و لك الأمن مما خفت منه قال: فقسمته بين اخواني «2».

و الحديث تام سندا ان كان المراد من موسي بن عمر الواقع في السند موسي بن عمر بن بزيع لكن الرواية لا ترتبط بالمقام فان المستفاد من الحديث ان المال المصاب ملك له روحي فداه. فيمكن انه ضاع عنه عليه السلام أو سرق منه أو هو عليه السلام يعلم بأنه من تركة من لا وارث له و كيف ما كان لا تدل الرواية علي أن مجهول المالك ملك للإمام عليه السلام مضافا الي أن اطلاق الحديث يشمل اللقطة و من الظاهر ان اللقطة لها حكم خاص الا أن يقال انه لا مانع من تخصيص الحديث بغير اللقطة.

الوجه الثاني: ان حكم مجهول المالك العمل فيه و اخراجه صدقة قليلا قليلا

______________________________

(1) الوسائل الباب 7 من ابواب اللقطة الحديث 2

(2) عين المصدر الحديث: 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 489

و الدليل عليه ما رواه نصر بن حبيب صاحب الخان قال: كتبت الي عبد صالح عليه السلام لقد وقعت عندي مائتا درهم و أربعة دراهم و أنا صاحب فندق و مات صاحبها و لم أعرف له ورثة فرأيك في اعلامي حالها و ما أصنع بها فقد ضقت بها ذرعا، فكتب

أعمل فيها و اخرجها صدقة قليلا قليلا حتي يخرج «1» و السند ضعيف فلا يعتد بالرواية.

الوجه الثالث: أن يتصدق به و تدل علي المدعي جملة من النصوص

منها:

ما رواه علي بن أبي حمزة البطائني «2» و هذه الرواية ضعيفة سندا و منها: ما رواه أبو أيوب «3» و الرواية ضعيفة سندا. و منها: ما رواه علي بن ميمون الصائغ «4». و الحديث ضعيف سندا.

و منها: ما رواه علي الصائغ قال: سألته عن تراب الصواغين و انا نبيعه قال:

أ ما تستطيع أن تستحله من صاحبه؟ قال: قلت: لا اذا أخبرته اتهمني، قال: بعه، قلت: بأي شي ء نبيعه؟ قال: بطعام، قلت: فأي شي ء أصنع به؟ قال: تصدق به، اما لك و اما لأهله «لأهلك» قلت: ان كان ذا قرابة محتاجا اصله؟ قال: نعم «5» و الحديث ضعيف سندا.

و منها: ما رواه أبو علي ابن راشد «6» و الحديث ضعيف سندا.

و منها: ما رواه حفص بن غياث «7» و الحديث ضعيف سندا.

______________________________

(1) الوسائل الباب 6 من ابواب ميراث الخنثي الحديث 3

(2) قد تقدم في ص 482

(3) قد تقدم في ص 483

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، 4 جلد، كتابفروشي محلاتي، قم - ايران، اول، 1413 ه ق عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب؛ ج 1، ص: 489

(4) قد تقدم في ص 482

(5) الوسائل الباب 16 من ابواب الصرف الحديث 2

(6) قد تقدم في ص 483

(7) قد تقدم في ص 485

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 490

و منها: ما رواه يونس بن عبد الرحمن «1» و الحديث ضعيف سندا.

و منها: ما رواه محمد بن مسلم «2» و الحديث تام سندا لكن لا يستفاد من الحديث وجوب التصدق بل المستفاد من الحديث ان افضل الخصال فيه

التصدق.

الوجه الرابع: ان مجهول المالك ملك لمن وضع يده عليه

و فيه الخمس كبقية الأموال التي فيه الخمس من ارباح المكاسب و يدل عليه حديث علي بن مهزيار «3». و الشاهد في الرواية قوله عليه السلام في عداد ما يجب فيه الخمس «و مثل ما يؤخذ و لا يعرف له صاحب» و مقتضي هذه الرواية ان مجهول المالك يصير ملكا للآخذ غاية الأمر يجب أن يخمس.

و أورد علي التقريب المذكور سيدنا الاستاد أولا: بأن الحديث غير متعرض لسبب الملكية بل متعرض لوجوب الخمس في كل مورد يتحقق الملك و أما حصول الملك فلا بد من تحقق سببه، و بعبارة واضحة ان الحديث لا يكون في مقام بيان سبب تحقق الملكية.

و ثانيا: انه علي فرض الدلالة تكون دلالته بالظهور لا بالصراحة و حيث ان المستفاد من دليل وجوب التصدق ان حكم مجهول المالك أن يتصدق به يقيد ظهور خبر ابن مهزيار بدليل وجوب الصدقة و يختص مورد الخمس بعد التقييد باللقطة.

و يرد علي ايراده الأول: انه لا اشكال في أن العرف يفهم من الحديث ان من جملة اسباب تحقق الملكية اخذ مجهول المالك و الميزان الفهم العرفي و العرف ببابك.

و يرد علي ايراده الثاني: انه لا تنافي بين هذه الرواية و حديث ابن مسلم فان

______________________________

(1) قد تقدم في ص 487

(2) قد تقدم في ص 483

(3) لاحظ ص: 457

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 491

مقتضي حديث ابن مهزيار تحقق الملكية و وجوب الخمس كبقية ارباح المكاسب و مقتضي حديث ابن مسلم ان أفضل الخصال فيه أن يتصدق به، فان تصدق به أو صرفه قبل تمام السنة لا يتعلق به الخمس و اما ان بقي بحاله الي آخر السنة فيتعلق به الخمس و ان ابيت

و قلت ان الحديثين متعارضان، قلت: ان الترجيح مع حديث ابن مهزيار بالأحدثية.

و في المقام حديث رواه اسحاق بن عمار، عن عبد صالح عليه السلام قال:

سألته عن رجل في يده دار ليست له و لم تزل في يده و يد آبائه من قبله قد أعلمه من مضي من آبائه انها ليست لهم، و لا يدرون لمن هي فيبيعها و يأخذ ثمنها؟ قال:

ما احب أن يبيع ما ليس له، قلت: فانه ليس يعرف صاحبها و لا يدري لمن هي، و لا أظنه يجي ء لها رب أبدا، قال: ما احب أن يبيع ما ليس له، قلت: فيبيع سكتاها أو مكانها في يده فيقول: ابيع سكناي و تكون في يدك كما هي في يدي، قال: نعم يبيعها علي هذا «1» يمكن ان يقال انه يعارض حديث ابن مهزيار حيث ان المستفاد منه عدم كون الدار مملوكة لمن في يده و لكن علي فرض تمامية التعارض يكون الترجيح لحديث ابن مهزيار لكونه أحدث و قد بنينا اخيرا ان المرجح الوحيد في باب الترجيح الاحدثية فلاحظ، و تؤيد المدعي جملة من النصوص:

منها: ما رواه عبد اللّه بن جعفر قال: كتبت الي الرجل عليه السلام أسأله عن رجل اشتري جزورا أو بقرة للاضاحي، فلما ذبحها وجد في جوفها صرة فيها دراهم أو دنانير أو جوهرة لمن يكون ذلك؟ فوقع عليه السلام عرفها البائع فان لم يكن يعرفها فالشي ء لك رزقك اللّه اياه «2».

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من ابواب عقد البيع و شروطه الحديث: 5

(2) الوسائل الباب 9 من ابواب اللقطة الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 492

و منها: ما رواه عبد اللّه بن جعفر الحميري قال: سألته عليه

السلام في كتاب عن رجل اشتري جزورا أو بقرة أو شاة أو غيرها للأضاحي أو غيرها، فلما ذبحها وجد في جوفها صرة فيها دراهم أو دنانير أو جواهر أو غير ذلك من المنافع لمن يكون ذلك؟ و كيف يعمل به؟ فوقع عليه السلام: عرفها البائع فان لم يعرفها فالشي ء لك رزقك اللّه اياه «1».

و منها: ما رواه أبو حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام في حديث ان رجلا عابدا من بني اسرائيل كان محارفا، فاخذ غزلا فاشتري به سمكة فوجد في بطنها لؤلؤة فباعها بعشرين ألف درهم، فجاء سائلا فدق الباب فقال له الرجل: ادخل فقال له: خذ أحد الكيسين فأخذ أحدهما و انطلق فلم يكن بأسرع من أن دق السائل الباب فقال له الرجل: ادخل فدخل فوضع الكيس في مكانه ثم قال: كل هنيئا مريئا أنا ملك من ملائكة ربك انما اراد ربك أن يبلوك فوجدك شاكرا، ثم ذهب «2».

و منها: ما رواه حفص بن غياث عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان في بني اسرائيل رجلا و كان محتاجا، فألحت عليه امرأته في طلب الرزق فابتهل الي اللّه في الرزق، فرأي في النوم أيما أحب أليك درهمان من حل أو الفان من حرام؟

فقال: درهمان من حل، فقال: تحت رأسك فانتبه فرأي الدرهمين تحت رأسه فأخذهما، و اشتري بدرهم سمكة و أقبل الي منزله فلما رأته المرأة أقبلت عليه كاللائمة و أقسمت أن لا تمسها، فقام الرجل إليها فلما شق بطنها اذا بدرتين، فباعهما بأربعين ألف درهم «3».

و منها: ما رواه أبو حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان في بني اسرائيل

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 2

(2) الوسائل الباب 10 من ابواب اللقطة

الحديث 1

(3) نفس المصدر الحديث 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 493

عابدا و كان محارفا تنفق عليه امرأته. فجاعوا يوما، فدفعت إليه غزلا فذهب فلا يشتري بشي ء، فجاء الي البحر فاذا هو بصياد قد اصطاد سمكا كثيرا، فأعطاه الغزل و قال: انتفع به في شبكتك فدفع إليه سمكة فرفعها و خرج بها الي زوجته، فلما شقها بدت من جوفها لؤلؤة فباعها بعشرين ألف درهم «1».

و منها: ما رواه الزهري عن علي بن الحسين عليهما السلام في حديث أن رجلا شكا إليه الدين و العيال، فبكا و قال: أي مصيبة أعظم علي حر مؤمن أن يري بأخيه المؤمن خلة فلا يمكنه سدها الي أن قال علي بن الحسين عليهما السلام:

قد أذن اللّه في فرجك يا جارية احملي سحوري و فطوري، فحملت قرصتين فقال علي بن الحسين عليهما السلام للرجل: خذهما فليس عندنا غيرهما فان اللّه يكشف بهما عنك و يريك خيرا واسعا منهما، ثم ذكر أنه اشتري سمكة بأحد القرصتين و بالأخري ملحا، فلما شق بطن السمكة وجد فيها لؤلؤتين فاخرتين، فحمد اللّه عليهما، فقرع بابه فاذا صاحب السمكة و صاحب الملح يقولان جهدنا أن نأكل من هذا الخبز فلم تعمل فيه أسناننا فقد رددنا أليك هذا الخبز و طيبنا لك ما أخذته منا، فما استقر حتي جاء رسول علي بن الحسين عليهما السلام و قال: انه يقول لك: ان اللّه قد أتاك بالفرج فاردد إلينا طعامنا فانه لا يأكله غيرنا و باع الرجل اللؤلؤتين بمال عظيم قضي منه دينه و حسنت بعد ذلك حاله «2».

و منها: ما رواه الحسن بن علي العسكري في (تفسيره) في حديث طويل أن رجلا فقيرا اشتري سمكة فوجد

فيها أربعة جواهر، ثم جاء بها الي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و جاء تجار غرباء فاشتروها منه بأربعمائة ألف درهم، فقال الرجل: ما كان أعظم بركة سوقي اليوم يا رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله، فقال رسول اللّه

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 3

(2) نفس المصدر الحديث 4

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 494

صلي اللّه عليه و آله: هذا بتوقيرك محمدا رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و توقيرك عليا اخا رسول اللّه و وصيه و هو عاجل ثواب اللّه لك و ربح عملك الذي عملته «1».

الوجه الخامس: وجوب حفظه و الايصاء به عند الوفاة

علي ما في كلام سيدنا الاستاد «2» و الدليل عليه ما رواه هشام بن سالم قال: سأل حفص الأعور أبا عبد اللّه عليه السلام و أنا عنده جالس، قال: انه كان لأبي أجير كان يقوم في رحاه و له عندنا دراهم و ليس له وارث، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام تدفع الي المساكين ثم قال:

رأيك فيها، ثم أعاد عليه المسألة فقال له مثل ذلك، فأعاد عليه المسألة ثالثة فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: تطلب وارثا فان وجدت وارثا و الا فهو كسبيل مالك. ثم قال: ما عسي أن يصنع بها، ثم قال: توصي بها فان جاء طالبها و الا فهي كسبيل مالك «3».

و أورد سيدنا الاستاد علي الاستدلال بالرواية أولا: بأن مورد الحديث الحق الكلي و الكلام في العين الشخصية و ثانيا: انه حكم وارد في قضية شخصية و لا يستفاد من الحديث الحكم الكلي.

و فيه: ان الظاهر من الحديث ان مورد الرواية العين الشخصية لا الحق الكلي فان الظاهر من جملة «و له عندنا دراهم» دراهم خارجية شخصية و العرف

ببابك. و أيضا يستفاد من الحديث خلاف ما رامه فان العرف يفهم من الحديث ان الامام عليه السلام في مقام بيان حكم مجهول المالك، و الحق أن يقال انه لا يبعد أن المستفاد من الحديث مورد امكان الوصول الي المالك و عدم اليأس و كلامنا في مورد عدم امكان الوصول

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 5

(2) مصباح الفقاهة ج 1 ص 521

(3) الوسائل الباب 22 من أبواب الدين و القرض الحديث 3

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 495

إليه و ان أبيت عما ذكرنا فنقول غاية ما في الباب أن يقع التعارض بين هذه الرواية و حديث ابن مهزيار و الترجيح مع حدث ابن مهزيار بالاحدثية و قريب من هذا الحديث ما رواه هشام بن سالم أيضا قال: سأل حفص الأعور أبا عبد اللّه عليه السلام و انا حاضر فقال: كان لأبي أجير و كان له عنده شي ء فهلك الأجير فلم يدع وارثا و لا قرابة و قد ضقت بذلك كيف أصنع؟ قال: رأيك المساكين رأيك المساكين فقلت اني ضقت بذلك ذرعا قال: هو كسبيل مالك فان جاء طالب أعطيته «1».

الوجه السادس: الالتزام بكون حكم مجهول المالك حكم اللقطة من تعريفه سنة و غيره من الأحكام.

و فيه: انه لا وجه له فان تلك الأحكام أحكام خاصة في مورد اللقطة و لا وجه لتسرية تلك الاحكام الي المقام بلا قيام دليل معتبر عليها و أما حديث حفص «2» الدال علي أن بعض اقسام مجهول المالك محكوم بحكم اللقطة فهو ضعيف سندا فلا يعتد به.

الوجه السابع: وجوب دفعه الي الحاكم الشرعي بتقريب انه ولي الغائب.

و فيه: انه لا دليل علي ولايته في المقام و ولاية الحاكم الشرعي علي الامور من باب الحسبة و لا مجال لها بعد وضوح الوظيفة من قبل الشارع و قد ظهر مما تقدم انه ملك للآخذ و أفضل خصاله الصدقة.

ان قلت: يجب الدفع إليه اما من حيث ولايته و اما من حيث كونه أعرف بحكمه. قلت: أما ولايته فلا دليل عليها و أما كونه اعرف بالحكم فنعم لكن بعد رجوع المقلد إليه و تعلم الحكم منه يكون كلاهما عارفين غاية الأمر احدهما

______________________________

(1) الوسائل الباب 6 من ابواب ميراث الخنثي الحديث 1

(2) قد تقدم في ص 485

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 496

بالاجتهاد و الاخر بالتقليد فلا فرق بينهما، و أما بالنسبة الي الموضوع فلا دليل علي كونه أعرف فاذا اراد أن يتصدق او اذا اراد أن يخمس يقوم بالأمر بنفسه غاية ما في الباب أن يأذن من الحاكم، و أما وجوب دفعه إليه فلا دليل عليه.

و صفوة القول: ان المقام كبقية موارد التصدق و التخميس بلا فرق فلاحظ.

و لا يخفي ان مقتضي اطلاق دليل التصدق عدم اشتراطه بالاذن عن الحاكم الشرعي نعم بالنسبة الي التخميس بناء الأصحاب علي الدفع بالاذن عن الحاكم و البحث حول هذه الجهة موكول الي مجال آخر و قد تعرضنا له تبعا لسيدنا الاستاد في كتاب الخمس من مباني منهاج الصالحين

فراجع.

الصورة الثالثة: الشك في الوصول و الشك في القدرة

و لا يمكن الاخذ بالآية الشريفة «إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمٰانٰاتِ إِليٰ أَهْلِهٰا» «1» الدالة علي وجوب التأدية الي الأهل اذ لا اشكال في أن التكليف مشروط بالقدرة فمع الشك في القدرة لا مجال للأخذ بالدليل و ان شئت قلت لا مجال للأخذ بالدليل في الشبهة المصداقية.

ان قلت: الامر كما ذكرت لكن مقتضي السيرة العقلائية وجوب الفحص عند الشك في القدرة قلت: لا مجال لهذا القياس اذ مقتضي دليل البراءة الجارية في الشبهات المصداقية عدم وجوب الفحص و بعد عدم شمول الآية للشك في القدرة يشمله اطلاق دليل التصدق كما يشمله أيضا حديث ابن مهزيار بالإطلاق بل لنا أن نقول: لا تصل النوبة الي الأخذ بالبراءة اذ مع وجود الاطلاق اللفظي كما اشرنا إليه لا مجال للاصل العملي كما هو المقرر.

و لقائل ان يقول: مقتضي بعض النصوص وجوب الطلب: لاحظ ما رواه

______________________________

(1) النساء/ 58

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 497

هشام ابن سالم «1» و الحديث ضعيف سندا، و لاحظ ما رواه معاوية بن وهب «2» و الحديث ضعيف سندا نعم للحديث سند آخر «3» لا بأس به و لكن كلامنا في مجهول المالك و حديث ابن وهب مورده معلوم المالك فلا تعارض بين الجانبين.

الجهة الثانية: انه لو تصدق بمجهول المالك و كانت العين موجودة في يد آخذ الصدقة فوجد المالك فهل يجوز له ان يرد العين أم لا؟

الظاهر عدم الجواز فان مقتضي حديث ابن مهزيار ان مجهول المالك يصير ملكا للآخذ مضافا الي أن المستفاد من جملة من النصوص عدم جواز الرجوع في الصدقة:

منها: ما رواه موسي بن بكر عن الحكم، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:

ان والدي تصدق علي بدار، ثم بدا له أن يرجع فيها، و ان قضاتنا يقضون لي بها، فقال: نعم ما قضت به قضاتكم، و بئس ما صنع والدك،

انما الصدقة للّه عز و جل، فما جعل للّه عز و جل فلا رجعة له فيه، فان أنت خاصمته فلا ترفع عليه صوتك، و ان رفع صوته فاخفض أنت صوتك قال: قلت: فانه توفي قال: فاطب بها «4».

و منها: ما رواه عبد اللّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يتصدق بالصدقة ثم يعود في صدقته، فقال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله:

انما مثل الذي يتصدق بالصدقة ثم يعود فيها مثل الذي يقي ء ثم يعود في قيئه «5».

و منها: ما رواه طلحة بن زيد، عن جعفر، عن ابيه عليه السلام قال: من تصدق بصدقة ثم ردت عليه فلا يأكلها، لأنه لا شريك للّه عز و جل في شي ء مما جعل له انما

______________________________

(1) قد تقدم في ص 485

(2) قد تقدم في ص 486

(3) قد تقدم في ص 486

(4) الوسائل الباب 11 من ابواب الوقوف و الصدقات الحديث 1

(5) نفس المصدر الحديث 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 498

هو بمنزلة العتاقة لا يصلح ردها بعد ما يعتق «1».

و منها: ما رواه الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: انما مثل الذي يرجع في صدقته كالذي يرجع في قيئه «2».

و منها: ما رواه جراح المدائني، عن أبي عبد اللّه عليه انه قال في الرجل يرتد في الصدقة قال: كالذي يرتد في قيئه «3».

و منها: ما رواه علي بن اسماعيل مرسلا، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يخرج الصدقة يريد أن يعطيها السائل فلا يجده قال: فليعطها غيره و لا يردها في ماله «4».

و منها: ما رواه محمد بن مسلم

عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال:

لا يرجع في الصدقة اذا ابتغي بها وجه اللّه عز و جل «5».

و منها: ما رواه سماعة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل تصدق بصدقة علي حميم أ يصلح له أن يرجع فيها؟ قال: لا، و لكن ان احتاج فليأخذ من حميمه من غير ما تصدق به عليه «6».

و منها: ما رواه حسين بن علوان، عن جعفر عن أبيه ان عليا عليه السلام كان يقول: من تصدق بصدقة فردت عليه فلا يجوز له أكلها و لا يجوز له الا انفاقها، انما منزلتها بمنزلة العتق للّه فلو أن رجلا أعتق عبدا للّه فرد ذلك العبد لم يرجع في

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 3

(2) نفس المصدر الحديث 4

(3) نفس المصدر الحديث 5

(4) نفس المصدر الحديث 6

(5) نفس المصدر الحديث 7

(6) نفس المصدر الحديث 9

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 499

الامر الذي جعله للّه، فكذلك لا يرجع في الصدقة «1».

و منها: ما رواه أحمد بن فهد قال: قال عليه السلام: من تصدق بصدقة ثم ردت فلا يبيعها و لا يأكلها لأنه لا شريك للّه في شي ء مما جعل له، انما هي بمنزلة العتاقة، و لا يصلح له ردها بعد ما يعتق «2».

و منها: ما روي قال: و عنه عليه السلام في الرجل يخرج بالصدقة ليعطيها السائل فيجده قد ذهب، قال: فليعطها غيره و لا يردها في ماله «3».

فان مقتضي هذه النصوص عدم جواز الرجوع في الصدقة و مقتضي اطلاق حديث محمد بن مسلم «4» عدم جواز الرجوع فيها بلا فرق بين المتصدق و غيره فلا مجال لأن يقال الكلام في رجوع المالك لا المتصدق، نعم حديث ابن

مسلم قد قيد بقيد القربة و مقتضي مفهوم الشرط جواز الرجوع فيما لا تكون الصدقة قربة الي اللّه لكن يمكن ان يقال انه يعارضه حديث ابن علوان «5» فان المستفاد من الحديث بقرينة المقابلة ان الصدقة علي الاطلاق لا يرجع فيها و لو لم تكن بقصد القربة و بعد التعارض و التساقط لعدم احراز المتأخر و الاحدث تصل النوبة الي الأخذ بإطلاق عدم جواز الرجوع في الصدقة.

الا أن يقال: الكلام في رجوع المالك لا في رجوع المتصدق لكن الذي يهون الخطب انه لا مقتضي لرجوع المالك بعد خروج العين عن ملكه و دخوله في ملك الاخذ كما تقدم فلاحظ.

______________________________

(1) الوسائل الباب 24 من ابواب الصدقة الحديث 1

(2) نفس المصدر الحديث 2

(3) نفس المصدر الحديث 3

(4) قد تقدم في ص 498

(5) قد تقدم في ص 498

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 500

الجهة الثالثة: انه هل يشترط الفقر في آخذ الصدقة أم يجوز دفعها الي الاغنياء

ربما يقال كما عن صاحب الجواهر انه لا يشترط فيه الفقر بتقريب ان الادلة بإطلاقها تقتضي التسوية بين الفقير و الغني و رتب علي مرامه جواز دفع سهم الامام عليه السلام الي الاغنياء فان السهم المبارك حكمه الصدقة لكن ربما يقال ان المتفاهم من لفظ الصدقة انه يشترط في المتصدق عليه الفقر و مع الشك في الصدق لا بدّ من التحفظ علي ما يحتمل أن يكون قيدا في المفهوم اذ لا يجوز التمسك بالدليل في الشبهة المصداقية بل مقتضي جريان الاستصحاب في الشبهات المفهومية كما هو الحق عندنا التضيق في المفهوم لكن لم يذكر القيد المذكور في اللغة فلا وجه للالتزام به. الا أن يقال: ان المتبادر من اللفظ المفهوم المقيد بل حتي مع عدم التبادر يكفي الشك لانه لا يستفاد من

اللغة الا موارد الاستعمالات و ربما يقال ان المستفاد من الآية الشريفة «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي الرِّقٰابِ وَ الْغٰارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللّٰهِ وَ اللّٰهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ «1»، ان الصدقة تختص بالفقير.

و يؤيد الاشتراط بالفقر ما رواه هشام بن سالم «2» فانه قال في هذه الرواية تدفع الي المساكين و يرد عليه: ان الآية خاصة بالزكاة و غير متعرضة لمصرف الصدقة علي الاطلاق، و أما الحديث فمورده معلوم المالك.

الجهة الرابعة: في أن حكم الصدقة المترتب علي مجهول المالك هل يجري في حق معلوم المالك

الذي لا يمكن الايصال إليه فهل يجوز أن يتصدق بماله لا يبعد ان يقال ان مقتضي اطلاق حديث ابن مسلم «3» ان يتصدق به فانه لم يفصل في

______________________________

(1) التوبة/ 60

(2) قد تقدم في ص 494

(3) قد تقدم في ص 483

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 501

الحديث بين كون المالك معلوما و مجهولا فاذا كان معلوما و لا يمكن رده إليه يتصدق به و هل يجب أن يتصدق به أم لا؟ الظاهر انه يجب اذ لا يجوز التصرف في مال الغير بغير اذنه فالعقل يلزم المكلف بأن يتصدق به كي يخلص عن تبعة الغصب و علي هذا الاساس هل يمكن أن يقال ان السهم المبارك حكمه التصدق به لعدم امكان الوصول إليه روحي فداه الحق عدم صحة التقريب المذكور اذ في الدرجة الاولي يجب الايصال إليه فاذا علمنا برضاه في صرفه في جملة من المصارف الخيرية لا يجوز التصرف فيه بأن يتصدق لأن صرفه في مورد رضاه نحو من الايصال و مع امكان الايصال لا تصل النوبة الي التصدق فلاحظ.

الجهة الخامسة: في أن هذه الصدقة من قبل المالك او من قبل من وضع يده علي المال او لا من هذا و لا من ذاك؟

الحق هو الثالث فان المستفاد من حديث ابن مسلم ان يتصدق به فقط و لم يذكر في الحديث أزيد من هذا المقدار فالالتزام بالقول الاول أو الثاني بلا دليل.

الجهة السادسة: انه لو كان لاحد مال عند شخص فمات مالك العين و ليس له وارث فما الوظيفة؟

فقد وردت في المقام جملة من النصوص:

منها: ما رواه هشام بن سالم «1» و هذه الرواية ضعيفة سندا.

و منها: ما رواه هشام أيضا «2» و هذه الرواية كما تري مجملة و يتعارض بعضها مع بعضها الاخر فلا يعتد بها.

و منها: ما رواه معاوية وهب «3» و مقتضي هذه الرواية انه لو كان لاحد عند آخر مال و لا يدري أ هو ميت أم حي و لا يعرف له وارث و لا بلد يجب أن يطلب.

______________________________

(1) قد تقدم في ص 494

(2) قد تقدم في ص 495

(3) قد تقدم في ص 485

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 502

و لكن ظاهر الرواية يقتضي ان السؤال عن الحق لا عن العين الخارجية و كلامنا في العين الخارجية.

و صفوة القول: ان المستفاد من الحديث ان الحق اذا كان لشخص علي غيره و يحتمل الوصول إليه يجب الفحص بمقتضي قوله «اطلبه» و من الاحاديث الواردة في المقام حديث رواه هشام «1» و مقتضي الحديث المذكور ان العين مملوكة لمن وضع يده علي المال غاية الأمر انه اذا جاء مالكه يرده إليه فكأن الملكية ملكية ظاهرية و ليعلم انه لو علم انه لا وارث له يكون ما تركه الميت للامام عليه السلام فانه وارث من لا وارث له و الحديث لا يظهر منه الا عدم معرفة وارث له لا انه لا وارث له، هذا بحسب النصوص.

و أما بحسب القواعد فلا يبعد أن يقال ان كان المالك حيا و يمكن الوصول إليه

يجب ابقاء المال و طلبه و بعبارة اخري: مع العلم بالوصول فظاهر و أما مع الشك في القدرة علي الوصول إليه فبمقتضي النص اي حديث ابن وهب وجوب الفحص و أما مع اليأس عن الوصول إليه فلا يبعد أن يقال حكمه التصدق به.

الجهة السابعة: انه هل يجوز وضع اليد علي مجهول المالك بعد وضع الغير يده عليه أم لا،

الذي يختلج بالبال ان يقال ان مجهول المالك اذ صار ملكا للواضع الاول بمقتضي الادلة فلا يجوز الوضع للثاني اذ فرض خروجه عن ملك المالك المجهول و دخل في ملك الواضع الاول فلا مقتضي لجواز الوضع للثاني و أما اذا لم يصر ملكا للواضع الاول لعدم الدليل عليه فرضا فلا مانع عن الوضع الثاني اذ لا دليل علي الاختصاص بالاول.

الجهة الثامنة: انه هل يجوز اعطاء الصدقة للهاشمي أم لا؟

و قد تكلمنا حول المسألة في كتاب الزكاة من كتابنا «مباني منهاج الصالحين» فراجع ما ذكرناه

______________________________

(1) قد تقدم في ص 495

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 503

هناك.

الجهة التاسعة: انه في صورة وجوب الفحص و هي ما لو علم بأنه لو فحص عن المالك يجده

و قلنا ان مقتضي الآية الشريفة الدالة علي وجوب رد الامانات الي اهلها وجوبه، اذا كان الفحص حرجيا يسقط الوجوب و لا يجب الفحص لحديث نفي الحرج في الشريعة و أما اذا كان ضرريا و لا يكون حرجيا فعلي ما سلكناه يجب الفحص و تحمل الضرر و أما علي مسلك المشهور في مفاد القاعدة فأيضا يمكن أن يقال بسقوط الوجوب لقاعدة نفي الضرر في الشريعة.

الجهة العاشرة: لو تلفت العين في يد الآخذ و لم تصر بعد مملوكة له

كما لو كانت العين معلومة المالك أو كما لو كان المالك مجهولا و لكن يمكن الوصول إليه بالفحص فتارة يكون وضع اليد علي العين امانيا و باذن من الشارع و اخري يكون عدوانيا، أما علي الاول فلا ضمان علي الاخذ اذ المفروض ان اليد غير ضمانية و أيضا المفروض عدم التقصير في حفظ المال فلا موجب للضمان و أما اذا كانت اليد يد ضمان يصير الاخذ ضامنا بتلف العين و تشتغل ذمته بالبدل و لا يبعد انه بعد الفحص و اليأس عن الوصول الي المالك يكون حكمه التصدق فان المستفاد من حديث ابن مسلم «1» الدال علي ان احسن الخصال فيه الصدقة أن يتصدق بالبدل فان العرف لا يفهم الفرق بين العين و الدين من هذه الجهة.

«قوله قدس سره: فتأمل»

لا يبعد أن يكون الوجه فيه ان التصدق اذا كان باذن الشارع الاقدس فلا مجال لتوقفه علي اذن المالك كما انه لا وجه للضمان كما سبق منا.

______________________________

(1) قد تقدم في ص 483

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 504

«قوله قدس سره: و لو بضميمة عدم القول بالفصل … »

لا موقع لحرف الوصل في المقام فان الظاهر من كلامه ان مقتضي استصحاب الضمان تحققه حتي بعد التصدق في صورة كون اليد

ابتداءً يد ضمان و ببركة عدم الفصل نلتزم بالضمان بعد التصدق فيما لم تكن اليد يد ضمان فلا بد من حذف (لو) الوصلية هذا و لكن الحق كما سبق منا عدم الضمان اذ المفروض ان التصدق يتحقق بحكم من الشارع و هو ولي الكل في الكل فلاحظ.

«قوله قدس سره: ان لم نتعد … »

لا يبعد ان تكون (لم) الجازمة زائدة لان وجودها يخل بالمقصود فان المقصود الاستدلال بذلك الخبر علي الضمان علي الاطلاق فيتوقف علي التعدي لا عدم التعدي فوجود الجازم يخل فلاحظ.

الا ان يقال: ان الاستدراك الموجود في كلام الماتن يقتضي عدم زيادة الجازم، فنقول يستفاد من خبر الوديعة ان الصدقة مع الضمان حكم لمطلق صورة اليأس عن المالك لكن التقريب المذكور مرجعه الي التناقض.

و صفوة القول: ان المستفاد من الحديث اما الاطلاق و اما بيان حكم المورد الخاص فعلي الأول يكون الجازم زائدا، و أما علي الثاني فلا مجال للاستدراك.

الجهة الحادي عشرة: انه لو مات المالك فهل يرث وارثه بأن يقوم مقامه في الخيار بين الامضاء و الرد؟ أما علي مسلكنا فلا مجال لهذا الكلام و أما علي مسلك الماتن قدس سره فلا دليل علي الارث كما في المتن فانه حكم متعلق بالمالك الذي تلف عنه المال و انتقال الحق المذكور الي الوارث لا دليل عليه.

و ان شئت قلت: ان الحق كان متعلقا بالعين و قد انتقلت العين الي المتصدق

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 505

عليه و المقدار المعلوم من جواز الرد مخصوص بالمالك الاصلي. الا ان يقال:

اذا فرض انه حق و فرض كل حق يورث فهذا يورث أيضا لكن لا دليل علي هذه الكلية و التفصيل موكول الي مجال آخر.

الجهة الثانية عشرة: انه اذا مات المتصدق فوجد المالك و رد التصدق

فان كان مأمورا بالتصدق حيث انه يأس من الوجدان فتكون الغرامة في تركته اذ المفروض كونه ضامنا و الا فلا.

و الماتن تعرض للمسألة مبسوطا و الذي يهون الخطب انه لا وجه للضمان من اصله.

فرع: اذا اشتري دابة فوجد في جوفها مالا عرفه البائع فان لم يعرفه كان له و الدليل عليه ما رواه عبد اللّه بن جعفر «1» و ما رواه أيضا 2.

مضافا الي دعوي عدم الخلاف و مقتضي اطلاق الحديث الثاني عدم الفرق بين الدابة و غيرها، و أما اذا اشتري سمكة و وجد في جوفها مالا فاما نقول ان العرف يفهم من الحديث الثاني الميزان الكلي بلا فرق بين اقسام الحيوانات فاللازم تعريف البائع ثم التملك، و ان قلنا ان الحديث لا يشمل السمك اذ المفروض ان السمكة لا تذبح فاما يحتمل كون المال للبائع أو لا يحتمل أما علي الاول فلا بد من دفعه إليه من باب قاعدة اليد المقتضية لكون ما فيها ملكا لذيها و أما علي الثاني فاما يعلم انه لمالك محترم المال أو لا يعلم أما علي الاول فلا بد من اجراء حكم مجهول المالك عليه.

و اما علي الثاني، فيجوز تملكه فان مقتضي استصحاب عدم صيرورته ملكا لمالك محترم المال عدم كونه مملوكا لمالك محترم فيجوز تملكه للآخذ فلاحظ.

______________________________

(1) (1 و 2) قد تقدم في ص 491 و 492

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 506

و أما حديث الزهري «1» فهو ضعيف سندا و مثله في الضعف سندا ما عن العسكري «2».

[الصورة الرابعة: و هو ما علم اجمالا اشتمال الجائزة علي الحرام]
اشارة

«قوله قدس سره: و أما الصورة الرابعة: و هو ما علم اجمالا اشتمال الجائزة علي الحرام»

اشار الماتن الي فروع في المقام لا بأس بذكر كل واحد

منها و بيان دليله:

الفرع الأول: ان يكون الاشتباه موجبا لتحقق الاشاعة كخلط السمن بالسمن

مثلا و يكون المال و المالك كلاهما معلومين و حكم هذه الصورة رد المال الي مالكه و هذا ظاهر واضح.

الفرع الثاني: أن يكون المال و المالك كلاهما مجهولان

و حكمه التخميس علي المشهور بين القوم بمقتضي النص الخاص «3».

و قد تكلمنا حول المسألة في كتاب الخمس من كتابنا مباني منهاج الصالحين و قلنا ان النصوص الواردة في المقام قاصرة عن اثبات المدعي اما سندا و اما دلالة فلا دليل علي التخميس في المال المختلط بالحرام فراجع ما ذكرناه هناك و علي هذا الأساس لا بدّ من اجراء حكم مجهول المالك عليه و التميز يحصل بالقرعة و لا يخفي ان العين اذا كانت في يد الغير يكون مقتضي قاعدة اليد كون المال له الا في المقدار المعلوم خروجه عن ملكه و كونه غصبا.

الفرع الثالث: أن يكون المالك معلوما و المال مجهولا

و حكم هذه الصورة ظاهر فانه لا بدّ من دفع مال الغير إليه بعد تميز مقداره بالقرعة.

الفرع الرابع: ما لو كان المالك مجهولا و المال معلوم المقدار

و حكمه حكم

______________________________

(1) قد تقدم في ص 493

(2) قد تقدم في ص 493

(3) الوسائل الباب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 507

مجهول المالك بعد ان يميز بالقرعة.

الفرع الخامس: أن لا يكون الاشتباه موجبا للإشاعة

بل يكون كل من المالين متمايزا عن الاخر لكن غير معلوم عند من وضع يده علي المال و يكون المالك و المال كلاهما مجهولين و في هذه الصورة لا بدّ من القرعة لأن يتميز كل مملوك عن مملوك آخر و يتميز و بعد التميز يعامل مع مجهول المالك حكمه المقرر شرعا و لو شك في مقداره كما لو شك في أن مال الغير فرش واحد أو فرشان يؤخذ بالقدر المتيقن و الباقي لذي اليد لكون اليد أمارة الملكية.

الفرع السادس: أن يكون المالك معلوما و المال غير معلوم بلا اشاعة

و اللازم الرجوع الي القرعة و دفع مملوك الغير إليه.

الفرع السابع: أن يكون المالك مجهولا و مقدار المال معلوما بلا اشاعة

و في هذه الصورة أيضا يميز المال بالقرعة و يعامل معه معاملة مجهول المالك.

الفرع الثامن: أن يكون المال و المالك معلومين بلا اشاعة و حكمه القرعة

ثم دفع مال الغير إليه.

«قوله قدس سره: و اعلم ان اخذ ما في يد الظالم ينقسم … »

أما الواجب فكما لو أمره والده بالأخذ و قلنا ان اطاعته واجبة و كما لو حلف علي أن يأخذ المال منه و لم نقل بكون الأخذ مرجوحا و كما لو كان أخذه موجبا لنجاة مؤمن من الهلاك، الا أن يقال ان حفظ النفس واجب و الأخذ مقدمة للواجب و وجوب المقدمة عقلي.

و أما الحرام فكما لو علم بكون المأخوذ غصبا، و أما المستحب فكما لو كان الاخذ سببا لسرور المؤمن، و أما المكروه فقد تقدم البحث حول اخذ الجائزة من

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 508

الظالم فراجع، و أما المباح فكما لو لم يعرضه احد العناوين و لم نقل بكراهة الأخذ أو التزمنا بارتفاع الكراهة بما ذكر سابقا و تعرضنا تبعا للشيخ لهذه المسألة.

«قوله قدس سره: و الواجب ما يجب استنقاذه … »

لا ادري ما مدرك الوجوب المذكور، الا أن يقال ان الحقوق المذكورة تتعلق بكلي السادة و الفقير و الولي في هذه الأمور الحاكم الشرعي و شأن الولي التولي للامور و اصلاحها، مثلا ولي الوقف يلزم عليه أن يستنقذ مال الوقف و ولي اليتيم يلزم عليه القيام بشئونه و استنقاذ أمواله فأيضا يجب علي الحاكم الشرعي استنقاذ اموال الفقراء من السادات و غيرهم.

«قوله قدس سره: انه الا انه ذكر بعض الاساطين … »

الظاهر ان المراد منه الشيخ الكبير كاشف الغطاء قدس سره و الظاهر ان ما افاده الماتن قدس سره تام فانه لا وجه للانصراف كما انه لا يعبأ بالسيرة علي

تقدير تسلمها و بعبارة واضحة: أما المقتضي فهو تام فان الآية الشريفة «فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمّٰا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهٰا أَوْ دَيْنٍ» «1» الآية تقتضي أن تخرج الديون بأي نحو تحققت عن الأصل و أما المانع اي السيرة فلا يكون مانعا فان السيرة الناشية عن عدم المبالات لا اثر لها.

«قوله قدس سره: كما هو المنصوص … »

لاحظ ما رواه ابن رزين قال: قلت لأبي الحسن موسي عليه السلام: اني اخالط السلطان فتكون عندي الجارية فيأخذونها، و الداية الفارهة فيبعثون فيأخذونها، ثم يقع لهم عندي المال فلي أن آخذه؟ قال: خذ مثل ذلك و لا تزد عليه «2». و غيره

______________________________

(1) النساء/ 12

(2) الوسائل الباب 83 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 509

من النصوص الواردة في الباب المذكور.

[الثالثة: ما يأخذه السلطان المستحل لأخذ الخراج و المقاسمة من الأراضي باسمهما و من الأنعام باسم الزكاة]
اشارة

«قوله قدس سره: الثالثة: ما يأخذه السلطان المستحل لاخذ الخراج و المقاسمة من الاراضي … »

في هذه المسألة فروع

الفرع الأول: انه هل يجوز اخذ مال الصدقة و الخراج و المقاسمة من الحاكم الجائر الغاصب أم لا؟
اشارة

المشهور هو الجواز بل ادعي انه مجمع عليه، و يمكن الاستدلال علي الجواز مضافا الي الشهرة و الإجماع المدعي بوجهين

الوجه الأول: النصوص الدالة علي اخذ جوائز السلطان

منها: ما رواه أبو ولاد «1» و منها: ما رواه ابو المعزي 2 و منها: ما رواه محمد بن هشام «3» و منها ما رواه يحيي بن ابي العلاء 4 و منها ما رواه محمد ابن مسلم 5 و منها: ما رواه ابو بكر الحضرمي 6 و منها: ما رواه يونس بن يعقوب «7» و منها ما رواه محمد بن قيس بن رمانة «8» و منها: ما رواه الفضل بن الربيع 9 و منها ما رواه الفضل أيضا 10 و منها: ما رواه سفيان ابن نزار 11 و منها: ما رواه حسين بن علوان «12» و منها:

ما ارسله الطبرسي 13 و منها: ما رواه محمد بن عيسي «14» فان المستفاد من هذه النصوص انه لا بأس بأخذ ما في يد الجائر من الأموال المشار إليها اذ لا اشكال في أن جوائز السلطان لا تكون من امواله الشخصية بل يتصرف في الزكوات و الصدقات و مال الخراج و المقاسمة فلا اشكال في تمامية دلالة هذه النصوص علي المدعي.

______________________________

(1) (1 و 2) قد تقدم في ص 468

(3) (3 و 4 و 5 و 6) قد تقدم في ص 468 و 469

(7) قد تقدم في ص 470

(8) (8 و 9 و 10 و 11) قد تقدم في ص 470 و 471

(12) (12 و 13) قد تقدم في ص 471

(14) قد تقدم في ص 472

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 510

الوجه الثاني: النصوص الخاصة الدالة علي المدعي

منها: ما رواه أبو عبيدة «1»

و يمكن الاستدلال علي المدعي بجمل واقعة في الحديث الجملة الأولي: قول السائل «يشتري من السلطان من ابل الصدقة و غنم الصدقة و هو يعلم انهم يأخذون منهم اكثر» فانه يستفاد

من هذه الجملة ان اصل جواز الأخذ مفروغ عنه عند السائل و انما وجه السؤال علمه بأخذهم أزيد، فأجابه عليه السلام بقوله: «لا بأس به حتي تعرف الحرام منه بعينه».

و أورد علي الاستدلال المذكور الأردبيلي قدس سره علي ما نقل عنه: بأن قوله عليه السلام: لا بأس به حتي تعرف الحرام منه بعينه لا يدل الا علي ما كان حلالا بل مشتبها و لا يدل علي جواز شراء ما كان معروفا بالحرمة و لا يدل علي جواز اشتراء الزكاة بالصراحة بل غايته الظهور و لا بدّ من رفع اليد عن الظهور بما يدل علي عدم الجواز، لاحظ ما رواه سماعة «2».

و بعبارة اخري: لا يجوز التصرف في مال الغير شرعا و عقلا و يمكن أن يكون سبب الاجمال في الرواية كونه عليه السلام في مقام التقية

و يرد عليه: انه لا اجمال في الرواية بل تدل بالصراحة علي جواز شراء الزكاة و غيرها و أما حكم العقل بقبح التصرف في مال الغير فقد ذكرنا مرارا ان العقل منعزل عن ادراك الأحكام الشرعية و الملاكات الواقعية و أما حكم الشرع بحرمة التصرف في مال الغير فلا اشكال فيه، لكن اذا اجاز الشارع الأقدس يخصص دليل المنع.

و أما حمل الرواية علي التقية فلا وجه له، فان مجرد كون حكم موافق مع التقية لا يوجب حمله علي التقية و انما المشهور فيما بين القوم انه اذا تعارض حديثان

______________________________

(1) قد تقدم في ص 473

(2) قد تقدم في ص 478

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 511

و كان احدهما موافقا مع التقية يحمل المتعارض الموافق مع التقية عليها و يؤخذ بمعارضها و قد أبطلنا المسلك المذكور و قلنا ان المرجع

الوحيد في باب التراجيح كون الحديث احدث ان قلت: ما الوجه في حمل السلطان علي الجائر و لما ذا لا يحمل علي الإمام العادل عليه السلام. قلت: قد فرض في الحديث انهم يأخذون اكثر و الحال ان السلطان العادل لا يأخذ أزيد مضافا الي أن المسئول الباقر عليه السلام و الحكام الموجودون في تلك الأزمنة اما بنو امية أو بنو العباس و لم يكن اثر من العدالة فيهم.

الجملة الثانية: قوله عليه السلام في جواب سؤال السائل بعد ما سأله عن جواز ما يأخذه منه «ان كان قد أخذها و عزلها فلا بأس،» فانه يستفاد من هذه الجملة ان ما يرتكبه المصدق يكون مورد الإمضاء من قبل الشارع و يجوز لصاحب المال اشتراء ما يتعين في الصدقة بالعزل و الأخذ و علي الجملة لا اشكال في أنه يستفاد من الجملة المذكورة ان الظالم في نظر الشارع الأقدس بحكم المالك و المتولي في أن فعله مورد الاعتبار الشرعي.

الجملة الثالثة: قوله عليه السلام: «ان كان قبضه بكيل و أنتم حضور ذلك فلا بأس بشرائه» فان هذه الجملة صريحة في جواز اخذ الأموال المشار إليها من الظالم و اشترائها منه.

ان قلت: لعل المراد من القاسم المذكور في الحديث المزارع مع السلطان أو وكيله فلا ترتبط بما نحن فيه قلت: اتحاد السياق يقتضي أن يكون المراد من القاسم هو الذي يقسم الزكوات و غيرها من الأموال التي تقسم مضافا الي أن الظاهر بنظر العرف ان المراد من القاسم هو الذي يكون شغله التقسيم و هو العامل للسلطان.

ان قلت: ان الحديث متعرض لحكم الصدقة فقط فلا يشمل الخراج و المقاسمة قلت: أولا: التقابل بين القاسم و المصدق يقتضي العموم اذ القسمة

تقطع الشركة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 512

و ثانيا: القاسم بماله من المفهوم عام يشمل التقسيم الزكوي و غيره من الخراج و المقاسمة مضافا الي عدم القول بالفصل بين الزكاة و غيرها علي ما ادعي في كلام بعضهم فلاحظ.

و من تلك النصوص ما رواه اسحاق بن عمار «1» تقريب الاستدلال علي المدعي بالرواية ان الظاهر من الحديث السؤال عما يشتري من العامل من الأموال التي يأخذها من الناس بعنوان انه عامل للجائر و ان ابيت عن الظهور فلا أقل من الإطلاق و بما ذكرنا يظهر فساد ما اورد في الاستدلال من أنه يمكن أن يكون مورد السؤال اشتراء اموال العامل لا المال الذي يأخذ من السلطان. و منها: ما رواه الحضرمي «2» و هذه الرواية ضعيفة سندا فلا تصل النوبة الي ملاحظة دلالتها.

و منها: ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام انه قال: في القبالة ان يأتي الرجل الأرض الخربة فيتقبلها من اهلها عشرين سنة فان كانت عامرة فيها علوج فلا يحل له قبالتها الا أن يتقبل ارضها فيستأجرها من اهلها و لا يدخل العلوج في شي ء من القبالة فانه لا يحل، و عن الرجل يأتي الأرض الخربة الميتة فيستخرجها و يجري انهارها و يعمرها و يزرعها ما ذا عليه فيها؟ قال: الصدقة، قلت: فان كان يعرف صاحبها قال: فليرد إليه حقه و قال: لا بأس بأن يتقبل الرجل الارض و اهلها من السلطان، و عن مزارعة اهل الخراج بالربع و النصف و الثلث قال: نعم لا بأس به قد قبل رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله خيبر اعطاها اليهود حين فتحت عليه بالخبر و الخبر هو النصف «3».

فانه يستفاد

من الحديث أن اصل القبالة مع الجائر امر مفروض الجواز و انما

______________________________

(1) قد تقدم في ص 474

(2) قد تقدم في ص 469

(3) التهذيب ج 7 ص 201/ الحديث 34

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 513

السؤال عن الخصوصية و هو العقد علي الكسر المشاع من الربع أو النصف.

و منها: ما رواه اسماعيل بن الفضل الهاشمي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يتقبل بجزية رءوس الرجال و بخراج النخل و الآجام و الطير و هو لا يدري لعله لا يكون من هذا شي ء أبدا، أو يكون، أ يشتريه و في أي زمان يشتريه و يتقبل منه قال: اذا علمت أن من ذلك شيئا واحدا انه قد ادرك فاشتره و تقبل به «منه» «1».

و منها: ما رواه الهاشمي أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن رجل استأجر من السلطان من ارض الخراج بدراهم مسماة أو بطعام مسمي ثم آجرها و اشترط لمن يزرعها أن يقاسمه النصف أو اقل من ذلك أو اكثر و له في الارض بعد ذلك فضل أ يصلح له ذلك؟ قال: نعم اذا حفر نهرا أو عمل لهم عملا يعينهم بذلك فله ذلك، قال: و سألته عن رجل استاجر ارضا من ارض الخراج بدراهم مسماة أو بطعام معلوم فيؤاجرها قطعة قطعة أو جريبا جريبا بشي ء معلوم أ فيكون له فضل ما استأجر من السلطان و لا ينفق شيئا؟ أو يؤاجر تلك الارض قطعا قطعا علي أن يعطيهم البذر و النفقة فيكون له في ذلك فضل علي اجارته و له تربة الارض أو ليست له؟ فقال: اذا استأجرت ارضا فانفقت فيها شيئا أو رممت فلا بأس بما ذكرت «2».

و

منها: ما رواه الفيض بن المختار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:

جعلت فداك ما تقول في ارض اتقبلها من السلطان ثم او اجرها اكرتي علي أن ما اخرج اللّه فيها من شي ء كان لي من ذلك النصف و الثلث بعد حق السلطان؟ قال:

لا بأس به كذلك اعامل اكرتي «3».

«قوله قدس سره: اقول و الاولي ان يقال … »

______________________________

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 4

(2) التهذيب ج 7 ص 203/ الحديث 42

(3) التهذيب ج 7 ص 199/ الحديث 27

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 514

وجه الاولوية ان الإمام عليه السلام لا يكون مالكا للامور المذكورة بل امرها بيده و هو عليه السلام متوليها.

«قوله قدس سره: و في وصفه عليه السلام المأخوذ بالحلية … »

لم يذكر عنوان الحلية في كلامه عليه السلام نعم يستفاد من قوله عليه السلام ان المشكوك فيه حلال و الحكم وارد في مورد خاص و لا وجه للتعدي الا أن يقال أن العرف يفهم عدم الفرق بين الاشتراء و غيره اي يفهم من الحديث انه لا بأس بالأخذ علي نحو الاطلاق و بعبارة اخري يفهم من قوله عليه السلام «لا بأس به ما لم يعرف الحرام» ان المأخوذ من يد الجائر علي قسمين: قسم منه حلال و هو ما لم يعرف كونه حراما، و قسم منه حرام و هو المعلوم كونه حراما، أما القسم الأول فلا بأس به علي الاطلاق و أما القسم الثاني فلا.

«قوله قدس سره: منها الصحيح»

الوسائل الباب 53 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 1

«قوله قدس سره: و يظهر من بعض الاخبار … »

لاحظ ما رواه علي بن الريان، عن ابيه، عن

يونس أو غيره عمن ذكره عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: جعلت فداك، بلغني انك كنت تفعل في غلة عين زياد شيئا و انا احب ان اسمعه منك، قال فقال لي: نعم كنت آمر اذا ادركت الثمرة ان يثلم في حيطانها الثلم ليدخل الناس و يأكلوا، و كنت آمر في كل يوم ان يوضع عشر بنيات، يقعد علي كل بنية عشرة، كلما اكل عشرة جاء عشرة اخري يلقي لكل نفس منهم مدمن رطب. و كنت آمر لجيران الضيعة كلهم الشيخ و العجوز و الصبي و المريض و المرأة و من لا يقدر ان يجي ء، فيأكل منها

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 515

لكل انسان منهم مدا فاذا كان الجذاذ اوفيت القوام و الوكلاء و الرجال اجرتهم و احمل الباقي الي المدينة، ففرقت في اهل البيوتات و المستحقين الراحلتين و الثلاثة و الاقل و الأكثر علي قدر استحقاقهم، و حصل لي بعد ذلك أربعمائة دينار، و كان غلتها أربعة آلاف دينار «1».

«قوله قدس سره: و منها صحيحة عبد الرحمن «2»»

فان المستفاد من الحديث ان المال كان ملكا شخصيا حيث يقول للامام عليه السلام «و ان شئت وسعت علي» فكان الامر بيده و باجازته فان شاء وسع و ان لم يشأ لم يوسع.

[ينبغي التنبيه علي أمور]
[الأول أن ظاهر كلمات الأكثر بل الكل أن الحكم مختص بما يأخذه السلطان]

«قوله قدس سره: و هذا هو الظاهر من الاخبار المتقدمة الواردة في قبالة الارض و جزية الرءوس»

لاحظ ما رواه الهاشمي «3» فان الظاهر من الحديث بل صراحته يقتضي جواز المعاملة و المعاقدة مع السلطان علي ما لم يأخذه بعد و لاحظ ما رواه الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السلام انه قال في القبالة ان تأتي الارض الخربة فتقبلها من

اهلها عشرين سنة، فان كانت عامرة فيها علوج فلا يحل له قبالتها الا أن يتقبل ارضها فيستأجرها من أهلها، و لا يدخل العلوج في شي ء من القبالة فان ذلك لا يحل «الي أن قال» و قال: لا بأس أن يتقبل الأرض و أهلها من السلطان الحديث «4».

فان الظاهر من الحديث المعاقدة مع السلطان علي ما لم يأخذه ان قلت:

______________________________

(1) الوسائل الباب 18 من ابواب زكاة الغلات الحديث 2

(2) قد تقدم في ص 472

(3) قد تقدم في ص 513

(4) الوسائل الباب 18 من ابواب المزارعة و المساقاة الحديث 3

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 516

فرضنا تمامية المقتضي لكن لا بدّ من رفع اليد عنه للتقيد المستفاد من حديث ابي عبيدة «1» فان المستفاد من هذا الحديث عدم الجواز الا بعد الأخذ.

قلت: المفروض في الحديث المشار إليه وقوع المعاملة علي العين الخارجية فلا يرتبط بالمقام فان البحث في المقام ايقاع المعاملة علي ما في الذمة مضافا الي أن الحديث متعرض لحكم الزكاة، اللهم الا أن يقال انه لا قول بالفصل بين الزكاة و غيرها.

[الثاني هل للجائر سلطنة علي أخذ الخراج فلا يجوز منعه منه]

«قوله قدس سره: الثاني: هل يختص حكم الخراج من حيث الخراج عن قاعدة كونه مالا مغصوبا … »

لا اشكال في أن الجائر و الحاكم غير الشرعي جميع تصرفاته باطلة و لا يترتب علي افعاله و نقله اثر حيث ان المفروض انه غاصب لكن قد ثبت بالنصوص الخاصة جواز قبول جوائزه و براءة الذمة من الحقوق الثابتة فيها بادائها إليه بعد مطالبته و أما الزائد علي ذلك فلا دليل علي وجوبه بل لا دليل علي جوازه بل الدليل قائم علي خلافه، لاحظ ما رواه زرارة قال: اشتري ضريس بن عبد الملك و

اخوه ارزا من هبيرة بثلاثمائة الف قال: فقلت له: ويلك أو ويحك انظر الي خمس هذا المال فابعث به إليه و احتبس الباقي قال: فأبي ذلك قال: فادي المال و قدم هؤلاء فذهب امر بني أمية قال: فقلت ذلك لأبي عبد اللّه عليه السلام فقال مبادرا للجواب: هو له هو له فقلت له: انه قد اداها فعض علي اصبعه «2». فان المستفاد من هذه الرواية جواز عدم الدفع الي الحاكم الجائر بل يستفاد انه أرجح و أما اخراج الخمس فلا يستفاد من كلامه عليه السلام بل هذه الجملة في كلام زرارة و رأي زرارة لا

______________________________

(1) قد تقدم في ص 473

(2) التهذيب ج 6 ص 337/ الحديث 57

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 517

اعتبار به بل الاعتبار بكلامه عليه السلام.

و لاحظ ما رواه علي بن يقطين قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام. ما تقول في أعمال هؤلاء؟ قال: ان كنت لا بدّ فاعلا فاتق أموال الشيعة، قال: فاخبرني علي انه كان يجبيها من الشيعة علانية و يردها عليهم في السر «1».

فانه يستفاد من الحديث رجحان عدم دفع اموال الشيعة الي الجائر لكن الحديث ضعيف سندا فلا تصل النوبة الي ملاحظة دلالتها و تدل علي عدم جواز اعطائهم الزكاة عدة نصوص:

منها ما رواه عيص بن القاسم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الزكاة قال:

ما اخذوا منكم بنو امية فاحتسبوا به، و لا تعطوهم شيئا ما استطعتم، فان المال لا يبقي علي هذا ان يزكيه مرتين «2».

و منها: ما رواه ابو اسامة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: جعلت فداك، ان هؤلاء المصدقين يأتونا و يأخذون منا الصدقة فنعطيهم اياها، أ تجزي عنا؟

فقال: لا،

انما هؤلاء قوم غصبوكم، او قال: ظلموكم اموالكم، و انما الصدقة لأهلها «3».

و منها: ما رواه عبد الرحمن انه كان عند ابي جعفر عليه السلام فذكر له رجل قطع عليه الطريق، قال: فقلت له: فاذا انا فعلت ذلك، اعتد به من الزكاة؟ فقال:

لا، و لكن ان شئت ان يكون من الحق المعلوم «4».

فان المستفاد من هذه النصوص انه لا يجوز اختيارا دفع الزكاة الي الظالم

______________________________

(1) الوسائل الباب 46 من ابواب ما يكتسب به الحديث 8

(2) الوسائل الباب 20 من ابواب المستحقين الحديث 3

(3) نفس المصدر الحديث 6

(4) نفس المصدر الحديث 9

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 518

و صفوة القول: ان توهم ان الظالم الجائر بعد غصبه مقام الولاية و تقمصه قميص الخلافة تثبت له الاحكام المترتبة علي العادل و يكون في حكمه توهم فاسد لا دليل عليه بل مقتضي الاصل و مقتضي النصوص الخاصة كذلك و اشرنا الي النصوص الواردة في المقام آنفا فلا تغفل.

[الثالث هل يحل ما يعتقده الجائر خراجيا و إن كان عندنا من الأنفال أم يثبت حق الاختصاص]

«قوله قدس سره: الثالث: ان ظاهر الاخبار و اطلاق الاصحاب حل الخراج و المقاسمة الماخوذين من الاراضي التي يعتقد الجائر كونها خراجية»

الحق عدم شمول الحكم لغير الاراضي الخراجية فان الحكم لا يتعرض لموضوع نفسه و الأخبار الواردة تعين حكم الأراضي الخراجية فاذا لم تكن الارض من اراضي الخراج كما لو كان من الأنفال التي تكون للامام عليه السلام او تكون الارض مملوكة للشخص لا تشمله النصوص.

و دعوي لحقوق الانفال بالاراضي الخراجية بعد ادخال الظالم اياها في الاراضي الخراجية و اخذ الخراج منها دعوي باطلة و بلا دليل.

«قوله قدس سره: نعم بعض الاخبار»

يمكن ان يكون مراده من ذلك البعض ما رواه الفيض «1» و هذه الرواية ضعيفة سندا فلا

يعتد بها.

[الرابع ظاهر الأخبار و منصرف كلمات الأصحاب الاختصاص بالسلطان المدعي للرئاسة العامة و عماله]
اشارة

«قوله قدس سره: الرابع ظاهر الاخبار و منصرف كلمات الاصحاب الاختصاص بالسلطان المدعي للرئاسة

______________________________

(1) قد تقدم في ص 513

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 519

العامة»

مقتضي القاعدة الاولية عدم جواز التصرف في اموال الناس و عدم نفوذ العقد الواقع عليه فلا بد من خروج مورد و الالتزام بالجواز فيه من دليل يتوسل به و ما يمكن ان يذكر في الاستدلال به علي العموم المزعوم وجهان:

الوجه الأول: ان النصوص الواردة في المقام الدالة علي جواز التصرف فيما يأخذه الجائر متعرضة لهذا الحكم

علي نحو القضية الحقيقية فيشمل الدليل كل سلطان و كل متغلب بلا فرق بين المخالف المدعي للرئاسة العامة و غيره الذي لا يدعي و بلا فرق بين المؤمن و الكافر و المخالف.

و فيه: انه لا يمكن الالتزام بتمامية التقريب المذكور، اما لكون القضية المذكورة في النصوص خارجية يشاربها الي هؤلاء الموجودين في الخارج من خلفاء بني امية و بني العباس و امثالهم و لا يشمل الدليل غيرهم و اما لانصراف الدليل عن غيرهم و ان قلنا بأن النصوص الواردة علي نحو القضية الحقيقية و اما لأن الاطلاق المنعقد في بعض النصوص متعرض لحكم آخر و لا يكون قابلا للاستدلال به علي المدعي لاحظ ما رواه الحلبي «1» فان الحديث متعرض لعدم جواز ادخال العلوج في المعاملة، و لاحظ ما رواه الفيض «2» فان الحديث المشار إليه في مقام بيان ان الزائد علي ما عقد عليه مع السلطان لا بأس به فلا مجال للاستدلال علي المدي بمثلهما، فالوجه الاول غير تام.

الوجه الثاني: انه لو لم نلتزم بشمول الحكم

و بعبارة اخري لو لم نلتزم بالإطلاق يلزم الحرج و الحرج منفي في الشريعة المقدسة، فنقول تارة نبني علي عدم شمول دليل نفي الحرج موردا يكون نفيه خلاف الامتنان بالنسبة الي الغير و اخري لا نبني

______________________________

(1) قد تقدم في ص 515

(2) قد تقدم في ص 513

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 520

عليه.

أما علي الأول فعدم شمول الدليل و عدم عموم الحكم ظاهر اذ يلزم من نفي الحرج و جواز التصرف خلاف الامتنان بالنسبة الي غير من يشمله الدليل و أما علي الثاني فيلزم الالتزام بجواز حبس مال الغير و التصرف فيه و هل يمكن الالتزام به؟

مضافا الي أن حديث الرفع يقتضي النفي و

لا يقتضي الاثبات.

توضيح المدعي انه تارة يقع الكلام في المعاملة مع الجائر في التصرف في مال الغير و اشترائه منه، و اخري في أن الجائر اذا أخذ مالا بعنوان الخراج يكون ادائه ثانيا حرجيا و علي كلا التقديرين يشكل التمسك بدليل الحرج، اذ المستفاد من الأدلة عدم صحة العقد مع غير المالك فاذا اشتري شيئا من الجائر أو اذا قبل هبته و جائزته و المفروض أن مورد التصرف مال الغير، يكون العقد باطلا و أيضا لو لم يؤد ثانيا يكون تصرفه في مورد الحق تصرفا عدوانيا و دليل الرفع لا يصحح العقد الفاسد، و ان شئت قلت: غاية ما يمكن الالتزام به أن يقال أن مقتضي دليل رفع الحرج جواز التصرف في مورد الحق و في مال الغير تكليفا و أما التصرف الوضعي فلا يستفاد من دليل الحرج انه صحيح و نافذ اذ قلنا ان دليل نفي الحرج متعرض للنفي لا للاثبات فلاحظ.

«قوله قدس سره: فتأمل»

يمكن أن يكون اشارة الي أن شمول الدليل للكافر لا ينافي نفي السبيل فان هذا الحكم بلحاظ رعاية المؤمنين فلا يرتبط باثبات السبيل للكافر علي المؤمن و بعبارة اخري لا تنافي بين نفي سبيله و شمول الحكم له فلاحظ و لا تغفل.

[الخامس: الظاهر أنه لا يعتبر في حل الخراج المأخوذ أن يكون المأخوذ منه ممن يعتقد استحقاق الأخذ للآخذ]

«قوله قدس سره: الخامس: الظاهر انه لا يعتبر في

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 521

حل الخراج المأخوذان يكون الماخوذ منه ممن يعتقد … ».

لا يبعد أن يكون الأمر كما أفاده للاطلاق المنعقد في بعض النصوص لاحظ ما رواه الهاشمي «1» فان مقتضي اطلاق الحديث عدم الفرق بين المخالف و المؤمن و الكافر و لاحظ ما رواه الحلبي «2» و الكلام فيه هو الكلام.

و بعض النصوص الواردة

في المقام يختص مورده بالمؤمن لاحظ ما رواه ابو عبيدة «3» فانه قد صرح في الحديث بلفظ الرجل منا فالسؤال عن المؤمن الشيعي المأخوذ منه.

قوله قدس سره: و اسحاق بن عمار»

يمكن أن يكون المراد من الحديث المشار إليه ما ذكرناه سابقا «4» لكن هذه الرواية لا يختص موردها بالمؤمن.

«قوله قدس سره: و بعض روايات قبالة الاراضي الخراجية»

لم اظفر بحديث يختص مورده بالمؤمن و اللّه العالم.

«قوله قدس سره: و لم يستبعد بعض»

قبل ان المراد من البعض الفاضل القطيفي في رسالته الخراجية.

______________________________

(1) قد تقدم في ص 513

(2) قد تقدم في ص 512

(3) قد تقدم في ص 473

(4) قد تقدم في ص 474

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 522

«قوله قدس سره: و الاقوي ان المسألة اعم من ذلك»

الأمر كما افاده فان المستفاد من نصوص المقام امضاء الشارع الأقدس التصرفات الصادرة عن الجائر و لا يتوقف الحكم في المقام علي القول بقاعدة الإلزام و يمكن أن يكون مراده من قوله أعم من ذلك ان الصناعة تقتضي الالتزام بصحة تصرفات الجائر اعم من القول بتمامية قاعدة الالزام و عدمه.

[السادس: ليس للخراج قدر معين]

«قوله قدس سره: السادس: ليس للخراج قدر معين بل المناط فيه ما تراضي فيه السلطان و مستعمل الارض»

اذ صحة كل عقد تتوقف علي رضي الطرفين، و أما مرسل حماد بن عيسي عن أبي الحسن عليه السلام قال: «و الأرضون التي اخذت عنوة بخيل أو ركاب فهي موقوفة متروكة في يدي من يعمرها و يحييها و يقوم عليها علي ما صالحهم الوالي علي قدر طاقتهم من الحق الخراج النصف أو الثلث أو الثلثين علي قدر ما يكون صلاحا و لا يضرهم … «1» الحديث، فهو ضعيف من حيث الارسال و

عمل القوم به علي فرض تحققه لا اثر له كما قلنا مرارا فلا وجه لاشتراط كون العقد بعدم كونه مضرا بحالهم.

«قوله قدس سره: وجهان».

لا يبعد أن يكون الوجه في حرمة الكل، ان المعاملة باطلة فكل مال يؤخذ يكون حراما و يكون مال الغير و الوجه في حرمة البعض و حلية البعض الاخر انه المستفاد من حديث حماد فان المقدار المضر حرام و اما ما لا يضر بحاله فجائز و الحق حرمة الكل فانه مقتضي القاعدة الأولية، و اما الحديث فقد مر انه ضعيف

______________________________

(1) الوسائل الباب 41 من أبواب جهاد العدو و ما يناسبه الحديث 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 523

سندا هذا علي تقدير كون العقد بالاكراه، و اما علي تقدير تحقق العقد برضي الطرفين فالحق ان المعاملة نافذة في الكل فانه مقتضي صحة العقد.

«قوله قدس سره: و حكي عن بعض انه يشترط»

لا وجه لهذا الاشتراط اذ لا دليل عليه.

«قوله قدس سره: فالمناط ما ذكر في المرسلة»

تقدم ان المرسلة لا اعتبار بها فلاحظ.

[السابع: ظاهر إطلاق الأصحاب أنه لا يشترط فيمن يصل إليه الخراج الاستحقاق]
اشارة

«قوله قدس سره: السابع: ظاهر اطلاق الاصحاب انه لا يشترط فيمن يصل إليه الخراج او الزكاة من السلطان»

في التنبيه السابع فروع:

الفرع الأول: انه هل يشترط فيمن يشتري من الخراج و المقاسمة و الزكوات الاحتياج أم لا؟

الظاهر هو الثاني فان المستفاد من الاخبار و الاجماع ان تصرف الجائر في الامور المذكورة بالبيع و نحوه جائز فلا فرق بين كون المشتري محتاجا أو لم يكن و لا وجه للالتزام باشتراط الفقر في المشتري.

الفرع الثاني: انه لو لم يكن الآخذ مستحقا فهل يجوز له اخذ الزكوات و الخراج مجانا أم لا؟

مقتضي القاعدة الاولية عدم الجواز لكن الظاهر انه لا مانع عن الأخذ بإطلاقات النصوص الواردة في حل جوائز السلطان و عماله اذ لا اشكال في أن السلطان و عماله يتصرفون في الوجوه المذكورة.

لاحظ ما رواه ابو ولاد «1» فان مقتضي اطلاق الرواية عدم الفرق بين كون الاخذ فقيرا او غنيا و لاحظ ما رواه ابو المعزي 2 و الكلام فيه هو الكلام و لاحظ ما رواه

______________________________

(1) (1 و 2) قد تقدم في ص 468

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 524

اخو عذافر «1» و الكلام فيه هو الكلام.

و لاحظ ما رواه في النوادر «2» و الكلام فيه هو الكلام الي غيرها من النصوص الدالة علي المدعي بالإطلاق.

و العجب من سيدنا الاستاد حيث قال: علي ما في التقرير و هذا نص عبارته، فان تلك الأخبار غير متعرضة لحكم الحقوق الثلاثة نفيا و اثباتا، انتهي «3». فان العرف يفهم من النصوص المشار إليها ان الجائر و ان كان عاصيا في تصرفاته و تقلباته لكن لا اشكال في أنه يفهم الجواز فان اطلاق النصوص غير قابل للانكار هذا من ناحية و من ناحية اخري يفهم من الادلة الواردة في المقام انه حكم ثانوي وارد علي موضوع خاص فلا يلاحظ النسبة بين هذه الادلة و غيرها فلاحظ.

و أيضا العجب من الماتن قدس سره حيث يقول و لم يرد خبر في حل ما يهبه السلطان من الخراج حتي يتمسك بإطلاقه عدا أخبار جوائز

السلطان مع ان تلك الاخبار واردة أيضا في أشخاص خاصة فيحتمل كونهم ذوي حصص من بيت المال الخ.

فانه يكفي للحكم الأخبار الواردة في بيان حكم الجوائز و لا دليل في تلك الاخبار علي ان الاخذ من اشخاص مخصوصة و صفوة القول: ان تلك الاخبار لها اطلاق من ناحيتين:

الاولي: من ناحية ان الجائزة تشمل الزكوات و الخراج و المقاسمة.

الثانية: ان مورد السؤال مطلق الشخص و لا يختص بفرد دون آخر فلا تغفل و اما حديث الحضرمي «4» فهو ضعيف سندا مضافا الي عدم دلالته علي الاختصاص

______________________________

(1) قد تقدم في ص 470

(2) قد تقدم في ص 472

(3) مصباح الفقاهة ج 1 ص 545

(4) قد تقدم في ص 469

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 525

و عدم جواز الدفع الي غير المستحق فلاحظ.

الفرع الثالث: انه هل يختص امضاء تصرفات الجائر بما يكون جائزا في مذهبه أم يعم جميع التصرفات

و لو كان التصرف علي خلاف الموازين في مذهبهم لا يبعد أن يقال ان مقتضي الاطلاقات هو الثاني اذ لا دليل علي التقييد و ان شئت فقل:

ان الظاهر من النصوص امضاء الشارع الأقدس مطلق التصرف الصادر عن الجائر الذي يري نفسه خليفة رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و يري انه امام المسلمين و يتخيل انه امير المؤمنين كالرشيد و اضرابه لعنهم اللّه.

ان قلت: علي هذا الاساس غصب ابي بكر الفدك من الصديقة الطاهرة عليها السلام مورد الامضاء اذ هو ادعي انه سمع من رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله «ان معاشر الأنبياء لا يورثون و كل ما يتركون صدقة» و هل يمكن الالتزام بهذه المقالة.

قلت: أولا: ان امير المؤمنين عليه السلام و الأئمة عليهم السلام من بعده لم يمضوا ما صنعه ابو بكر فلا بد من اتباعهم و بعبارة واضحة: انهم

عليهم السلام كذبوا أبا بكر قولا و عملا.

و ثانيا: ان الصديقة الطاهرة سلام اللّه عليها ادعت ان فدك مملوك لها ملكا شخصيا انتقل إليها في حياة الرسول صلي اللّه عليه و آله فموضوع فدك خارج عن عنوان الارث خروجا تخصصيا و الذي يؤيد المدعي ان جملة من خلفاء الجور ردوا الفدك الي بني هاشم و كان عملهم هذا ردا و اعتراضا عمليا بالنسبة الي ابي بكر فلاحظ.

الفرع الرابع: انه هل يجوز للامام العادل روحي فداه أن يتصرف في بيت المال كيف ما يشاء بأن يدفع الزكاة الي غير مستحقها أم لا؟

لا اشكال في أنه عليه السلام عارف بوظيفته و كل فعل يصدر عنه مطابق للحكم الالهي، و لا ريب و لا كلام فيه.

لكن الذي يختلج بالبال أن يقال ان المستفاد من ادلة ولايتهم و اولويتهم كآية

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 526

«النبي اولي بالمؤمنين من انفسهم «1»» و امثالها ان الرسول الاكرم صلي اللّه عليه و آله و آله او الامام عليه السلام له الولاية علي الاشخاص كزيد و بكر و خالد و أما الولاية علي الكلي ككلي الفقير أو كلي السادة فلا دليل عليه و علي هذا الاساس لا يمكنه أن يدفع الزكاة للسيد غير الفقير و أيضا ليس له أن يعطي السادة الاغنياء من غير حق السادات و لا من حقهم و هكذا و يؤيد ما ذكرنا بل يدل عليه ما نقل من القضية التي جرت بين سيدنا و مولي الموحدين علي عليه السلام و اخيه عقيل حيث طلب عقيل من المولي الزيادة علي ما يأخذ و كان جوابه عليه السلام الحديدة المحماة مضافا الي اطفائه السراج في مورد آخر و اللّه العالم بحقائق الامور و عليه التكلان.

[الثامن ما يعتبر في كون الأرض خراجيا]
اشارة

«قوله قدس سره: الثامن: ان كون الارض الخراجية بحيث يتعلق بما يؤخذ منها ما تقدم من احكام الخراج و المقاسمة يتوقف علي امور ثلاثة»

تعرض الماتن قدس سره لشروط تعنون الارض و دخولها في اراضي الخراج فلا بد من ملاحظة كل واحد من هذه الشروط فنقول:

الشرط الاول: كون الارض مفتوحة عنوة أو صلحا علي أن تكون الارض مملوكة للمسلمين
اشارة

، و البحث في هذا الموضع يقع في مقامين:

المقام الأول: في بيان الدليل الدال علي الشرط المذكور

، المقام الثاني في بيان طريق اثبات تحقق الشرط المذكور أما المقام الأول فقد قال سيدنا الاستاد علي ما في تقريره الشريف: «الاراضي باعتبار اخذ الخراج، منها علي أقسام ثلاثة: احدها الاراضي المفتوحة عنوة المعمورة حين الفتح أو المأخوذة من الكفار

______________________________

(1) الاحزاب/ 6

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 527

صلحا فانها اراضي خراجية باتفاق الفريقين و هي ملك لجميع المسلمين الخ «1».

و قال في الحدائق: الاول الارض المفتوحة عنوة اي بالقهر و الغلبة و السيف و حكمها علي ما صرح به غير واحد من الاصحاب و به صرح أيضا اخبار الباب انها للمسلمين قاطبة من وجد و من سيوجد الي يوم القيامة ليس للغانمين منها الا كغيرهم من المسلمين الخ «2».

و قال في المقام الثالث من كلامه: «و لو وقع الصلح بأن تكون الأرض للمسلمين خاصة و يكون للكافر السكني خاصة كان حكم هذه الأرض حكم المفتوحة عنوة معمورها حال الفتح «3» و علي الجملة لا اشكال ظاهرا في الشرط المذكور.

و أما

المقام الثاني [في طريق إثبات تحقق الشرط المذكور]

فطريق اثبات كونها ارض الخراج متعدد، الطريق الاول:

العلم الوجداني فانه حجة عقلا و لا اشكال في كونه طريقا الي المعلوم كما هو ظاهر عند الكل الطريق الثاني: الاطمينان فانه حجة عقلائية ممضاة من قبل الشارع الأقدس الطريق الثالث: البينة العادلة فان ثبوت الموضوعات الخارجية بالبينة مما لا اشكال فيه.

الطريق الرابع: اخبار عدل واحد لو قلنا بكونه حجة في الموضوعات بل لا يبعد ثبوته باخبار ثقة واحد فان مقتضي السيرة العقلائية حجية قول الثقة الواحد الا أن يقوم دليل علي التقييد و قد وقعت جملة من الامور مورد الكلام و الاشكال بأنها هل تكون قابلة لاثبات المطلوب:

منها: حمل صحة فعل الجائر، بتقريب ان

مقتضي صحة اخذه الخراج عن ارض كونها مشمولة للكبري و فيه: انه ما المراد من حمل فعل الغير علي الصحة، فان كان المراد انه لا تظنوا الظن السوء باحد فانا نقطع بفسقه و انحرافه و غصبه

______________________________

(1) محاضرات في الفقه الجعفري للسيد علي الشاهرودي قدس سره ج 1 ص 477

(2) الحدائق ج 18 ص 294

(3) نفس المصدر ص 318

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 528

فلا مجال لهذا الكلام و ان كان المراد انه يحمل فعل الغير في المعاملات علي الصحة فان الجائر لا ولاية له و هو غاصب فلا يمكن أن يكون تصرفه طريقا لاثبات المطلوب.

و منها: السيرة الجارية بين الجائرين الغاصبين فانهم يأخذون الخراج عن جملة من الاراضي و فيه: ان السيرة الجارية فيما بينهم لا اثر لها بعد فرض كونهم غصابا و لا يبالون بالحلال و الحرام، نعم لو كانت السيرة الجارية موردا لامضاء الامام العادل كان الأمر تماما و لم يكن قابلا للاشكال.

و منها: قول المورخ و مقتضي القاعدة عدم اعتبار قوله الا بعد اجتماع شرائط الخبر المعتبر من كون المخبر عادلا أو ثقة و يكون خبره مستندا الي الحس و عدم قرائن خارجية أو داخلية علي كون اخباره مخالفا مع الواقع و علي الجملة قول المورخ بما هو كذلك ليس من الطرق المعتبرة الشرعية فلاحظ.

و أما ما أفاده الماتن، من ان الاصل عدم كون الارض الفلانية من ارض الخراج و عدم كونها مأخوذة عنوة و لو مع اخبار الثقة بكونها كذلك فيرد عليه: انه لا مجال للاصل مع وجود الدليل فاذا كان المورخ موثوقا به و قلنا بكفاية اخبار الثقة في الموضوعات و كان خبره مستندا الي الحس فلا مانع

عن العمل بقوله.

اذا عرفت ما تقدم: نقول لو ثبت كون ارض من اراضي الخراج فحكمها ظاهر، و أما اذا لم يقم دليل عليه و لم يثبت فتارة فيها أمارة علي كونها ملكا لاحد و اخري لا أمارة علي الملكية.

أما علي الاول فعلي تقدير احتمال بقاء مالكها أو بقاء وارثه يعمل معها معاملة مجهول المالك و مع عدم بقاء مالكها و عدم وارث له تكون الارض مملوكة للامام عليه السلام فانه وارث من لا وارث له.

و أما علي الثاني: فبمقتضي عدم كونها داخلة في ملك احد تدخل في المباحات الأصلية و يجوز تملكها لكل احد فلاحظ. نعم لو كانت الارض في يد

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 529

الجائر و يعامل معها معاملة ارض الخراج فلا يبعد أن تكون يده حجة اذ المفروض ان الشارع الأقدس جعل تصرفاته ممضاة، اللهم الا أن يقال: ان تصرف الجائر نافذ في ارض الخراج و الكلام في تحقق الموضوع و صدقه فاذا فرض عدم طريق لاثبات العنوان لا يترتب عليه الحكم كما انه لا يجوز التمسك بالدليل في الشبهة المصداقية فلا تغفل.

الشرط الثاني: أن يكون الفتح باذن الامام عليه السلام
اشارة

و عن المستند انه لا يشترط بهذا الشرط و يقع الكلام في هذا الشرط في مقامين:

المقام الأول: في أنه هل يشترط الفتح أن يكون باذن الامام عليه السلام أم لا؟
اشارة

المقام الثاني: في أنه بعد فرض الاشتراط باي طريق يمكن اثبات الشرط المذكور؟

أما المقام الأول فنقول: الّذي يمكن أن يذكر في تقريب الاستدلال علي المدعي وجوه:

الوجه الأول: الشهرة

، قال سيدنا الاستاد في هذا المقام و اعتبار هذا الشرط هو المشهور بين الفقهاء و الشهرة لا اعتبار بها.

الوجه الثاني: ما عن الاردبيلي قدس سره،

من انه يكاد يكون اجماعيا و فيه:

انه لم يدع قيام الاجماع بل ادعي انه كاد يكون مورد الاجماع مضافا الي أن الاجماع المنقول غير معتبر.

الوجه الثالث: مرسل الوراق عن أبي عبد اللّه عليه السلام

قال: اذا غزا قوم بغير اذن الامام فغنموا كانت الغنيمة كلها للامام و اذا غزوا بأمر الامام فغنموا كان للامام الخمس «1».

و هذه الرواية لا اعتبار بها سندا، مضافا الي أنه يقع التعارض بينها و بين ما يدل علي أن الأرض المفتوحة عنوة ملك للمسلمين بالعموم من وجه، فان المرسل يفترق عن معارضه في المنقولات و المعارض يفترق عن المرسل فيما فتحت باذن الامام و يقع التعارض بين الجانبين في الارض المفتوحة عنوة بغير اذن الامام فان

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من ابواب الانفال الحديث 16

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 530

مقتضي المرسل كون الارض للامام عليه السلام و مقتضي المعارض كونها للمسلمين فلا بد من اعمال قانون التعارض و حيث ان المرسل لا اعتبار به سندا فلا وجه لإطالة الكلام، فالحق بمقتضي الصناعة عدم الاشتراط.

قال سيدنا الاستاد: انه يستفاد من حديث محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن سيرة الامام في الارض التي فتحت بعد رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فقال: ان امير المؤمنين عليه السلام قد سار في اهل العراق سيرة فهم امام لسائر الارضين، و قال: ان أرض الجزية لا ترفع عنهم الجزية «1»، ان الاراضي المفتوحة بعد رسول اللّه صلي اللّه و آله حكمها حكم ارض العراق فجميعها اراضي خراجية فلاحظ، هذا كله بالنسبة الي المقام الأول.

و أما

المقام الثاني [في أنه بعد فرض الاشتراط بأي طريق يمكن اثبات الشرط المذكور؟]
اشارة

فمقتضي الأصل مع الشك في تحقق الأذن عدمه و ذكرت في مقام رفع اليد عن الأصل المذكور وجوه:

الوجه الأول: ما رواه في الخصال:

عن أبي جعفر عليه السلام أنه أتي يهودي امير المؤمنين عليه السلام في منصرفه عن وقعة نهروان فسأله عن المواطن الممتحن بها بعد النبي صلي اللّه عليه و آله و فيه يقول عليه السلام:

و أما الرابعة يا أخا اليهود فان القائم بعد صاحبه كان يشاورني في موارد الأمور فيصدرها عن أمري و يناظرني في غوامضها فيمضيها عن رأي لا أعلمه أحدا و لا يعلمه اصحابي يناظره في ذلك غيري و لا يطمع في الأمر بعده سواي فلما أنته منيته علي فجأة بلا مرض كان قبله، الحديث «2».

فان الحديث يدل علي أن عمر كان يشاور امير المؤمنين عليه السلام و من الظاهر ان الحرب مع الكفار من اعظم الأمور فكان باذنه عليه السلام.

______________________________

(1) الوسائل الباب 69 من أبواب جهاد العدو الحديث 2

(2) الخصال للصدوق ج 2 أبواب السبعة ص 20

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 531

و الحديث المذكور ضعيف سندا فلا يعتد به مضافا الي أن الحديث علي فرض الاغماض عن سنده لا يمكن الاعتماد عليه في المقام اذ لا شبهة في أن عمر لم تكن اعماله المهمة بتمامها بالمشاورة مع الإمام عليه السلام اضف الي ذلك انه علي فرض تماميته و العمل به انما يؤثر بالنسبة الي الأراضي التي فتحت في زمان عمر و أما المأخوذة بعده فلا.

الوجه الثاني: أن يحمل عمل المسلمين علي الصحة

بأن يحمل فتحهم علي صورة كونه باذن الإمام عليه السلام لقاعدة حمل فعل المسلم علي الصحة و يرد عليه أولا: انا نقطع بعدم تقيد المسلمين بهذا القيد و نقطع بعدم كونهم بهذا الصدد و ثانيا:

انه لا مقتضي بالنسبة إليهم فانهم غير قائلين بامامة الأئمة الطاهرين فلا مجال لهذا التوهم.

و ثالثا: الحمل علي الصحة موضوعه ما

اذا كان فعل يكون فاسدا في صورة و صحيحا في صورة اخري، و بعبارة اخري: يكون علي تقدير موردا للأثر و علي تقدير آخر غير مؤثر كما لو وقع العقد صحيحا في البيع ترتب عليه النقل و الانتقال و الا فلا و أما اذا كان صحيحا علي كلا التقديرين غاية الأمر يختلف اثره فلا مجال لإجراء القاعدة و المقام كذلك اذ لو كان باذن الإمام عليه السلام تكون الأرض للمسلمين و ان لم يكن باذنه عليه السلام تكون للإمام فعلي كلا التقديرين يكون العمل تاما و ذا اثر فلاحظ.

الوجه الثالث: ان الفتوحات كانت برضاء الأئمة عليهم السلام

اذ الفتح موجب لقوة الإسلام و الإمام العادل يرضي بقوة الإسلام و لا موضوعية للاذن بل يكفي الرضا المنكشف، و بعبارة اخري المناط المنكشف و هو كان متحققا.

و فيه: انه لا كلية للدعوي اذ بعض الفتوحات ربما لم يكن سببا لقوة الإسلام بل يمكن أن يكون سببا للضعف و النكبة مضافا الي أن رضي الإمام بقوة سلطنة امثال خلفاء السلف و الخلف اوّل الكلام و اضف الي ذلك انه انما يتم هذه الدعوي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 532

اذا قلنا بكفاية الرضا و أما ان قلنا بلزوم الأذن فلا يكفي الرضا كما ان الأمر كذلك في بيع مال الغير حيث لا اثر لمجرد الرضا بل يلزم الاستناد.

الوجه الرابع: ما اشتهر من حضور الإمام الحسن عليه السلام في بعض الغزوات

و دخول بعض خواص الإمام عليه السلام كعمار في امرهم و فيه أولا: ان الشهرة لا اعتبار بها في حد نفسها و ثانيا: دخوله عليه السلام أو دخول بعض الخواص يمكن أن يكون ناشيا عن الإجبار و التقية و ثالثا: دخوله و حضوره عليه السلام في بعض الغزوات لا يؤثر الا جزئيا و النتيجة عدم الكلية.

الشرط الثالث: أن تكون الأرض المأخوذة عنوة محياة حال الفتح

اذ لو كانت مواتا لا تدخل في ملك المسلمين بل تكون للامام عليه السلام و الدليل عليه ان المأخوذ عنوة من الكفار اذا لم يكن مملوكا لهم لا يصير ملكا للمسلمين و بعبارة اخري اذا كان ملك احد بيد الكفار لا يوجب اخذه منه ملكا للمسلم بل يكون باقيا في ملك مالكه الأول هذا من ناحية و من ناحية اخري ان موات الأرض للامام عليه السلام فالنتيجة ان الأرض المأخوذة اذا لم تكن محياة لا يكون اخذها موجبا لصيرورتها مملوكة للمسلمين.

ثم انه لو فرض ان الأرض كانت محياة حال الفتح لكن صارت مماتا بعده بزمان فهل تكون باقية علي ملك المسلمين او تصير مملوكة للامام عليه السلام؟

لا يبعد ان يكون مقتضي القاعدة هو الثاني و ذلك لأن بعض النصوص الدالة علي ان موات الأرض للامام عليه السلام بالعموم الوضعي:

منها: ما رواه حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: الأنفال ما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب او قوم صالحوا أو قوم اعطوا بأيديهم و كل ارض خربة و بطون الأودية فهو لرسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و هو للامام من بعده يضعه حيث يشاء «1»

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من ابواب الانفال الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 533

فان مقتضي قوله

عليه السلام «و كل ارض خربة» كون كل ارض ميتة مملوكة للامام عليه السلام و ان كانت حال الحياة مملوكة للمسلمين او للمحيي.

و مقتضي قوله عليه السلام في حديث الفضلاء، عن ابي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام قالا: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: من احيي ارضا مواتا فهي له «1» ان الأحياء موجب للملكية علي الإطلاق. فيقع التعارض بين الدليلين بالعموم من وجه فان ما به الافتراق من جانب حديث حفص الأرض الخربة التي لم يعرضها العمران، و ما به الافتراق من ناحية حديث الفضلاء الأرض المحياة الباقية علي حياتها و يقع التعارض و التضارب بينهما في الأرض المحياة التي عرضها الخراب، فان مقتضي حديث حفص كونها للامام عليه السلام و مقتضي حديث الفضلاء كونها باقية علي ملك المحيي.

و حيث ان العموم الوضعي يقدم علي العموم الإطلاقي يقدم حديث حفص و قس علي ما ذكرنا، ما ورد في كون الأرض المفتوحة عنوة مملوكة للمسلمين فانه يقع التعارض بينه و بين حديث حفص بالعموم من وجه و الكلام فيه هو الكلام.

و بعبارة اخري: النصوص الدالة علي كون الأرض للمسلمين او للمحيي اذا لم يكن فيها عموم وضعي لا بدّ من رفع اليد عنه بالعموم الوضعي المنعقد في جانب المعارض كما بيناه و علي الجملة: اذا كانت الأرض محياة حال الفتح تكون للمسلمين و الا تكون للامام عليه السلام.

ثم انه لو شكل في تحقق الشرط المذكور و عدمه فعلي تقدير قيام دليل معتبر عليه نلتزم بكونها كذلك و الا فمقتضي الأصل عدم تحقق الشرط و النتيجة عدم صيرورتها مملوكة للمسلمين.

ثم انه لو كانت ارض من اراضي الخراج في يد احد و ادعي

ملكية تلك

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب احياء الموات الحديث 5

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 534

الأرض و احتمل صيرورتها مملوكة لصاحب اليد يحكم بكونها له لقاعدة اليد نعم اذا كانت اليد مسبوقة بعدم الملكية يكون مقتضي الاستصحاب بقائها علي ما كانت و عدم انقلابها الي اليد المالكية.

ثم انه لو فرض وجدان ارض عامرة و شك في كونها مملوكة لا حد أم لا، يمكن اثبات كونها للامام عليه السلام بمقتضي قوله عليه السلام في حديث ابن عمار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الأنفال فقال: هي القري التي قد خربت و انجلي أهلها فهي للّه و للرسول، و ما كان للمملوك فهو للامام، و ما كان من الارض بخربة لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب، و كل ارض لا رب لها، و المعادن منها و من مات و ليس له مولي فماله من الأنفال «1».

فان مقتضي الحديث ان كل ارض لا رب لها تكون للامام عليه السلام و باستصحاب عدم دخولها في ملك احد يثبت كونها له عليه السلام.

و علي هذا يشكل ما افاده الشيخ قدس سره من أنه يراجع الي الحاكم الشرعي نعم مع العلم الإجمالي بكونها مملوكة لواحد من المذكورين لا يمكن أن يحكم بكونها للامام عليه السلام كما هو ظاهر بل لا بدّ من تعيين المالك بالقرعة و لا وجه لما افاده الشيخ قدس سره حيث يقول: و وظيفة الحاكم في الأجرة المأخوذة عنها اما القرعة و اما صرفها … الي آخر كلامه فانه مع عدم تشخيص المالك لا بدّ من تميزه و معرفته بالقرعة فاذا ثبت للامام عليه السلام يلزم صرفها كبقية امواله في مورد رضاه

روحي فداه و اذا ثبت كونها للمسلمين يعامل معها معاملة بقية الأراضي المملوكة لهم و اذا ثبت كونها لمالك مجهول يعامل معها معاملة مجهول المالك.

لكن لا يخفي انه لو احتمل كون المال ملكا للامام عليه السلام لاحتمال كونه إرثا لمن لا وارث له يكون مقتضي استصحاب بقاء المالك أو وارثه علي تقدير

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من ابواب الانفال الحديث 20

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 535

موت المورث بقائه فلا تصل النوبة الي صيرورته ملكا للامام عليه السلام ثم انه لا أثر ليد الجائر فانها عادية فلا اعتبار بيده. ثم انه قدس سره أفاد بأن ظاهر الأخبار كون جميع ارض العراق مفتوحة عنوة و مملوكة للمسلمين لاحظ ما رواه الحلبي قال: سئل ابو عبد اللّه عليه السلام عن السواد ما منزلته؟ فقال: هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم، و لمن يدخل في الإسلام بعد اليوم و لمن لم يخلق بعد، فقلت: الشراء من الدهاقين قال:

لا يصلح الا ان تشتري منهم علي ان يصيرها للمسلمين، فاذا شاء ولي الأمران يأخذها اخذها: قلت: فان اخذها منه قال: يرد عليه راس ماله و له ما اكل من غلتها بما عمل «1».

فان هذه الرواية تدل علي ان جميع ارض السواد مملوكة للمسلمين و ان كلها من الأراضي الخراجية.

و يرد علي التقريب المذكور: ان الحكم رتب علي عنوان السواد و المراد من السواد العامر بلحاظ الأشجار فلا يشمل ما لا يكون معمورا هذا أولا.

و ثانيا: لو قلنا بأنه لو عرض عنوان الموات علي الارض العامرة حال الفتح تخرج عن ملك المسلمين كما تقدم او اذا احتمل دخولها في ملك الغير بالاقطاع او بالاشتراء اذا رأي الوالي الصلاح، فمقتضي القاعدة

كون الأرض مملوكة لمن في يده و لا مانع عن معاملة الملكية الشخصية معها.

فعلي هذا الأساس لا يترتب اثر علي تحقق حدود السواد و مقداره اذ قد ظهر انه لا تنافي بين كون الأرض ارض الخراج و خروجها عن هذا العنوان بالعارض فلاحظ.

و الحمد للّه أولا و آخرا و الصلاة علي محمد و آله الطاهرين و اللعن الدائم علي اعدائهم اجمعين من الآن الي يوم الدين.

و قد وقع الفراغ عن تحرير التعليق علي المكاسب المحرمة في ليلة الاربعاء التاسع عشر من شهر جمادي الأولي من سنة 1412.

______________________________

(1) الوسائل الباب 21 من ابواب عقد البيع و شروطه الحديث 4

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.